عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-06-2014, 11:55 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,730
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي حصري: دور المعاصي في تقوية الشياطين ودعم السحر

حصري: المعاصي تقوية الشياطين ودعم

الكاتب: بهاء الدين شلبي.


المعصية وقوة الشيطان:
يزداد السحر قوة بزيادة المعصية، كما أن الشيطان تزيد شيطنته وقوته بالمعاصي، لأنه بكل معصية يعصيها الشيطان من الإنس أو الجن يقيض الله تعالى له بها شيطانا يقترن به، قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف: 36؛ 38]. وهذا النوع من القرائن اصطلحت عليه مسمى (قرائن المعصية)، فمع كل شيطان ساحر جيوش جرارة من قرائن المعاصي، بحسب عدد معاصيه، يؤازرونه ويدعمونه، ويصدونه عن سبيل الله، فكلما زادت معاصيه، كلما زادت قرائنه عددا، فتزداد قوته بالمعصية، وكلما اشتد جرم المعصية، كلما كان قرينه أشد عليه قوة وتأثيرا فيه.

وتخصص عمل (قرائن المعاصي) مرتبط بنوع المعصية التي قام بها الساحر، فمن سحر يقترن به شيطان سحر، ومن زنى يقترن به شيطان زنى، وهكذا إلى آخر ما هناك من أصناف وأنواع المعاصي التي لا يحصيها إلا الله عز وجل. فتتنوع قرائن المعاصي بتنوع الذنوب والآثام، وهذا مع كل إنسان وجان يعصي الله عز وجل، لذلك يقترف السحر أصناف الذنوب والمعاصي، حتى يتمكنوا من جمع أكبر كم من القرائن، حتى يزدادوا باقترانهم قوة. ويستفيد السحرة بشكل عام من الجن والإنس، من اقتران تلك القرائن بهم، في عمل تحصينات داخلية لهم، فكلما زاد عدد القرائن وقوتهم، كلما زادت حصانة السحرة ومنعتهم.

تزداد قوة قرين المعصية بشدة حرمة الذنب، فأن يزني أحدهم فقد أتى فعل محرم، لكنه ذنب بسيط غير مركب، بمعنى؛ أن أحدهم قد يزني بإحدى محارمه، في نهار رمضان، وداخل المسجد الحرام، فهذا ذنب مركب من عدة معاصي مشتركة في فعل واحد، فله نفس حكم الزنى من التحريم، لكن التحريم في هذه الحالة أشد، لذلك (قرين المعصية) للذنب البسيط أقل قوة مقارنة بقوة (قرين معصية) الذنب المركب من عدة معاصي في ذنب واحد. ولأن سحرة الجن يدركون حقيقة هذا الأمر تماما، فإنهم يعمدون إلى ارتكاب المعاصي المركبة غير البسيطة، بهدف دعم أنفسهم باكتساب أكبر عدد من قرائن المعاصي، وأشدهم قوة وبأسا، وهكذا تمثل المعصية قوة للسحرة. فكلما زاد تركيب معاصيهم تعقيدا، كلما قيض لهم بها قرينا أشد بأسا وقوة، من قرين المعصية البسيطة، أو الأقل تركيبا، فكلما زادت قرائن المعاصي عددا وقوة، كلما زاد الساحر حصانة وقوة.
بل إن المريض حينما يقدم على اقتراف أصناف المعاصي والذنوب، وينكب عليها، يقترن به كم كبير جدا من قرائن المعاصي، وتتحالف تلك القرائن ضده، وبالتالي يفقد الكثير من حصانته ومنعته، مما يعرقل علاجه، ويؤخر شفاءه، لذلك يجب أن يضعفهم بالتوبة والاستغفار حتى يمكن استئناف علاجه. ويشتد الأمر صعوبة إذا اقترن بالمريض قرائن معاصي متعلقة بالسحر، كأن يذهب إلى عراف أو ساحر طلبا للعلاج، فيطلب منه القيام ببعض الأعمال السحرية، فإن نفذها، اقترنت به قرائن سحر، وتلك القرائن لها علم بالسحر، مما يقوي تأثير السحر على المريض، ويزيد إبطاله صعوبة وتعقيدا. وهذا هو السبب في وجود صعوبة في علاج بعض الحالات المرضية، بسبب الرصيد الهائل من قرائن المعاصي، التي تضعف من حصانة المريض، وتبدد قوته وجهده طلبا للشفاء.

ولأن سحرة الجن يعلمون هذه الحقائق فإنهم يستفيدون من وجود تلك القرائن، فيبسطون نفوذهم على المريض، فيحرضون قرائنه على إيذاءه، فيشعر وكأنه مكبل ومقيد عن فعل الخير، والقيام بالنظام العلاجي، وبهذا تعرقله الشياطين بذنوبه عن التقدم في العلاج، وهذاجزء من تأثير الذنوب والمعاصي في الإنسان، اكتشفناه بالتجارب والخبرات. وتحريض الشياطين للقرائن يتم بالسحر عليهم، وبهذا يزداد كم الأسحار المسلطة على المريض، بل وإن كانت ذنوبة عظيمة، فإن تأثيرها فيه يكون أقوى وأشد من قرائن صغار الذنوب والمعاصي.

التحصينات الداخلية والخارجية:
كما أن الجن يتلبسون بجسد الإنس، فكذلك هم قادرون على تلبس أجساد بعضهم بعضا، فنجد أن أجساد سحرة الجن مكدسة بالخدام والأعوان، وهذا يخدم مصالح عديدة تخصهم، أهمها توفير الحصانة والحماية لهم. فعالم الشياطين لا يحكمه قانون ولا شريعة، إلا شريعة الغاب، فيستطيل سحرة الجن على بعضهم البعض، والبقاء للأقوى، فلا مكان للضعيف بينهم أبدا. لذلك فكل شيطان ساحر معرض لهجمات مضادة من كل من حوله من سحرة الجن، فالأقوى من يستطيع أن يخضع أكبر كم من السحرة تحت سلطانه، ليخضعهم له، فيصبحوا بكل قواهم رهن إشارته، وطوع أمره، وبهذا يزداد الساحر قوة فوق قوته. وتحت وطأة هذه الضغوط يضطر كل شيطان إلى دعم قدراته الدفاعية، وزيادة حصانته منعة، وتأمين أكبر كم من التدريعات التي تكفل له صد أي محاولات اعتداء عليه.

مع إنظار كثير من الجن، ومع أعمارهم المديدة، فإن سحرة الجن بحاجة إلى تأمين أنفسهم بشكل دائم، وتجديد تحصيناتهم وتدريعاتهم أولا بأول. فقوة الساحر ليست في شخصه كفرد، وإنما قوته في مجموع ما يقع تحت سلطانه من خدام وأعوان، لذلك يحرص على أسر أكبر عدد من الجن، سواء جن مسلم أم كافر، فيخضعهم بالسحر لسلطانه وقوته، ويسيرهم حسب مصالحه الشحصية. وتنقسم قوة كل شيطان ساحرإلى (قوة سحرية داخلية) داخل جسده، و(قوة سحرية خارجية)، خارج جسده، وهذا ليس قاصرا على سحرة الجن فقط، بل يشمل كذلك سحرة الإنس، وهذا ما يجب أن يضعه المعالج في حساباته عندما يحاول حبس ساحر ووقفه عن السحر، فلا يمكن القضاء على ساحر ما لم يتم التخلص أولا من كل القوى الداعمة له، وهذا اصطلحت عليها اسم (حبس الساحر)، فيحبس الساحر عن ممارسة السحر بسبب فقده كل قواه السحرية تدريجيا، وهذا يستغرق زمنا بحسب الكم الذي يمتكله من أسحار، وتبعا لقوة أسحاره، وهذه الحرب تدور بين طرفين (الساحر)، و(المعالج)، أما دور (المريض) هنا فهو الوسيط المتسلط عليه الساحر.

القوة السحرية الداخلية: دائما وأبدا ما يتحصن سحرة الجن من داخل أجسادهم، بأسحار تدعم بنيتهم الجسمانية من الداخل، وتلك القوة الجسمانية الهائلة تتيح لهم قدرات هجومية على المسحور له، وتظهر هذه الهجمات بوضوح في جلسات العلاج لإفشالها. فالجن يستطيعون تغيير أحجامهم، ما بين الضخامة المفرطة، إلى الصغر المتناهي، وهذا من خصائص خلقهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقولَنَّ أحدُكم: لعن اللهُ الشيطانَ، فإنه إذا سمعها تعاظَم حتى يصيرَ كالجبلِ. وليقلْ: أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، فإنه إذا قالها تضاءلَ وتصاغر). وهذا التغير في الحجم على حقيقته لا على المجاز لقوله تعالى: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) [الناس: 4]. وفي لسان العرب: “الخُنُوس: الانقباضُ والاستخفاء”. () وقدرتهم على تغيير أحجامهم تساعدهم على اختراق جسم الإنسان، بل واتراق أجسام بعضهم بعضا، والتحرك داخلها. وهذه الخاصية يستفيد منها سحرة الجن في تحصين أجسادهم، بحشد أكبر كمية من الخدام والأعوان داخل أجسادهم.
وهذه الأسحار الداخلية تمنحهم قدرة على تحمل الضغوط التي قد يتعرضون لها، خاصة عند قيام المعالج بمهاجمتهم بالرقية، فنجد أنه لا يظهر عليهم علامات التأثر، بل على العكس من ذلك؛ نجد علامات السخرية واللامبالاة تبدو على خادم السحر حين حضوره على جسم المريض، مما يصيب المريض قبل المعالج بالإحباط، والإحساس بالفشل يفقد المريض الثقة في المعالج، وهذا هو هدف الشيطان ليتخلص من المعالج ويزيحه من طريقه. وهذا أمر طبيعي جدا في بداية العلاج، فلا يجب أن يقلقنا بتاتا، إنما هذا يلزمنا بمراجعة خطة العلاج، لاكتشاف سبب ردود الفعل السلبية تلك.

ما سبق وذكرته معناه وجود (أسحار تحصين) يتحصن بها الساحر من تأثير الرقية النازل عليه، وهذا لا يعني أن الدعاء لم يصيب هدفه، بل على العكس تماما، الدعاء يصيب هدفه تماما، لكن تأثير الدعاء رغم قوته يتبدد أمام قوة التحصينات، وبقدر كثافتها كمًا وكيفًا، وحينها ليس أمام المعالج إلا أن يدعو إلى ما شاء الله للتخلص من هذا الكم الغزير من أسحارا التحصين، وهذا معناه استنزاف وقت طويل جدا، وإهدار جهد يمكن توفيره لعلاج مريض آخر، وهذا يستهلك ميزانية المريض، في مقابل فترة علاج طويلة، لا يعلم مداها إلا الله عز وجل. لذلك ففي مثل هذه الحالات لا يكفي الدعاء التقليدي ليصيب هدفه ونتخلص من الساحر، بل يجب على المعالج قبل أن يدعو على الشيطان ليتخلص منه، أن يتخلص أولا من أسحار التحصين، وبذلك تضعف حصانة الساحر، ويصير مهيئا لتأثير الدعوات عليه.

الساحر يعلم مسبقا أن المريض سيدرك إصابته بالسحر، وسوف يلجأ عاجلا أم آجلا للبحث عن حلول لمشكلاته، وحتى إن لم يذهب المريض إلى معالج، فليس أقل من أنه سيلجأ أولا لله تعالى بالدعاء أن يفك كربه، والله عز وجل وعد أن يستجيب فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]. فالشيطان يعلم ذلك مسبقا، فأعد نفسه لتلقي إجابة الدعاء، بالتحصينات الداخلية، والتدريعات الخارجية، فلا يظهر عليه أي تأثير أو ضعف.

تكمن التحصينات الداخلية فيما يتلبس جسد الساحر من قرائن المعاصي، وخدام وأعوان يدعمون بنيته الجسدية من الداخل، فيزداد سمعه وبصره حدة، بل إن لم يكن من الجن الطيار، أمكنهم حمله والطيران به حيث يشاء بين الكواكب والمجرات، وبأسرع من لمح البصر، أو يغوصون به في البحار والمحيطات، ويستطيع بواسطتهم أن يظهر ويختفي، وإن تعرض للقتل كانوا فداءا له، فيقتل من أقرانه من يقتل، ويحسب القاتل أن المقرون هو من قتل، وهذا يلاحظه المرضى في الجلسات، فيرون الشيطان يقتل ألف مرة، وفي كل مرة يعود إلى الحياة مرة أخرى بعد أن سفك دمه، أو قطع رأسه وانفصل عن جسده تماما، فهذا معناه أنه شيطان ساحر.

القوة السحرية الخارجية: عادة لا يكتفي سحرة الجن بما يمتلكونه من تحصينات داخلية، فهذه التحصينات أسحار تكبل خدام هذا الساحر، فهي أسحار معرضة للضعف بمرور الوقت، والزوال أمام هجمات الرقية والدعاء. لذلك فالتحصينات السحرية تحتاج إلى (تدريعات سحرية)، تحمي جسد الساحر من الخارج، فيتبدد أمامها تأثير الدعاء وكأن المريض لم يدعو قط، ليس عن عدم جدوى الدعاء، أو عدم نزول الإجابة، لكن الإجابة تؤثر في الشيطان تأثيرا ماديا حسيا بالنسبة له كجن، لا ندركه نحن كبشر. فنجد على سبيل المثال أن المريض يدعو الله أن يحرق الشيطان، فتنزل بالفعل نارا لتحرقه، لكنه لا يحترق، ويخرج من النار كأن لم تمسه على الإطلاق. وتفسير هذا أن الساحر متحصن بدروع سحرية مادية، من مواد جنية، وليست إنسية بكل تأكيد، فيختار موادًا وعناصر جنية، ذات خصائص حسية، تتحمل أي تأثيرات تنزل على جسم الشيطان، فلا يتأثر بما نزل عليه من عذاب.

وهذا ما يعرف باسم (سحر الخيمياء)، أي أنه سحر يعتمد على خصائص المعادن، والفلزات واللا فلزات، وأشباه الفلزات، لما تملكه من خصائص وقدرة على تحمل تأثيرات المواد المختلفة. والفلزات تميل لأن يكون لها بريق، لدنة، قابلة للطرق، وموصلة. ومن الفلزات المشهورة (الألومنيوم ، النحاس، الذهب، الحديد، الرصاص، الفضة، التيتانيوم، اليورانيوم، الزنك). بينما اللا فلزات بصفة عامة تكون هشه، أما اللا فلزات الصلبة فبدون بريق، وعازلة. ومنها (هيدروجين، كربون، نيتروجين، أكسجين، فلور، فسفور، كبريت، كلور، سيلينيوم، بروم، يود، أستاتين). (المصدر بتصرف) فالماس هو من الحجارة، ويصنف من اللا فلزات، لأنه يتكون من الكربون، فهو أصلب أنواع الحجارة، وصلابتة واقعية إلى حد القسوة. “وللألماس صفات فيزيائية كثيرة ولكن أشهرها الصلابة والقساوة فهو وحده من بين كل المواد على درجة قساوة 10\10 في سلم درجات (موس) العالمي للأحجار (أصلبها 10 – وأضعفها 0) ويعتبر الياقوت الثاني بعد الألماس برقم 9 يليهما الزمرد”. (المصدر) بينما الحديد أصلب أنواع المعادن، “الحديد في الأصل فضي اللون، إلا أنه يتأكسد في الهواء. ويعد الحديد أقوى الفلزات على الإطلاق وأكثرها أهمية للأغراض الهندسية شرط حمايته من الصدأ (أي التفاعل مع الأكسجين)”. (المصدر) وما يؤكد هذا قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25]. وقد جمع الله بين ذكر الفلزات واللا فلزات في قوله: (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) [الإسراء: 49؛ 51].فجمع بين اللافلزات وهي (حِجَارَةً)، وبين الفلزات واقواها (حَدِيدًا).

وسحرة الجن لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الفلزات لتدرع أنفهسا، ففي مقدرتهم تنمية المادة الجنية، وتضخيمها، حتى تصير كالجبال، وهذا ينطبق على أنفسهم كذلك، لذلك يكفي سحرة الجن أقل كمية من الفلزات، ثم يحولونها إلى جبال ضخمة في عالمهم، لذلك فإنهم يتدرعون بجبال من الماس، والحديد، والنحاس، وغير ذلك من الفلزات واللا فلزات، وهذا هو السر في عدم تأثير إجابة الدعاء فيهم، لأنهم يتدرعون ويتحصنون منها بأسحارهم. إذن فهناك قصور في أدوات المعالج العلاجية، وعليه أن يعدل من رقيته، سواء في أولويات الدعاء، أو في نوعيته.

لذلك تستفيد سحرة الجن من خصائص المادة في تدريع أجسامهم، لحماية أنفسهم، وحماية أسحارهم الداخلية وتحصيناتهم. تماما كما يتدرع المقاتلون من الإنس في الحروب، بملابس مضادة للنار، أو الرصاص، أو عوازل ضد المواد الكميائية والغازية. ولكن الفارق أن سحرة الجن تقرن هذه المواد الجنية بالأسحار، فتكتسب قوة مضاعفة، لذلك يجب على المعالج أن يتعامل معها بالدعاء المزدوج، على المادة الجنية، وعلى الأسحار المقترنة بها. فهذه الدروع السحرية وظيفتها دفاعية، لحماية الساحر وأعوانه، وليست وظيفتها هجومية، لذلك فقبل أن نقوم بمهاجمة السحرة، يجب علينا أولا أن نجردهم من دروعهم السحرية، حتى نجد تأثير الدعاء فيهم.

والقوة الخارجية لسحرة الجن لا تكمن فقط فيما يكسو أجسادهم من تدريعات سحرية، بل هذه جزء فقط من قوتهم الخارجية. فهي تشمل كذلك كل ما يحيط بالساحر من خدام وأعوان، يتبعون أوامره، وينفذون مخططاته الإفسادية في كل مكان، فيرسل جيوشه لتنفيذ سحر ما، وآخرين للاستيلاء على مملكة من ممالك الجن، وآخرين لأسر جماعة من الجن المسلم، فحياتهم اليومية مليئة بالعمل والحروب، إلى جانب التعذيب والمهانة، بذنب أو بدون أي ذنب، والأحكام جائرة ضد كل من يذنب. وهذا هو نهج إبليس، وكل السحرة على شاكلته وعلى نفسه المنهاج الشيطاني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ؛ ثمَّ يبعثُ سراياهُ، فأدناهم منهُ منزلةً، أعظمُهم فتنةً. يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وَكذا .. فيقولُ: ما صنعتَ شيئًا). قال: (ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بينَه وبينَ امرأتِه). قال: (فيدنيهِ منهُ، ويقولُ: نِعمَ أنتَ). ()

استخدام المني في السحر: رغم وجود معاصي أشد إثما وأوسع ضررا من الفاحشة، إلا أن جزء من الحقيقة المغيبة، والذي يجب كشفه، أن الفاحشة ليست هدفا في حد ذاتها للشيطان، بقدر ما هي “وسيلة آمنة” للحصول على المني Semen، أو السائل المنوي Seminal fluid، وأهم محتوياته هي النطفة Sperm، قال تعالى: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى) [القيامة: 37]، والنطفة هي الحيوان المنوي الذي خلق منها الإنسان قال تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) [الإنسان: 2]. “يجب أن نضع في اعتبارنا أنه بالرغم من وجود خلط شائع في لغة الحياة اليومية، مصاحب للعديد من أبسط المصطلحات العلمية المختلفة، ففي الحقيقة أن “النطفة” ليست هي نفس الشيء مثل “السائل المنوي”، ربما قد تفاجأ؛ إذا ما علمت أن حوالي 1 إلى 5 في المئة من متوسط السائل المنوي البشري يحتوي على خلايا الحيوانات المنوية”. (المصدر)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ، ولاَ يسرقُ السَّارقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ، ولَكنِ التَّوبةُ معروضةٌ). () فلا شغف للشيطان بمني خرج بعلاقة مشروعة، فالزواج والتسمية حصانة له من عبث سحرة الجن والإنس، هذا مقارنة بنزوله في علاقة محرمة، لانتفاء الإيمان حين نزوله بالزنى، وارتفاع الإيمان عن العبد يمثل عنصر أمان بالنسبة للشيطان، فيستحل المقذوف المنوي. ففي حالة الزنى يخرج المني مفتقدا للحصانة الربانية، فيتسلط الشيطان على هذا المني، فيسحر للزاني ومن ثم يصاب بالمس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنَى العَبدُ خرجَ منه الإيمانُ، فكان فوقَ رأسِه كالظُّلَّةِ، فإذا خرجَ مِن ذلك العَمَلِ؛ رجع إليهِ الإيمانُ). ()

ولك أن تتخيل حال من يزني بالمومسات والعاهرات، فينقلن الأسحار من خلال فروجهن من هذا إلى ذاك، فتكون فروجهن وأرحامهن وكرا للشياطين ومخزنا للأسحار. أما من خلال الشذوذ الجنسي، فيكون الزوج شاذا جنسيا، وينقل لزوجته الأسحار ممن يتصل به جنسيا، سواء كان فاعلا أم مفعولا به، من خلال ما يتجمع داخل دبر المفعول به من مني مسحور. وقد مر بي حالات مرضية من هذا النوع، كانت بيوتهم خراب بما تحمله الكلمة من معنى، لا بركة في الصحة والمال والزوجة والولد، بيتهم قطعة من الجحيم. وبكل تأكيد فالسحاقيات لسن أقل حظا من انتقال الأسحار، فتنتقل بينهن الأسحار، من خلال اللعاب عن طريق القبل، ومن خلال اللمس والمداعبات الموضعية، عن طريق الافرازت التي تخرج منهن. لذلك لا أمل في شفاء مثل هؤلاء إلا بالتوبة أولا، والانقطاع تماما عن هذه الأفعال المحرمة، لأنها باب كبير من الشر يحول دون الشفاء، ويعتبر العلاج مضيعة للوقت والجهد.

للمني حظوة ومكانة عظيمة عند السحرة، وذو أهمية بالغة في صناعة المركبات السحرية، لأن المني عنصر طاهر من مشتقات الدم، فهو يحمل المادة الأولية لخلق الإنسان، قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) [النجم: 45، 46]. ولأن الجن كائنات حية عاقلة، فهم يتناكحون ويتناسولون كالبشر تماما، فلهم ذرية كما في قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف: 50]، وبالتالي فللجن مني كما للبشر مني، يخلقون منه كما نخلق نحن، وكما تخلق منه سائر الحيوانات، إلا أن خصائص مني الجن تختلف تماما عن خصائص مني البشر، ولسحرة الجن اختصاص وعمل مع المني، فيستفيدون منه بطرق خاصة بهم تزيدهم قوة، لذلك يحرص سحرة الجن على جمع أكبر كمية من المني، ليدخل بشكل أساسي في صناعة السحر. وفي المقابل نجد شياطين الجن يبذلون منيهم قربانا إلى سحرتهم ومعبوديهم، وبما أن الفاحشة هي السبيل الآمن للحصول على هذا المني، فإن الفاحشة متفشية بين الشياطين، فيراهم المرضى يمارسون الفاحشة فيما بينهم، بل وفي حالة (المس العاشق) يقومون بالاعتداء على المريض جنسيا، لهدفين؛ تدنيس المريض، وللحصول على منيهم.

إلا أن الأمر يختلف تماما في (طبقة اللاهوت)، فالراهب قد وصل إلى مرحلة من التشبع الجنسي، فيترفع عن ممارسة الجنس بكافة صوره وأشكاله، وإن كان الأمر لا يخلو من وجود كبت جنسي دائم، خاصة وأنه يحرص على ادخار طاقته الجنسية، مما يضخم رصيده من المني المسحور المدخر، وطالما أنه يحتفظ به فهذا يمثل له مصدر قوة وطاقة سحرية كامنة، فلا يهدرها في التقرب لغيره، كسائر الشياطين والسحرة ممن هم أدنى منه رتبة، وهذا سر قوته. فكلما فقد الراهب مخزونه من المني المسحور، كلما ضعف وخارت قوته، فهو منقطع عن ممارسة الجنس، فهو يخالف عادة سائر الشياطين، لذلك يحتفظ داخل جسده (بالمني)، ويحرص على أن لا يهدره في ممارسة الزنى، وإلا تراجع عن منزلته ورتبته، وهذا يحرص على أن لا يصل إليه.

على كل الأحوال الطبقات العليا من سحرة الجن، لا يصل إليها أحدهم باجتهاده، إنما يتم انقائهم بعناية من قبل العالين من سحرة شياطين الجن، بحيث لا يمكن لأحدهم التراجع عن ما وضع فيه من درجة. إنما هناك من سحرة الجن من وصلوا لنفس المستوى، لكنهم لم يحظوا بقبول العالين، لوجود قصور أو عيوب فيهم، وبالتالي لا يتم منحهم تلك الرتب والدرجات العالية، وهؤلاء يسهل التعامل معهم، على عكس من وصلوا إلى الرتب العالية بالفعل، فهؤلاء لهم شأن مختلف في التعامل معهم، لأنهم يحظون برعاية وحماية العالين من سحرة الجن، فالدخول في صراع معهم ليس بالأمر الهين والسهل، ويحتاج نوع خاص من المعالجين ذوي العلم، والقدرة على التحاور معهم في شتى العلوم والمعارف الدينية والدنيوية.

ولأن المني عنصر قوة سحرية، فالرهبان يجمعون هذا المني المسحور، ويحتفظون به داخل أجسادهم، كمصدر قوة سحرية يتسلطون بها على المسحور، وعلى خدام السحر، وعلى السحرة ممن هم أدنى منهم رتبة. لذلك يجب استنزاف هذا المني المسحور والتخلص منه، حتى تضعف قوتهم، ولا سبيل للوصول إلى هذا إلا بالاستمناء الإجباري، وبطريقة طبيعية، لا تتعارض مع الشرع في آن واحد، واستخدام المسك يحقق المطلوب وفق هذه الشروط، لأنه يستنزل منيهم المسحور رغما عنهم، وهذا ما سوف أشرحه في موضعه عن حاسة الشم لدى الجن، وعن استخدام المسك.

سحرة الجن والتبتل: كما أن للإنس شهوة جنسية، وتتحرك مشاعرهم وأحاسيسهم، فكذلك الجن لهم شهوة وغريزة جنسية، لقوله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) [الرحمن: 56]، ولقوله تعالى: (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) [الرحمن: 72؛ 74]، قوله (يَطْمِثْهُنَّ) كناية عن النكاح كما في لسان العرب قال: “ثعلب: الأَصلُ الحيضُ، ثم جُعل للنكاح”. () ويترتب على التناكح النسل والذرية، فكذلك الجن يتناكحون ويتناسلون فيما بينهم، فإبليس له نسل وذرية، لقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف: 50]، فقوله (وَذُرِّيَّتَهُ) شاهد صريح على وجود نسل وذرية لإبليس بصفته من الجن، أي أن الجن يتناكحون ويتناسلون، فمنهم الذكور، ومنهم الإناث، وهذا يترتب على وجود الغريزة الجنسية لدى الجن.

إن الله تبارك وتعالى منزه عن كل نقصان واحتياج، فلا يتخذ زوجة ولا ولد، وشهد الجن على هذا في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا) [الجن: 3]، وقال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: 101]. فالغريزة الجنسية وسيلة للتناكح والتناسل، بهدف الحفاظ على بقاء النوع والسلالة، فسنة الله في خلقه أن يولد جيل الأبناء، بينما يموت جيل الآباء، والله متفرد بذاته عن الاحتياج لبقاء النوع، وحفظه في نسل وذرية، لأنه حي لا يموت، ومنزه عن الافتقار للغرائز والشهوات كسائر خلقه. لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص ما يكون على إثبات عبوديته لله تبارك وتعالى، وتأكيد بشريته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد). () بل نهى أمته عن إطراءه، وأمرهم أن يقروا بعبوديته لله تبارك وتعالى، فقال: (لا تُطْروني، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبدُه. فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه). ()

رغم أن وحدانية الله تبارك وتعالى من البديهيات والمسلمات، إلا أن هناك بين البشر من ادعوا الإلوهية والربوبية، كما قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلاَ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]، ومنهم من سيدعي الربوبية كما سيفعل الدجال، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. وإنَّ من فتنتِه أن يقولَ للأعرابيِّ: أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك؟ فيقولُ: نعم، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه، فيقولانِ: يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ، فإنه ربُّك. وإنَّ من فتنتِه أن يُسَلَّطَ على نفسٍ واحدةٍ فيَقْتُلُها، يَنْشُرُها بالمِنْشارِ حتى تُلْقَى شِقَّيْنِ، ثم يقولُ: انظُرُوا إلى عَبْدِي هذا، فإني أَبْعَثُه ثم يَزْعُمُ أنَّ له ربًّا غيري، فيبعثُه اللهُ، ويقولُ له الخبيثُ: مَن ربُّك؟ فيقولُ: رَبِّيَ اللهُ، وأنت عَدُوُّ اللهِ، أنت الدَّجَّالُ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ ..). () فهناك من زعموا كذبا أن الله تعالى اتخذ صاحبة وولدا، فإما أن يسرفوا في إطراء مخلوق حتى يرفعوه إلى منزلة الإله، كما أطرت النصارى المسيح عليه السلام وأمه، حتى عبدوهما من دون الله، وإما يزعم البعض كما في الحضارات الوثنية أنه ابن الله، وأنه يحمل دم إلهي، أو تزعم إحداهن أنها زوجة الإله، فحكموا الناس باعتبارهم آلهة، وعبدهم الناس من دون الله.

ونفس الأمر قائم في عالم الشياطين، فمنهم من يتخذون مع الله تعالى شريكا له من خلقه، وهكذا تألهت الشياطين، فعبدهم أتباعهم والمنتفعين من الإنس والجن، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يس: 60]. فتأليه الشياطين أمر سائد في عالم الجن، كما أنه قائم في عالم البشر، هذا إن لم يكن مصدر هذه الوثنيات نابع من عالم الشياطين، قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الجن: 1؛ 5].

في واقع الأمر؛ أن من يريد أن يدعي الإلوهية، فإنه يضاهي الله تبارك وتعالى، فيجعل من نفسه معبودا كما أن الله هو المستحق وحده للعبودية، وإن كان الله تبارك وتعالى لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، فإن طائفة من المتألهين يضاهون الله عز وجل في هذا، فيتبتلون، بأن يمتنعوا عن الزواج، وهذا ترفعا منهم على من حولهم، واستعلاءا عليهم، وإظهارا لقدرتهم على الاستغناء عن المتعة الجنسية، واستعراض قدرتهم على التحكم في غرائزهم وشهواتهم، وتكون النتيجة خضوع أتباعهم ومعبوديهم لهؤلاء السحرة.

أضف إلى هذا؛ أن ممارسة الجنس تستهلك كثيرا من طاقة أي كائن حي، ويزداد الأمر في حالة أن يشكل المخزون المنوي مصدر قوة وطاقة سحرية، فبممارسة الجنس يستنزف الساحر كثيرا من طاقته، فيفضل التبتل والرهبنة على أن يفقد قوته. لذلك نضطر في بعض الحالات المرضية إلى تبديد طاقة هذا النوع من السحرة، واستنزاف مخزونه المنوي، وذلك باستفزاز شهوته، عن طريق تحفيز وظائف أعضاء جسمه، خاصة حاسة الشم، لأنها مقترنة بالتنفس، ولا يمكن لأي مخلوق مقاومتها، وذلك باستخدام المسك، لما يحتويه من فورمونات جنسية طبيعية محفزة للشهوة الجنسية، وبهذا نستطيع إضعافه والتمكن منه.

رتبة الرهبان: بحسب تصنيفي للسحرة، فبعض سحرة الجن برتبة (راهب)، من أعلى رتب سحرة الجن، ضمن (طبقة اللاهوت)، أي الشياطين المتألهين، الذين يحاكون الله عز وجل في خصائصه، وهي أعلى طبقات السحرة على الإطلاق. وفكرة الرهبنة بترك الزواج فيها صوره من الترفع على طبيعة البشر، وتملص من عبودية الله تعالى، لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام حريص على ترك الرهبانية، فقال: (يا عثمان! إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي؟!) ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ قال : لا يا رسول الله. قال: (إن من سنتي أن أصلي وأنام، وأصوم وأطعم، وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني. يا عثمان! إن لأهلك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا). () فالرهبنة بترك الزواج اختياريا فيها ندية صريحة لله عز وجل، فهوالوحيد الذي لا يتخذ زوجة ولا ولد. والندية لله تعالى نهج شيطاني، فعلى سبيل المثال فإن عرش الله عز وجل على الماء لقوله تعالى: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء) [هود: 7]، بينما جعل ابليس نفسه ندا لله عز وجل فجعل عرشه على الماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ). ()

فرتبة الرهبنة فيها ما لا يخفى من الندية لله عز وجل، فهو تبارك وتعالى الغني فلا يفتقر إلى الزوجة، فيحاكي الساحر رب العزة تبارك وتعالى، فيستغني عن النساء، وإشباع رغباته الجنسية، ويكرس حياته للسحر، فينقطع له تماما، ليوهم أتباعه بألوهيته. وبهذا الفعل الكفري تزداد قوته السحرية بعظم ما فيه من وزر، حيث يقيض له بهذه الكبيرة قرائن معاصي، يدعمونه في سحره، فتظهر قوته أمام أتباعه، فيرهبونه بما يمتكله من قوة وحصانة سحرية. فالرهبنة فعل ملزم له ولمن علاه مراتب السحرة، انتهاءا برتبة (المتأله)، وهو شيطان ساحر يتخذ من نفسه إلاها، يعبده من تحته من الشياطين والسحرة. وهذا لا يمنع أن يكون له نسل وذرية سواء قبل وصوله إلى هذه الرتبة، لكن من المفترض أنه وصل إلى مرحلة من التشبع، يستغني فيها عن ممارسة الجنس لإشباع شهوته، فيجب أن يكون أقوى من هذا الضعف والاحتياج، ليرضي غروره كأحد رتب طبقة اللاهوت، ليكون جديرا بأن يعبده من حوله من الأتباع.

مع ملاحظة أمر غاية في الأهمية، وهو تفاوت تأثر الجن بالبخور، وهذا مرجعه إلى مدى قوة هذا الجني، وقدرته على التحكم في ذاته وجبر كل نقص فيه. فهناك من الجن لفرط قوته وعلمه لا يتأثر بكل هذا العلم المتخصص، ولا يحرك فيه ساكنا، وهم أصحاب الرتب العالية من سحرة الجن، وهي رتب حصرية، لا يصلها أحدهم باجتهاده الشخصي، وإنما هي رتب تمنح برغبة من (العالين) من الشياطين وسحرة الجن، قال تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75]. وهم أعلى رتب شياطين الجن، وخارج طبقات السحرة، فلا يسمحون لأحد بالوصول إليها إلا بموافقتهم عليه، على أن يحمل من الضمانات والولاء ما يسمح له بالاطلاع على مخططاتهم العالمية والكونية التي يديرونها للسيطرة على العالم، ومحاولة تغيير مجريات الأحداث الهامة، والمشاركة في وضع خططها وتنفيذها، خاصة تلك النبوءات التي ذكرها الأنبياء والمرسلون عليهم السلام.

وأصحاب تلك الرتب العالية لا يجدي معهم إلا الحوار العلمي المقنن، والتعامل بالحسنى، وهذا يتطلب معالج على مستوى رفيع من العلم والفقه، وأن يكون متشعب الاطلاع، وعلى دراية بجميع الثقافات والمعارف المختلفة، على أن لا يغتر معالج بما يحمله من علم، ما لم يتحلى بمرونة العقل، وكياسة في التعامل مع أصحاب هذه الرتب العالية، فهم بكل بد أوسع منه علما واطلاعا، وأشد مكرا ودهاءا، فلا يستخفن معالج بعقل أي شيطان، ومهما بلغ من العلم فيجب أن يعلم أن من الجن من هم أوسع منه علما واطلاعا، فلا يركبه الغرور، فإما أن يسلموا بحر إرادتهم، أو ينصرفوا بحر إرادتهم كذلك. ولكن مقابلة مثل هذه الرتب العالية هو من الحالات النادرة جدا، التي عز أن يقابلها معالج في حياته، وربما يموت ملايين المعالجين، ولا يصل إلى مواجهة أمثال هؤلاء، فأمثال هؤلاء لن يتركوا عروشهم لخدمة سحر، إلا أن يكون المريض ذو شأن وحيثية، فلا يجب أن يخدع المعالج أو المريض بأي ادعاءات يزعمها سفلة الشياطين ليدخل في قلبيهما الضعف والوهن.

الرهبنة في حقيقة الأمر بدعة شيطانية، اختص بها سحرة الجن أنفسهم، وتبعهم فيها من تبعهم من السحرة والوثنيين، ومنهم النصارى من أهل الكتاب، قال تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) [الحديد: 27]. وهذا من أسرار أكابر سحرة الجن والإنس، ربما هذا يكشف لنا النقاب عن مصدر رهبانية النصارى المبتدعة لقوله تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) زاعمين أنهم يبتغون بها مرضات الله، فمحال أن يكون قد كتب الله عز وجل عليهم الرهبانية وقد أقر أنها بدعة، بدليل قوله: (مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ). مما يعني أن الرهبنة بدعة لم يأت بها المسيح عليه السلام، مما يمتنع في حقه الرهبنة، ابتدعها النصارى من بعده ليخالفوا بها سنة نبيهم عليه السلام، أي أن المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام تزوج قبل أن يتوفاه الله عز وجل، وهذا لا يمنع أن له نسلا وذرية، لدعوة امرأة عمران في قوله تعالى: (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران: 36]، فإيراد ذكر ذرية مريم عليها السلام من قوله: (وَذُرِّيَّتَهَا)، دليل قوي على أن نسلها ممتد غير مقطوع برهبانية، مما يجزم ببشرية المسيح وأمه عليهما السلام، وينفي عنه التأليه المزعوم، والمنسوب إليه كذبا، وزورا من القول.

المخصيون والمجبوبون وتغيير خلق الله: الراهب مجرد شيطان متأله، أي يدعي الألوهية فيضاهي الله تعالى، حيث يستغني الراهب عن ممارسة الجنس، رغم أن الشهوة مركبة فيه كجني، ولكنه يدافع شهوته ويتحكم في غريزته، وبهذا الفعل الكفري يزداد قوة سحرية. وبخلاف هذا فهناك “المخصي” وهو من سلت خصيتاه، أي استئصلتا، أو “المجبوب” كما في لسان العرب “والـمَجْبُوبُ الخَصِيُّ الذي قد اسْتُؤْصِلَ ذكَره وخُصْياه”، ليمتنع مرغما عن مجامعة النساء للأبد. وفي الحديث أنَّ رجلًا كان يُتَّهم بأمِّ ولدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعليِّ: (اذهبْ فأضربْ عُنُقَه). فأتاه عليٌّ فإذا هو في ركي يتبرَّدُ فيها. فقال له عليٌّ: اخرجْ . فناوله يدَه فأخرجه. فإذا هو مجبوبٌ ليس له ذَكرٌ. فكفَّ عليٌّ عنه. ثم أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ! إنه لَمجبوبٌ، ما له ذكر. ()

ومنهم من يخصي نفسه بإرادته، كممارسة طقوسية دينية، أو ما يطلق عليه الإخصاء الذاتي self-castration، وهذا لا يمنع أن البعض يخلق خصيا. والإخصاء فعل ينطوي على تغيير لخلق الله تبارك وتعالى، وهذا اتباعا لأمر الشيطان، وموالاة له، وعاقبته الخسران، قال تعالى: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) [النساء: 119]. لذلك فالإخصاة سنة شيطانية سرت في عالم شياطين الجن قبل أن تنتقل إلى البشر. فالإخصاء هيئة من الرهبنة، مع الفارق الكبير بين الراهب من الشياطين الذي يمتنع بإرادته عن الاستجابة لغريزته وشهوته الجنسية، مع ما له من فحولة كاملة، وقدرته على المعاشرة الجنسية، وبين الخصيان Eunuchs من الشياطين، الذين يفقدون شهوتهم وقدرتهم الجنسية تماما وإلى الأبد. إذن فالإخصاء معصية لله تعالى يتقرب بها بعض الشياطين لسحرة الجن، ويتحولون إلى ممارسة الشذوذ الجنسي، وإتيان فعل قوم لوط.

فعند اليهود في كتابهم فضل الخصيان على البنين والبنات: (وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ * لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي * إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ اسْمًا أَبَدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ) [أشعياء: 55/ 3؛ 5].

أما عند النصارى نص كتابي يثبت الإخصاء من أجل ملكوت السماوات، يقول: (فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم * لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ) [متى: 18/ 11، 12].

أما في الإسلام فمحرم الإخصاء، لأنه تحريم لما أحل الله عز وجل، قال عبد الله بن مسعود: “كنا نَغزو معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وليس معَنا نساءٌ، فقُلْنا: ألا نَختَصيَ؟ فنهانا عن ذلك، فرَخَّص لنا بعدَ ذلك أن نتزَوَّجَ المرأةَ بالثَّوبِ، ثم قرَأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة: 87]”. () وقد ورد أنَّ عثمانَ بنَ مظعونٍ أرادَ أن يَخْتَصِيَ ويَسيحَ في الأرضِ، فقال لهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أليسَ لكَ فيَّ أُسوةٌ حسنةٌ؟! فأنا آتِي النساءَ، وآكلُ اللحمَ، وأصومُ وأُفطرُ، إنَّ خِصَاءَ أمتي الصيامُ، وليسَ من أمتي من خَصَى، أو اخْتَصَى). ()
رغم هذا التحريم إلا أننا نلاحظ وجود المخصيين في الحضارة الإسلامية على مدار عصورها، ولكن تتواجد هذه الطائفة وتنحصر في حدود الرقيق والعبيد فقط، ولكن البحث العلمي لم يصل إلى دراسة تحدد أسباب إخصاء هذه الطائفة من العبيد، وإنما قيل بأنه تم استرقاقهم وهم مخصيين من بلادهم، أو أنهم مسلمون تعرضوا للاعتداء عليهم وإخصائهم. لكن لم تناقش الأبحاث المتوفرة قيام النخاسين بإخصاء العبيد بعد استرقاقهم من إفريقيا، حيث كان المخصيين يختلطون بالنساء من سيدات البيوت، وإماء وجواري داخل قصور الأثرياء وعلية القوم، فلا يخشى منهم على نساءهم لانعدام شهوتهم، ومشروعية مخالطتهم النساء محل نظر، خاصة مع انتشار الشذوذ الجنسي بين الإماء والجواري.

حصري: المعاصي تقوية الشياطين ودعم
الشيخ سعيد آغا شيخ أغاوات الحرم المدني (المصدر)

وفي العصور الحديثة كان يطلق على العبيد المخصيين لقب “أغوات”، إلا أن الكلمة كان لها استخدامات عديدة، ولكن غلبت على الخصيان كما ورد في كتاب بعنوان (الأغوات دراسة لأغوات المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفين) يقول المعدون: وكذلك كانت تطلق أيضا على الخصيان الخادمين في القصر ويرأسهم أغا أبيض أو أسود، وعلى الخصيان الواقفين على خدمة السلطان، وعلى الأميرات. ولهذا فإن الخصيان المعينين من قبل المسؤولين والطبقات العليا أصبحوا يعرفون عادة بلفظ “حريم آغاسي” أو “خادم أغاسي” حتى أن الكلمة أصبحت ربنا تعني “خصي” فقط. أما في الحجاز وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة بالذات فإن كلمة “الأغوات” تطلق على الخصيان الذين يقومون بوظائف خاصة في خدمة الحرمين الشريفين حتى أصبحت هذه الكلمة علما عليهم. ولعل الحجازيون أخذوا الكلمة عن الأتراك وأطلقوها لى خدام المسجد لما لهم من سلطة ونفوذ. وربما أطلق الأتراك هذا اللفظ عليهم لأنهم في رتبهم يتبعون اثنين من الأغوات هما شيخ الحرم ونائبه الذين كانا يتم تعينهما من استانبول. والاحتمال الثالث أن اللفظ رغم استعمالاته الكثيرة اقتصر على معنى الخصي” (وهي مستعملة كذلك أحيانا بهذا المعنى في اللغة الفارسية). ولعل الكلمة أطلقت على أغوات الحرم لهذه الأسباب مجتمعة. وخدام الروضة لا يطلق عليهم إلا لفظ الأغوات” وكأنه علم عليهم بالغلبة ولكن يبدو أن لفظ “الأغوات” لفظة حديثة فقد كانوا يعرفون قبل ذلك بـ “الطواشي” أو “الطواشية” وما تزال هذه الكلمة مستعملة أحيانا حتى اليوم إلى جانب لفظ “الأغوات”. وطواشي، أصلا من وظائف الخدام في عصر المماليك، وكانت لهم وظائف مختلفة فكان منهم البوابون والسقاؤون … يروى أن معاوبة بن أبي رضي الله عنه كان أول من استخدم الخصيان لخدمة الكعبة. ويروى أنهم كانوا عبيدا أرقاء، وليسوا خصيانا، وأن ابنه يزيد هو أول من اتخذ الخصيان. وفي رواية أخرى أن جعفر المنصور هو الذي فعل ذلك.

إن كان الإخصاء فيه تغيير لخلق الله تعالى، إلا أن الجن لهم القدرة على التصور في صورة أي مخلوق آخر، والشياطين تلجأ عادة لتغيير صورها، لأن الشيطان المتصور يكتسب نفس خصائص الصورة التي تشكل فيها، فإن تصور الشيطان في صورة “جمل” وهو أشد ما يكون من الشياطين، اكتسب نفس خصائصه من القوة والبطش والجلد، أو إن تصور في صورة “تمساح” اكتسب نفس قدراته كحيوان برمائي، فالتصور يكسبه قدرات ليست فيه، مما يجعله مؤهلا للقيام بالتكاليف المطلوب منه تنفيذها. فمن بعد أن يكون الجني سوي الخلقة، فإنه يغير خلق الله بتغيير صورته، وهذا يتم طاعة لأمر الشيطان، ويدخل في خدمة السحر على صورته الجديدة. وبالفعل يرى المريض في الكشف السمعي والبصري يقظة أو مناما الشياطين تهاجمه في صورة حيوانات مختلفة، كحيات أو كلاب أو خنازير .. إلخ لكن ما يعنينا ذكره من الحيوانات ما له علاقة وطيدة بالإخصاء والذي يترتب عليه ممارسة الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية Homosexuality.
فإن كان الجنس له حيثيته ومكانته في عالم سحرة الجن، فالشذوذ الجنسي له وضعه الخاص في تقويتهم، كمعصية كبرى، تزيد من قوة الشيطان، وتكسبه مزيدا من قرائن المعاصي ذوي القوة. لذلك يتصور بعض الشياطين في صور حيوانية شتى، بحسب ما لدى هذا الحيوان من خواص جنسية، فمنهم حيوانات مسعورة جنسيا، كما في حيوان الغوريلا، ومنهم حيوانات شاذة جنسيا، كالقرود والنسانيس، بينما هناك من الحيوانات ما لا غيرة له، كالخنزير مثلا. لذلك يرى المريض الشياطين أثناء الجلسات، أو في منامه في صور حيوانات مختلفة، وكل حيوان له خصائصه المميزة، وقدراته التي يتفرد بها، ولكل نوع منهم مراكز قوته، ونقاط ضعفه.

تصور الشياطين في هيئة

القرود:
عادة يتصور بعض الشياطين في صورة (نسناس أو قرد)، ويعرف عن القرود الشذوذ الجنسي، القرد عادة برفع ذيله لأعلى كاشفا عن دبره، وهذا تعبيرا عن استعداده لممارسة الفاحشة في أي وقت، والشذوذ الجنسي معروف لدى “الشمبانزي القزم” البونوبو Bonobo “أما البونبو فهو نوع مزدوج الميول المثلية، ويقوم كلا الذكور والإناث بممارسة سلوكيات مثلية. وتقريباً 60% من كل النشاطات الجنسية تكون بين الإناث. ومع أنَّ نوع البونوبو فيه أكبر نسبة من السلوكيات المثلية، فإنَّ هذه السلوكيات تلاحظ عند كل القردة العليا” (المصدر)

حصري: المعاصي تقوية الشياطين ودعم

والشيطان المتصور في هيئة القرد، لا يجد خجلا من ممارسة الشذوذ، فقد انتكست فطرته وفسدت، رغم شعوره بالذل والعار، والانكسار النفسي، لكنه لا يمكنه الحياد عن هذا الحال تحت سلطة السحرة، واستغلالهم له في خدمة السحر، فقد يكون وصل إلى ما وصل إليه بسبب تسلط السحر عليه.

غالبا يتم تشخيص القرد من الشياطين على أنه قسيسا من النصارى، خاصة وأن الرهبنة والإخصاء من عقيدتهم، ولا مانع أن يكون شيطان لا علاقة له بالنصرانية، فيجب أن نتنبه إلى وجود وثنيون يعتقدون في الرهبنة، مع ملاحظة أن الخنازير من الجن يشخصون دائما على أنهم قساوسة، إلا أن الخنزير أشد قوة من القرد، وأعلى منه درجة.

تصور الشياطين في هيئة الخنازير: في الصحاح: “العِفْرُ الخنزير الذكر”. () والخنزير في جميع الحالات يشخص على أنه قسيس كبير، أما الخنزير البري ذو الأنياب، فهو قسيس كذلك، لكنه أشد ضراوة وعدوانية من الخنزير العادي، وسحره أشد قوة، ومركز قوته نابيه، فهما يساعدانه على العدوانية والأذى. ومن العلامات المميزة التي يعرف بها حضور الخنزير، أن يمد المريض شفتيه إلى الأمام بشدة، ويصدر منه صوت مميز كصوت الخنازير، مع بروز بطن المريض وانتفاخها بشكل ملحوظ، ثم تعود لطبيعتها بمجرد انصرافه. على كل الأحوال انتفاخ البطن علامة مميزة يجب أن لا يهملها المعالج، فقد تكون بسبب وجود خنزير أو لأسباب أخرى، لأنها حالة متعبة جسديا للمريض بينما القرد له احتمالات أخرى خلاف القسيس. لذلك فعند توظيف الرقية فإن وجد المريض كشفا بصريا يدل على وجود خنزير أو قرد فعلينا بالرقية بالآيات التي تخاطب النصارى، فمع الخنزير سوف نجد ردود فعل للرقية، لأنه دائما وأبدا يشخص على أنه قسيس، فإن وجدنا مع القرد ردود فعل فهو قسيس بكل تأكيد، لكن إن لم نجد معه أي ردود فعل، فهذا يعني أنه شيطان عادي، ويجب أن نتعامل معه بطريقة تتناسب وحاله كشاذ جنسيا.

حصري: المعاصي تقوية الشياطين ودعم

تصور الشياطين في هيئة الغوريلا:
يجب ان نتنبه إلى اختلاف وضع الغوريلا، وإن كانت من فصيلة القرود، إلا أنها شديدة البنية الجسدية، مفتولة العضلات، وقوية الشهوة الجنسية، وبسبب قوة عضلاتها فهي شديدة في الجماع، سواء كانت أنثى أم ذكر. لذلك في بعض حالات المس العاشق يقترن بالمريض أنثى غوريلا، بينما يقترن بالمريضة ذكر غوريلا. فيشعر المرضى بوجود شبق جنسي، ورغبة ملحة في الجماع، وفي حالة التعرض للاعتداءات الجنسية يجد المرضى رجالا أو نساءا لذة فوق العادة، وقد تستغرق المعاشرة عدة ساعات متواصلة، يهيم فيها المصاب في متعة ولذة تفوق ما يشعر به هذا الشخص في حالة الجماع الطبيعي مع زوجه.

حصري: المعاصي تقوية الشياطين ودعم

هذا الشعور باللذة يعتبر فتنة للمريض، وإغراء يدفع المريض إلى الاستسلام للاعتداءات الجنسية، وإدمان التمتع بها، وهذا مؤشر خطر على عقيدة المرضى، ويجب عليهم أن يتمسكوا بالعفاف، ويرفضوا مثل تلك الممارسة التي تزيد ما هم فيه من أذى، وتؤخر شفاءهم إن تم علاجهم.

أما في غير حالات مس العشق فيقترن بالمريض ذكر الغوريلا للسيطرة عليه، والتحكم به وتكتيفه عن النشاط والحركة، وهذا لشدة قوة الغوريلا، وفي مثل هذه الحالة قد يكون المريض شخص متدين، متمسك بدينه، أو إنسان نشيط عالي الهمة، وتعجز الشياطين عن إيقاف نشاطه الذي يؤثر فيهم سلبا، ويجهض كل محاولاتهم السيطرة عليه، أو يتعارض نشاطه مع ما هم مكلفين به من أسحار، وفي مثل هذه الحالات يتم تسليط ذكر غوريلا على هذا الشخص للحد من نشاطه، بل ويتم ربط هذا الشخص بالغوريلا بواسطة (سحر ربط)، فيصبح الانفصال بينهما عسير.

بينما في حالات أخرى يقترن الغوريلا بشخص من المجرمين، فيتسلط من خلاله على من حوله من الناس بالاعتداء والأذى، كالمجرمين، والمغتصبين، ومن يمارسون التعذيب في السجون والمعتقلات، فبحضور مثل هذا الشيطان عليهم يزدادون بطشا وإجراما بفريستهم، وهم لا يشعرون ببطشهم، رغم حضور ذهنهم وعقلهم، وبعد أن ينتهي من جريمته لا يدري من أين أتته كل هذه القوة والبطش فجأة.



هذا البحث جزء من مجموعة أبحاث متصلة منفصلة بعنوان:

1_ الروائح وعلاقتها بالشياطين

2_ الشيطان والعلاقة الزوجية

3_ الفاحشة ودورها في تقوية الشياطين

4_ دور المعاصي في تقوية الشياطين ودعم السحر

5_ عبث الشياطين بأجساد البشر

6_ الأسحار التنفسية

7_ علاقة حاسة الشم بالتنفس

8_ دور السحر في الجهاز التنفسي

9_ حاسة الشم وتأثيرها في الجن

10_ علاج المس والسحر بالزيوت العطرية

11_ تأثير المسك في الشياطين





رد مع اقتباس