عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-08-2017, 05:36 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,730
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

يجب أن نعي أمرا غفل عنه الكثير من الناس؛

أن أقدار الله تبارك وتعالى متغيرة، لا تثبت على حال، ما بين التحول والتبديل، قدرا يتحول عنه إلى آخر، وقدرا يستبدل بقدر مغاير، وهذا بحسب أحوال العباد مع الأقدار، فالدعاء يرد القدر، والرؤى الصادقة تحذر الناس من القدر المقبل فيأخذوا حيطتهم، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده. فأن ترى رؤيا تنذر من قحط ومجاعة، كرؤيا ملك مصر في سورة يوسف، قال تعالى: (قالَ المَلِكُ إِنّي أَرى سَبعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في رُؤيايَ إِن كُنتُم لِلرُّؤيا تَعبُرونَ) [يوسف: 43]، فتأولها يوسف عليه السلام في قوله تعالى: (قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا فَما حَصَدتُم فَذَروهُ في سُنبُلِهِ إِلّا قَليلًا مِمّا تَأكُلونَ * ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ سَبعٌ شِدادٌ يَأكُلنَ ما قَدَّمتُم لَهُنَّ إِلّا قَليلًا مِمّا تُحصِنونَ * ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ ) [يوسف: 47؛ 49] فيأخذ الحكام تدابيرهم، فيقوا بذلك قدر بالموت المحقق للناس، وهلاك الدواب، وشح المياه، وندرة المحاصيل، فإن هم تقاعسوا عن دورهم جاء القدر بالهلاك، وبهذا يتحول القدر عن شر إلى خير. وقدر يرى الرائي رؤيا تبشر بخير مقبل، فيركن للرؤى، وكأنها قدر محقق لا مرد له، فيتقاعس عن الأخذ بالأسباب، فيتبدل الخير شرا، وتتبدد آماله.

فلا يغتر إنسان برؤيا صالحة أو صادقة، وكأن الله عز وجل أخذ على نفسه عهدا أن لا يغير القدر! فإن اغتر بها عاجله الله تعالى فبدل القدر وغيره، فلا يفيق المغرور إلا على صدمة أوهامه، وتعبيراته المغلوطة للرؤى أحيانا، وتخاذله في إحيان أخرى، وكأنه ضمن أن القدر ثابت لا يتغير. فالله عز وجل يملي للرائي، حتى وإن كانت رؤياه مبشرة بخير، عسى ان تحفزه الرؤيا ليوطن نفسه موطنا يؤهله لاستحقاق البشارة إن كان ليس أهلا لها، فإن تخاذل وتقاعس، بدل الله تعالى القدر، وهذه هي سنة الاستبدال، قال تعالى: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة: 39].

لكن كثيرا من الناس يجهلون، يحسبون أن الرؤى بشارة مضمونة التحقق، وأنهم حازوا المستقبل في أيديهم، فيركنون إلى رؤاهم، وتأويلاتهم التي تنازعها أهواءهم، والتي كثيرا ما تكون خاطئة، ويتركون إصلاح أنفسهم، ظنا منهم أن الله أراهم تلك الرؤى لأنهم أهلا لها ويستحقونها، ولا يدركون أنها تحفيز لهم من الله عز وجل، لأجل نيل ذلك الخير، فإن لم يعملوا له عمله تبددت البشارة، ولم يتحقق منها شيء أبدا. وبهذا يظنون أن القدر يعارض السنن الربانية ويخالفها، بل القدر لا يخرج عن السنن أبدا، قال تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد: 11]

وبهذا يتحول الإيمان بالرؤى من تصديق إلى تكذيب، ومن حكمة إلى سفاهة وحماقة، وما أكثر الحمقى في زماننا الذين يسيرون حياتهم تبعا لمناماتهم، وتلعب الشياطين بهم، ويحسبون أنهم مهتدون. فالبشارات تحفز على الأخذ بالأسباب، واليقين في حكمة الله تبارك وتعالى، وأنه لن يقدر لنا إلا خيرا، فيصدق عملهم الرؤيا، بأن يغيروا من أنفسهم، حتى تتحقق الرؤى، وإلا فلا يجب أن يأمنوا مكر الله تبارك وتعالى، فيستبدل القدر بغيره، أو يحول نعمته عنهم لقوم آخرين لأنهم لا يستحقونها.

بعد هذه المقدمة؛ فهناك (رؤى صادقة)، وهي من الله تعالى، وهي الرؤى التي تتحقق فعلا، فلا يشترط أن تكون الرؤى تبشر بأمر مستقبلي سيحدث، ولكن منها زجر عن حال، أو نهي عن معصية، أو بشارة بالآخرة، أو تحذير من شر محيط بنا ولا ندري به. فتصدق الرؤيا أي تتحقق بحسب تعبيرها، ولا يشترط بحسب ما رآه وهذا للمرسلين كما سنبينه، فعن عائشة قالت: (أولُ مَا بُدِئَ به رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الوَحْيِ الرؤيا الصادِقَةُ في النَّوْمِ، فكان لا يَرَى رؤيا إلا جاءتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ....)

الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6982 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | شرح الحديث

والرؤى الصادقة يراها المؤمن والكافر على حد سواء، فقد تكون خير واعد، أو تحذير من خطر داهم، أو إنذار من شر قد اقترب، أو زجر للنائم عن جرمه، فللكفار رؤى صادقة تتحقق، لكن لا يشترط أن تكون رؤى صالحة، فصلاح الرؤى له مفهوم آخر.

ويتفاوت صدق الرؤيا، أي تطابق تأويلها مع تحقيقها، فقد تتحقق مطابقة لتأويلها، وقد تأتي أقل تطابقا، فيتحقق بعض أجزاءها، ولا يتحقق البعض منها، وأصدقها تطابقا ما كان بالأسحار (أصدقُ الرُّؤيا بالأسحارِ)

الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : يحيى بن معين | المصدر : تاريخ دمشق
الصفحة أو الرقم: 17/223 | خلاصة حكم المحدث : إسناده لا بأس به

أما الرؤى التي تتحقق كما رآها النائم فهي إما من الشيطان، فيتلاعب بالنائم، ليبث من خلاله بعض الغيب مما حصل عليه مسترقوا السمع، وهذا فيه من التلعب ما لا يخفى، فيغتر بها الجهلاء، وسفهاء العقول، ومن استخفت بهم الشياطين ممن لا باع لهم في العلم، وهم من أهل الخرافات والخزعبلات، وإما أن يكون الرائي من المرسلين، وهذا غير موجود اليوم، والصالحين أصحاب العلم الشرعي الراسخ. وبكل أسف يظن الكثيرون أنهم طيبون، لا شر في قلوبهم، ولا يدرون أن أمراض القلوب، وجهالات العقيدة تفتك بهم، وتعصف بهم عصفا، فيغترون بأنفسهم لأنهم عميان بجهلهم، لا يرون عيوبهم، وأمراض قلوبهم، وهذا حال غالبية المسلمين اليوم، إلا ما رحم ربي.

وأخرى عكسها (رؤى كاذبة)، وهي من الشيطان، أو حديث نفس، وهي رؤى لا تتحقق، وقد تتحقق إن تحدث بها الرائي، ولم يستعذ بالله منها، فتمرضه أو تتسبب له في شرور.

إن كنتُ لأرى الرُّؤيا تُمرضُني . قال فلقيتُ أبا قتادةَ . فقال : وأنا كنتُ لأرى الرؤيا فتمرضُني . حتى سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول " الرؤيا الصالحةُ من اللهِ . فإذا رأى أحدُكم ما يحبُّ فلا يُحدِّثْ بها إلا من يحبُّ . وإن رأى ما يكره فلْيتفُلْ عن يسارِه ثلاثًا ، ولْيتعوَّذْ من شرِّ الشيطانِ . ولا يُحدِّثْ بها أحدًا فإنها لن تَضُرَّه " .

الراوي : عبد الرحمن بن عوف | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2261 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 1576

(الرُّؤيا منَ اللَّهِ والحُلُمُ منَ الشَّيطانِ فإذا رأى أحدُكم شيئًا يكرهُهُ فلينفُث حينَ يستيقظُ ثلاثَ مرَّاتٍ ويتعوَّذُ من شرِّها فإنَّها لا تضرُّه)
وقالَ أبو سلمةَ وإن كنتُ لأرى الرُّؤيا أثقلَ عليَّ منَ الجبلِ فما هوَ إلَّا أن سمعتُ هذا الحديثَ فما أُبالِيها

الراوي : أبو قتادة الأنصاري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5747 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | انظر شرح الحديث رقم 1581

أما (الرؤيا الصالحة)؛ فهي الرؤيا الحسنة تحمل البشارة التي تسر صاحبها، من الله عز وجل، ولا تكون إلا للمسلم، وقد تكون بشارة للكافر بأن يسلم لله عز وجل، أو للعاصي بالتوبة. فرؤى المسلم كلها حسنة، وخير لا شر فيها ولا تحزين، وإلا كانت من الشيطان وتلعبه، فالشيطان لا يبشر مسلم بخير أبدا.

(لا نبوَّةَ بعدي إلا المُبشِّراتُ)
قال قيلَ وما المُبشِّراتُ يا رسولَ اللهِ قال (الرؤيا الحسنةُ أو قال الرؤيا الصالحةُ)

الراوي : عامر بن واثلة أبو الطفيل | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل
الصفحة أو الرقم: 8/129 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | انظر شرح الحديث رقم 66576

(إذا رأى أحدكم الرؤيا تُعجبُهُ فليذكُرها ، وليفسّرها ، وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءهُ ، فلا يذكُرها ، ولا يفسّرها)


الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 1340 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال مسلم



رد مع اقتباس