عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 11-05-2018, 10:08 PM
بودادو
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

( تتكون قرية الفاو -التعريف بها- من عدة أحياء ترتبط بشوارع فسيحة وطرق مستقيمة. وقد شيدت مبانيها متراصة ومتناسقة على تلك الشوارع والطرقات. ويتكون البيت بصفة عامة من طابقين، إما تدخل واحد من الدور الأرضي يرتبط بالدور الثاني بدرج داخلي، أو بمدخلين مستقلين لكل دور، أحدهما للدور الأرضي والآخر يرقى إليه بدرج خارجي للدور الثاني. وفي الحالتين لابد من وجود مرقاة داخلية توصل بين الدورين. ويتكون الدور الأول من عدة غرف، إما متقابلة يفصل بينها دهليز واسع، أو يدخل لأحداهما عن طريق الغرف الأخرى. وتوظف غرف الدور الأرضي لسائر الخدمات وتتوقف سعة الغرفة وشكلها على الوظيفة التي تؤديها.

فهناك غرفة الطبخ، وهي أصغر من المجلس أو غرف النوم، وبها موقد النار وعدد من المطاحن الحجرية. ثم غرف التخزين، وهي مجمع لعدد من الخزائن مبنية بالطين ومطلية بالجص، وتستخدم لخزن الحبوب والتمور ويتوقف حجمها على الوضع المادي للساكن. أما المجلس فأكبر الغرف وزود بعض المجالس بدكة على الحائط ليجلس عليها كبير الأسرة أو الضيف. ويصعد إلى الدور الثاني بدرج صغير. ويفضي الصاعد إلى حمام يقع غالباً في أحد الأركان الرئيسية للبيت، وينقسم إلى قسمين أحدهما لقضاء الحاجة والآخر للاستحمام. ونظراً للخراب الذي تعرضت له الفاو لم يعثر على منزل بدوين في حالة سليمة، إلا أن التخطيط العام للدور الأرضي إضافة إلى ارتفاع مداميك الحيطان والجدران الداخلية يؤكد وجود الدور الثاني.

والعامل المشترك في منازل قرية الفاو وجود غرفة أو أكثر خاصة بالحياكة تؤكدها تلك الكوات المثقوبة في جدرانها التي تثبت فيها آلة الحياكة. وهناك منازل يختلف طراز بنائها ويشذ عن القاعدة وهي قليلة، ويستنتج من الكتابات التي على جدرانها والصور المرسومة والأشكال القريبة أنها كانت عيادات يمارس فيها التطبيب. وتكاد لا تجد جداراً في عامة البيوت يخلو من كتابة كأسماء أشخاص، أو دعاء رب، أو توله على حبيب، أو شكوى من ظلم، أو تودد إلى قريب، وهي منقوشة على طبقة الجص بطريقة عفوية. وإذا ما أعيت الكاتب شجونه فلن يتردد في كتابة ما يجول بخاطره على الجدران، مثل: فلانة تحب فلاناً، فلان يحب فلانة، أولئك عاشقان وهكذا، وربما وجدت طبقات عدة من الجص يعلو بعضها بعضاً، وكل طبقة تحمل الأفكار نفسها والنقش نفسه. والكتابة الشائعة كانت بخط المسند الجنوبي.

وأما المعثورات التي وجدت داخل المساكن فتعكس التقدم الحضاري الذي بلغته قرية الفاو وتظهره بجلاء. فمن ذلك أن المراحيض مزودة بمقاعد مقطوعة من الصخر مهيأة بطريقة تؤدي الغرض وترضي الذوق المعماري ولا تكاد تختلف عن مقاعد مراحيض أيامنا هذه المصنوعة من الخزف الصيني والمستخدمة فيما يسمى الحمام العربي. وقد وجدت حفاظات تستخدمها النساء للوقاية أثناء الدورة الشهرية، عبارة عن لفافات من القماش المحشو بقطع قماش ناعم. ومن اللافت للنظر خلو مساكن قرية الفاو من زرائب الأغنام ومرابط الخيول أو حتى وجود مذاودها، وربما كانت ترعى خارج منطقة المساكن، في حماية الرعاة والخدم. ويوجد في مواطن كثيرة من الجزيرة العربية مبان شيدت خارج النطاق العمراني أطلق عليها الآطام.

جاء في لسان العرب: الأُطُم: حِصْنٌ مَبْنِيٌّ بحجارة، وقيل: هو كل بيت مُرَبَّع مُسَطَّح، والجمع آطام و أطوم، واشتهرت بها يثرب (المدينة المنورة) ونجران، قال أوس بن مغراء السعدي:

بَثَّ الجُنودَ لهم في الأَرض يَقْتُلُهم ... ما بين بُصْرى إِلى آطامِ نَجْرانا

ولا تختلف الآطام عن القصور من حيث الفخامة والسعة إلا أنها تزيد عن القصور بوظيفة حربية، إذ تتخذ بمثابة مراكز دفاعية، ولذا يختار لها المواقع المرتفعة حول الحواضر. ومن أشهر آطام يثرب أطم كعب بن الأشرف، وأطم حسان بن ثابت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لقتال عدوه من المدينة رفع أزواجه في أطم حسان لأنه كان من أحصن آطام المدينة، وما تزال أطلاله باقية إلى يومنا هذا. ) موسوعة الثقافة التقليدية للمملكة السعودية، مجلد الآثار، العمارة في العصور القديمة صفحة 162؛ 164.



رد مع اقتباس