عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-09-2018, 06:22 AM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,739
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من الأخطاء الشائعة، والتي روج لها، أن العرب كانوا وثنيون قبل البعثة، صحيح تواجدت الوثنية في جزيرة العرب وهي عبادة الأصنام، لكن كان الوثنيون مجرد طائفة في نسيج متشابك من المعتقدات الباطلة، والحقيقة كان هناك معتقدات شركية أخرى كعبادة الأسلاف وتقديسهم، واليهودية، والتثليث، والحلولية، والدهريين، وغير ذلك الكثير من المعتقدات.

لكن يجب أن نفرق بين الوثنية وهي عبادة الأوثان فكانوا يعبدون الجن، وما يمثلهم من أصنام ترمز إليهم، فلا يؤمنون بالله تعالى، وهؤلاء ليسوا بمشركين وإنما كفار. وبين الشرك، وهو اتخاذ معبودا مع الله تعالى، فهم يؤمنون بالله تعالى، وإنما عبدوا معه غيره تقربا إليه، فاليهود مثلا يؤمنون بالله تعالى، ولكن عبدوا معه أحبارهم ورهبانهم، يحلون لهم ما حرم الله تعالى، ويحرمون عليهم ما أحله.

ومن يراجع الأساطير الوثنية، يكتشف أن شياطين الجن كانت تتصور لعبادهم من البشر في صورة حيوانات، أو نصف حيوان ونصف إنسان، فتجتمع للجني خصائص قدرات الحيوان مع خصائص قدرات الإنسان، فنجد جسم إنسان برأس صقر، أو تمساح، أو آوى، ومن هنا قدس الوثنيون أرواح تلك الحيوانات، لأن أرواج الشياطين تتلبس بها، ومنا هنا صار الحيوان رمزا لهذا الشيطان المعبود. ويتم تقديس القبيلة الوثنية بأن تكون من نسل هذا الشيطان، فينسبون أنفسهم إليه، فهو إلههم، وأبوهم الروحي.

ويقوم الشيطان المؤله بمعاشرة نساء القبيلة، فينجبن ذرياتهن منه، وتقدم النساء القرابين للإله، عسى أن يحظين بمعاشرته لهن يقظة أو مناماً. وقد يعاشرهن الشيطان المؤله، من خلال حضوره على جسد كاهن المعبد، فيعاشرهن الكاهن حال حضور الإله عليه، فتبارك المرأة وتحبل من الكاهن، فتلد ولدا مباركا من سلالة إله القبيلة.

وهذا هو ما يعرف باسم [الجنس المقدس] وممارسة [طقوس الدعارة المقدسة]، أي الجنس الشعائري والطقوسي كممارسة دينية. وهذا ما أغرى الوثنيين في الدخول في المسيحية، فوجدوا توافقا بين عقيدة المسيح ابن الله، ومريم الإنسية التي تقدست بمعاشرة الآب، فولدت طفلا من نسل الإله، ومن هنا دخل الوثنيون في المسيحية، فاختلطت عقيدة الجنس المقدس بالمسيحية، وتفشت الإباحية الجنسية والحرية العري لدى النصارى، فالزنى عندهم ينحصر في خيانة فراش الزوجية، وهذه عقيدة وثنية محضة، لأن الزانية عند الوثنيين ليست من تمارس الجنس، وإنما الزانية من يطأها رجل خلاف زوجها، الذي حلت فيه روح الإله، فقدسها (الشيطان) من خلال زوجها بصفته الوسيط بين المرأة وبين الإله (الشيطان)، فإن عاشرت المرأة رجلا خلاف الوسيط، صارت خائنه للإله المتجسد في زوجها. وهذه عقيدة وثنية تسربت للصليبيين، كما تسربت إليهم عقائد وثنية أخرى مثل يوم الأحد (Sunday)، وهو يوم عبادة الشمس.

فموضوع الطوطمية هذا شائك وبالغ التعقيد، ويحتاج لإعادة دراسة في ضوء القرآن الكريم، وفي ضوء دراسة الأساطير الوثنية حتى نفهمه فهما صحيحا. والغرض من فهمه تفنيد الفكر الوثني والسحري الذي تسرب إلى بعض مفاهيم ومعتقدات المسلمين، فوقعوا في الوثنية والشرك وهم لا يعلمون، كما وقع من قبلهم اليهود والنصارى. فلا يجب أن نعتمد على مثل تلك الأنواع من الدراسات على أنها مرجعية في الطوطمية، وإنما هي مجرد اجتهادات ووجهات نظر فقط، ولكنها تفتقد لعمق الفهم لتلك المعتقدات، والتي تناولها القرآن دون شك. فمن يقدمون لنا الطوطمية على أنها مجرد معتقدات، يفهمونها بسطحية، ووفق معتقداتهم التوراتية، أو الصليبية، لكن حتى الآن لم يتناولها أحد من وجهة نظر القرآن الكريم. فالملل الأخرى يتناولونها من خلال معتقد روحاني، أما القرآن فيتناولها من خلال الاعتقاد بوجود شياطين الجن، ونوع العلاقة القائمة بينهم وبين البشر، فالجن كانت تظهر للبشر حتى العهد النبوي، ثم فجأة انقطعت روية الإنس لهم، إلا من حالات استثنائية، وهذا مثبت في سورة البقرة والأنفال وسبأ والنمل وغيرهم. حقيقة ليس لدينا أسباب مؤكدة لاختفاء الجن عن أعين الإنس، ولكن يقينا سوف يعاودون الظهور للبشر في زمن محدد، وتحديدا زمن ظهور المسيح الدجال ويأجوج ومأجوج. فنستطيع القول بأن اختفاء الجن مجرد كمون مؤقت فقط، ومرحلة في الصراع بين الجن والإنس، وسوف يعاودون مهاجمة الإنس بعد الظهور لهم، فيبطشون بهم شر بطشة وهم عنهم غافلون.



رد مع اقتباس