عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 02-09-2020, 07:20 AM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,739
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

في واقع الأمر؛ أن عقيدة تأليه المسيح ظهرت منذ زمن طويل، وبموته جهل ما أحدثه الناس بعده من تأليه له، وهذا يعنى أن وفاة المسيح عليه السلام قد تحققت في الماضي قبل نزول القرآن الكريم، إذن فهو الآن ميت، وليس من الأحياء، ولن يبعث من موته إلا يوم القيامة. لذلك قال تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) بمعنى أنه كان شهيدا على قومه من أهل الكتاب زمن نزول الإنجيل، وليس آخر الزمان، بدليل أن الله عز وجل سيسأله يوم القيامة: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ) [المائدة: 116] فينكر المسيح عليه السلام أنه قال لهم هذا فقال: (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة: 116]، فلو أنهم قالوا بألوهيته إبان حياته، لكان شهيدا على قولهم هذا، فما لزمه أن يرجع الشهادة إلى الله عز وجل القائل: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 117]، أي أنهم قالوا بإلوهيته بعد موته، فيأتي يوم القيامة لا يعلم بما أحدثوا بعده، فلو نزل آخر الزمان لتحقق له العلم بقولهم، ولصار شهيدا عليهم.

قال المسيح عليه السلام من قوله تعالى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم: 33]، إذن فهو لن يموت إلا مرة واحدة، لا مرتين، كما أنه ولد مرة واحدة، وسيبعث مرة واحدة لا مرتين. فإن قبل أن الله توفاه ثم رفعه إلى السماء، ثم يبعث من موته قبل يوم القيامة لينزل به إلى الأرض، ثم يموت مرة أخرى، ليبعث مرة أخرى يوم القيامة، هو آية من الله عز وجل لا ننكر قدرته عليها، لكن زعم وفاته مرتين، وبعثه مرتين يعارض نص القرآن الكريم.

وإن كان المسيح حي يرزق في السماء، وعلم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ما وسعه إلا أن ينزل حينها لاتباعه وتلقي القرآن عنه، والعمل به، ومبايعته، ونصرته من أن ينزل آخر الزمان، لقولله صلى الله عليه وسلم، القائل: (والَّذي نفسي بيدِهِ، لو أنَّ موسَى كان حيًّا ما وسِعَهُ إلَّا اتِّباعي). [1] وقال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نفسي بيدِه لا يسمعُ بي رجلٌ من هذه الأمَّةِ، ولا يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ثمَّ لم يؤمِنْ بي إلَّا كان من أهلِ النَّارِ). [2]

فمن لوازم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم الذي أنزل عليه، فإما أن المسيح عليه السلام تعلم القرآن في السماء الثانية، وإما سيتعلمه بعدما ينزل منها إلى الأرض آخر الزمان، فلا يصح إقامة الدين والعمل به بدون تلقي الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن العمل بالدين من لوازم الإيمان، فإن كان المسيح حي في السماء الثانية فلن تصح عباداته بدون تلقي الوحي والقرآن من النبي صلى الله عليه وسلم.

بشرت الملائكة مريم بمولد عيسى عليهما السلام فقال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ) [آل عمران: 48]، فمما بشرت به في الآية أن الله سيعلمه (التَّوْرَاةَ)، وقد أنزلت قبل مولده، وسيعلمه (الْإِنجِيلَ) الذي لم يكن قد أنزل بعد، لأن المسيح لم يكن قد ولد بعد، فهذه بشارة ونبوءة مستقبلية. وإن كان سينزل المسيح آخر الزمان، وسيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يلزم منه أن يتعلم القرآن الكريم، إلا أن القرآن لم يذكر ضمن الكتب التي سيتعلمها المسيح عليه السلام. فإن تناولت الآية نبوءة تعليمه التوراة والإنجيل، فإنها لم تخبر بتعليمه القرآن الكريم، وطالما أنه لن يتعلم القرآن، فهذا مما يطعن في مسألة نزوله آخر الزمان، وينفي عقيدة الرفع إلى السماء ثم إنزاله منها، ويثبت أن الله عز وجل توفاه، ولن يبعثه للحياة مرة أخرى إلا يوم القيامة.

كما أن المسيح يأتي يوم القيامة شهيدا على أمته لقوله تعالى: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)، أي شهيدا على الذين عاصروه أثناء تنزيل الإنجيل لقول المسيح نفسه: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ)، لا شهيدا على الذين جاؤوا من بعده، فهؤلاء الله رقيب عليهم يوم القيامة لقوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ). لأن سنة الله تبارك وتعالى أن كل نبي شهيد على أمته خاصة لقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ) [النحل: 89]. فالنبي صلى الله عليه وسلم سيكون شهيدا على أمته، وأمته سيكونوا شهداء على الأمم كلها يوم القيامة لقوله تعالى: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج: 78]، وقال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].

بل إن معضلة نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان لا تقف عن حد إثبات بشريته، ونفي معتقد إلوهيته عند أهل الكتاب، وإنما سيواجه معهم معضلة إظهار الإنجيل الحقيقي، وتعريفهم به، أي سينكر ما في أناجيلهم من تحريفات، ويصدق ما في القرآن الكريم، لذلك فمطالعة كتبهم المحرفة والاستشهاد بما فيها من تحريفات يعد من التهوك المحرم والمنهي عنه لما ورد عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حينَ أتاهُ عمرُ رضي اللهُ عنه فقالَ: إنَّا نسمَعُ أحاديثَ مِن يَهودَ تعجبُنا، أفترى أن نَكتُبَ بعضَها؟ فقالَ: (أمتَهوِّكونَ أنتُم كما تَهوَّكتِ اليَهودُ والنَّصارى؟ لقد جئتُكم بِها بيضاءَ نقيَّةً، ولو كانَ موسى حيًّا ما وسِعَه إلَّا اتِّباعي). [1] فعندما يقول تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ) [المائدة: 3] لا يشير مطلقا إلى الاحتكام للأناجيل المحرفة التي بين أيديهم، وإنما يريد منهم الاحتكام إلى الإنجييل الذي أنزله على المسيح عليه السلام، ولن يستطيعوا أن يفعلوا، لأنهم لا يملكون في أيديهم الإنجيل الحق، لذلك قال تعالى بعدها في نفس الآية: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أي من لم يحكم بما أنزل الله في الإنجيل الحق، فإن لم يجده فليحكم بما أنزل الله في القرآن الكريم، لأن بعضه يصدق بعض، ويؤيد هذا قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 68]. ولأن كتبهم السليمة من التحريف ليست معهم، فإن ما أنزل على النبي سيزيد كثيرا منهم طغيانا وكفرا لأنه بخالف ما معهم من كتب محرفة. كذلك إن جاءهم المسيح بالإنجيل الحق فلن يؤمنوا به لمخالفته ما معهم من أناجيل، وأنى يصدقوه وقد كذبوا النبي صلىى الله عليه وسلم عندما كشف تحريفاتهم، وأبطل معتقداتهم، فكذلك لن يؤمنوا لبشر يدعي أنه المسيح، فهم ينتظرون إلاها لا بشرا، وسينكروا ما معه من الإنجيل لمخالفته أناجيلهم المحرفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الراوي : - | المحدث : الألباني | المصدر : تحريم آلات الطرب الصفحة أو الرقم: 158 | خلاصة حكم المحدث : حسن
[2] الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم: 157 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح



رد مع اقتباس