عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 04-05-2014, 05:57 PM
سيوا سيوا غير متواجد حالياً
مشرف عام
 Saudi Arabia
 Female
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: أرض الله
المشاركات: 1,383
معدل تقييم المستوى: 10
سيوا is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلا بكن جميعا ... وأعتذر عن تأخري في الرد ...

عند وقوع المصيبة يصارع الانسان في داخله أمران وهما : هاتف خير ( لمة الملك ) ... ونازع شر (لمة الشيطان )

فالشيطان يبث خواطر الشر في النفس للاستفزاز : لقد أخذ منك ابنك ، أنت مظلوم ، لقد ضاع عليك مالك ، هذه الحياة قاسية عليك ، ... الخ ، فاذا ما استجاب الانسان لهذه الخواطر وترسبت في داخله ... ظهرت عليه مشاعر الحزن .. ثم تصير بكاءا ... فالاستجابة لهذه الخواطر يعني الوقوع في التسخط على قدر الله عز وجل .. لأن الله تعالى هو من ابتلى وقدّر ... وابتلاء الله سبحانه للانسان لا يكون إلا خيرا ... بالتالي فإن البكاء هنا كان بدافع المصيبة ...

أما دور الملك فيبث خواطر الخير ويعد بالحق : انظر إلى حكمة الله في أخذه لابنك ، انظر إلى رحمة الله في ذهاب مالك ، ابتلاؤه لك كفارة لذنوبك وتطهير لك ... الخ
فالاستجابة لخواطر الخير تُشعر المبتلى بعظيم محبة الله وحكمته ورحمته في قدره ... فيزداد المبتلى ايمانا باالله سبحانه ... فيخشع و يبكي رضى بما قدره الله له ويشعر حينها بالسعادة ... هنا كان البكاء بدافع الخشوع ...


أما البكاء بدافع الرقة والعطف والتراحم بين المؤمنين فهو محمود مالم يكن أصله خواطر التسخط التي سبق بيانها

ولايمكن أن نتصور وقوع الانبياء عليهم السلام في مثل هذه الثغرة الشيطانية ... ولا يُتصور منهم حزنهم على ذهاب شيء من الدنيا ... فلقد كانت حياتهم كلها لله سبحانه ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162] ... فهم أعلى الناس اخلاصا وصدقا ...

إذن ما تفسير بكاؤهم في المواقف التي وردت في النصوص ؟ كيف نجمع بين بكائهم وبين قول النبي عليه الصلاة والسلام


وإن كان النبيُّ من الأنبياءِ لَيُبتلَى بالفقرِ حتى يأخذَ العباءةَ فيجوبُها وإن كانوا لَيفرحونَ بالبلاءِ كما تفرحون بالرَّخاءِ

الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 5/76
خلاصة حكم المحدث: صحيح [لغيره]


لقد بكى الرسول عليه الصلاة والسلام على وفاة ابنه إبراهيم ... فبكاؤه كان بدافع الرحمة لهذه الطفل الصغير حيث جاء في الحديث :

وهذه رحمةٌ ، ومن لا يرحَم لا يُرْحَم ، يا إبراهيمُ لولا أنه قولٌ حقٍّ ، ووعدُ صادقٍ ، وسبيلُ مأتيّةٌ ، وأن آخرَنا يلحقُ بأولنا لحزنّا عليكَ حزنا هو أشدُّ من هذا ، وإنا بِكَ لمحزونونَ ، تبكِي العينُ ، ويُوجَلُ القلبُ ، ولا نقولُ ما يُسخطُ الربُّ

الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البغوي - المصدر: شرح السنة - الصفحة أو الرقم: 3/286
خلاصة حكم المحدث: حسن


إذن بكاؤه لم يكن لأجل المصيبة - فوات شيء من الدنيا - وهي الحرمان من الابن


أما يعقوب عليه السلام فلقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )[يوسف:84]
فالأسف هو الحزن مع الغضب ... ومع أنه عيناه ابيضت من الحزن وليس من البكاء كما جاء في النص ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ) إلا أن حزنه مؤكد ليس لأجل فوات شيء من الدنيا ( حرمانه من ابنه ) ... خصوصا أن له من الأبناء غيره الكثير ... لكن حزنه كان لأمر أخر أكبر من أمرالدنيا ... فلقد كان حزنه على ماسوّلت أنفس أبناءه من الكيد لأخيهم وهو يعلم مالا يعلموه (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ...

فلقد كان يعلم أنه سيكون ليوسف عليه السلام شأنا ... فضلا من الله وتكرما عليه كما جاء في قوله تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )[يوسف:6] ... فحزنه كان لله ولم يكن بدافع المصيبة - فوات الدنيا - وهي فقدان ابنه وحرمانه منه ... كما حزن رقة لما آل إليه حال يوسف عليه السلام وهذه رحمة بين المؤمنين ...


فالشيطان يتربص بالانسان ويستفزه كما جاء في قوله تعالى (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ )[الاسراء:64] ... والواجب على الانسان أن لا يستجيب لهذا الاستفزاز لابحزن ولا بغضب ولا بغيره ... فتصرف الصحابي رضي الله عنه في الحديث من سبّ للشيطان كان ردة فعل لغضب الصحابي الناتج من وقوعه في فخ الاستفزاز ... ولهذا وجهه النبي عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة بدلا من السب ... فاذا ما استعاذ خنس الشيطان وتوقف عن استفزازه ... بالتالي لن ينال الشيطان بهذه الطريقة مايريده من الانسان من الوقوع في فخ الاستفزاز ...

فالمعنى أن لايقع الانسان في فخ الشيطان فينال الشيطان منه مايريد فيفرح بذلك


أما البكاء حال الندم من الذنوب فإن لم يكن مصحوبا بالعزيمة الصادقة والعمل الصالح فهو بكاء كاذب...

هذا والله تعالى أعلم



رد مع اقتباس