عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 06-12-2014, 05:08 AM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,730
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

من الأهطاء العظيمة التي وقع فيها المسلمون .. والتي هي من علامات النفاق .. ومنه النفاق المبين والظاهر للناس وليس الخفي الذي لا يعلمه إلا الله تعالى .. فالمسلم يتوب عن أخطاءه ولا يتوب عن عيوبه ويخدع نفسه بأن التوبة وهي الإقلاع عن الذنب أمر كاف لإصلاح نفسه .. والحقيقة أننا لا نفرق بين العيوب وأمراض القلوب وبين الذنوب والمعاصي

فمهما أقلعنا عن الذنوب والمعاصي فحتما سنقع فيها مرة أخرى ما لم نصلح عيوب قلوبنا ونشفى من أسقامها المتسببة في إقبالنا على اقتراف المعاصي من جديد والوقوع فيها مرارا وتكرارا .. لأن سبب تكرار الوقوع في المعصية هو تعلقنا بمعصية القلوب لا بمعصية الجوارح

فقد شغلنا أنفسنا بإصلاح الأخطاء عن إصلاح العيوب المتسببة في تلك الأخطاء .. لذلك نحن نفشل دائما في التقدم في حياتنا بسبب تراكم العيوب ونهمل الاستغفار للذنوب .. قد نتوقف عن الذنب لكن السبب فيه هو مرض القلب ما لم نعالجه .. وبالتالي ففساد القلوب هو السبب في خراب دنيانا وحرماننا الأرزاق

الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّنٌ، وبينهما مُشَبَّهاتٌ لا يعلمُها كثيرٌ من الناسِ، فمَنِ اتقى المُشَبَّهاتِ استبرَأ لدينِه وعِرضِه، ومَن وقَع في الشُّبُهاتِ : كَراعٍ يرعى حولَ الحِمى يوشِكُ أن يواقِعَه، ألا وإن لكلِّ ملكٍ حِمى، ألا وإن حِمى اللهِ في أرضِه مَحارِمُه، ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ .

الراوي: النعمان بن بشير المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 52
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

فكما أن قلب الإنسان إن فسد أو أصابه عطب تعطل سائر الجسد وفسدت آلته .. كذلك قلب الإنسان إن فسد فسدت كل أعماله وخربت ثم يحرم بسبب هذا الرزق في الدنيا ورزق الآخرة .. فيخسر دنياه وآخرته

القلب الخرب دائما ما يحاول صاحبه التملص من الإقرار والاعتراف بعيوبه .. يسشتعر حمى ونارا تتأجج في جسده كله إن ذكره أحد بعيوبه فيستشيط غيظا وكمدا .. وتقريبا هذا العيب موجود فينا جميعا عز أن يوجد إنسان بدونه .. والقلب العامر يتغلب على كل هذا الضعف بمواجهة عيوبه والإقرار بها لا التملص منها

يجب أن نتعلم روح مكاشفة الذات بعيوبها .. وهناك فارق بين كشف الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها وهذا منهي عنه .. وبين كشف العيوب لمعالجتها .. فالنفاق داء عضال متفشي في الأمة فلا يكاد يسلم منه أحد .. فتختلف نسبة النفاق من شخص للآخر ومن وقت للآخر .. وإن لم نقر ونعترف بوجود هذا العيب فينا فمحال سنتمكن من التخلص منه وعلاجه ..

ليس المطلوب تقديم كشف باتفاصيل أنواع المعاصي والذنوب التي اقترفناها .. لكن المطلوب الإقرار بعيوبنا وأمراضنا لعلاجها .. فالحسد والغل مرض يترتب عليه اقتراف معاصي وذنوب لا حصر لها من العداوة والبغضاء والشحناء .. إلخ ..

الكبر مرض عضال يترتب عليه اقتراف معاصي وذنوب لا حصر لها من الكذب والتضليل والمراوغة والانصراف عن الحق .. إلخ ..

الأنيانية مرض عضال يترتب عليه اقتراف معاصي وذنوب لا حصر لها من الترفع على الناس والإحساس بأنه خير منهم .. فيزيح هذا من طريقه ويصرف هذا وذاك من أمامه ليخلو له الأمر كله .. فالأنانية مرض عضال يتسبب في الحسد .. والحسد يتسبب في العداوة .. إلخ

ما دفع بليس لحسد آدم عليه السلام هو الأنانية لقوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف: 12] .. فإبليس رأى نفسه خيرا من آدم عليه السلام (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ) فبدأ بكلمة (أَنَا) من الأنانية والعجب بالنفس .. فأعجبته نفسه .. وفرح بنفسه فرآها تستحق ما لم يصفه الله عز وجل إليها من خير .. ففرح الإنسان بالخيرات هو دليل على أنانيته وحبه نفسه .. فلما رآها نالت من الخير ما نالته .. قالت له نفسه: "لولا أنك لست أهل لهذا الخير ما ساقه الله إليك .. أنت عظيم .. أنت حسن .. أنت ليس لك مثيل .. يا فرحتي يا فرحتي بهذا النجاح ......."

فمن يفرح بالدنيا الفانية هو إنسان أناني .. يحب الأنا .. أي يحب نفسه .. معجب بنفسه .. يراها حسنة تستحق كل خير رغم ما فيها من أسقام وعيوب .. ومن فرط غباءه ظن أن الله أتاه ما آتاه من الدنيا ليس إلا لأنه أهل لهذا الجزاء الحسن .. ونسي هذا المغفل أنه الله ما ساق إليه ما ساقه من خير إلا ليبتليه ويمتحنه ...

قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص: 76؛ 78]

فقارون كان معجب بنفسه .. رآها أهل لهذا الخير كله .. وأنه أحق بهذا الخير وحده دون غيره .. فدخل قلبه الفرح والسرور با حققه .. وبدلا من أن يتقرب إلى الله بما وهبه إياه بغى على قومه وجحد فضل الله عز وجل عليه (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)

على سبيل المثال من ينجح في دراسته ويتفوق .. نجده يفرح فرحا شديدا وكأنه صاحب إنجاز غير مسبوق .. رغم أن هناك عباقرة أفذاذ أحق منه بما وصل إليه لكن الفرصة لم تتاح لهم مثله لأن الله لم يقدر له الوصول إلى ما وصلوا إليه .. وهذا الغر الناقص من فرط عجبه بنفسه وانبهاره بها نسي أن الله ما وفقه إلى ما وصل إليه إلا ليبتليه ويمتحنه ويفضح له عيوبه في سجلات أعماله .. فإذا جاء يوم القيامة فضح وأبلس .. ولكن اللبيب الحصيف يتنبه لهذا ويسارع فيصلح من عيوبه وأسقامه وأمراض قلبه .. ويتخلص من هذه الأوساخ التي علقت به وبنفسه

ومن علامات العجب بالنفس حب مديحها والثناء عليها وإطراها بكل ما هو ممدوح من القول والفعل .. فيكون هذا باب السوس الذي ينخر في قلبه ودينه ويدمره .. دائما يلمع من صورته .. حريص على إظهار نفسه في أفضل صورة حسنة ليبهر الناس ومن حوله به .. دائما يجمل من نفسه ويستر قبحها .. كأن ذاته صنم معبود داخل محراب التقديس وجب على الكل الخضوع داخله بسسكينة ووقار تقديسا لها وتمجيدا .. حب الذات قد يصل بالإنسان إلى حد الشرك الصريح .. فيصل هذا المريض إلى حد العمى فلا يرى إلا نفسه وينسى الله عز وجل .. وهذه هي الأنانية الفرعونية قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) [القصص: 63]

فلا يرى إلا محاسنه وفي المقابل لا يرى إل عيوب الآخرين فيسلط لسان الطعن والذم فيهم لقوله تعالى: (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 52]فهو يرى نفسه خير من موسى بدليل ما يملكه من ملك عظيم .. وفي المقابل لا يرى إلا عجز موسى عليه السلام عن البيان



رد مع اقتباس