الطفل والتربية الصحيحة!
الطفل بين الفطرة السليمة والتربية الحكيمة!
بقلم بادية شكاط
كثيرا ماتنبت زهرة الطفولة كزهرة برّيّة، لانراها بديعة إلاّ برعاية مِن الطبيعة،فهي دوما تحتضر ولزخّات المطر تنتظر،فإذا أصابتها إهتزّت ورَبَت وإذا لم تُصبها جفّت وذبُلت،فالآباء غالبا لايعرفون للأبوّة مِن معنى غير سَدّ جوع وكسر ضلوع،فكان لزاما أن يكون لكلّ أب وأم قبل شهادة قيادة السيّارة قيادة الأسرة بمهارة ،والتّربية بجدارة.
فالتربية هي التعمق في سيكولوجية الطفل،وإدراك حاجاته النفسية قبل الجسدية،مِن تحسيس بالأمان،الحب والحنان ،وترك مساحة للحرية والإستقلالية،وتقدير إجتماعي يصبّ في التّقدير الذّاتي ،مِن تحفيز على أبسط الإنجازات ومشاركة في مختلف الهوايات،فلابأس بإشعارالطفل أنه مناط تقديروتوقير،فنجعله تارة ضيف شرف كريم وتارة أخرى المضيف الحكيم،كذلك مِن المهم أن نشعره أنه قادرعلى إتخاذ القرارفنجعله يقرّر مثلا مكان إقامة النّزهة بمنحه جملة مِن الخيارات،فنكون نحن أصحاب الإختيار وهو صاحب القرار،كما لانؤنبه أمام أقرانه ،أمّا الضّرب فإعلان لدماره ،قال عليه الصّلاة والسّلام:" إنّ الرّفق لايكون في شيء إلاّ زانه ولايُنزع مِن شيء إلاّ شانه "وكذلك علينا أن نجعل مِن رسولنا عليه الصّلاة والسّلام الأسوة الحسنة ،قال عزّوجل:{لقد كانَ لكم في رَسُولِ الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} سورة الأحزاب.
فيكون بذلك البديل الصّحيح عن الممثّلين والممثّلات ومايسمّون بالكواكب والنّجمات،فنؤسّس لأهم لبنات بناء الشخصيّة السويّة صاحبة العزيمة القويّة والثقة بالنّفس والإعتزاز بالهويّة.
والثقة بالنّفس لاتبنى بأن يُعَوَّد الطّفل على سماع أروع المنادات مِن:متخلّف،غبي وصاحب الإخفاقات، كما لاتُبنى بأم همّها تحضير أشهى الأطباق والأكلات،بل بأمٍّ تعيش كلّ لحظة لطفلها ،وكأنّ طفولتها قد بُعثت للحياة،أم تجيب عن كلّ التساؤلات باهتمام وحنان دون زجرٍ أو نهر،أمّ تتصيّد الحسنات بكثير مِن الثّناءات والتّحفيزات،وتجتثّ جذورالسيّئات بنًهي يُفهَم معه القصد والغايات،بعيدٍعن كلّ المقارنات،أم ترسم المخطّطات لبناء شخصيّة هذا الّطفل ليكون مِن العظماء،هِممه تُناطح السّماء ،ولايعرف لدناءات الأمور أسماء،ولد صالح ينفع بالدّعاء يوم لاينفع بكاء أو رجاء،يقول عليه الصّلاة والسّلام:" إذا مات الإنسان إنقطع عمله إلاّ من ثلاث:صدقة جارية،أو عمل يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له"
فتنجح بذلك في تحقيق أسمى الغايات كما نجحت قبلها كثير مِن الأمّهات العظيمات كأم الإمام الشّافعي ،الذي حين توفي والده وعمره العامين عانت هي وطفلها البؤس والفاقة ،غير أنّها كانت على قدر من العلم والفهم ،فأرادت أن يكون ولدها عالما يملأ علمه الآفاق مهما تكدّر العيش أو ضاق،فدفعت به إلى مكّة يُقرئ الصّبيان ،ولأنّها كانت تعاني الحرمان فقد عجزت عن دفع أجرة العلم ،لكن بفطنتها وذكائها جعلت الطّفل يَلقف من كلام شيخه ويعلّم بقيّة الأقران ،وعندما تنبّه لأمره المعلّم سُرّ واكتفى أن يكون ذلك بديلا عن الأجر، وبقي على ذلك الحال إلى أن حقّق المنال وحفظ القرآن، وهو دون العاشرة من عمره،ثم لمزيد من الإتقان سافر وعمره ثلاثة عشرة سنة للمسجد الحرام ،فأخذ التلاوة والتّفسير،أمّا للتّدوين فقد كان يلتقط العظام العريضة ليكتب عليها ،أو يذهب للدّيوان ويجمع الأوراق المهملة لغلاء سعر الأوراق.
أمّا مايُذكر عن الإمام أحمد بن حنبل فلا يختلف كثيرا عن الشافعي،فقد نشأ هو أيضا يتيم الأب بائسا فقيرَا، حفظ القرآن الكريم وعمره عشرسنوات،وروى عن نفسه قائلا:"كانت أمّي توقظني وتُحمّي لي الماء وتُلبسني اللّباس ،ثمّ تتخمّر وتتغطّى بحجابها وتذهب معي إلى المسجد لأنّ المسجد بعيد والطّريق مظلمة" ويروي أيضا أنّه لمّا بلغ السّادسة عشرمن عمره أمرته بالسّفر لطلب الحديث قائلة:"إذهب إلى طلب الحديث،فإنّ السّفر في طلب الحديث هجرة إلى الله الواحد الأحد ثمّ قال :فأعطتني متاع السّفر، ولأنّها ماتملك شيئا،أعطته مايقارب عشرة مِن أرغفة الشّعير وضعتها في بقشيّة من القماش معه،ووضعت معها صرّة ملح،وقالت:يا بني إنّ الله إذا استُودِع شيئا لايُضيّعه أبدا،فأستودعك اللّه الذي لاتضيع ودائعه.
كما يروي مالك بن أنس قول أمّه له :"يا مالك تفرّغ لعلم رسول الله وأنا أكفيك بمغزلي "،وهي التي كانت تغزل على نور القمروعندما يمرّ مَن بمالهم شبهة يحملون سُرجا تتوقّف عن الغزل حتّى لاتُدخل درهم شبهة إلى مالها .
ولا يمكن أن تتحقّق مثل هاته التّربية الرّاقية إلاّ باتّباع لهدي نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام الذي قال وهو الذي لاينطق عن الهوى:" أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم،وحبّ آل بيته،وتلاوة القرآن،فإنّ حملة القرآن في ظلّ عرشه يوم لاظلّ إلاّ ظلّه مع أنبيائه وأصفيائه"
فالبيوت ينبغي أن تكون حيطانها حب واهتمام ،وسقوفها حفظ مِن الآثام ،وأساساتها كتاب الله وهدي خير الأنام عليه أفضل الصّلاة والسّلام.
التعديل الأخير تم بواسطة أمل بالله ; 01-06-2015 الساعة 09:19 PM
|