من الشائع بيننا اليوم في المناسبات السعيدة والأفراح [الرقص] ما يمارسنه الفتيات والنساء فضلا عن الرجال في أحيان كثيرة جدًا، ولا مانع مطلقًا أن ترى تبادل
الرقص مع الرجال والنساء، هذا فضلا عن استئجار الراقصات المشهورات وأخذ الصور التذكارية معهن، وصار الناس يتفاخرون فيما بينهم بإحياء الراقصات شائعات الصيت لاحتفالاتهم، ويتباهون بالمبالغ الباهظة التي يدفعونها إلى هؤلاء الراقصات، خاصة اللاتي يمارسن ما يعرف بالرقص الشرقي والمنتشر في الملاهي الليلية، حيث تستعرض الراقصة مفاتن جسدها بحركات إغرائية مثيرة للغرائز، ولا خلاف بين
الرقص الشرقي ولا الشعبي ولا ما يعرف بفن (البالية) فكله عرى و استعراض لمفاتن الجسد، سواء كان بغرض الفن و الإبداع أو إثارة الغرائز، فالأصل في
الرقص أنه طقس من الطقوس السحرية والوثنية، بخلاف أن العرى فيه إهانة لخصوصيات الجسد، وابتذال لمفاتنه، وعامل مؤثر من عوامل إلهاب السعار الجنسي وإشعال جذوته، وهذا يعد إهانة صريحة لكرامة الجسد البشرى وحسنه في مقابل إهانة الجسد الشيطاني ومسخه وكأن إبليس يهزأ ببني آدم قال تعالى: (
يَا بَنِى ءَادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمَآ) [
الأعراف: 27].
فإن الرقص الطقوسي:
(هو
الرقص الذي يؤدى وفقا لشعائر أو مبادئ معينة وتصاحبه أعمال وأدوات تقليدية، ومنه
الرقص الديني، والجنائزي... وفى
الرقص الطقوسي يتدخل العامل الديني أو السحري ويستخدم كعامل أساسي في
الرقص لمحاربة قوة خفية والانتصار عليها). ()
وهنا يجب أن نتنبه إلى شيء هام قد يوضح لنا الفارق بين مجرد العادات بوجه عام وبين العادات السحرية بوجه خاص، من حيث مخالفتها للفطرة السليمة والذوق العام، فهي تشكل ممارسات شاذة لا تقبلها الفطرة السليمة طالما انحرفت عن ذلك المسلك القويم، وبتتبع منشأ
الرقص يتبين ارتباطه بالكفر والوثنية، مما يكشف فساد
الرقص والراقصون واستحلالهم لهذه الممارسات الشاذة ذات الأصل الوثني.
بدأ
الرقص في نشأته الأولى كطقوس سحرية كان يقصد منها جذب الحيوانات المرغوب فيها، (من ذلك أننا نجد أن بعض الرقصات إنما هي محاكاة أو تقليد لحركات حيوانات بعينها، وأنها سبب أن تؤدى كشيء مرغوب فيه من وجهة نظر الصياد البدائي بغية اجتذاب هذه الحيوانات أو اقتناصها بطريقة سهلة).. فهم كانوا يتعبدون الشياطين كي تساعدهم في اقتناص الصيد، فكان
الرقص يعد طقسا تعبديا رجاء عونهم على الصيد، واستمر
الرقص كطقوس سحرية إلى مرحلة الزراعة أملاً في نمو النبات والخصوبة، (أما رقصات الحرب، والرقصات الشعائرية (الطقوس Ritu) فقد ظهرت متأخرة عندما بدأ الإنسان يذهب إلى الحرب ويعبد الأرباب، ويليها رقص الحلقات الجماعية، الذي كان تعبيرًا انفعاليًا عن أفراح الإنسان وأحزانه).()
(في العبادة القديمة لدى الإغريق للإله ديونيسوس (الذي يعرف أيضًا باسم باخوس) كان ذلك الإله الخامل، إله الخمول والرخاوة، يعبد من خلال
الرقص الانتشائي العنيف المدفوع الذي يعين على استمراره المضغ لأوراق اللبلاب ولنباتات الفطر. كانت تلك الطقوس _ التي كانت تتم في حماية مجموعة من النساء يطلق عليهن اسم الـ Bakkai تحدث على الجبال في الشتاء وتنتهي بالقتل الرمزي لديونيسوس الذي كان يتمثل على هيئة عنز (Teagos) يتم قتلها وتقطيع أوصالها وأكلها نيئة. هكذا يصبح المحتفلون متعصبين دينيين مفعمين بالحماسة Rnthusi(stikos (يحملون الله بداخلهم) فيما بعد. كانت دويلات عدة تقيم احتفالاتها بديونيسوس، وقد انتقلت هذه الاحتفالات إلى الربيع بدلا من الشتاء، وكانت دائما مفعمة بالابتهاج والسرور الخاص بالترجوياداى Tragoidiy أو أغاني الماعز Goat Songs. ومع نهاية القرن السادس قيل الميلاد أصبح الاحتفال بدنيسوس مكرسًا على نحو خاص لتقديم المسرحيات التي نطلق عليها الآن اسم المسرحيات التراجيدية).()
رقص سحرة الفوودوو voodoo
وفي جزر (هايتي) و(البرازيل) ينتشر نوع من السحر يسمى (الفودو Voodoo)، وفيه يستخدم السحرة
الرقص كوسيلة لاستحواذ شياطين الجن على أجسادهم لتحقيق أهدافهم الشريرة. (ويجتمع القائمون بهذا الأمر في احتفال راقص، ويزعمون أن الروح تستولي على جسد امرأة، فتقوم تلك المرأة برقصة، وهذه الرقصة جزء من هذه الشعوذة التي يضحك فيها الشيطان على عقول البشر. ويستخدم في (الفودو) الدمى ومشية الموت ليجلبوا المرض والموت إلى الشخص الذي يريدون أذيته، وخلال الترانيم السحرية يستخدمون الدم والمنى والنباتات السامة وبقايا الجثث الآدمية. ويلاحظ أن ممارسي هذا النوع من السحر يصابون بنوع من الصرع، يتبعه دخول روح (أزرويل) في الشخص الذي يقوم بالرقص، ويزعمون أن المرأة التي تدخل الروح جسدها لا تشعر بجسدها، ولكنها تشعر بوجود قوة تتجه لتفجير رأسها، وتبقى على هذه الحال لمدة ثلاث أو أربع ساعات إلى أن يحدث السحر. ومن الضلال الذي يصاحب هذه الديانة الكفرية أن المرأة التي تقوم بهذه الرقصات يسمح لها بالزواج من عدد من الرجال بقدر عدد الخواتم التي كانت تلبسها، كما أنه يجوز لها أن تقيم علاقات أخرى مع الرجال من غير زواج بالقدر الذي تراه. وعند الانتهاء من
الرقص تطلب الروح المرطبات أو المشروبات الكحولية، وتطلب نقلها على كرسي لتنام ثم تفارق بعد ذلك جسد المرأة).()
والآن وقد صار
الرقص يمارس من باب المرح والتسلية والوجاهة والفخر، حيث لا تكاد تخلو منه مناسبة اجتماعية أو قومية أو حتى دينية إلا وجدت ذلك
الرقص الفردي أو الجماعي، حيث يتشارك فيه الرجال مع النساء في هز أجسادهم والتمايل، وللأسف أن فاتورة هؤلاء الراقصين تدفع من رصيد الأمة، وعلى حساب الفقراء والمرضى الذين لا يستطيعون
الرقص ولا التحرك بالمرة. حيث يقدم هذه الاستعراضات ما يعرف بالفرق الاستعراضية والفنون الشعبية، والتي كثيرًا ما استغلها القوادين والديايثة ستارًا لترويج الدعارة والتسويق لسلعته الرديئة، والإيقاع بالساذجات والساقطات، حيث نجد في الجرائد الرسمية إعلانات تطلب [فتاة ذات مظهر حسن]، و[مواهب جديدة للانضمام في فرق الفنون الشعبية]، ومثل هذه الفرق لا تمارس نشاطها المشبوه داخل البلاد فقط، بل تنتقل إلى الدول المحيطة لنشر فجورها في خارج البلاد، وهكذا تنتقل الدعارة باسم
الرقص والفن إلى الخارج، بينما نحن نشجع هذه الفرق ونصفق لها وندفع لها من قوت المساكين الذين هم أولى بهذه الأموال، وليمارس البغاء سرًا تحت مسمى
الرقص والفن، بعد أن كان يمارس جهارًا في منطقة ((الأزبكية) وما يتفرع عنها من مناطق (ككلوت بك) و(وش البركة) و(الوَسَعَة) حيث كانت خلال النصف الأول من القرن العشرين تمثل حي البغاء في القاهرة حتى صدور قرار الحكومة (1949) بإلغاء البغاء الرسمي في مصر).() وكان وراء إلغاء قانون البغاء في مصر، البرلماني الثائر الأستاذ (سيد جلال) (1901_ 1984).
(قد أشار تقرير عصبة الأمم 1927م: إلى أن هناك طائفة من الفتيات يجد سماسرة الأعراض بينهن موردًا عظيمًا لا ينضب، وهذه الطائفة من الممثلات و(الراقصات) وفتيات المسارح والحانات وأمثالهن، ومما يدعو إلى الأسف أن كثيرًا من مديري تلك المسارح والحانات، يشترطون في الفتيات اللاتي يستخدموهن، أن لا يرفضون بيع أعراضهن إذا طلب منهن ذلك، هذه هي الصورة الغربية التي يجب أن تكون أمام المرأة المسلمة، وهى تقرر موقفها من هذه الحركة الضالة التي تقودها القوى الأجنبية في بلادنا، ولقد كانت حركة تحرير المرأة في أوائل هذا القرن مؤامرة خطيرة استهدفت، كما وصفها الأستاذ محمد فريد وجدي، تدهورًا مروعًا في الآداب العامة وانتشار مفزعًا لمبدأ العزوبية وأصبحت جلسات المحاكم غاصة بقضايا هتك الأعراض وهرب الشابات.. إلخ). ()
ومن الجدير بالذكر أن أصحاب فرق
الرقص الشعبي يقومون باقتباس تصميم حركات
الرقص من الزار والحضرات والطرق الصوفية، وإدخالها في الرقصات ليعطوا إيحاءً زائفًا للمتلقي بالجو الإسلامي، مما يشوه صورة الإسلام، بوجه خاص في تلك الرقصات الدينية في ذكرى مولد الرسول الكريم r، وفي ذكرى الهجرة، فنجد المباخر والأوشحة الخضراء والضرب بالدفوف والتمايل والتفقير، وكل ذلك في جملته يعد
طقوس وثنية يتعمدون إلصاقها بالإسلام وأتباعه، في حين أن الله ورسوله والمسلمين أبرياء من فعلهم.
فما نراه مشاهدًا اليوم من رقص في حلقات [الزار] ما هو إلا
طقوس يتعبد بها الشيطان والجن، ذلك ما يطلقون عليه [التفقير] وهو تلك الحركات العنيفة والمتنوعة التي تقوم بها الملبوسات حيث يقمن بهز جميع أعضاء جسدهن لتنتهي بالصرع والإغماء، فلكل جن رقصة خاصة به، ويتضح لنا من ذلك أن
الرقص كحركات إيقاعية سواء مرتبطة بالموسيقى والغناء أو بالنشوة والمرح فهو ذو ارتباط وثيق بالوثنية وعبادة الشيطان من خلال
عبادة الأوثان على اختلاف أنواعها، حيث يهز المتعبدون الصدور والأرداف والأيادي خيلاء، يستعرضون فيها مفاتن أجسادهم أمام الشيطان أملا في نيل رضاه والحظوة عنده، أما اليوم فيمارس لإرضاء شياطين الإنس فضلا عن إرضاء شياطين الجن، هذا برغم أن الشرع يأمرنا بستر العورات وصيانة الجسد عن كل نقيصة ورذيلة قال تعالى: (
يا بَنِى ءَادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمَآ) [
الأعراف: 27] ولقد حذرنا عز وجل من تلصص الجن ونظرهم إلى عورات بنى آدم فقال تعالى: (
إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [الإسراء: 37].
قال أبو الوفاء ابن عقيل: (قد نص القرآن على النهى عن الرقص، فقال عز وجل: (
وَلا تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحًا) [
لقمان: 18] وذم المختل، فقال تعالى: (
إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [
لقمان: 18]، والرقص أشد المرح والنظر أولسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر، فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب؟ وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص؟ فكيف إذا كان شيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان خصوصًا إذا كانت أصوات نسوان ومردان، وهل يحسن بمن يبن يديه الموت والسؤال والحشر والصراط، ثم هو إلى إحدى الدارين صائر أن يشمس بالرقص شمس البهائم، ويصفق تصفيق النسوة ، والله لقد رأيت مشايخ في عصري ما بان لهم سن في تبسم فضلا عن ضحك مع إدمان مخالطتي لهم، كالشيخ أبي القاسم بن زيدان، و عبد الملك بن بشران، و أبي طاهر بن العلاف، والجنيد، والدينوري). ()
الرقص عبادة جنسية:
(ونجد أن العرى لم يكن بالظاهرة المثيرة عند المصريين القدماء، فلقد كانت الفتيات يرقصن وهن عرايا، أو مرتديات عباءات مفتوحة من أمام _ حول القارب المقدس _ أثناء إجراء المراسم الدينية، وبمصاحبة الموسيقى، وكن يعملن بعريهن التام أو الجزئي على طرد الأرواح الشريرة… وكان الملك أو من ينوب عنه مضطرًا إلى ممارسة الرقص في أعياد الحصاد إكرامًا للمعبود (مين) إله الخصب).()
(والواقع أن دور الغوازي في مجتمعات القرون الماضية إن هو إلا امتداد للدور الذي كانت تقوم به كاهنات المعابد المصرية القديمة، وبالطبع لم يكن لهؤلاء الكاهنات وجود في ظل الديانة الإسلامية، إلا أنه يبدو أن فئة الغوازي استطاعت أن تحتل مكانة الكاهنات القديمة في نفوس النساء فكن يطفن بالأهالي ويرشدن ربات البيوت إلى حل بعض مشكلاتهن وإلى الذوق في الملبس وطرق تصفيف الشعر وطريقة الكلام والحركة ويعلمن الزوجات كيف يعاملن أزواجهن ونوع الحديث ويرشدنهن إلى خير طريقة لاستعمال الكحل والعطور ولبس الحلي وغير ذلك من مشكلات تدخل في صميم ذوق المرأة) أضف إلى ذلك قيامهن بقراءة الكف والرمل والودع، وقيامهن ببعض الأعمال السحرية وصناعة الأحجبة ودق الوشم). ()
يقول أستاذ الأنثروبولوجيا (برنسلاو مالينوفسكى) لقد اعتبر الجنس على وجه الخصوص في كثير من الأحيان من بعض المؤلفين القدماء حتى مدرسة التحليل النفس، المصدر الرئيسي للدين. رغم هذا، في الواقع، يلعب دورًا غير مهم، بدرجة تثير الدهشة في الدين بالنظر إلى قوته وتغلغله في الحياة الإنسانية عمومًا. بالإضافة إلى سحر الحب واستخدام الجنس في ممارسات سحرية معينة وهى ظواهر لا تنتمي إلى مملكة الدين. يبقى أن نشير هنا فقط إلى الأعمال الإباحية في احتفالات الحصاد أو التجمعات العامة الأخرى، حقائق الدعارة المقدسة (في المعبد) وعند مستوى البربرية والحضارة الدنيا،
عبادة الآلهة الفالوسية (للعضو الجنسي). على العكس مما قد يتوقع المرء في المرحلة الهمجيه Savagery تلعب عبادات الجنس دورًا غير مهم، يجب أن نتذكر أيضًا أن أعمال الإباحة الاحتفالية ليست مجرد تساهل، بل إنها تعبر عن نزعة التبجيل نحو قوى الخلق والخصوبة في الإنسان والطبيعة، قوى يعتمد عليها صميم وجود المجتمع والثقافة. لقد كان على الدين، المصدر الدائم للسيطرة الأخلاقية، الذي يغير حدوثه لكنه يظل يقظا أبديا، أن يوجه انتباهه إلى هذه القوى، في البداية يجذبها فقط إلى مجاله، فيما بعد يخضعها للكبت، أخيرًا يقيم مثال العفة وتكريس الرهبانية).
وإن كنا لا نتفق مع ما انتهى إليه من الكبت والرهبنة، ولا نتفق مع ما ذهبت إليه مدرسة التحليل النفسي من القول بأن الجنس هو المصدر الأساسي للدين، كوجهين متضادين وشاذين، فقد جاء الإسلام لينظم تلك الغريزة، فوضع الضوابط الشرعية لحفظها وصيانتها عن الممارسات الشاذة التي قد تؤدى إلى تدمير النظام الديني والاجتماعي والأخلاقي. ولهذا جاء السحر الذي هو دين الشيطان ليضاد توجهات دين الفطرة فنجد
عبادة العضو الذكرى، وزنا المحارم، واستخدام المنى ودماء الحيض وعموم النجاسات [خاصة المرتبطة بعموم إفرازات الأعضاء التناسلية] كمداد نجس يكتب به [كلام الله] عز جاره وجل ثنائه، في تعبير صارخ ينم عن محاربة صريحة لله عز وجل، وازدراء للدين تقربا للشيطان.
(وهناك نشاط آخر تشيع ممارسته بين الكهنة -السحرة ويتمثل في طرد الشياطين أو الأرواح الشريرة التي سيطرت على شخص ما أو امتلكته، ويتم هذا من خلال تكرار الضرب للمريض أو تغطيسه في ماء بارد أو إلقاء بعض النصائح أو التحذيرات اللفظية له، وتسمى هذه الممارسات بالرقى أو التعويذ Exorcism. تعتبر
طقوس الكهنة - السحرة من الأمور الأساسية بالنسبة لتشكيلة متنوعة من فنون الأداء. فالسحر والشعوذة، والخدع الإدراكية، والكلام من البطن، والأكروبات، وأفعال المهرجين، وأكل النار، وتحريك الدمى (أو العرائس) والتنويم المغناطيسي على خشبة المسرح، والحفلات التنكرية، وفنون المكياج، يبدو أنها كلها مشتقة من الأفعال الغريبة للكاهن الساحر، ويعتقد بعض المؤرخين أن
الرقص والغناء والتمثيل قد نشأت أيضًا، وإلى حد ماأيضا، من المصدر نفسه).()
وإن كان
الرقص لا يؤدى اليوم بقصد ممارسة
طقوس سحرية مباشرة يتعبد بها الشيطان ويتقرب بها إليه، إلا أن
الرقص لازال مظهرًا شاذًا وخدش للحياء، حيث استمرأ
الرقص رغم ما يسوده من العرى وإثارة الغرائز وإشعال جذوة السعار الجنسي، وتحريض على الفسوق والفجور، سواء سموه
الرقص الإيقاعي، أو التوقيعي، أو البالية، أو الشرقي، أو البلدي، أو الشعبي، أو فردى، أو ثنائي، أوجماعى،...إلخ، فهو لا يخلو من فساد بين لا يخفى ويتعارض مع الدين والمروءة والحياء والفطرة السليمة، والعبرة ببطلان الأصل والمنشأ كعبادة وثنية تبطل عموم الرقص، فالرقص لا يقف عند حد المرح وإثارة الغرائز فقط، بل هو في الأصل إحدى الطقوس الوثنية التي يتقرب بها إلى الشيطان، لأن
الرقص في حقيقته هو إحدى صور ممارسة
طقوس (الدعارة المقدسة) الذي يأثم فاعله ضد (الزواج الشرعي) الذي يثاب فاعله، مما يعد مواجهة صريحة بين (السنة الشيطانية) في مواجهة (السنة الربانية)، وبين
عبادة الله وعبادة الشيطان من خلال السحر الذي هو في حقيقته دين إبليس عليه اللعنة، عن طريق
الرقص وعبادة الذكر كرمز للعضو المنتج في الإنسان الرجل.
الرقص الشرقى عبادة وثنية فرعونية:
الرقص المقدس في كثير من المناسبات: في الأعياد (عيد السد Sad، وذكرى إقامة عمود الجد، وعيد أوبت Opat، وموكب السفن)… وفى أثناء الاحتفالات بطقوس صحور الدينية، وأمامها كان الفرعون: (يأتي ليرقص، ويأتي ليغنى، انظري أيتها الملكة، كيف يرقص، انظري يا زوجة حورس، كيف يقفز)... من الصعب أن نتخيل الرقصة كلها برؤية الحركات المصورة في لحظة معينة واحدة. وقد درس الأستاذ السويسري (هنري فيلد)، المتخصص في الآثار المصرية، جميع مناظر
الرقص هذه فتعرف على هذه الأوضاع والخطوات: تبقى القدمان ساكنتين بينما تقوم الذراعان والأرداف بحركات عنيفة (طليعة بعيدة لرقصة العوالم المصريات الحديثة).()
إذًا فمنشأ
الرقص الشرقي كان في مصر، حيث كان يتعبد به الأوثان ومن ورائها الشيطان، فالرقص في الأصل يعد طقس من الطقوس السحرية الوثنية لاسترضاء الآلهة والشيطان، ولكنه يثبت كعبادة بنص فرعوني في تعاليم الحكيم آني (الغناء والرقص والبخور هي وجبات الإله، وتقبل العبادة، هي من حقوقه).()
( ومن الخطأ الظن بأن هذه الممارسات أعنى ارتباط السحر بالرقص، كانت مقصورة على الإنسان البدائي، لأنها ظلت مستمرة حتى مرحلة الزراعة، ومثل هذه الممارسات التي كان يقصد منها اجتذاب الحيوان المرغوب فيه، يمكن أن تتحول لكي تؤدى إلى نمو المحاصيل الزراعية... وفى بعض الأحيان يكون الغرض من
الرقص هو إبعاد القوى الشريرة فحسب، وذلك يفسر لنا وجود رقصات السيف عند الزواج، وفى الجنازات، فبعض الرقصات الجنائزية يكون القصد منها هو أن تحمى الميت من عقاب خصمه في الحياة. هذا ولقد مارست المجتمعات البدائية رقصات الحرب، سواء قبل زحف الجيوش، أو بواسطة النساء أثناء المعركة، لما لها في اعتقادهم، من خصائص سحرية كاملة. هذا وسوف نجد أن رقصات الحرب قد تطورت وأصبح غرضها الأول هو إثارة القتال لدى المحاربين).()
الرقص الدينى:
فإذا كان
الرقص في عصرنا الحالي قد اتخذ كتعبير عن الفرح والحزن والمرح، إلا أنه في أصل اتخذ كعبادة وثنية وطقوسًا سحرية بغية النمو والخصب ودفع الأرواح الشرير، وإبعادها وهناك رقصات مخصوصة في كل ذلك فهناك رقصات الخصب والرقص الجنائزي ورقص الضحية ورقصات النصر ورقصات الحرب والرقص الديني على مختلف الديانات وبالتالي يسقط القول باستحلال
الرقص الديني عند الصوفية.
درويش صوفي يرقص (السودان)
(إن حالة (الوجد) هذه التي تحدثنا عنها تعنى بالنسبة للعابد، قديمًا وحديثًا، أن الإله قد دنا منه، إنه ليس في حضرة الإله فحسب، بل إن الإله قد حل في بدنه فعلا، إنه قد صار متحدًا مع الإله، إننا نجد المثال الواضح لهذا القول في (باكستان)، حيث نرى أ، تمايل الرأس يعتبر جزءا من الشعائر المشتركة عند الدراويش. وعندما يتم بلوغ حالة الوجد الضرورية نجد أن الدرويش يعلن عن هذه الحالة قائلاً: (أنا الله). لا شيء في الفردوس غير الله).()
أنـا من أهـوى ـــــ ومن أهوى أنا
نحن روحـــان ـــــ حللنـا بــدنا
فإذا أبصرتنــى ـــــ أبصـــرتــه
وإذا أبـــصرتــه ـــ أبــصرتـنـــا
قال الطرسوسي: (وقد سئل عن قوم في مكان يقرؤون شيئا من القرآن، ثم ينشد لهم منشد شيئا من الشعر، فيرقصون ويطربون: إن هذا بطالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الرقص والتواجد، فإن أول من أحدثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار، فأتوا يرقصون حوله ويتواجدون، فالرقص دين الكفار وعباد العجل، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون معه، كأن على رؤوسهم الطير من الوقار، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يحضر مع هؤلاء، ولا أن يعينهم على باطلهم).()
رقص دراويش الصوفية في السودان
الفوائق والسحر جزء من ملحقات
الرقص الطقوسي عند الصوفية
وعقيدة اليهود في الرقص على حسب التلمود:
(يحب الشيطان الرقص بين قرون ثور خارج من المياه وهو مغرم أيضا بالرقص بين النسوة اللاتي يرجعن من دفن ميت!) () هذا حسب معتقدات اليهود الذين يتبعون السحر فالرقص عندهم قربه للشيطان، بل ويتطاولون فيقولون وأمهات الشياطين المشهورات أربعة استخدمهن سليمان الحكيم بما كان له عليهن من السلطة وكان يجامعهن!!.. ونبي الله سليمان عليه السلام براء من إفكهم. ويقولون أيضا: (أنه توجد شيطانة من الأربعة المذكورات دأبها الرقص بدون أن تستريح وهى تصحب معها مائة وتسعة وسبعين روحًا شريرة).()ولا عجب أن بلغت بهم الوقاحة سب الأنبياء عليهم السلام، هذا إذا علمنا أنهم قاتلهم الله أنى يؤفكون، وتعالى عما يصفون علوا كبيرا قالوا: (ولم يلعب الله مع الحوت بعد هدم الهيكل!، ومن ذلك الوقت لم يمل إلى
الرقص مع حواء بعد أن زينها بملابسها!، ونسق لها شعرها.!!).()
(ومن أقدم رقصات التعبير المدونة،
الرقص حول العجل الذهبي [الخروج: 32]. وعندما سمع موسى يوشع الصياح، ظن يوشع أن الصوت هو صيحات القتال، غير أن موسى بدا واضحًا أن ثمة إيقاع، وأنها ليست ضوضاء مختلطة: (ليس صوت صياح النصرة، ولا صوت صياح الكسرة). [الخروج: 18،32]. عندئذ رأى موسى العجل والرقص، وكذلك رأى موسى أن القوم عراة)، لأن هارون قد عرى الشعب للهزء بين مقاوميه ( ..وقد شرح هارون لموسى سبب ذلك، وهو أن القوم أضاعوا ثيابهم، ولذلك فهم يرقصون عراة. وعلى الرغم من أن المصادر لم تذكر صراحة أن الراقصين كانوا جميعًا من الرجال فإن ذلك يستدل منها بوضوح).()
ونقلا عن الموسوعة اليهودية نجد الكاتب يقول:
الرقص والرقصـات اليهودية Jewish Dance and Dances
عبارة «الرقص اليهودي» أو حتى «الرقصات اليهودية» تفترض وجود أساليب في
الرقص ورقصات بعينها مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية، وهو الأمر الذي لم ينجح أحد في إثباته، ولذا فنحن نُسقط مثل هذه العبارات لأن مقدرتها التفسيرية والتصنيفية ضعيفة بل ومنعدمة، ونفضل أن نستخدم بدلاً من ذلك عبارة «رقصات الجماعات اليهودية».
رقصـــات الجماعــــات اليهوديــــة Dances of the Jewish Communities
يُعتبَر
الرقص واحداً من أقدم الفنون على الإطلاق. عرفته جميع الأقوام والشعوب على مر العصور كجزء من طقوسها الدينية أو احتفالاتها الاجتماعية. ويوضح لنا كلٌّ من العهد القديم والتلمود ارتباط كثير من الرقصات باحتفالات وطقوس العبرانيين في التاريخ القديم، وهي رقصات لم تختلف كثيراً في شكلها أو حركاتها أو أسلوب أدائها عن الرقصات السائدة بين الشعوب المحيطة بهم في تلك العصور. وبالنسبة إلى الجماعات اليهودية، فإننا نجد أن هناك أهمية خاصة للرقص في حياتها سواء من الناحية الدينية أو من الناحية الاجتماعية، كما نجد أن أشكال الرقصات التي انتشرت بينهم وأسلوب أدائها تختلف من جماعة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر وأنها اعتمدت بالدرجة الأولى على تقاليد المجتمعات التي عاش أعضاء الجماعات اليهودية بينها وعلى التراث الفني الثقافي لهذه المجتمعات.
وعرف اليهود القدامى
الرقص كجزء من طقوسهم وشعائرهم الدينية وللاحتفال بالمناسبات العديدة، مثل الانتصارات العسكرية والزواج ومواسم الحصاد. ويضم العهد القديم أحد عشر جذراً من جذور الأفعال التي تُستخدَم لوصف الرقصات والحركات الخاصة بها وأسلوب أدائها مثل الوثب والركض والدوران وغيرها. وقد استُخدمت الأفعال المأخوذة من هذه الجذور في وصف المواكب والرقصات التي كانت تتم أمام تابوت العهد. كما كانت هناك رقصات تتم في شكل حلقات، ويُرجَّح أنها كانت خاصة بالنساء. وكما أن كلمة «الرقص» كانت تحمل عند الآشوريين معنى الابتهاج، كذلك ارتبطت كلمة «حاج» العبرية التي تعني أيضاً «الابتهاج أو الاحتفال» بثلاثة أعياد يشكل
الرقص فيها جزءاً أساسياً من مراسم الاحتفال، وهي: عيد الفصح وعيد الأسابيع وعيد الحصاد.
والرقص، مثل الغناء، كان يُستخدَم لتمجيد الرب أو الإله، فكان داود يدعو شعبه لتمجيد الرب « بالدفوف والرقص ». كما أن كثيراً من أنبياء جماعة يسرائيل كانوا يقومون بالدعوة إلى الإله وهم يضربون الدفوف ويرقصون رقصات تتميَّز بالحركات الدائرية التي تزداد سرعة واندفاعاً إلى أن يصل الراقصون إلى حالة من النشوة والابتهاج الغامر. وكان الأنبياء يعتقدون أن هذا
الرقص يعمل على إنعاش الروح الربانية التي تتحدث نيابةً عنهم، وهم في هذا يشبهون الدراويش.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك الرقصات الخاصة بالانتصارات العسكرية التي كانت تقوم بأدائها النساء على أنغام الدفوف والآلات الموسيقية. ومثل سائر الشعوب البدائية، كانت تُقام رقصات احتفالاً بمواسم الحصاد، فكانت تُقام في عيد المظال مواكب يومية حول المذبح (داخل المعبد) بعد تقديم القرابين، وفي ثاني أيام العيد كانت تُقام رقصة بالمشاعل يصاحبها مواكب من النساء يحملن أغصان النخيل والصفصاف. كما كانت جميع حقول الكروم تضم أماكن للرقص مخصصة للنساء فقط، ويبدو أن كثيراً من هذه الرقصات كانت من أصل كنعاني (ومن احتفالات بالإله بعل).
ولابد أن العبرانيين قد تأثروا بالمحيط الحضاري البابلي والآشوري حينما دخلوا في نطاق هذه الحضارة، كما تأثروا بالمحيط الفارسي من بعد ذلك (ولكننا لا نملك الدليل التاريخي على ذلك). أما في العصر الهيليني، فنحن نعرف أنه رغم معارضة الحاخامات للرقص، فإن كثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية داخل وخارج فلسطين كانوا يتبنون كثيراً من رقصات اليونانيين والرومانيين ذات الطابع الوثني، والتي كان يقوم بأدائها رجال ونساء دُربوا خصيصاً لهذا الغرض، وهذا يدل على تجذُّر العادات الهيلينية بين يهود حوض البحر الأبيض المتوسط في تلك الفترة. وقد ظهرت بين أعضاء الجماعات اليهودية رقصة ذات طابع وثني واضح كانت تُؤدَّى أمام كبار الشخصيات (ولعلها كانت تشمل حركات تعبِّر عن السجود وتدل على انعدام الذات أمام الشخصية المتألهة).
وتشير المشناه إلى وجود مراسم واحتفالات خاصة بانتقاء العرائس كانت تتم في أيام الخامس عشر من آب، وفي يوم الغفران عندما تخرج الفتيات للرقص في حقول الكروم. أما بالنسبة لاحتفالات الزفاف نفسها، فإن العهد القديم يضم إشارة واحدة فقط لإحدى الرقصات المصاحبة لهذه الاحتفالات، ويُعتَقد أن هذه الرقصة كانت تقوم بها العروس وهي تحمل في يدها سيفاً (رمزاً لرفضها أي رجل سوى عريسها الذي اختارته). أما التلمود، فيضم وصفاً أكثر تفصيلاً لمراسم ومواكب الزواج.
وكان
الرقص على شرف العروس يُعَدُّ عملاً من أعمال التقوى الدينية يتنافس عليه الحاخامات، كما كان يتم أحياناً إحضار الراقصين المحترفين للمشاركة في احتفلات الزواج، فكانوا يقدمون رقصات تجمع بين حركات الأيدي والأرجل والوسط. واندثرت أغلب هذه الرقصات واختفت تماماً مع انتهاء الوجود العبراني في فلسطين كتجمُّع بشري ديني حضاري، لكن بعض هذه الرقصات بقيت لتؤدَّى بشكل شديد الاختصار داخل المعابد أو البيوت اليهودية. واتخذت الجماعات اليهودية التي استقرت ونشأت في مختلف أنحاء العالم أشكالاً جديدة من فنون
الرقص نبعت من التراث الثقافي والفني السائد في التشكيلات الحضارية التي انتموا إليها والتي تشكلت تقاليدهم الحضارية في إطارها.
وقبل أن نستمر في العرض التاريخي، يمكننا أن ننظر إلى
الرقص من منظور التحريم. لقد كانت العقيدة اليهودية تمنع
الرقص المُختلَط بين الرجال والنساء، ووضع الحاخامات خلال العصور الوسطى في أوربا قواعد صارمة بالنسبة للرقص المُختلَط بحيث أصبح يُسمَح به فقط بين الرجل وزوجته وبين الأخ وأخته وبين الأب وابنته، وأدَّى ذلك إلى تصميم رقصات مُعقَّدة يتم فيها الاختلاط بين الجنسين ولكن مع مراعاة القاعدة التي وضعها الحاخامات.
وفي أحيان أخرى، كان يتم تجاهُل هذه القواعد كليةً. ومع تصاعُد معدلات العلمنة داخل المجتمعات الغربية، ومن ثم بين أعضاء الجماعات اليهودية، بدأ التراخي في تطبيق التحريمات الدينية يتزايد بما في ذلك التحريمات المتصلة بالرقص المُختلَط. وحاول الحاخامات الحد من ذلك بفرض الغرامات على المخالفين ولكن دون جدوى، خصوصاً أن
الرقص المُختلَط بدأ يكتسب قبولاً وشعبية كبيرة بين الجماهير اليهودية، وذلك (دون شك) تحت تأثير البيئة المحيطة بهم.
وفي العصور الوسطى اكتسب
الرقص في أوربا شعبية بين أعضاء الجماعات اليهودية كنشاط اجتماعي وترفيهي شأنها في هذا شأن أعضاء مجتمع الأغلبية. وأُقيمت في كثير من الجيتوات اليهودية في فرنسا وألمانيا وبولندا دور للمناسبات تُقام فيها الحفلات الراقصة والغنائية في أيام الأعياد وأيام السبت وللاحتفال بالزواج. ويبدو أن هذه الدور أقيمت أساساً للاحتفال بالزواج وتحوَّلت تدريجياً إلى أماكن للترفيه. وكانت الرقصات التي اشتُهرت في هذه الدور رقصات شبيهة أو مماثلة للرقصات المنتشرة بين الشعوب الأوربية آنذاك. وإن كان يُرجَّح أن أصولها ترجع إلى رقصات الشعوب الأوربية المحيطة. وقد كان لكل دار من هذه الدور قائد للرقص يتميَّز بتفوُّقه في
الرقص والغناء والقدرة على الارتجال، وكان يقوم بإدارة الرقصات كما كان معنياً بإدخال التنويعات الجديدة عليها.
أما الجماعات اليهودية في إسبانيا والعالم العربي الإسلامي فلم تنشأ بينهم مثل هذه الدور. وعلى عكس يهود أوربا الذين عاشوا في الجيتوات الضيقة، كانت بيوت يهود الشرق من السعة بحيث تسمح بإقامة جميع الاحتفالات بداخلها.
وتنوعت واختلفت أشكال وأنواع الرقصات التي تقام احتفالاً بالأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية من جماعة إلى أخرى. فقد ارتبط بعيد النصيب نوع من الرقصات انتشرت بين كثير من الجماعات اليهودية وإن تنوعت تفاصيلها ومظاهرها من جماعة إلى أخرى، وهي رقصة تتضمن حرق تمثال يرمز إلى هامان والقفز فوق النار والغناء.
وهذه الأنواع من الرقصات تعود جذورها إلى الطقوس السائدة بين الشعوب البدائية التي كانت ترمز إلى حرق الشيطان في النار. ويشير التلمود إلى أن هذا التقليد كان سائداً بين يهود بابل، كما يبدو أن هذه الرقصات كانت موجودة بين يهود مدينة بيزنطة وكذلك بين يهود إيطاليا خلال القرنين الثاني عشر والرابع عشر، وكذلك بين يهود بولندا خلال القرن الثامن عشر حيث كان عيد النصيب شبيهاً بالكرنفال. ويُقال إن هذا التقليد كان موجوداً أيضاً بين الجماعات اليهودية في القوقاز والجزيرة العربية وشرق الهند.
وكانت هناك رقصات عديدة مخصصة للاحتفال بالزواج، ففي العصور الوسطى في أوربا ظهرت رقصات كانت أقرب إلى الطقوس السرية أو الصوفية، وفي أحيان كثيرة كان الموت يُتَخذ موضوعاً لها، وفي بعض الأحيان يسقط أحد الحاضرين في حفل الزواج على الأرض كأنه ميت ويرقص من حوله الرجال والنساء وهم يغنون، ثم يقوم الرجل (من مماته) وينضم إلى الآخرين في رقصة مرح وابتهاج. وهي رقصة ترمز إلى البعث. وانتشرت مثل هذه الرقصات والأغاني بين شعوب أوربا في تلك الآونة، ومن أهمها أغنية الأطفال « رينج أروند روزيز Ring around rosies» أي «فلتلتفوا» والتي تنتهي بغناء جماعي للأطفال حيث يقولون بالإنجليزية: « آشز آشز، وي أول فول داون ashes, ashes, we all fall down » وتعني « رماد في رماد، كلنا سنَسقُط ». وهناك رقصة أخرى تُسمَّى «رقصة الموت» ظهرت في أعقاب اجتياح الأوبئة لأوربا والتي هلك فيها الملايين حيث كان يتم زواج الأيتام الفقراء في حفل يُقام في المقابر بحضور أعضاء الجماعة اليهودية.
ومن الرقصات التي ارتبطت بشكل خاص بحفلات الزواج، رقصات الوصايا (متزفاه)، وهي رقصة جماعية يقوم فيها الرجال بالرقص مع العريس والنساء مع العروس، وذلك احتراماً للقواعد الدينية الخاصة بعدم اختلاط الجنسين في الرقص. ولكن، مع تآكل احترام هذه القيود، أصبح الرجال يرقصون مع العروس ولكن مع تغطية أيديهم بشيء رمزاً للانفصال.
ومع أوائل القرن التاسع عشر، أصبح التقليد المتبع هو أن يرقص الرجال مع العروس ويفصلهما منديل تمسك العروس بأحد أطرافه والرجل بطرفه الآخر. وفي بعض الأحيان، كان يُدعَى إلى حفلات الزواج المتسولون من اليهود، وكان يُسمَح لهم بالرقص مع العروس وكذلك أداء بعض الرقصات الخاصة بهم التي عُرفَت باسم «رقصة المتسولين».
أما في الأفراح الحسيدية، فكان أحد التقاليد المتبعة هو
الرقص بملابس الفلاحين أو بارتداء جلد الحيوان أو زي جنود القوزاق.كما كانت الفتيات يرقصن حول العروس،والفتيان يرقصون حول العريس.
أما بالنسبة للجماعات اليهودية في العالم العربي والإسلامي، فإننا نجد أنهم كانوا يحيون حفلات الزفاف بإحضار راقصات ومغنيات محترفات (عوالم) يرقصن على أنغام الطبول. وفي اليمن، كانت النساء من الضيوف يقمن بالرقص بالمزهرة أو الصحن الذي يحوي صبغة الحنة التي سيتم صبغ أيدي العروس بها. وفي مصر، كان سلوك المدعوين يتنوع بتنوُّع الخطاب الحضاري السائد. فحتى نهاية القرن التاسع عشر، قبل أن يتم تغريب أعضاء الجماعات اليهودية، كانت السيدات يقمن بالرقص مع العروس رقصات شرقية، كما كانت العروس ترقص معهن. ومع تزايُد معدلات التغريب والعلمنة، بدأت أفراح أعضاء الجماعات اليهودية تصبح غربية تماماً، فيختلط الجنسان ويرقصان التانجو أو غيرها من الرقصات الغربية الذائعة.
وهناك رقصات خاصة أيضاً بيوم السبت. وقد اعتاد الحسيديون الرقـص، مـع انتهاء نهار السـبت، حول مائدة الحاخام. وفي شرق أوربا، اعتاد الشباب اليهودي في المجر ومورافيا ورومانيا على
الرقص في أيام السبت خارج المعبد على مرأى من النساء. وكانت رقصاتهم من الرقصات المنتشرة في المجتمع المحيط، مثل رقصة الحوراhora ذات الأصل الروماني (والتي أصبحت فيما بعد الرقصة الشعبية الأولى في إسرائيل)، وكان الحاخامات ينظرون باستياء لمثل هذه الرقصات. أما بين يهود اليمن فإن الراقصين كانوا يقومون بالرقص في يوم السبت على أطراف أصابعهم مع هز الكاحل ومفصل الركبة إلى أن يصل الراقص إلى حالة من النشوة والانجذاب الديني.
كما كانت تُقام رقصات احتفالاً بعملية الختان، وخصوصاً بين الجماعات اليهودية في العالم العربي والإسلامي. وأحياناً، كانت هذه الرقصات تهدف إلى إبعاد الأرواح الشريرة عن الأم والطفل، ففي صفد كانت الراقصات يرقصن مساء كل يوم عقب الولادة وحتى يوم الختان. وفي المغرب، كانت النساء يرقصن بالسيوف، وكان
الرقص يجري (أحياناً) حول فراش الأم طوال الأسبوع الذي يسبق عملية الختان. أما في إيران، فكان الأب يقوم بإحضار راقصات محترفات لإحياء الليلة التي تسبق عملية الختان. وفي المغرب العربي، كان يتم إحضار صينية إلياهو التي تُستخدَم في عملية الختان في موكب من الشموع يتخلله الغناء والرقص. وفي سوريا ولبنان، يقوم سبعة من الضيوف بالرقص بالصينية كلٌّ في دوره.
وفي عدن، كان الضيوف يقومون بالرقص مع كرسي إلياهو كأنهم يرقصون مع النبي إلياهو نفسه. وفي جميع الحالات، سيُلاحَظ أن الرقصات وطريقة أدائها ينبع من التقاليد الثقافية للمجتمع الذي يعيش أعضاء الجماعة اليهودية في كنفه.
وهناك رقصات تذكارية تُقام إحياءً لذكرى أحد الأنبياء أو الحاخامات، فقد جرت العادة على إحياء ذكرى وفاة الحاخام سيمون بن يوحان الذي يُعتبر أبا القبَّالاه، وإليه ينسب كتابة الزوهار، حيث يجتمع الحجاج عند مقبرته في صفد للرقص والغناء. أما الحاخام الحسيدي نحمان البرتسلافي، فأمر أتباعه بإحياء ذكراه عند وفاته عن طريق دراسة المشناه والرقص عند مقبرته. وقام أتباعه لأجيال متعاقبة بتلبية رغبته وإقامة احتفال راقـص إحيـاءً لذكراه في مـقابر أومـان في أوكرانيا.
أما يهود جبال كروستاف في شمال العراق، فيُقال إنهم يحتفلون بعيد الأسابيع بإحياء ذكرى النبي ناحوم والاجتماع عند مقبرته والطواف حول ضريحه والغناء، في حين تقوم النساء بالرقص. وفي ثاني أيام العيد، يصعد الرجال إلى قمة أحد التلال القريبة لقراءة التوراة ثم ينزلون التل في موكب شبيه بالمواكب العسكرية حاملين السلاح ويقومون بتمثيل المعركة الكبرى التي ستؤذن بقدوم الماشيَّح، أما النساء فيستقبلن الرجال بالرقص والغناء على نغمات الدفوف.
وقبل الانتقال إلى
الرقص بين أعضاء الجماعات اليهودية في العصر الحديث، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن الحركات الحلولية المشيحانية ساعدت على انتشار
الرقص بينهم. وساهمت في هذا الاتجاه حركة شبتاي تسفي بشكل خاص، ثم الحركة الفرانكية، إذ أن النزعة الترخيصية شجعت على إسقاط الحدود، بما في ذلك الحدود الخاصة بالرقص. بل إن الشعائر السرية ذات الطبيعة الجنسية لهذه الجماعات كانت تتضمن دائماً
الرقص المحموم.
واكتسب الرقص، مع ظهور الحركة الحسيدية في القرن الثامن عشر، أهمية كبيرة بالنسبة إلى الجماعات اليهودية في شرق أوربا، وأصبح يشكل جزءاً من حياتهم اليومية. فقد اعتبر بعل شيم طوف، مؤسس الحسيدية،
الرقص شكلاً من أشكال الصلاة والعبادة أمام الرب وأداة للوصول إلى حالة من النشوة الدينية والالتصاق بالرب والتوحد به (ديفيقوت).
وهذا يتفق تماماً مع النزوع الحلولي نحو التجسد (مقابل النزوع التوحيدي نحو التبليغ) الذي يتضح أيضاً في مفاهيم مثل الخلاص بالجسد (عفودا بجاشيموت). وبالتالي، أصبح
الرقص الحسيدي نوعاً من الطقس الديني يصل من خلاله الراقص إلى حالة من النشوة والابتهاج الديني. والرقص الحسيدي كان يتم في شكل دائري، أو في حلقات، رمزاً للفلسفة الحسيدية الحلولية القائلة بأن « الكل متساو والكل عبارة عن حلقات في سلسة، والدائرة ليس لها جهة أمامية أو خلفية وليس لها بداية أو نهاية » (والنسق الحلولي العضوي في رأينا يأخذ دائماً شكل دائرة مغلقة).
مختصرات منقولة من مخطوط (عبادات بائدة وعادات سائدة) للكاتب: بهاء الدين شلبي
Gnawa طائفة كناوة
أتباع ملوك الجان
تأتي اهمية الحديث عن طائفة «كناوة». ينطق الحرف الاول كما تنطق الجيم بالتعبير المصري: (Gnawa) في المغرب من اهمية الطقوس الاحتفالية والسحرية التي يقوم بها اتباعها المنتشرون بالالاف عبر مدن وقرى المغرب، خلال مناسبات سنوية خاصة,, طقوس تجتر بقايا المعتقدات الوثنية الافريقية والبربرية والعربية ما قبل اسلامية، في اطار مغلق، ولذلك تعتبر بالنسبة الى رجال الدين «طائفة الشيطان».
ورغم ان في المغرب طوائف اخرى (عيساوة، وحمادشة، الخ) إلا ان «كناوة» تبقى الاهم، من حيث عدد اتباعها في مدن وقرى المغرب، ومن حيث ارتباطها في العمق بموضوعنا، المعتقدات السحرية في المغرب.
انها طائفة ستظل، رغم كل ما قيل وكتب عنها، على مستوى كبير من الغموض.
الأصل
في الاصل، يتحدر «كناوة» الحقيقيون في المغرب من سلالة العبيد الذين تم استيرادهم خلال العصر الذهبي للامبراطورية المغربية (نهايات القرن 16 الميلادي) من افريقيا السوداء الغربية، التي كانت تسمى آنذاك السودان الغربي (دولة مالي الحالية، على الخصوص).
وتسمية كناوة هي تحريف لحق الاسم الاصلي الذي كان هو «كينيا» (غينيا)، او عبيد غينيا كما كانوا دائما يسمون، قبل اندماجهم التام في المجتمع المغربي، وما تزال «الطريقة الكناوية» متواجدة في العديد من المدن والقرى المغربية، حتى اليوم، خصوصا في مدن مراكش والصويرة والرباط ومكناس.
«ان الوضعية القاسية لزنوج افريقيا الشمالية - يقول عالم الاجتماع الفرنسي اميل درمنغن - هي التي شجعت على ظهور زوايا خاصة بهم، والحفاظ على طقوسهم السودانية الاصول (السودان الغربي الذي يعني دول الساحل الافريقي الحالية) المتكيفة مع الاسلام، واستمرار الانشطة الطقوسية لتلك الزوايا هو الذي شجع على الحفاظ على الوعي العرقي بين الزنوج والتعاضد المتبادل بينهم».
لقد حمل العبيد الافارقة الى شمال افريقيا (المغرب الجزائر خصوصا) معتقداتهم الوثنية في آلهتهم وفي الارواح البدائية التي لم تلبث ان امتزجت بغيرها من المعتقدات المحلية العربية والبربرية في الجان، ولدفع كل شبهة قد تحوم بمعتقداتهم وتحسبهم خارج ملة الاسلام, انتسب كناوة (روحيا على الاقل) الى واحد من اوائل معتنقي الاسلام وهو بلال الذي كان زنجيا مثلهم.
ورغم ممارستهم لطقوس غريبة عن الاسلام، سنأتي على ذكر اهمها لاحقا، فان اتباع الطائفة الكناوية لا يعتبرون انفسهم خارجين عن تعاليم الدين الحنيف,,, بل انهم على العكس من ذلك تماما، يبدأون طقوسهم ويختمونها بالصلاة على النبي وذكر الله في كل تراتيلهم,,.
وتحظى مدينة الصويرة بمقام المدينة الروحية للطائفة داخل المغرب، فقد كان الميناء البحري للمدينة منذ القرن 17، مركزا تجاريا مهما علي ساحل المحيط الاطلسي، ونقطة تبادل تجاري مع تمبكوتو، عاصمة افريقيا السوداء المسلمة آنذاك، ومنها كان العبيد يفدون مع الذهب الى المغرب.
ويعتبر ضريح «سيدي بلال» الموجود غرب مدينة الصويرة المرجع الاعلى، ومقام «الاب الروحي» لكناوة، وداخل ضريح ذلك الولي،، الذي يحسب في عداد الاولياء مجهولي النسب والسيرة في المغرب، توجد الزاوية التي تحتضن في العشرين من شهر شعبان الموسم السنوي للطائفة الكناوية وسط طقوس غريبة، يتخللها الرقص الهائج المحموم لزمرة الاتباع القادمين من كل مكان داخل وخارج المغرب، فلا ينبغي ان ننسى ان في الجزائر ايضا ديوان «سيدي بلال» الذي يعد قبلة الطائفة هناك,.
وعلى ايقاع الموسيقى القوية والحارة للمجموعات المنتسبة الي الطائفة، تخرج نخبة من الاتباع في جولات بين المدن لجمع الهبات والصدقات للزاوية, بلباسها الفلكوري المميز ذي الالوان الحية، خصوصا الحمراء والزرقاء.
الموسيقى
إن شهرة «كناوة» كموسيقيين تجاوزت الحدود المغربية، لتعانق العالمية منذ شرع في تنظيم مهرجان سنوي لـ «كناوة وموسيقى العالم» بمدينة الصويرة في شهر يونيو, والسر يكمن في أنها ليست مجرد موسيقى عادية، بل هي موسيقى ذات ايقاعات قوية محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الافريقي والبربري والعربي.
إنها تراث موسيقي يناجي الأرواح الخفية ويغازلها، سليل عذابات الزنوج العبيد في دهور القهر البائدة,,, يتوسل بالايقاعات والألوان والقرابين واحراق البخور، وكل الوسائط الخفية الأخرى، كي تعالج الممسوسين بالجان, وتعرف بأدوات خاصة، هي: الكنبري أو السنتير (عبارة عن آلة وترية من ثلاثة حبال تصنع من معي المعاز)، والكنكة (الطبل)، والغيطة (المزمار) ثم القراقش (صنوج حديدية).
والعزف الكناوي له هندامه الخاص، كما طقوسه المرافقة التي من دون توافرها لا يكون الحفل الطقوسي مكتمل الشروط والمقاصد.
ومن أهم الشروط التي تتم مراعاتها احترام الألوان الخاصة بـ «الملوك»، أي ملوك الجان الذين يؤمن بهم كناوة وخصوصا اللونين الأحمر والأزرق,,, حتى لا يغضبوا ملوك الخفاء، فيتحول الحفل الطقوسي إلى مدعاة لانتقامهم الرهيب, فاغضاب «لالة ميرة» - مثلا - التي تحسب في عداد «ملوكهم» المقدسين، يكون مدعاة للاصابة بالارتعاش والشحوب والجنون، حسب معتقداتهم.
الحفل
ويسمى الحفل الذي يقام على شرف ملوك وملكات الجان، او التعبير بالاصح بعضها، التي تحظى بالتقدس من طائفة كناوة (سيدي شمهاروش، لالة ملكية، لالة ميرة، لالة جميلة، سيدس حمو، سيدي ميمون,,,)، تسمى الدردبة أو ليلة الدردبة، أو بشكل مختصر «الليلة» فقط, لكن ثمة مناسبات أخرى في يومية الطائفة تستغل لاستحضار الأرواح «العليا»، لغرض توسل تدخلها لقضاء بعض المطالب ذات الطابع السحري.
فخلال عيد الأضحى الذي يسميه المغاربة «العيد الكبير»، يعتقد كناوة في أن لدم اضحية العيد خصائص سحرية تجعلها قربانا مقبولا من «الملوك»، وتستغل الشوافة الكناوية (قارئة الحظ) المناسبة لأجل التقرب إلى ملكة الجان لالة ميرة كي تمنحها القدرة السحرية على النظر في عالم الغيب، فالجان بحسب المعتقد يطلعون على محتوى اللوح المحفوظ الذي دونت فيه مصائر البشر.
وتقوم عملية التقرب من ملكة الجان على مجموعة من الطقوس، فيتم تبخير مكان الذبح بالبخور السبعة التي تروق روائحها للملوك، ويعد طبق من عناصر سحرية متنوعة (مواد غذائية، حناء، ماء الورد,,,,) يقبل الملوك على أكلها بنهم,,, وبمجرد ذبح خروف العيد يقدم قليل منه حارا للشوافة كي تشرب منه، ويمرر أحد شيوخ الطريقة الكناوية الدمع على جبهتها وهي جلوس.
ليلة الدردبة
ليلة الدردبة هي أهم طقوس كناوة على الاطلاق، وحسب علماء الانثربولوجيا فان لها شبها بحفلات الزار في مصر وبعض الاحتفالات الطقوسية لدى الفودو في البرازيل وجزر الانتيل باميركا اللاتينية, وتنظيم الدردبة داخل الدور السكنية الخاصة لبعض أعضاء الطائفة في مواعيد سنوية محددة، غالبا ما تكون خلال النصف الثاني من شهر شعبان او في اوقات اخرى من الاشهر القمرية.
واختيار شهر شعبان له علاقة بالاعتقاد في الجان الذي يشكل أساس طقوس ومعتقدات كناوة, فحسب المعتقد، تتحدد مصائر الناس للعام الموالي خلال ليلة منتصف شهر شعبان من كل عام, ويلعب الجان في تحديد مصير البشر دورا مهما، ولذلك ينبغي التوسل إلى ملوكهم (ملوك الجان) لأجل تحقيق أمنيات العلاج وزوال العكس والنجاح في الأعمال، وغيرها من الأغراض قبل ان يسجن الجان جميعهم طيلة النصف الثاني من شعبان، فكائنات الخفاء محكوم عليها - بحسب المعتقد - ان تقضي الفترة التي تسبق شهر الصيام محبوسة في معازلها الاسطورية، ولن تعانق حريتها من جديد الا في ليلة القدر.
قمة الاحتفال
«الليلة» في التعبير الكناوي هي قمة الاحتفال بملوك الجان البيض الذين يسمون في لغة الطائفة الخاصة (جيلالة), وتأخذ طابعا يمزج بين التراتيل الدينية التي تمتدح الله والرسول، الى جانب الطقوس والترتيل الخفية
وتمر «الليلة» بثلاث مراحل:
مرحلة الطواف بالاضحية/ القربان والتي تكون غالبا عبارة عن تيس أسود, وتسمى هذه المرحلة (العدة) وتكون مفتوحة، اذ يسمح خلالها بالحضور لغير المنتسبين الى الطريقة الكناوية, وبها تنطلق الليلة على ايقاع دقات الطبول وأنغام المزاميرر والقراقب.
مرحلة التصعيد الايقاعي تمهيدا للهياج الجماعي للحضور وهي - إضافة إلى المرحلة الأخيرة - «مغلقة»، ولا يسمح خلالها بالحضور لاتباع الطائفة، دون غيرهم.
المرحلة الثالثة، وهي الحاسمة في الليلة، يكون خلالها الهياج الجماعي قد بلغ أوجه, وتكون خلالها الملوك قد نزلت بين المحتفلين بها.
الانطلاق
تنطلق ليلة «الدردبة» بعد منتصف الليل، بتنسيق بين «معلم (تنطق بتسكين الميمين) كناوي «مصحوب بفرقته و«شوافة كناوية» (الشوافة تسمى لدى كناوة الجزائريين: التي تأتي الكلام، بحسب درمنغن) ومساعدتها، وجميعهم من اتباع الزاوية, في مرحلة الطواف بالقربان، تعزف الفرقة بالمزامير وتضرب الطبول.
ويبدو دور المعلم ضابطا لايقاع الحفل حيث يأتمر العازفون بتوجيهاته, ويقومون خلال المرحلة الأولى باستعراض مهارتهم في الرقص الايقاعي والحركات البهلوانية، فيبدون وكأن قوى خفية تحركهم.
وحين يأخذ الإيقاع في التصاعد بالتدريج، يغادر الغرباء الفضوليون الحفل الطقوسي ليتركوه لأهله, فهم يدركون حتى دون ان يطلب منهم الانسحاب، ان المرحلة التالية سوف تشهد دخول كناوة في علاقة حميمة مع «ملوكهم» وقد يكون في حضورهم خطر عليهم.
والموسيقى التي تعزف ليلة الدربة ليست مجرد ايقاعات راقصة قوية، كما قد يبدو لغير العارف بخبايا كناوة، بل ان المقاطع الراقصة تتوزع وفق نسق يجعل الفرقة الكناوية تعزف تباعا الايقاعات الخاصة بملوك الجان السبعة الذين يقدسهم أفراد الطائفة، بحيث يستطيع الممسوسون من الجان ان يجدوا ضالتهم في أحدها, فإذا كانت إحداهن ممسوسة بأذى «الملكة ميرة»، مثلا، فان الفرقة ما ان تعزف لحن تلك الملكة حتى تنهض الممسوسة، كما لو انها مدفوعة من قوة خفية، فتشرع في اطلاق ضحكات هستيرية مخيفة، ثم تبدأ في الجذب المحموم مع الصراخ والتمرغ على الأرض, وتطلب من المحيطنين بها ان يعطوها «قاقة» التي تعني في لغة الأطفال الحلوى، فيسرعون الى مناولتها شيئا حلوا، لان الملكة هي التي طلبته في لحقيقة, وبعد ان تسقط الممسوسة وهي تتلوى تسارع إليها معاونات العرافة لرمي غطاء من الثوب فوق جسمها المطروح أرضا, وينبغي ان يكون الثوب في لون الملكة التي تكون آنذاك بين الحضور.
إن «ميرة» في معتقد العامة هي جنية من الملوك تصيب النساء بلوثة الغيرة والحسد، وبشكل خاص منهن الشابات المتزوجات حديثا، واللواتي يغيظها جمالهن, ولذلك، فإن المرأة الجميلة التي لا تشعر بنفسها على ما يرام تعتبر ان اذى ميرة اصابها، وتشجعها على الاعتقاد في ذلك الشوافة الكناوية.
وليلة «الدردبة» هي ليلة «الطلاعة/الشوافة/العرافة» (وجميعها اسماء للساحرة الكناوية بحسب المناطق المغربية)، بامتياز.
وخلال المراحل المتقدمة من «الليلة»، عندما يصل ايقاع الحفل الى أوجه، وتعزف فرقة كناوة موسيقى الملوك، يبدأ الرقص الطقوسي طريق الصعود نحو مرحلة الهياج التي ستتوج، والحفل بـ «نزول الملوك» بين الراقصين، تكون البخور السبعة اطلقت سحائب شفافة من دخان له رائحة نفاذة وزكية, يشرع بعض اتباع «المعلم» في الطواف بين الراقصين برايات تحمل الألوان السبعة لـ «الملوك» من اجل دعوتها الى النزول بين المحتفلين بها.
وأثناء ذلك، يأتي الدور على العرافة التي يفترض انها اقرب الحضور الى القوى الخفية المدعوة الى النزول.
تبدأ الطقس السحري باختلاج حاد يمتلك أطرافها، كما لو كانت مصابة بالصرع, فيفهم الحاضرون ان احدى الملكات بدأت في الحلول في جسد الساحرة، فتزيد مساعدتها من البخور في المجامر، كي لا ينقطع الدخان المحبب الرائحة لدى الملوك، في ملء الفضاء المسكون بروح الأسطورة,,, ثم يقمن بتغطيتها بأثواب من مختلف الألان: ثوب أسود، أصفر، أزرق,,, إلى أن تهدى الساحرة، فيعرفن من خلال اللون الاخير هوية الملكة التي حلت في جسد الساحرة.
وتبدأ العرافة الكناوية في «النطق» بنبؤاتها، فتنصح هذه بأن تلبس اللون الأحمر، لان الملك الاحمر هو الذي يعاكس سعادتها, وتنصح تلك الأخرى بأن تقيم حفل الحضرة على شرف الملكة «عايشة» أو«جميلة», ان هي أرادت ان تتزوج ابنتها العانس، او ان تلد مولودا ذكرا، الخ، ثم تنتهي التنبؤات، التي يعتقد في ان الملكة هي التي كانت توزعها بين الحاضرات على لسان العرافة.
وينتهي الحفل بذبح تيس اسود اللون قربانا في ليلة الملوك, التيس الأسود وليس غيره من قرابين الدم الأخرى هو الذي ترضى بقبوله الملوك عن طائفة كناوة, وقبل ان يُذبح، يقوم المعاونون بتقديم الحليب للحيوان كي يشرب منه، ويرش بماء الورد قبل ان يقطع الذباح الكناوي حنجراته,,, فتشرب العرافة من الدمالحار المنساب من القربان، قبل ان يغمس شيخ الطريقة الكناوية اصابع يده اليمنى ويطلي بالدم جبهتها.
ويحمل التيس المذبوح الى بيت شيخ الطريقة الكناوية كي يطبخ في الصباح مع كسكس «مسوس» (بدون ملح).
وسيقدم لحلقة ضيقة من المحظوظين والمحظوظات الذين سيناولون بركة الدردبة, وطبعا يطبخ العام بالقربان من غير ملح لأن الجان سيأكلون منه، اذ المعروف ان الجان لا تحب الملح، في معتقد المغاربة.
وفي الساعات الأولى من الصباح، تنسحب الملوك الى مخابئها الاسطورية، وينسحب اتباع الطائفة طلبا للراحة بعد ليلة متعبة, وينتظر الأوفر حظا من بينهم ان يقاسموا ملوك الخفاء أكلة الكسكس، وفي ظنهم انهم نالوا ما يكفي من الحماية من أذى عامة الجان، بعد ان نالوا مباركة ملوكها السبعة.