خطيئة آدم في التوراة والإنجيل والقرآن: دراسة مقارنة
د.عماد الدين عبد اﷲ طه الشنطي
قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - كلية أصول الدين الجامعة الإسلامية - غزة- فلسطين
ملخص: خطيئة آدم _ عليه السلام_ وتوريثها لذريته من بعده من العقائـد التـي ركـز عليهـا النصارى؛ ليبرهنوا على صدق عقيدة الصلب التي يعتقدونها، فكان لابد من التركيز على مفهوم الخطيئة في كتابهم المقدس، ثم بيان بطلان ذلك؛ لأنه يترتب عليه إبطـال عقيـدة الصلب حيث سينزل المسيح-عليه السلام- آخر الزمان ويكسر رمزها، ويـدعوهم لوحدانيـة اﷲ-تعالى-،ثم بيان ما يجب اعتقاده بخصوص ما سبق في القرآن الكريم وسنة النبي-عليه الصلاة والسلام-.
The Sin of Adam in the Torah, the Bible and the
Quran
Abstract: The sin of Adam PBUH and its bequeathal to his descendants were among the beliefs stressed by Christians to prove the validity of the Crucifixion Doctrine. This paper dwelt on the concept of the Original Sin in the Christian Holy Book and proved the statement was false. The refutation of the Original Sin removes the foundation of the Crucifixion Doctrine, which would be repealed by Christ PBUH upon his return by the end of time. He would then break its symbol and invite people to have faith in the Oneness of God SWT. The paper then outlined the relevant tenets of faith in the Holy Quran and Sunnah of the Prophet PBUH.
مقدمة:
تعتبر عقيدة الصلب أساساﹰ لبقية عقائد المسيحية، ذلك المعتقد قامـت أسـسه علـى مفهـوم الخطيئة التي وقع فيها آدم عليه السلام، فيعتقد المسيحيون أن آدم ورث تلك الخطيئة لذريته مـن بعـده؛ فأشفق الرب على الناس؛ فبذل ابنه الوحيد، فنزل وصلب وقتل على الصليب، ليكفر خطايا الناس التي ورثوها عن أبيهم آدم.
ذلك هو التصور الذي يعتقد به النصارى بخصوص الخطيئة باختصار.
ولتكتمل الصورة حول مفهوم الخطيئة، وبيان أصلها في الكتاب المقدس، والمفهوم الـصحيح في القرآن الكريم؛ جاء البحث في مقدمة تحدثت عن مفهوم الخطيئة عند النصارى بشكل عام، ثم مباحث أربعة كما يلي:
المبحث الأول: خطيئة آدم في التوراة.
المبحث الثاني: الخطيئة والفداء ومدى تطابقها مع نصوص الكتاب المقدس.
المبحث الثالث: خطيئة آدم في القرآن الكريم و السنة المطهرة.
المبحث الرابع: مسألة صلب المسيح في الأناجيل و القرآن الكريم.
مقدمة حول مفهوم الخطيئة(1):
اعتقد المسيحيون وما زالوا: أن خطيئة آدم التي سقط بها هو وحواء هي الأكل من الثمر المنهي عنه، وأن العهد لم يقطع مع آدم من أجل نفسه؛ بل من أجل نسله، وعليه فـالجنس البشري جميعه المتناسل منه تناسلاﹰ طبيعياﹰ قد أخطأ فيه، وسقط معه بخطيئته الأولـى، فعقـد اﷲ عهد نعمته ؛ لينقذ الجنس البشري من حال الخطيئة والشقاوة، ويدخلهم إلى الخلاص بواسطة فـادٍ لهم، فكان الفادي الوحيد هو (المسيح) الذي هو من الأزل ابن اﷲ ثم صار إنساناﹰ.
وحول مفهوم الخطيئة وفداء الإله لتلك الخطيئة التي اقترفهـا الإنـسان، ونـتج عنهـا استحواذ الشيطان على الإنسان واستحقاقه للموت، قال بولس: ( من أَجلِ ذلِك كَأَنَّما بِإِنْسانٍ واحـد دخَلَت الْخَطيئةُ إِلَى الْعالَمِ، وبِالْخَطية الموتُ، وهكَذَا اجتَاز الْموتُ إِلَى جميـعِ النَّـاسِ، إِذْ أَخْطَـأَ الْجميع.) (رومية 5: 12) ، ويقصدون بالإنسان آدم قال بولس(لأَنَّه كَما في آدم يموتُ الْجميـع، هكَذَا في الْمسيحِ سيحيا الْجميع (1كو15: 22) ، وقال أيضاً موضحاً سبب ذلك الموت(لأَنَّه إِن كَان بِخَطية الْواحد قَد ملَك الْموتُ بِالْواحد...)(رومية 5 :17)، كما قالوا: بأن الإنسان عندما يولد يولد خاطئاً بطبيعته لأن الفساد جاء إلينا من أبوينا الأولين فكلنا خطاة لأننا كلنا بشر(5). فيعتقد المسيحيون أن المسيح صلب ومات، ثم قام من موته؛ ليكفر خطايا النـاس، فيقولون: "إن المسيح تألم لأجل خطايانا؛ فقام في اليوم الثالث لأجل تبريرنا" (.6) وأكد ذلك يوحنا بقوله (وهو كَفَّارةٌ لِخَطَايانَا. لَيس لِخَطَايانَا فَقَطْ، بلْ لِخَطَايا كُـلِّ الْعـالَمِ أَيضا.)( يوحنا 2:2)
وركز بولس على هذا المعنى في رسائله، فقال: (الَّذي فيه لَنَـا الْفـداء بِدمـه، غُفْـران الإِنْسان يسوع الْمسيح، الَّذي بذَلَ نَفْسه فديةً لأَجلِ الْجميعِ ) (1 تيموثاوس 2:5ـ6 ).
وقد لخص القس (إلياس مقار) مفهوم الخطية والخلاص منها بقوله:"و من كل هذا نفهـم معنى و مدلول الخلاص، وهو تحرير الإنسان الكامل من: دين الخطية، ومرضـها، وسـلطانها، واستعبادها نفساً وروحاً وجسداً، والأخذ بيده؛ كى يقف أمام الله في كمال: البر والقداسة والمجد و العزة و البهاء إلى أبد الآبدين"(7)
ويوضح بعدها كيفية الخلاص مما سبق فقال(8):" لم يعرف التاريخ حلاً لتلك العقـدة أو علاجاً لذلك الذنب؛ حتى جاء المسيح ؛ ليكفر عن خطايانا على الصليب، و يدفع ثمـن وعقوبـة أبشع خطية ارتكبها إنسان على الأرض، وكل مؤمن به يستطيع أن يصبح منتصراً في مواجهـة الخطية بالقول: (إِذًا لاَ شَيء من الدينُونَة الآن علَى الَّذين هم في الْمسيحِ يسوع، الـسالِكين لَـيس حسب الْجسد بلْ حسب الروحِ)"( رومية 1: 8) .
المبحث الأول: خطيئة آدم في التوراة
ترتبط عقيدة الخلاص والفداء بقصة آدم - عليه السلام - في الجنة وأكلـه مـن أحـد أشـجارها، وإغواء إبليس له، ثم وقوع آدم وحواء في شراك كيده، وأكلهما من الشجرة المحرمة، فعاقبهما االله تعالى بإنزالهما إلى الأرض، والقصة وردت في سفر التكوين.
الأصحاح الثاني
( 15 وأَخَذَ الرب الإِله آدم ووضعه في جنَّة عدنٍ لِيعملَها ويحفَظَها. 16 وأَوصـى الـرب الإِلـه آدم قَائِلاً: من جميعِ شَجرِ الْجنَّة تَأْكُلُ أَكْلاً، 17 وأَما شَجرةُ معرِفَة الْخَيرِ والشَّر فَلاَ تَأْكُلْ منْها، لأَنَّك يوم تَأْكُلُ منْها موتًا تَموتُ. وقَالَ الرب الإِله: لَيس جيدا أَن يكُون آدم وحـده، فَأَصـنَع لَـه معينًـا 18 نَظيره. 19 وجبلَ الرب الإِله من الأَرضِ كُلَّ حيوانَات الْبرية وكُلَّ طُيورِ السماء، فَأَحضرها إِلَى آدم لِيرى ماذَا يدعوها، وكُلُّ ما دعا بِه آدم ذَاتَ نَفْسٍ حية فَهو اسمها. 20 فَدعا آدم بِأَسماء جميع الْبهائِمِ وطُيور السماء وجميع حيوانَات الْبرية. وأَما لِنَفْسه فَلَم يجِد معينًا نَظيره. فَأَوقَع الرب الإِله سباتًا 21 علَى آدم فَنَام، فَأَخَذ واحدةً من أَضلاَعه وملأَ مكَانَها لَحما. وبنَى الرب الإِله الضلْع الَّتي أَخَـذَها 22 من آدم امرأَةً وأَحضرها إِلَى آدم. 23 فَقَالَ آدم:هذه الآن عظْم من عظَامي ولَحم من لَحمـي. هـذه تُدعى امرأَةً ؛ لأَنَّها منِ امرِء أُخذَتْ. 24 لِذلِك يتْرك الرجلُ أَباه وأُمه ويلْتَصقُ بِامرأَتـه ويكُونَـانِ جسدا واحدا. 25 وكَانَا كلاَهما عريانَينِ، آدم وامرأَتُه، وهما لاَ يخْجلاَنِ
الأصحاح الثَّالِثُ
1 وكَانَت الْحيةُ أَحيَل جميعِ حيوانَات الْبرية الَّتي عملَها الرب الإِله، فَقَالَتْ لِلْمرأَة:أَحقا قَالَ االلهُ لاَ تَأْكَلا من كُلِّ شَجرِ الْجنَّة؟ 2 فَقَالَت الْمرأَةُ لِلْحية : من ثَمرِ شَجرِ الْجنَّة نَأْكُلُ، 3 وأَما ثَمر الشَّجرة الَّتي في وسط الْجنَّة فَقَالَ االلهُ: لاَ تَأْكُلا منْه ولاَ تَمساه؛ لِئَلاَّ تَموتَا. 4 فَقَالَت الْحيةُ لِلْمرأَة: لَن تَموتَا! 5 بلِ 6 االلهُ عالِم أَنَّه يوم تَأْكُلاَنِ منْه تَنْفَتح أَعينُكُما وتَكُونَانِ كَااللهِ عارِفَينِ الْخَير والشَّر. فَرأَت الْمرأَةُ أَن الشَّجرة جيدةٌ لِلأَكْلِ، وأَنَّها بهِجةٌ لِلْعيونِ، وأَن الشَّجرةَ شَهِيةٌ لِلنَّظَرِ؛ فَأَخَذَتْ من ثَمرِها وأَكَلَتْ، وأَعطَتْ رجلَها أَيضا معها فَأَكَلَ. 7 فَانْفَتَحتْ أَعينُهما وعلما أَنَّهما عريانَانِ. فَخَاطَا أَوراَق تينٍ وصنَعا لأَنْفُسهِما مآزِر. 8 وسمعا صوتَ الرب الإِله ماشيا في الْجنَّة عنْد هبوبِ رِيحِ النَّهارِ؛ فَاخْتَبأ آدم وامرأَتُه من وجه الرب الإِله في وسط شَجرِ الْجنَّة. فَنَادى الرب الإِله آدم وقَالَ لَه:أَين أَنَت؟. 10 فَقَالَ: سمعتُ صوتَك في الْجنَّة فَخَشيتُ، لأَنِّي عريان فَاخْتَبأْتُ. فَقَالَ: من أَعلَمك أَنَّك عريان؟ 11 هلْ أَكَلَت من الشَّجرة الَّتي أَوصيتُك أَ َلا تَأْكُل منْها؟ 12 فَقَالَ آدم: الْمرأَةُ الَّتي جعلْتَها معي هي أَعطَتْني من الشَّجرة فَأَكَلْتُ. 13 فَقَالَ الرب الإِله لِلْمرأَة: ما هذَا الَّذي فَعلْت؟ فَقَالَت الْمرأَةُ: الْحيةُ غَرتْني ؛ فَأَكَلْتُ. 14 فَقَالَ الرب الإِله لِلْحية:لأَنَّك فَعلْت هذَا، ملْعونَةٌ أَنْت من جميعِ الْبهائِمِ ومن جميعِ وحوشِ الْبرية. علَى بطْنك تَسعين وتُرابا تَأْكُلين كُلَّ أَيامِ حياتك. 15 وأَضع عداوةً بينَك وبين 16 الْمرأَة، وبين نَسلك ونَسلها. هو يسحقُ رأْسك، وأَنْت تَسقين عقبه. وقَال لِلْمرأَة:تَكْثيرا أُكَثِّر أَتْعاب حبلك، بِالْوجعِ تَلدين أَولاَدا. وإِلَى رجلك يكُون اشْتياقُك وهو يسود علَيك. 17 وقَالَ لآدم:لأَنَّك سمعت لِقَولِ امرأَتك وأَكَلْت من الشَّجرة الَّتي أَوصيتُك قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ منْها؛ ملْعونَةٌ الأَرض بِسببِك. بِالتَّعبِ تَأْكُلُ منْها كُلَّ أَيامِ حياتك. 18 وشَوكًا وحسكًا تُنْبِتُ لَك، وتَأْكُلُ عشْب الْحقْلِ. 19 بِعرق وجهِك تَأْكُلُ خُبزا حتَّى تَعود إِلَى الأَرضِ الَّتي أُخذْت منْها. لأَنَّك تُراب، وإِلَى تُرابٍ تَعود. 20 ودعا آدم 21 اسم امرأَته "حواء"؛ لأَنَّها أُم كُلِّ حي. وصنَع الرب الإِله لآدم وامرأَته أَقْمصةً من جِلْد وأَلْبسهما. 22 وقَالَ الرب الإِله: هوذَا الإِنْسان قَد صار كَواحد منَّا عارِفًا الْخَير والشَّر. والآن لَعلَّه يمـد يـده ويأْخُذُ من شَجرة الْحياة أَيضا ويأْكُلُ ويحيا إِلَى الأَبد. 23 فَأَخْرجه الرب الإِله من جنَّة عدنٍ لِيعمـلَ الأَرض الَّتي أُخذ منْها 24فَطَرد الإِنْسان، وأَقَام شَرقي جنَّة عدنٍ الْكَروبِيم، ولَهِيب سـيف متَقَلِّـبٍ لِحراسة طَرِيق شَجرة الْحياة.)