تدنيس المقدسات عند السحرة: وسوف نتناول بالتفصيل، أهمية الحجر الأسود عند أهل الكتاب واليهود خصوصا. وسنبين كيف استطاع القرامطة سرقة الحجر الأسود، وهم ذوي عقيدة باطنية سحرية، ومن الشيعة المجوس، لنعلم إمكان أن تصل أيدي السحرة إلى مقدساتنا، وهذا خطر عظيم حدث من قبل، ويجب أن نحرص على أن لا يحدث مستقبلا.
ومنهم الحلاج، كان ساحرا من شيعة القرامطة، ففي سنة تسع وثلاثمائة (قتل الحلاج وهو أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمى الفارسي وكان محمى مجوسيا تطوف الحلاج وصحب سهل بن عبد الله التستري ثم قدم بغداد فصحب الجنيد والنوري. وتعبد فبالغ في المجاهدة والترهب، ثم فتن ودخل عليه الداخل بن الكبر والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل له به حال شيطاني هرب منه الحال الإيماني. ثم بدت منه كفريات أباحت دمه، وكسرت صنمه، واشتبه على الناس السحر بالكرامات، فضل به خلق كثير كدأب من مضى. ومن يكون مثل أبي مقتل الدجال الأكبر والمعصوم من عصم الله. وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند وزرع في كل ناحية زندقة، فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد الترك بالمقيت، لبعد الديار عن الإيمان). (1)
(كان محمَّى جد الحلاج مجوسيًا من أهل فارس ثم دخل الإسلام، وقد نشأ الحسين بواسط ثم دخل بغداد وتردد إلى مكة واعتكف بالحرم فترة طويلة وأظهر للناس تجلدًا وتصبرًا على مكاره النفوس من الجوع والتعرض للشمس والبرد على عادة متصوفة الهند، وكان قد دخلها وتعلم بها فنون السحر والشعوذة، وكان الحلاج في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وتصوف ولكن لم يكن عنده علم يصحح طريقه فضل وأضل وضل عن سواء السبيل، ودخل بجهله في طريق الحلول والاتحاد الذي عليه النصارى وفلاسفة الهند). (2)
ودخول الحلاج هو ساحر إلى الحرم واعتكافه داخله فترة طويلة، هو دليل قوي على أن السحرة يدخلون الحرم فعلا، ولا عبرة بكلام من يستخف الناس وينكر إمكان دخول السحرة إلى الحرم.
وفي يوم الثلاثاء 24 من ذي القعدة سنة 309هـ تم تنفيذ حكم الشرع في هذا الزنديق الساحر، وعند إخراجه لتنفيذ الحكم فيه ازدحم الناس لرؤيته فقال لهم إنه راجع بعد ثلاثين يومًا وقد حدث أن تشبه شيطان به عند تمام الثلاثين وسار بأرض النهروان، فافتتن أتباعه به، وظل بالعراق وفارس أناس على طريقته ومذهبه، وكان ابن عقيل يصحح طريقته وحاله ثم تاب عن ذلك وأقر بضلاله وأنه كافر زنديق). (2)
فيجب أن نضع في اعتبارنا أن تدنيس المقدسات الدينية أصل ثابت في صناعة السحر، لأن السحر قائم على الندية لله تبارك وتعالى، والضدية لكل تعاليم دينه الحنيف. وهناك قاعدة في أصول صناعة السحر مفادها أنه على قدر كبر المعصية على قدر قوة السحر، فكلما أراد الساحر صنع سحر شديد القوة فعليه أن يقترف من المعاصي أعظمها، ويظهر الكفر البين. لذلك يعمد بعض السحرة حين صناعة أمر التكليف إلى ترتيل بعض آيات الذكر الحكيم، ربما بنطقها الصحيح تدليسا وتسترا على أمرهم، أو بتحريف بعض ألفاظها، أو تتلى منكسة من آخرها لأولها. وإقحام كتابة أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى في أسحارهم، وكتابتها بمداد نجس ذو أسحار مسبقة الإعداد، أو تنجيس وريقات المصحف الشريف بالمني ودماء الحيض، المهم لديهم حصول معصية كبرى ترضي الشيطان.
وعند النصارى واليهود يتم أيضا تدنيس كتبهم المحرفة ورموزهم الدينية، كتنكس الصلبان وتشويهها، فمن يطالع كتبهم في السحر سيجد هناك أسحار تتم بكتابة نصوص توراتية أو إنجيلية، وتكتب عادة بحروف لاتينية أو عبرية، هذا بخلاف حروف مبهمة يرسمها السحرة رسما كما أمرتهم بها الشياطين، وربما لا يعلمون لها معنى. إذا فالسحر هو ضد كل ديانة لا يعبد فيها الشيطان عبادة خالصة، حتى لو كانت تلك الديانة باطلة ومحرفة. لذلك نقول بأن محاربة أقدس المقدسات يمد السحرة بقوة شيطانية مجهولة لنا، وهذا يعني أن المقدسات الإسلامية مستهدفة من قبل السحرة، وهذا ما سوف نثبته تاريخيا.
يقوم سحرة الفودود Voodoo بتدنيس الصلبان وإدخالها في أسحارهم
جون بول الثاني John Paul II يحيي “كاهن” فودو افريقي في عام 1985، في أسيسي Assisi.
أهمية الحرمين:
في واقع الأمر لم أكن مبالغا حين حذرت من خطر الشيعة المجوس على المقدسات الإسلامية، وهذا لأمرين جديرين بالاهتمام، وهاتين النقطتين بالتحديد ما سوف نتناولهما بالشرح والتوضيح، قد يكون هناك من السباب ما هو أكثر من هذه النقاط، ولكن سنكتفي بهما لتعلقهما بالسحر والسحرة.
أولهما: أن الحرمين مركز قوة لمن يسيطر عليها، وخاصة أنه يؤجر على شد الرحال إليهما، وترفع الدرجات، وتغفر الذنوب، وتمحى السيئات، ففيهما بركة عظيمة لمن نافح عنهما وطلب النصر. وهذا يجعلهما مطمعا للسحرة، بهدف تقوية سحرهم، واستجابة وطاعة لأمر الشيطان، وللحيلولة بين المؤمنين وبين أسباب قوتهم واستعلائهم، وبالتالي تضعف شوكتهم.
ثانيهما: أن الشيعة عبر التاريخ كانوا دائما ولا يزالون اليد الطولى لتنفيذ مخططات أعداء الأمة، وخاصة اليهود. وتواجد هؤلاء المندسين باسم الإسلام بين أظهرنا كمسلمين يتيح لهم الوصول إلى المقدسات الإسلامية، وبالتالي يمكنهم تحقيق وتنفيذ المخططات المعادية للسحرة، وبدون أن يكتشف أصحاب المخطط الأصليين.
انظر كيف يجر الرجلين ثوبهما على البلاط داخل الكعبة تعلم في ولاية من تكون الكعبة
في المقابل لا يستطيع أحد المجاهدين دخول بيت الله ليؤدي الفريضة الخامسة
فمن يتولى خدمة الحرمين والحجيج، يستطيع بذلك جمع قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم حوله، لتعلقهم بالمسجد الحرام والكعبة والحجر الأسود، وبمسجد رسول الله صلى الله عليه سلم، وبجثمانه الطاهر. ومن يهمل السيطرة عليها فلن تكون له شوكة أبدا، مهما كان له من كيد، فلن ننصر في الأرض والحرمين اجتمع عليهما أهل السوء والعدوان. فمن المدهش حقا أن يتطلع المجاهدون اليوم إلى فتح بيت المقدس، بينما أقدس مقدساتهم وهما الحرمين لا سيطرة لهم عليهما، فمن يعجز عن تحرير الحرمين يقينا سيخفق في تحرير المسجد الأقصى. وهذا أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، حصن المدينة أولا، ومكن لحكمه فيها، ثم انطلق فاتحا مكة، وبعدها طافت الغزوات المباركة تنشر الإسلام في أرجاء المعمورة. فبيت المقدس لم يفتح في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن تم فتحه في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، حيث دخل المسجد الأقصى بعد فتح مكة بزمن. لذلك حرر الحرمين أولا، ثم انطلق منهما إلى أرجاء العالم كله، يكتب لك النصر أينما حللت.
أعداؤنا يدركون تماما خطورة انطلاق الخلافة والفتوحات من الحرمين، لذلك استفادوا من حرب الخليج في بناء قواعد عسكرية في جزيرة العرب، ربما قد اختاروا مواقعها بعيدة عن الحرمين لعدم إثارة الشبهات، ولكنها تتمتع بمواقع إستراتيجية هامة تهدد مستقبل إنشاء دولة الخلافة، بحيث تقف حائلا أمام جميع منافذ الجزيرة، وتسمح بإنزال إمدادات عسكرية إليها بمنتهى السهولة. وهذا يعني أن أرض الحرمين محاصرة حاليا، والقوات العسكرية في وضع استعداد كامل للتدخل السريع بمجرد إعلان الخلافة. ربما لن يكون من السهل مهاجمة الخليفة بسبب التفاف أهل الجزيرة حوله، ولكنهم مستعدون لتضييق الخناق عليه لا محالة، بحصار اقتصادي عسكري، والهدف حينها إفشال مشروع الخلافة الوليدة.
فهم يتجرعون كأس الألم بسبب أهمية الحرمين عند المسلمين حتى يومنا هذا، فاليهود لم ينسوا ولن ينسوا أبدا أنهم طردوا من المدينة، ثم أتبعها فتح مكة، فلا يسلم فتح مكة واليهود لهم شوكة في المدينة. فهم يدركون أهمية الحرمين، ولكنهم خبثاء، يتكتمون هذا، ولكن تظهر أماراتها عليهم لمن دقق النظر وأمعن في نصوصهم. وهذا لنعلم أن إدراك أعدائنا لأهمية مقدساتنا ليس وليد اليوم، بل هو موغل في القدم، ليس تاريخيا فقط، بل وفق كتبهم الدينية المحرفة. لذلك يتحرك اليهود من خلال المجوس المتشيعين لضرب مقدسات المسلمين، ليس بهدف تدنيسها فقط، بل لهم شأن مع هذه المقدسات سوف نوجز الكلام عنه قدر المستطاع.
صورة مركبة تعبر عن تخيلات شيطانية تنزع لنسف الكعبة وحرقها، كتب تحتها (سحابة دخان متدفقة من الكعبة أثناء محاولة الأمة الإسلامية لدخول موسوعة جينس للأرقام القياسية من أجل الشواء المقدس للحج الأكبر، 5 أغسطس 2006).
المنتسبون إلى آل البيت من الشيعة:
ولكن رغم خطورة دور الشيعة، إلا أنه علينا حين تعاملنا مع قضية الشيعة أن نقسمهم إلى قسمين، قسم ذو أصول مجوسية فارسية، مندس على المسلمين، والقسم الآخر ذو أصول إسلامية عربية، مخدوعون بما دسه المجوس، لذلك فخطابنا للشيعة لا بد أن يتجزأ، ما بين دعوة للمخدوعين، وتقريع للمندسين. ولا ننسى في خضم صراعنا مع الشيعة والتشيع، أنه يوجد بينهم طائفة من الشيعة يدعون كذبا أنهم من آل البيت، وهؤلاء يجب فضحهم وكشف دورهم الخطير على الأمة.
ولا يفوتنا حين مواجهة الشيعة أن من بينهم الكثيرين من آل البيت أصلا ونسبا، لهم علينا حق النصح والدعوة والتوجيه، فلا نتعجل في الهجوم عليهم حتى نستوفيهم كل حقوقهم علينا، بصفتهم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء) [الأحزاب: 32]، وهذا ليس تشريفا لنساء البيت فقط، بل هو تكليف لهن أيضا، فعليهن دور كبير يجعلهن أسياد على الأمة بما يحملنه من علم النبوة والتقوى، وأسوة وقدوة. فلا ينسى أحد فضل أمنا المبرئة عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق، فنصف ديننا أخذناه عنها،، وهي امرأة. وهذا خطاب موجه يشمل الرجال من آل البيت أيضا، فيضاعف لهم العذاب ضعفين كما يضاعف لهم الأجر مرتين، هذا بخلاف رزق كريم أعده الله لهن، قال تعالى: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) [الأحزاب: 30، 31].
ذكر من حج من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام:
الحج كان فريضة عامة لكل الناس، قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]، وقد فرض الحج على من قبلنا كما فرض علينا منذ بنا إبراهيم البيت وابنه إسماعيل عليهما السلام، بدليل وجود مقام إبراهيم عليه السلام، وهو عبارة عن حجر جعله الله رخوا تحت قدمي إبراهيم عليه السلام وهو يبني البيت. فالحج كان يؤقت الناس به عقودهم، قالت تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ) [القصص: 27]، وهذا يعني أن الأنبياء جميعا حجوا إلى بيت الله الحرام، بدليل شمولية الآية (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)، وبخاصة أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام. وهذا مما يضع أهل الكتاب في حرج كبير، فكيف يحج أنبياؤهم، بينما هم لا يحجون، ولا يقرون بحرمة بيت الله العتيق؟ ولكننا سنثبت إقرار كتبهم المحرفة بأهمية بيت الله الحرام، ونستدل أيضا على فريضة الحج إليه، وسنعلم أنهم رفضوا الحجر والبيت.
مقام إبراهيم عليه السلام
وقد ورد في الأحاديث والأثر ذكر حج كل من إبراهيم موسى ويونس ونوح وهود وصالح وإلياس والخضر، عليهم جميعا السلام، وأضف إليهم إسماعيل عليه السلام فقد كان مقيما في مكة، وهو من بنى البيت مع أبيه إبراهيم عليهما السلام. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد فقال: (أي واد هذا؟) فقالوا: وادي الأزرق. فقال: (كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم [فذكر من لونه وشعره شيئا لم يحفظه داود] واضعا إصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي). قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: (أي ثنية هذه؟) قالوا: هرشى أو لفت. فقال: (كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف خطام ناقته ليف خلبة مارا بهذا الوادي ملبيا).
وروى الإمام أحمد بسند حسن عن بن عباس قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال: (يا أبا بكر أي واد هذا؟) : وادي عسفان. قال: (لقد مر به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق).
وقال الحافظ أبو يعلى: حَدَّثَنا سفيان بن وكيع، حَدَّثَنا أبي، عن زمعة – هو ابن أبي صالح – عن سلمة بن دهران، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتى وادي عسفان قال: (يا أبا بكر أي واد هذا؟) قال: هذا وادي عسفان. قال: (لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق). فيه غرابة.
وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى الخشني، عن ابن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من ماء زمزم شربة واحدة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
وهناك رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى المسيح عليه السلام يطوف بالكعبة، وكذلك الدجال كان يطوف بالبيت، وإن كانت رؤيا تحمل على التأويل، ولكن فيها ما يثبت طواف عيسى عليه السلام بالبيت. ففي البخاري ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال ، فقال : ( إن الله ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت. فقلت : من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح بن مريم، ثم رأيت رجلا وراءه جعدا قططا، أعور العين اليمنى، كأشبه من رأيت بابن قطن، واضعا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال) .
أهمية الحجر الأسود عند أهل الكتاب:
فالحجر الأسود هو حجر الزاوية من الكعبة، وقد وضعه في هذا الموضع إبراهيم عليه السلام، والذي رفض بنو إسرائيل استلامه، كما نستلمه اليوم عند بداية كل شوط من الطواف، فأهل الكتاب رفضوا تلبية نداء إبراهيم عليه السلام، حين أمره ربه تبارك وتعالى بأن يؤذن في الناس بالحج، قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]. فتركوا فريضة الحج، فلا يحجون كما حج أنبياؤهم ورسلهم عليهم السلام، وكما نحج نحن المسلمون.
الحجر الأسود
وقد صار حجر الزاوية في مملكة الله، وتشير إلى ذلك المزامير: ففي المزمور الثامن عشر بعد المائة حيث يقول: (الحجر الذي رفضه البناء وقد صار حجر الزاوية). فمن وجهة نظر اليهود كان إسماعيل منبوذا من الله، وأن العهد كان مع أولاد إسحاق فقط. هذا باعتار أن داود أشار إلى أن الحجر هو (الحجر الذي رفضه البناءون).
(صوت ترنم وخلاص في خيام الصديقين يمين الرب صانعة بباس * يمين الرب مرتفعة يمين الرب صانعة بباس * لا اموت بل احيا واحدث باعمال الرب * تاديبا ادبني الرب و الى الموت لم يسلمني * افتحوا لي ابواب البر ادخل فيها و احمد الرب * هذا الباب للرب الصديقون يدخلون فيه * احمدك لانك استجبت لي و صرت لي خلاصا * الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار راس الزاوية * من قبل الرب كان هذا و هو عجيب في اعيننا * هذا هو اليوم الذي صنعه الرب نبتهج و نفرح فيه * اه يا رب خلص اه يا رب انقذ * مبارك الاتي باسم الرب باركناكم من بيت الرب * الرب هو الله وقد انار لنا اوثقوا الذبيحة بربط الى قرون المذبح * الهي انت فاحمدك الهي فارفعك * احمدوا الرب لانه صالح لان الى الابد رحمته) [المزمور: 118/ 15: 29].
(خيام الصديقين) وهي تلك الخيام التي تنصب بمنى في موسم الحج، طيلة أيام التشريق. كانت كذلك قديما ولا زالت حتى اليوم تنصب للحجيج.
خيام الحجيج في منى قبل 100 عام
خيام الحجيج في منى في العصر الحديث
و(مبارك الاتي باسم الرب باركناكم من بيت الرب) هو البيت الحرام الكعبة شرفها الله وعظمها، وهناك يبارك الله الحجيج والمعتمرين، فيرجعوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم. ففي البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه). وهل هناك بركة أعظم من الطهارة من الذنوب؟!
و(يمين الرب) هو يمين الله في الأرض، وهو الحجر الأسود، وقد بين عبد الله بن عباس أن الحجر الأسود هو يمين الله في الأرض فقال: (الركن يمين الله عز وجل، يصافح بها خلقه، والذي نفس ابن عباس بيده ما من مسلم يسأل الله عنده شيئا إلا أعطاه إياه). واستلامه من أركان الحج والطواف، وهو (الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار راس الزاوية)
و(باب الله للصديقون) هو باب الكعبة، وعنده الدعاء والمغفرة. وقد كان يدخل منه الناس في الجاهلية عند الحج، ثم رفعوه حتى لا يدخله إلا من شاءوا، وهو مرفوع إلى يومنا هذا. وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم باب الكعبة حين فتح مكة، وصلى بداخلها. ولعله يكون هو الباب الذي أمر بنوا إسرائيل بدخوله سجدا، فبدلوا أمر الله تعالى لهم، قال تعالى: (وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [البقرة: 58].
باب الكعبة المشرفة
أما في الإنجيل فقد ذكر الحجر بوضوح أكثر، فيقول المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام موضحا لبني إسرائيل بأن كرامة العنب الدالة على ملكوت الله ستنتزع منهم، وتعطى إلى مزارعين آخرين. وبين لهم ما في هذا الحجر من قوة وبأس، فمن يعتدي منهم عليه يترضرض، ومن يسلط عليه الحجر يسحقه. (قال لهم يسوع اما قراتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار راس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في اعيننا * لذلك اقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم و يعطى لامة تعمل اثماره * ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه * ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون امثاله عرفوا انه تكلم عليهم). [متى: 21/ 42: 44]. وهذا كناية عن أن الحجر الأسود يمين الله في الأرض، وقوة فيه يمنحها الله لمن تكون له الولاية على البيت الحرام، فمن يحج يطهر من ذنوبه، ويضفي الله عليه البركة، ويهبه النصر ما نافح عن بيته الحرام وصان حرمته.
فالحجر الأسود قوة ما كان في أيدي المسلمين، فيقهرون اليهود ويسحقونهم في كل زمان ومكان. لذلك يبغض اليهود الحجر الأسود، وتمنوا لو سرقوه، أو نسفوه، وقد حدث هذا وسرق من قبل بواسطة الشيعة القرامطة، وتمت إعادته بعد 21 عاما. لكني لم أجد أية إثباتات قطعية تجزم بأن الحجر الذي تمت إعادته هو نفس الحجر الأسود أم لا، فلا يمتنع أن يبدلوه خاصة أنه بعد أكثر من 21 عاما سيموت من كانوا يميزون صفات الحجر ويعرفونها، وينسى آخرون صفته ونعته، والبعض يختلط عليهم صفته، وهذا أمر بحاجة إلى بحث من أجل الوصول إلى حقيقة الأمر.
فالحجر المرفوض من بني إسرائيل قد يرمز إلى أمة مرفوضة تتمثل في تبعيتها للحجر، وحسب إنجيل متى هو إسماعيل وذريته من بعده. (كنت تنظر الى ان قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما * فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان اما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلا كبيرا و ملا الارض كلها) [دانيال: 2/ 34: 35].
وبالفعل فالحجر الأسود هو حجر لم يقطع بيد بشر من أحد الجبال، لأنه حجر منزل من الجنة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي لله عنهما قال: (نزل جبريل عليه السلام بهذا الحجر ـ الأسود ـ من الجنة، فتمتعوا بهن فإنكم لا تزالون بخير ما دام بين أظهركم، فإنه يوشك أن يأتي يوم فيرجع به من حيث جاء به).
وقد تم ذكر مكة في المزامر من النسخة الانكليزية New International Version باسم بكه Baca كما يلي:
Blessed are those who dwell in your house; they are ever praising you. Selah * Blessed are those whose strength is in you, who have set their hearts on pilgrimage. * As they pass through the Valley of Baca, they make it a place of springs; the autumn rains also cover it with pools
[ Psalm 84: 4-6 ] راجع (3)
وفي الترجمة العربية تكتب (وادي البكاء) كما يلي: (طوبى للساكنين في بيتك ابدا يسبحونك سلاه * طوبى لاناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم * عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا ايضا ببركات يغطون مورة) 0[المزامير: 84/ 4: 6].
فقد ذكر اسم “وادي بكة” وبكة كما هو معروف أحد أسماء الوادي الواقع بين جبال مكة، وتتوسطه الكعبة المشرفة “بكة – مكة” قال تعالى: (إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس اَّلذِي ببَكَّة مُبَارَكَاً وَ هُدًَى للْعَالَمِينَ) [آل عمران: 96].
والدليل على أن بكة هنا اسم مكان، فإنها مكتوبة أول حرف منها كبيرB فكتبت هكذا Valley of Baca ولو كانت ترجمتهم (وادي البكاء) صحيحة لكتبت هكذا بالإنجليزية (the crying valley) أو هكذا (the weeping valley).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ