المعتقدات السحرية حول جثث الموتى:
من المعروف أن أهل الكتاب يكذبون بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتهمونه بالأباطيل والأكاذيب، والنبي صلى الله عليه وسلم أرفع وأعلى من أن ندافع عنه، لأن الضعيف فقط من يفتقر لمن يدافع عنه، إنما نقتص بالقتل ممن يتجاوز الحد معه.
المهم في المسألة أنهم ينظرون إليه باعتباره مجرد بشرا عاديا، وبعد وفاته يتعرض جسده لما يتعرض له جسد أي بشر آخر، من مظاهر التحلل والفناء، إذا فمن المفترض أنهم يؤمنون بأن جسد النبي صلى الله عليه وسلم تحلل بعد وفاته وصار ترابا، وأن مرقده الشريف خاوي لا جسد فيه ولا رفاة كما نعتقد ونؤمن.
ومن الثابت أن أجساد الأنبياء لا تبلى ولا تتحلل، وهذا يلزم أن لا يفكر أهل الكتاب في استخراج جسد يعتقدون في فناءه، ولكنهم رغم ذلك حاولوا سرقة جثمانه الطاهر عدة مرات، وهذا ليس له إلا تفسيرين، إما أنهم يعلمون بحقيقة نبوته ويجحدون بها، ويريدون أن يزدادوا كفرا، وإما أن لهم معتقدات خرافية خاصة بهم، وهذا سوف نتعرف عليه.
وكما ذكرنا من قبل أن تدنيس المقدسات هو من شريعة الشيطان، وكفرا يكسب السحر قوة، إذا فمحاولة جماعة من أهل الكتاب الحصول على جثمان النبي صلى الله عليه وسلم ليس مبنيا على حسد أو حقد، ولكنه هدف إلحادي وكفري، يتنافى مع كل القيم والأخلاق والأديان. بل إن نبش القبور، واستخراج الجثث وعظام الموتى هو من جملة طقوس عبادة الشيطان، وهذا معروف عنهم لا يحتاج إلى استدلال. إذا نخلص من هذا أن من حاولوا نبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا سحرة وعبدة للشيطان. ولكن المفاجأة أن لهم معتقدات خرافية في الموتى لا بد أن نتعرف عليها ونبينها، لنكتشف مدى تبددها من استمراريتها حتى عصرنا الحالي.
أجساد الأنبياء لا تبلى:
يجب أن نستيقن تماما، أن جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله كما كان عليه يوم دفن، فلا يبلى ولا يتغير، في صحيح الجامع عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون). وفي صحيح بن خزيمة أوس بن أوس الثقفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي). قالوا : يا رسول الله! وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يعني وقد بليت. قال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء). وهذا يلزم منه أن نعلم أن من حاولوا سرقة الجثمان الطاهر، كانوا على يقين جازم بأن جسد النبي صلى الله عليه وسلم موجود داخل قبره، غضا طريا كاملا، لم يتغير ولم يبلى، وإلا ما غامروا بحياتهم وأموالهم من أجل محاولة الوصول إلى جسد يعتقدون أنه أرم وبلي كأحد من البشر.
اعتقاد أهل الكتاب بأن أجساد الأنبياء لا تبلى:
وأهل الكتاب يعلمون تمام العلم أن أجساد الأنبياء لا تبلى، ولا تأكلها الأرض، والشاهد على هذا ما رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وصححه ولفظ الحديث كما في المطالب العالية للحافظ ابن حجر رحمه الله: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، فأكرمه فقال له: (ائتنا). فأتاه فقال: (سل حاجتك). فقال: ناقة نركبها وأعنز يحلبها أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ فسألوه فقال: (إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلـوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقـا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دُلني على قبر يوسف، قالت: حتى تعطيني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: أنضِبوا هذا الماء، فأنضبوه قالت: احتفروا، فحفروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلـوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار). اهـ
وقوله هنا (واستخرجوا عظام يوسف) لا يتنافى وحياة الأنبياء في قبورهم، وأن لا تبلى أجسادهم، ولكن قوله (عظام) يدخل في باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهو من أنواع المجاز، فذكر عظام يوسف عليه السلام المراد به الجسد. ولا يتعارض من جهة المعنى والدلالة مع كون الأنبياء أحياء في قبورهم وأن لا تبلى أجسادهم. وهذا بدليل أن الفترة الزمنية بين وفاة يوسف عليه السلام وبين خروج بني إسرائيل طويلة جدا، وتعد كافية جدا لكي يبلى عظم أي إنسان فلا يبقى منه شيء، فإن كان المقصود عظامه، فمن المفترض أنها أرمت وتحللت، ولم يبقى منها شيء، وهذا يستحيل معه وجود بقايا عظمية، وهذا مما يجزم بأنه أطلق لفظ عظام وقصد به الجسد ككل.
إحياء الموتى بين المعجزة والسحر:
إن إحياء الموتى معجزة اختص الله تعالى بها نفسه، وقد ورد ذكر عدة أحداث في القرآن الكريم أحيى الله تعالى فيها الموتى، كمعجزة وآية بينة في الحياة الدنيا، وقد قتل بنوا إسرائل نفسا فاختلفوا في القاتل، فأحيى الله المقتول وشهد على من قتله، قال تعالى: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 72، 73].
وقد أحيى الله رجلا بعد أن أماته مئة عام، وقد مات وبعث هو وحماره، قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 259].
ولقد كان المسيح عليه السلام يحيي الموتى بإذن الله، معجزة وآية من الله عز وجل، قال تعالى: (وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ) [آل عمران: 49].
قد تكلمنا فيما سبق عن تحكم الجن في الأحياء، وذلك بالسيطرة على أجهزة الجسم الداخلية، بقي أن نتعرف على إمكانية تحكمهم في أجساد الموتى، وسيطرتهم عليها. وهذا يذكرنا بما سيقوم به المسيح الدجال بما يشبه إحياء الموتى (وإن من فتنته أن يقول لأعرابي أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان يا بني اتبعه فإنه ربك)، وتمثل الجن أن يرى الشخص الجني ولا يراه من حوله، فمن الواضح أن الدجال هنا سيكون منفردا بهذا الشخص، فلو أنكر أحد المحيطين رؤيتهما لأدرك الرجل أن هذا سحر.
وكما قرأنا في الأحاديث أن ما يقوم به الدجال من أفعال معضلة قد أطلق عليها النبي صلى الله عليه وسلم فتنة، وهي من أفعال السحر لأن الدجال يعتمد في تنفيذها على شياطين الجن كما تقدم في الحديث، والاعتماد على الشياطين في تنفيذ بعض المطالب وتحقيقها هو عين السحر. لذلك فالسحر فتنة، لأنه يفتن الإنسان في دينه، فيؤمن ببعض المعتقدات وتثبت لديه بعض المفاهيم على أنها حق، وهي عين الباطل والضلال، وهذا من فعل الشيطان وتزيينه.
فيبدو لمن يجهل بأمور السحر أنها أفعال خارقة ومعجزات وكرامات من الله تعالى، كما يقوم بذلك النصارى واليهود والصوفية والشيعة، وذلك لكسب دخلاء جدد إلى ملتهم، أو لدعم إيمان أتباعهم وتثبيتهم على ما هم عليه من باطل. والحقيقة أنها أفعال خاضعة لقدرات الجن وألاعيبهم، وتحكمها القوانين الطبيعية الخاصة بعالم الجن، بخلاف تقدمهم العلمي السابق لعلم الإنس، فالجن خلق قبل البشر، وبالتالي فحضارتهم سابقة على حضارة الإنس، وتفوقها بمراحل مذهلة جدا.
سبق حضارة الجن على الإنس:
فحضارتهم متطورة جدا في مجال الطب والفيزياء والكيمياء، بل لديهم علوم محدثة لم نكتشفها إلا في عصرنا الحالي فقط، مثل الطوبولوجيا Topology أو الهندسة اللاكمية أو اللامقدارية: وهس فرع من الرياضيات يعنى بدراسة موقع الشيء بالنسبة إلى الأشياء الأخرى. وهذا العلم يدخل فيه دراسة العقدة Knot، ويدخل في سحر العقد Knots Magic فكل شيء مخلوق في هذا الكون هو عبارة عن عقد، فالحبل الوراثي DNA هو عبارة عن مجموعة من العقد. والعقد تدخل في السحر، فقد سحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في خيط معقود.
والطوبولوجيا هي فرع من علوم الهندسة محدث، رغم أن القرآن الكريم قد أشار إليه منذ أربعة عشر قرنا مضت، فقال تعالى: (مِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق: 4]، إلا أن هذا العلم لا يزيد عمره عن مئة عام فقط. فقد تأسس هذا الفرع من الرياضيات في بدايات القرن العشرين آخذا في تطوره من عام 1925 إلى 1975 حيث شهد نضوجه وتشكله كاختصاص متكامل.
فقد شاع استخدام سحر العقد منذ أزمنة موغلة في القدم، حيث نطالع الكثير من الإشارات عن العقد وسحر العقد في الفن والأدب من جميع الثقافات القديمة، مثل بلاد ما بين النهرين والحضارة الفرعونية والرومانية والهندوسية، بل ووجد لها ذكر في الكثير من ديانات العالم، حتى قبل ظهور الإسلام.
وفي البخاري ما يشير إلى معرفة الجن بعلم العقد منذ أربعة عشر قرن مضت: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). ولما سحر النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى السورتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال) رواه ابن كثير عن بن عباس وعائشة رضي الله عنهما وقال: فيه غرابة.
فالعقد لها أنواع لا حصر لها، ومنها أنواع بالغة التعقيد، وعلم في الرياضيات محدثث واسع شاسع، وهنا يلح سؤال، كيف لساحر في العصور القديمة أمي لم يسمع عن الطوبولجيا كعلم محدث أن ينفذ العقد السحرية بدون معلم؟ وهنا الإجابة أنهم يلتقون بشياطين الجن وسحرتهم، ويتعلمون منهم السحر كما تعلمه اليهود من الشياطين، وهذا يجزم به قوله تعالى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة: 102].
ولا أريد أن أتعمق في الحديث عن العقد السحرية، فلها بحث عميق وأسرار كثيرة جدا، ولكن أريد فقط أن نستوعب مدى تقدم الجن علميا على عالم الإنس. وأن تتفتح بصيرتنا بحقيقة ما يقدم عليه السحرة من أفعال، قد تبدو لها تفسيرات سطحية، ولكن في الحقيقة لها تفسيرات أخرى موغلة في أعماق الكفر والضلال، فإذا تمكنا كمثقفين من تفسير أفعال السحرة، وكشف عمق صلتها بالشياطين، فحتما ولا بد أننا سوف نكون قادرين على كشف زيفهم، وفضح حقيقتهم أمام البسطاء وعوام المسلمين، ليس هذا فقط؛ بل سنكون قادرين على فضح سحرة أهل الكتاب، من القساوسة والحاخامات القادرين على خداع أتباعهم بما يشبه الكرامات. تعمقنا كثيرا جدا في الجانب العقلاني عند مناظرة أهل الكتاب، وأغفلنا الجانب الروحي، والمتعلق بالمعتقدات المبنية على الكرامات، وهذا جانب يستهوي فئة واسعة من الناس، بدليل ما سيقوم به الدجال من فتنة الناس، وسيتبعه كم غير يسير من البشر.
نبش القبور Exhumation:
قال شيخنا العلامة محمد ناصر الدين الألباني عليه رحمة الله قال: (هناك فرق طبعا بين نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين فنيش قيور المسلمين لا يجوز إلا بعد أن تفنى وتصبح رميما ذلك لأن نبش القبور يعرض جثة المقبور وعظامها للكسر وقد قال عليه الصلاة و السلام كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا فالمؤمن له حرمة بعد موته كما كانت له حرمة في حياته طبعا هذه الحرمة في حدود الشريعة.
أما نبش قبور الكفار فليست لهم هذه الحرمة فيجوز نبشها بناء على ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة كان أول شيئ باشره هو بناء المسجد النبوي الموجود اليوم فكان هناك بستان لأيتام من الأنصار وفيه قبور المشركين فقال عليه الصلاة و السلام لهؤلاء الأيتام ثامنوني حائطكم يعني بيعوني حائطكم بثمنه فقالوا هو لله ولرسوله لا نريد ثمنه فكان فيه الخرب وفيه قبور المشركين فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فسويت بالأرض وأمر بالخرب فمهدت ثم أقام المسجد النبوي على أرض ذلك البستان.
فإذن نبش القبور على وجهين قبور المسلمين لا يجوز أما قبور الكفار فيجوز وقد أشرت في الجواب إلى أنه لا يجوز نبش قبور المسلمين حتى تصبح رميما وتصبح ترابا ومتى هذا؟إنه يختلف باختلاف الأراضي فهناك أراض صحراوية ناشفة تبقى فيها الجثث ما شاء الله من السنين وهناك أراض رطبة يسرع الفناء فيها إلى الأجساد فلا يمكن وضع ضابط لتحديد سنين معينة لفساد الأجساد كما يقال أهل مكة أدرى بشعابها فالذين يدفنون في تلك الأرض يعلمون المدة التي تفنى فيها جثث الموتى بصورة تقريبية). (1)
و قد استدل بعض أهل العلم على جواز نبش القبر لاستخراج مالٍ دُفن مع الميت بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه) فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن. أخرجه أبو داود في سننه وضعفه العلماء.
ورغم حرمة نبش قبور المسلمين والصحابة خاصة، فقد أفادت مفكرة الإسلام في الجمعة 25 المحرم 1427هـ –24 فبراير 2006م بأن عناصر جيش المهدي الشيعية قامت بنبش قبر الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الرسول صلى الله عليه وسلم في منطقه الشعيبة وسط البصرة. وقال مراسل المفكرة إن عناصر جيش المهدي وبمساعده من “فيلق بدر” الشيعي الموالي لإيران قاموا بنسف محيط القبر بعبوات ناسفة، ومن ثم قاموا بنبش القبر بشكل كامل.
ش.ج.س. تومسون يقول في كتابه (السحر طقوسه وأسراره): (ألهبت الهامات (الجثث التي يعتقد أنها تفارق القبر ليلا لتمتص دماء النائمين) خيال البشرية طوال قرون، وحقيقة أن بعض الحيوانات قادرة على امتصاص الدم البشري منحت وجودها بعض المصداقية. وهي توصف بأقلام كتاب قدامى بأنها “أشخاص يقومون من قبورهم في الليل ويمتصون دم الأحياء، ثم إنهم يعودون إلى قبورهم”. وحقيقة في أعقاب وفاة شخص معين، لوحظ أن أنسباءهم كانوا يغدون غالبا شاحبي اللون، ونحيلين، منحت هذا الاعتقاد بعض الصحة أو الاحتمال.
كانت المجر، على نحو مخصوص، مصدر قصص كثيرة عن الهاموية (الاعتقاد بالهامة)، وأوحى بنظريات شتى لتعليل الحكايات الغريبة واللافتة للنظر التي رويت عن أعمالها الجريئة. وفي حالة الاشتباه بهامة ما، كان الجثمان، ينبش من القبر، فإذا ما وجد طريا ومملوءا دما، كان يعلن أن الاتهام صحيح. ولوضع حد لنشاطاته، كان يغرز وتد حاد في قلبه، ثم كان الجسم يحرق. في بعض الأماكن، كانت تتخذ إجراءات قضائية ضد الأشباح الرهيبة، وكانت الأجساد المنبوشة تفحص بحثا عن علامات الفساد (وبخاصة الفسوق) التي كانت تشتمل، على مرونة الأوصال، وسيولة الدم. وأخيرا، اتضح لعقول الأشخاص الأوفر ذكاء أن ما يعرف بالهامات كانوا أشخاصا ربما دفنوا أحياء. ومن القصص الكثيرة المتعلقة بالهامات، هناك قصص مدونة في “الرسائل اليهودية”، سنة 1738، شهد عليها ضابطان من قوات الإمبراطور في غرادتز كانا شاهدي عيان، يمكن اتخاذها مثالا.
“في مطلع أيلول 1738، توفي امرؤ في سن الثانية والستين، في قرية كيسيلوفا بالقرب من غرادتز. وبعد دفنه بثلاثة أيام ظهر ليلا لابنه وطلب إليه طعاما قدمه إليه الابن، ثم اختفى. وأطلع الابن الجيران في اليوم التالي على ما حدث. وبعد ليلتين اثنتين، ظهر الأب من جديد، حاملا الطلب عينه. وفي اللية التالية وجد الابن ميتا في سريره، وأصيب بالمرض خمسة أو ستة أشخاص وقضوا (نحبهم) في غضون بضعة أيام. وقدم تقرير إلى المحكمة في بلغراد، فأوفد موظفان وجلاد إلى المكان للتحقيق في الأمر.
“وفتحوا قبور أولئك الذين ماتوا قبل أسابيع، فلما بلغوا جثمان الرجل العجوز ألفوا عينيه مفتوحتين وذاتي لون حسن، وكان تنفسه طبيعيا، فاستنتجوا من ذلك أنه هامة. عند ذلك غرز الجلاد وتدا في قلبه، وأحرق الجثمان حتى غدا رمادا مذرورا”.
في قصة أخرى جرت في قرية ليبايا، يزعم أن الهامة ألقى القبض عليها فلاح كان يراقب من أعلى برج الكنيسة. فقتل الهامة بضربة على أم رأسها، ثم إنه قطع رأسها بالفأس. تلك كانت قصص الهامات التي كانت يعتقد بوجودها حتى القرن الثامن عشر.
ويذكر تورنفور في سنة 1717، أنه في الأرخبيل (مجموعة جزر) اليوناني، كان أولئك الذين تنزل بهم الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية الحرم يحفظون أجسادهم سالمة من التعفن أو الفساد بعد الوفاة. وقد شهد نبش جثة من القبر، و”خوزقة” هامة مزعومة وإحراقها في جزيرة ميكون، قيل إنها كسرت عظام سكان الجزيرة وامتصت دماءهم من عروقهم وشرايينهم. (2)
وكان اليهود يزعمون أن الروح تدور حول قبر المتوفى سبعة أيام ثم تذهب، ومن هنا نشأت فكرة الهامة عند العرب قبل الإسلام، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبطل ذلك كله. قال ابن منظور: والهامة: رأس كل شىء من الروحانيين، عن الليث؛ قال الأزهرى: أراد الليث بالروحانيين ذوى الأجسام القائمة بما جعل الله فيها من الأرواح؛ وقثال ابن شميل: الروحانيون هم الملائكة والجن التي ليس لها أجسام ترى، قال: وهذا هو القول الصحيح عندنا. أبو زيد: الهامة أعلى الرأس وفيه الناصية والقصة، وهما ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس، وفيه المفرق، وهو فرق الرأس بين الجبينين إلى الدائرة، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره، تقول: اسقونى اسقونى! فإذا أدرك بثأره طارت. وكانوا يقولون: إن القتيل تزج هامة من هامته فلا تزال تقول اسقونى اسقونى حتى يقتل قاتله. وفى الحديث وتركت المطى هامًا؛ قيل: هو جمع هامة من عظام الميت التي تصير هامة، أو هو جمع هائم وهو الذاهب على وجهه؛ يريد أن الإبل من قلة المرعى ماتت من الجدب أو ذهبت على وجهها. ومن الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: (لا عدوى ولا هامة ولا صفر). أبو عبيدة: أما الهامة فإن العرب كانت تقول إن عظام الموتى، وقيل أرواحهم، تصير هامة فتطير، وقيل: كانوا يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت الصَّدَى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه؛ ذكره الهروى وغيره. والهامة من خير الليل: طائر صغير يألف المقابر، وقيل هو الصِّدى. ابن سيده: والهامة طائر يخرج من رأس الميت إذا بلى، والجمع أيضا هام.( 3)
وقد ذكر الزبير ابن بكار في (الموفقيات) أن العرب كانت في الجاهلية تقول: إذا قتل الرجل ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة، وهى دودة، فتدور حول قبره فتقول: اسقونى اسقونى، فإن أدرك بثأره ذهبت وإلا بقيت، وفى ذلك يقول شاعرهم:
يـا عمرو إلا تـدع ***شتمــى ومنقصتى
أضربـك حتى تـقول *** الهامــة اسقــونى
قال: وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب: وذكر ابن فارس وغيره من اللغويين نحو الأول: إلا أنهم لم يعينوا كونها دودة، بل قال القزاز: الهامة الطائر من طير الليل، كأنه يعنى البومة. وقال ابن الأعرابى: كانوا يتشاءمون بها، وإذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إلى نفس أو أحدًا من أهل دارى. وقال أبو عبيدة كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمون ذلك الطائر الصدى. فعلى هذا فالمعنى في الحديث لا حياة لهامة الميت، وعلى الأول لاشؤم بالبومة ونحوها، ولعل المؤلف ترجم (لا هامة) مرتين بالنظر لهذين التفسيرين والله أعلم.( 4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مسائل وأجوبتها العلامة محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- مجلة الأصالة العدد العاشر صفحة41/42.
[2] تومسون؛ ش.ج.س. /(السحر طقوسه وأسراره)/ تر. شيخاني؛ سمير/ ط. الأولى 2002/ المكتبة الثقافية _ بيروت. صفحة 28، 29.
[3] المصري؛ ابن منظور [لسان العرب] صفحة (12/624،625).
[4] العسقلاني؛ ابن حجر /[فتح البارى بشرح صحيح البخارى]. صفحة (10/252).