عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 06-20-2015, 12:58 AM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

قال تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78]

قال القرطبي في تفسير الآية:

قوله تعالى: « أقم الصلاة لدلوك الشمس » لما ذكر مكايد المشركين أمر نبيه عليه السلام بالصبر والمحافظة على الصلاة، وفيها طلب النصر على الأعداء. ومثله « ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين » . وتقدم القول في معنى إقامة الصلاة في أول سورة « البقرة » . وهذا الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة. واختلف العلماء في الدلوك على قولين: أحدهما - أنه زوال الشمس عن كبد السماء؛ قاله عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم. الثاني - أن الدلوك هو المغرب؛ قاله علي وابن مسعود وأبي بن كعب، وروى عن ابن عباس. قال الماوردي: من جعل الدلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها حالة المغيب، ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها. وقال أبو عبيد: دلوكها غروبها. ودلكت براح يعني الشمس؛ أي غابت وأنشد قطرب:

هذا مقام قدمي رباح ذبب حتى دلكت براح

براح بفتح الباء على وزن حزام وقطام ورقاس اسم من أسماء الشمس. ورواه الفراء بكسر الباء وهو جمع راحة وهي الكف؛ أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفه على حاجبه. ومنه قوله العجاج:


والشمس قد كادت تكون دنفا أدفعها بالراح كي تزحلفا

قال ابن الأعرابي: الزحلوفة مكان منحدر أملس، لأنهم يتزحلفون فيه. قال: والزحلفة كالدحرجة والدفع؛ يقال: زحلفته فتزحلف. ويقال: دلكت الشمس إذا غابت. قال ذو الرمة:


مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالك

قال ابن عطية: الدلوك هو الميل - في اللغة - فأول الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب. ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا، لأنها في حالة ميل. فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده؛ فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب، ويصح أن تكون المغرب داخلة في غسق الليل. وقد ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب؛ لأنه سبحانه علق وجوبها على الدلوك، وهذا دلوك كله؛ قاله الأوزاعي وأبو حنيفة في تفصيل. وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة.


قوله تعالى: « إلى غسق الليل » روى مالك عن ابن عباس قال: دلوك الشمس ميلها، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته. وقال أبو عبيدة: الغسق سواد الليل. قال ابن قيس الرقيات:

إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا

وقد قيل: غسق الليل مغيب الشفق. وقيل: إقبال ظلمته. قال زهير:


ظلت تجود يدها وهي لاهية حتى إذا جنح الإظلام والغسق

يقال: غسق الليل غسوقا. والغسق اسم بفتح السين. وأصل الكلمة من السيلان؛ يقال: غسقت العين إذا سالت، تغسق. وغسق الجرح غسقانا، أي سال منه ماء أصفر. وأغسق المؤذن، أي أخر المغرب إلى غسق الليل. وحكى الفراء: غسق الليل وأغسق، وظلم أظلم، ودجا وأدجى، وغبس وأغبس، وغبش وأغبش. وكان الربيع بن خثيم يقول لمؤذنه في يوم غيم: أغسق أغسق. يقول: أخر المغرب حتى يغسق الليل، وهو إظلامه.


اختلف العلماء في آخر وقت المغرب؛ فقيل: وقتها وقت واحد لا وقت لها إلا حين تحجب الشمس، وذلك بين في إمامة جبريل؛ فإنه صلاها باليومين لوقت واحد وذلك غروب الشمس، وهو الظاهر من مذهب مالك عند أصحابه. وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه أيضا وبه قال الثوري. وقال مالك في الموطأ: فإذا غاب الشفق فقد خرجت من وقت المغرب ودخل وقت العشاء. وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود؛ لأن وقت الغروب إلى الشفق غسق كله. ولحديث أبي موسى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالسائل المغرب في اليوم الثاني فأخر حتى كان سقوط الشفق. خرجه مسلم. قالوا: وهذا أولى من أخبار إمامة جبريل؛ لأنه متأخر بالمدنية وإمامة جبريل بمكة، والمتأخر أولى من فعله وأمره؛ لأنه ناسخ لما قبله. وزعم ابن العربي أن هذا القول هو المشهور من مذهب مالك، وقوله في موطئه الذي أقرأه طول عمره وأملاه في حياته.

والنكتة في هذا أن الأحكام المتعلقة بالأسماء هل تتعلق بأوائلها أو بآخرها أو يرتبط الحكم بجميعها؟ والأقوى في النظر أن يرتبط الحكم بأوائلها لئلا يكون ذكرها لغوا فإذا ارتبط بأوائلها جرى بعد ذلك النظر في تعلقه بالكل إلى الآخر.

قلت: القول بالتوسعة أرجح. وقد خرج الإمام الحافظ أبو محمد عبدالغني بن سعيد من حديث الأجلح بن عبدالله الكندي عن أبي الزبير عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قريبا من غروب الشمس فلم يصل المغرب حتى أتى سرف، وذلك تسعة أميال. وأما القول بالنسخ فليس بالبين وإن كان التاريخ معلوما؛ فإن الجمع ممكن. قال علماؤنا: تحمل أحاديث جبريل على الأفضلية في وقت المغرب، ولذلك اتفقت الأمة فيها على تعجيلها والمبادرة إليها في حين غروب الشمس. قال ابن خويز منداد: ولا نعلم أحدا من المسلمين تأخر بإقامة المغرب في مسجد جماعة عن وقت غروب الشمس. وأحاديث التوسعة تبين وقت الجواز، فيرتفع التعارض ويصح الجمع، وهو أولى من الترجيح باتفاق الأصوليين؛ لأن فيه إعمال كل واحد من الدليلين، والقول بالنسخ أو الترجيح فيه إسقاط أحدهما. والله اعلم.



رد مع اقتباس