الخميرة الفورية المصنعة تخلو من البكتيريا النافعة ولا تخمّر العجين ولا تغيّر تركيبته الكيميائية!!
قم بتخمير عجينك في بيتك فالعملية ليست صعبة
شريفة محمد العبودي
جاء الشهر الفضيل، وجاء معه التركيز على المأكل والمشرب، خاصة مأكولات مثل اللقيمات والسمبوسك والقطائف والكنافة والشوربة في وجبتي الإفطار والعشاء ثم الخبز في وجبة السحور. وكل هذه المأكولات تعتمد على القمح وغيره من الحبوب التي تحتوي على الدبقين (الجلوتين). ولكن الانتشار المخيف لمشاكل تناول الحبوب مثل حساسية القمح أو مرض سيلياك ومشاكل عدم تقبل القمح وأهمها المعاناة من زيادة الوزن أولاً ثم التهابات القولون وغيرها من أمراض الجهاز الهضمي تنغص على الكثيرين وتجعلهم يحجمون عن الاستمتاع بأطايب المأكولات وهم يشعرون بالحسرة. واستمرت الأدلة تتنامى بدور القمح في التسبب بالمشاكل الصحية ما أدى إلى ظهور أنظمة غذائية توصي بتجنب القمح ومنتجاته مثل نظام فصائل الدم ونظام أتكنز وغيرها، وكل ذلك في محاولة للهروب من المشاكل التي تسببها الحبوب وعلى رأسها القمح. ولكن ما الذي جعل القمح يتسبب بكل هذه الآفات؟ هل هي يد الإنسان، أم أن طبيعة القمح مضرة؟ الاحتمال الأول هو المرجح لأن الحبوب (وسأركز هنا على القمح نظراً لانتشار استخدامه في بلادنا) ظلت على مدار التاريخ المصدر الأول للطاقة المستمدة من الغذاء فحوالي 70% من السعرات الحرارية التي يتناولها الإنسان يومياً تأتي من الحبوب. كما أن الله سبحانه وتعالى أوجد الحبوب لتغذية الإنسان، وهذا يعني أن أصلها نافع.
إذن، لا بد ان السبب يكمن في معالجة القمح قبل أن يتناوله الإنسان، فبعد اطلاع واسع على العديد من المصادر التي يصعب حصرها هنا وجدت التالي:
منذ انتشار عمليات التصنيع الغذائي عانت الحبوب من عمليات المعالجة والتكرير التي تزيل الألياف التي تغلف الحبوب، وتزيل النخالة التي تحتوي على معظم الفيتامينات والمعادن مما لا يبقي في الحبوب إلا النشا فقط وذلك لتصبح المنتجات الغذائية بيضاء منتفشة خفيفة تسر العين وترضي المذاق. والقمح عادة يخضع لعمليات تصنيع تشمل استخدام درجات حرارة عالية بعد حصاده وخلال تجفيفه وطحنه وتكريره مما يؤدي إلى تغيًّر كبير في البنية الأساسية لحبات القمح. الطحين المكرر الذي يباع في كل مكان فاقد لمعظم المغذيات حتى لو دعم بالفيتامينات والمعادن وأعيدت له النخالة التي فصلت عنه لأن الطاقة الحية (لا السعرات الحرارية) التي فيه قد ذهبت حينما عولج وفصلت عنه نخالته وجنينه.
منذ ما يقارن 150عاماً اكتشف الإنسان عملية إعداد الخميرة المصنّعة، ونعني بها أنواع الخميرة التي تساعد على رفع العجين وإدخال الهواء فيه ليصبح منتفشاً هشاً مثل الخميرة الفورية ومنها السائلة والجافة وبودرة التخمير (البيكنج باودر) وصودا الخبز (بيكربونات الصودا). وقد كان الإنسان قبلها يخمر المخبوزات باستخدام قطعة من عجين اليوم السابق أو يترك العجين ليتخمر بشكل طبيعي ولساعات عدة قد تمتد إلى يوم كامل في الجو البارد عن طريق تفاعل العجين وما به من رطوبة مع الهواء. ولأول وهلة بدا أن الخميرة المصنعة منتج ممتاز لأنها تختصر الوقت والجهد بشكل كبير حيث أصبح يمكن في خلال مدة قصيرة تخمير المنتج ثم دفعه إلى المستهلك.
كما أن المنتجات المخمرة بالخميرة المصنّعةً لا يتطرق لها الفساد بسرعة وهي ميزة أعجبت المنتجين لأنها تطيل من أعمار منتجاتهم. ولكن، مع تزايد مشاكل حساسية وعدم تقبل القمح انتبه المختصون بالتغذية إلى أن استخدام الخميرة المصنعة قد يكون هو السبب في ظهور تلك المشاكل، فالخميرة المصنعة، نظراً لخلوها من البكتريا الحية النافعة التي تتكون خلال عملية التخمير الطبيعي الطويلة، تقوم فقط بإدخال الهواء إلى جزيئات العجين مما يعمل على رفعه ولكنها فعلياً لا تخمّر العجين ولا تغيّر تركيبته الكيميائية فيصبح سهل الهضم!! ومن هنا ظهر اتجاه يتمثل في محاولة لتجنب أسباب حساسية وعدم تقبل القمح، ويتمثل في استخدام حبوب قمح لم تتعرض أثناء زرعها للرش بمبيدات وغيرها، وأثناء تجفيفها وطحنها للمعالجة بالحرارة ولإزالة نخالتها وجنينها. ثم طحن الحبوب كاملة وإعداد عجين منها باستخدام عمليات التخمير الطبيعي، أي عجنه وتركه لساعات عدّة حتى ينتفش ويتضاعف حجمه وتظهر الفقاقيع على سطحه إن كانت العجينة سائلة مثل عجينة اللقيمات (لقمة القاضي).
وأهم ميزة لعملية التخمير الطبيعية هي أن عجن العجين (من حبوب كاملة) ثم تركه ليتخمر يؤدي إلى نمو بكتريا طبيعية نافعة تتغذى على البروتين الموجود في العجين المتمثل في جنين القمح ونخالته ثم تخرجه بعد تمثيله سهل الهضم للإنسان. أي أن عمل البكتريا الطبيعية يشبه عمل النحلة التي تتناول رحيق الأزهار ثم تخرجه عسلاً غنياً بالإنظيمات وغيرها من المغذيات النافعة للإنسان. تصوّر أن تتناول رحيق الأزهار قبل أن تقوم النحلة بتمثيله وإخراجه على هيئة عسل! إن تناول المنتجات المخمرة بالخميرة المصنعة يشبه تناول الرحيق قبل أن تقوم النحلة بتناوله ثم إخراجه!!
وتزداد مصداقية هذا الكلام بتزايد الوعي بأهمية تواجد البكتريا النافعة في أمعاء الإنسان، وظهر اتجاه جديد يسمى البروبايوتيك probiotic تمثل في إنتاج مكملات غذائية على هيئة كبسولات من بكتريا حمض اللاكتيك تسمى لاكتوباسيليوس lactobacillus يبتلعها الإنسان لزيادة البكتريا النافعة في جهازه الهضمي. وما هذه البكتريا إلا التي تنشأ في العجين عند تخميره ذاتياً أي تركه ليختمر بشكل طبيعي. وتتميز هذه عن كبسولات المكملات في أنها تبدأ عملية هضم الحبوب قبل ان يتناولها الأنسان فيصبح هضمها أسهل ويستفيد الجسم من عناصرها الطبيعية المفيدة بصورة أكمل.
"إن لجسمك عليك حقا" ليس خلال هذا الشهر الفضيل فقط إنما طوال العام. ولا داعي أن تحرم نفسك من القمح ومنتجاته إنما قم بتخمير عجينك في بيتك. والعملية ليست صعبة مع المران والتكرار. فقط اسألوا الكبار في السن عن كيفية معالجتهم للعجين قبل استخدام الخمائر المصنعة.
المصدر:
ظ‚ظ… ط¨طھط®ظ…ظٹط± ط¹ط¬ظٹظ†ظƒ ظپظٹ ط¨ظٹطھظƒ ظپط§ظ„ط¹ظ…ظ„ظٹط© ظ„ظٹط³طھ طµط¹ط¨ط© - ط¬ط±ظٹط¯ط© ط§ظ„ط±ظٹط§ط¶