الخميرة الطبيعية
عجيبة من عجائب دنيا التغذية !!
د/ فوزى عبد القادر الفيشاوى
قسم علوم وتكنولوجيا الأغذية
فهى تحتل اليوم مكاناً يقع فى صميم نظم التغذية الصحية للإنسان. وإن علماء التغذية الذين تتملكهم حماسة الرواد المستكشفين ليؤكدون لك على أنها تعد أعظم اكتشاف غذائى فى جميع العصور. وإنهم ليزيدون بأنك إذا تناولت فى كل يوم وباستمرار ما أشرقت عليك الشمس قدراً مناسباً منها حرى أن تتمتع على طول الأيام بالقوة والشباب والحيوية. تلكم (العجيبة) هى الخميرة .. نعم خميرة الخباز !!
إعادة اكتشاف الخميرة :
الخمائر أحياء نباتية دقيقة، وهى تقع من أقسام مملكة النبات فى أقسامها البسيطة الدنيا. وتتألف الخميرة من خلية واحدة، وتصنف فى تقسيم النبات ضمن الطائفة Class ، المعروفة بالفطر Fungi . وإنها لتظهر تحت عدسات المجهر على شكل كروى أو بيضاوى أو اسطوانى، والنوع الشائع بين أيدى الناس منها يتراوح قطرة بين 2 إلى 8 ميكرونات Micron (هو جزء من ألف من الملليمتر)، ويتراوح الطول بين 3 إلى 15 ميكروناً .
والخميرة ليست غريبة على الإنسان فقد استخدمها من قديم فى عمليات تخمير العجين ولكن الناس ظلوا لسنوات طويلة يعتمدون على الخميرة التى يربونها كيفما أتفق دون أن يعرفوا الصالح من الطالح ، ولهذا كان العجين لا ينتفخ كما يجب أن يكون الانتفاخ على أن باحثين بيولوجيين عرفوا كيف ينتقوا السلالات الجيدة التى تقوم بالتخمر السريع، وإطلاق غاز ثانى أكسيد الكربون الذى يتخلل العجين ويجعله مسامياً مرغوباً على نحو حاز إعجاب أصحاب المخابز وثناء ربات البيوت .
وقال الباحثون إن الخبز الذى تضاف إليه سلالات الخميرة الجيدة لابد أن يرتفع كما لابد أن ترتفع الشمس فى كل صباح. وعندما تأمل باحثو التغذية ملياً فى سلالات الخميرة الشائعة ، لاسيما خميرة الخباز Saccharomyces cervisiae ، وخميرة التوريولا (Torulopsis utilis) Torula yeast، فوجئوا بأن لديها قدرات جبارة على تخليق وتجميع الكثير من المغذيات.
ولأجل أن تعرف المزايا الغذائية المدهشة للخميرة، أقدم فيما يلى نتيجة تحليلها وسترى أنها تحوى ثمانية عشر فيتاميناً يدخل فى نطاقها المجموعة الكاملة لفيتامينات "ب"، كما تحوى ستة عشر حمضاً أمينياً وأربعة عشر معدناً جوهرياً لحياة الإنسان.
ومع مطلع القرن الحادى والعشرين بدأ باحثو التغذية العلاجية فى إعادة اكتشاف الخميرة، كما أعادوا النظر فى خصائصها الغذائية والشفائية. والحق أن القليل منا من تأمل فى هذه الخصائص .. وهذا أمر طبيعى فهى معرفة حديثة مازالت بنت اليوم.
الخميرة وسحر الثياميـن :
تعلو الدهشة وجوه محللى الأغذية وهم ينظرون فى نتائج تحليل الخميرة، إذ يجدونها تنطوى على سائر أفراد عائلة فيتامينات " ب " العظيمة، وبتركيزات عالية. إن هذه العائلة تشمل نحو أربعة عشر مركباً أو أكثر. وهى جميعاً تذوب بالماء تماماً كما يذوب السكر أو الملح، ولا يدخر منها فى الأبدان أكثر مما تدخر الماء، ولذا تتطلب الصحة أن تقدم لها هذه المركبات كل يوم. إن أشهر أفراد هذه العائلة هو فيتامين " ب1 " المعروف بالثيامين Thiamin .
وإن الخميرة لتبدو من أغنى المصادر الغذائية فى الثيامين. ففى كل مائة جرام من الخميرة 9.7 ميللجرام من الثيامين، بينما لا يتجاوز الفيتامين فى مائة جرام من كل: السبانخ 1.2، فول الصويا 0.65، ردة القمح 0.5، اليوسفى 0.5، البندق 0.4، البسلة 0.36، الحمص 0.35، الفول السودانى 0.3، الجوز 0.26، اللحم 0.14، البامية 0.13، الطماطم 0.1 ملليجرام .
إن ثراء الخميرة بالثيامين يوفر فى الأبدان قدراً أعظم من مركب الثيامين بيروفوسفات، وهو قرين لإنزيم الكربوكسيليز، الذى يضطلع بدور مهم فى عملية إنتاج وحدات الطاقة المعروفة باسم " الأدينوزين ثلاثى الفوسفات " ATP، أثناء ميتابوليزم الكربوهيدرات. فعندما تتحول الكربوهيدرات إلى حامض البيروفيك، فإن الثيامين بيروفوسفات يقوم من فوره بإجراء هدم سريع للبيروفيك، عن طريق نزع مجموعة الكربوكسيل منه. وإذن تنطلق الطاقة اللازمة لاطراد الحياة، كما يتلاشى خطر حامض البيروفيك. وهذا صحيح ، فالحامض الذى يتكون بكميات كبيرة أثناء تمثيل الكربوهيدرات، يعد سماً شديد التأثير على الجهاز العصبى، إذا لم يتحلل سريعاً. وإن النقص الفاحش فى الثيامين هو الذى يدفع إلى تراكم الحامض، ومن ثم التأثير فى الأطراف العصبية والأربطة الموصلة والذى تكون من نتيجته آلام فى الأعصاب واضطراب فى القلب واختلال فى قناة الهضم .
بالخميرة .. عالج التهاب الأعصاب :
يوصى خبراء التغذية دوماً بتناول الأغذية الغنية بالثيامين، كلما تناول المرء مزيداً من الكربوهيدرات توسلاً لتوفير الطاقة فى الأبدان ووقاية من تراكم حامض البيروفيك الذى ينذر بالتهاب الأعصاب. وإننا لنعلم اليوم أن المراحل الأولى لنقص الثيامين، تتسم بحدوث اضطرابات تؤثر سلبياً فى الروح المعنوية للإنسان. إذ يغدو المرء كسولاً خائر القوى ضعيف الهمة فاتر العزم منحرف المزاج يثور ويهيج لأتفه الأسباب.
ومع استمرار هذا النقص تلتهب الأعصاب الطرفية شديداً وتجتاحها الآلام. لقد عالج الباحثون الطبيون اضطرابات عصبية من هذا القبيل بكميات وافرة من فيتامين "ب1" وشفيت. وكان النجاح فى الشفاء أعظم بإعطاء مصدر طبيعى للفيتامين بتناول قدر مناسب من الخميرة .
الخميرة وسلامة القلوب :
إن أول ما يتوجب العناية به من أجل سلامة وصحة القلوب هو تزويد الأبدان بفيتامينات المجموعة "ب" ولا سيما النوع "ب1" . إن العلماء الذين درسوا التأثير العظيم لهذا الفيتامين فى القلب قرروا أن نقصه الشائع هو سبب الإصابة بأزمات القلب المقلقة. ولتفسير ذلك أجرى "هاريس" وغيره من الباحثين تجاربهم على الفئران، وأسفرت هذه الأبحاث على أن نقص الثيامين يحفز على زيادة نسبة حامض البيروفيك، وعلى خفض معدل إنتاج وحدات الطاقة (ATP ) ، الضرورية لعمل عضلة القلب.
وفى مستشفى مايو الطبية بنيويورك أثبت العالمان " راسل وايلدر " ونورمان جوليف " أن حذف الثيامين من طعام الإنسان لمدة ثلاثة أيام يفضى إلى اضطرابات وظيفية فى القلب كأن يتدنى نبضة حيناً، ثم تسرع دقاته شديداً بمجرد أداء أى عمل مهماً كان يسيراً. وينذر استمرار المنع لأيام أخرى بدخول القلب مرحلة الخطر، حيث يتناوب نبضه بين البطئ للغاية والسريع للغاية وإن لم يبذل المرء أى مجهود يذكر. فإذا تواصل الحرمان أكثر دخل القلب مرحلة أخطر، فيزيد نبضه زيادة هائلة باستمرار حتى مع ركون الإنسان للراحة ثم يأخذ القلب فى التضخم. على أن المدهش، أن العوارض كلها لا تلبث أن تختفى بمجرد تزويد الجسم بقدر وافر من الثيامين ضمن أغذية طبيعية جيدة .
فإذا كنت صادق النية فى احتفاظ قلبك بحيويته فعليك أن تحرص منذ اليوم على تزويد جسمك بمصدر طبيعى للثيامين، مثل الخميرة ولو بكميات أكثر مما يلزم للجسم فإن هذا الفيتامين يذوب بالماء ولهذا فالزائد منه يخرج مع البول. وينبغى أن تأخذ من الخميرة مع كل أكله لأن حاجة الجسم للثيامين تتجدد كل يوم.
الخميرة لهضم أوفق :
إن بوسع المرء أن يتجنب اضطرابات الهضم بأخذ قدر وافر من فيتامينات المجموعة "ب" وبخاصة النوع "ب1" من مصدر فائق كخميرة البيرة. هذه هى الحقيقة التى استخلصها الباحثون من دراساتهم، فقد وجدوا أن الخميرة تزيد من إفرازات العصارة الهاضمة والإنزيمات. فهى تزيد من إفرازات الغدد الموجودة فى الجهاز الهضمى مثل إفرازات غدد المعدة وغدد الأمعاء ، كما أنها تحسن من قدرة الأمعاء الدقيقة على الامتصاص .
ومما يستطاب ذكره، أن العلماء كشفوا عن دور مهم للثيامين فى آلية عمل العضلات بعامة وعضلات الأمعاء على وجه الخصوص. فقد تبين أن نقصه فى الأبدان يصيب العضلات بالوهن، على نحو يفضى إلى اضطراب حركة قناة الهضم، ومن ثم حدوث الإمساك. وإن باحثى التغذية العلاجية ليؤكدون اليوم على أن الهضم الردئ والغازات وأكثر حالات الإمساك يمكن أن تشفى فى غضون أيام قلائل بإتباع نظام غذائى متزن يحتوى على الخميرة .
فيتاميـن الخميرة الأصفر :
فى عام 1932استطاع الألمانيان " واربورج " و " كريستيان " استخلاص مادة صفراء من الخميرة، وأثبتا أن لها دوراً مهماً فى تنفس الخلايا، هذه المادة هى فيتامين " ب2 " المعروف الريبوفلافين Riboflavin .
وهكذا فالخميرة هى مصدر أساسى للريبوفلافين إذ يوجد فى كل مائة جرام منها نحو 5.45 ميللجرام، بينما يوجد فى مائة جرام لكل من : الكبد نحو 3.5، فول الصويا 0.35، البيض 0.34، السبانخ 0.31، اللحم 0.30، الجرجير 0.30، السالمون 0.28، اللوبيا 0.25، اللبن الطازج 0.20، لحم الدجاج 0.16، العسل الأسود 0.16، الخيار 0.15، الخس 0.12، البرتقال 0.09 ميللجرام.
وتمثل قابلية الريبوفلافين للتأكسد والاختزال من خلال تفاعلاته كناقل لذرات الأيدروجين أساساً لفعله البيولوجى، ويدخل الفيتامين فى تركيب ما يزيد على عشرة من عوامل الحفز البيولوجية المتخصصة التى تكفل السير الطبيعى لتفاعلات الأكسدة والاختزال فى الجسم.
ولهذا فإن الفيتامين يلعب دوراً مهماً فى عمليات تمثيل الكربوهيدرات وإنتاج وحدات الطاقة منها، وكذا تمثيل الدهنيات والبروتينات. كما يساهم فى امتصاص الحديد وفى بناء هيموجلوبين الدماء. وبإيجاز نقول أن الريبوفلافين هو فيتامين الصحة والحيوية حيث يؤدى نقصه إلى انحطاط حيوية الأبدان، وتدهور وظائف خلايا البشرة والعيون. وإذن ليس غريباً أن نعرف أن الكثيرين مازالوا يستخدمون الخميرة كمقو عام لزيادة الحيوية، ومواجهة عوارض نقص الريبوفلافين.
الخميرة لصحة البشرة والعيون :
منذ زمن طويل والأطباء يستخدمون الخميرة بنجاح لعلاج العديد من متاعب البشرة التى تعود إلى النقص الحاد فى الريبوفلافين. إن قدراً وافراً من الفيتامين يأخذه الفتى أو الفتاة فى مرحلة المراهقة من شأنه منع ظهور الأكياس الدهنية والبقع الجلدية فى الوجوه. وهكذا فإن الخميرة تبدو مفيدة للغاية فى علاج ظاهرة حب الشباب وفى المحافظة على صحة البشرة والغشاء المخاطى المبطن للأفواه.
هذا فى حين يؤدى نقص الريبوفلافين فى الأبدان إلى إدماء وتشققات فى الشفاه وإلى تسلخات تظهر على جانبى الأفواه على أن الوقاية من هذه الاضطرابات أسهل ما تكون ولا تكلف المرء سوى تناول خميرة البيرة يومياً لتوفير الريبوفلافين الذى يكفى حاجة الأبدان.
ولا تقتصر أهمية الريبوفلافين على صحة البشرة وجمالها بل إن له أهمية كبرى للعيون فهو " فيتامين جمال البشرة والعيون البراقة " وها هى تجارب الباحثين تثبت أن نقص الفيتامين يفقد العيون قدرتها على تحمل الضوء كما يؤدى إلى انهمار الدموع والشعور بالحرقان وإلى مزيد من الالتهاب الذى يحد من قدرتها على الرؤية الثاقبة ما لم يعجل المرء بتزويد جسمه بمصدر جيد للريبوفلافين. وهل ثمة من مصدر طبيعى للفيتامين أجود من الخميرة يأخذها المرء فى سائر وجبات الطعام وفى كل الأيام !!
نياسيـن الخميرة فى المقدمة :
فى عام 1845 تمكن الباحث الأمريكى " جولد برجر " من استخلاص مادة فعالة من خميرة البيرة تعالج مرض البلاجرا Pellagra (هو يعنى بالإيطالية الجلد الخشن). هذه المادة هى النياسين Niacin ، أو حامض النيكوتينيك Nicotinic acid، وهو أحد أفراد عائلة فيتامينات " ب " الفخيمة.
والحق أن الخميرة تعد من أهم مصادر النياسين إذ يوجد بكل مائة جرام منها نحو 53 ميللجرام، بينما تحتوى مائة جرام لكل من: الكبد 16.1، البلح الجاف 15، السالمون 7.4، الحلبة 5.7، لحم الضأن 5.6، اللحم البقرى 5.1، المخ 4.9، دقيق القمح 3.5، الموز 2.3، المشمش الطازج 0.7، صفار البيض 0.5، لبن الأم 0.26 ميللجرام.
ومعروف الآن أن النياسين يعمل فى الجسم كأحد مكونات نوعين مهمين من معاونات الإنزيمات، وهما: أميد حمض النيكوتنيك ثنائى الفوسفات ( NAD ) وفوسفات أميد حمض النيكوتينك ثنائى الفوسفات ( NADP). وتعمل هذه المعاونات فى التنفس الخلوى وفى عملية التحلل الجليكولى، وهى العملية التى بها يتحلل السكر حيوياً لإنتاج الطاقة.
وعادة فإن الأعراض الأولية لنقص النياسين تتمثل بحدوث التهاب فى الأغشية المخاطية المبطنة للقناة الهضمية ثم يعقبها احمرار جلدى والتهابات وبخاصة فى مناطق الجسم المعرضة لضوء الشمس. فخميرة البيرة الأغنى فى حمض النيكوتينيك مازالت حتى اليوم توصف بنجاح للوقاية من هذه المتاعب .
هدئ أعصابك بالخميرة :
لتثق أيها القارئ الصديق أنه يستحيل الحصول على الهدوء العصبى بغير تغذية صحية ومتزنة. فإن التوتر الدائم والقلق العصبى الزائد، إنما هى علامات تدل فى الغالب على أن جسمك يحتج بهذه الوسائل على سوء تغذيته وعدم تزويده بما يلزمه باستمرار من فيتامينات الهدوء العصبى والاسترخاء ولا سيما فيتامين " ب6 " المعروف بالبيريدوكسين Pyridoxin. وهو الذى يوجد بوفرة فى الخميرة حيث تحتوى مائة جرام منها على 2.47 ميللجرام فى حين يوجد فى كل من : جنين القمح بتركيز لا يتجاوز 1.03، الكبد 0.81، اللحم 0.45، البسلة الجافة 0.4 ميللجرام .
لقد تأكد الباحثون من أن لهذا الفيتامين دوراً مهماً فى وظائف الأعصاب ونقل الإشارات العصبية وفى تصنيع الكثير من الكيميائيات التى تستخدم كنواقل عصبية، كما تأكدوا من دوره فى تهدئة وإراحة الأعصاب، إذ أجرى الباحث " سبايس " بجامعة " نورث وسترن " اختباراً على متطوعين من البشر بإعطائهم جميع فيتامينات " ب " ما عدا البيريدوكسين، فأصبحوا فريسة سهلة للتوتر العصبى والأرق وصاروا عرضة للتهيج والكآبة والوسواس وغدت أياديهم ترتعد وتأتى بحركات مضطربة لاإرادية.
ولكن ما أن أعطوا مزيداً من الفيتامين حتى عادوا إلى طبيعتهم السوية، وبعد أن كانوا مؤرقين، لا ينامون صاروا ينامون بعمق كالأطفال. وثمة دليل آخر يقدمه باحثو علم التداخلات الغذائية فقد لاحظوا أن النساء اللواتى يتناولن أقراص منع الحمل يعانين من كآبة وقلق وتوتر زائد، وكان السبب هو أن هذه الأقراص تتداخل على نحو سلبى مع البيريدوكسين، مما يؤدى إلى نقصه فى الأبدان.
ونضيف بأن للفيتامين مفعولاً مهدئاً لمراكز القئ فى المخ. ولأجل ذلك فهو يوصف للحوامل فى شهور الحمل الأولى لوقف القئ المتكرر. والحق أن من المفيد للغاية فى مثل هذه الحالات تناول خميرة البيرة الأغنى فى البيريدوكسين فهى الأفضل من أقراص الفيتامينات لأن زيادة جرعاتها قد تحدث اضطرابات الجهاز العصبى المركزى بدلاً من أن تعالج حالة الكآبة والتوتر العصبى .
عالجوا الأنيميا بالخميرة :
لا تعالج أنيميا نقص الحديد بتناول مقويات مغذية تحتوى على عنصر الحديد فحسب بل لابد كذلك من تزويد الجسم بقدر وافر من فيتامين الريبوفلافين أو أحد مصادره الطبيعية كالخميرة البيرة. هذا لأن نقص الفيتامين فى الوجبة الغذائية من شأنه خفض معدل الإفادة من الحديد الذى يتوافر فى الغذاء.
وكذلك فإن العلاج الناجع للأنيميا الخبيثة لا يستوجب فقط تزويد الجسم بفيتامين
"ب12" بل يقتضى أيضاً إمداده بفيتامين حامض الفوليك Folic acid، وهو أحد أعضاء مجموعة فيتامين " ب " المركب. هذا لأن نقص الفيتامين فى الأبدان يؤدى إلى فشل نخاع العظام فى تكوين كريات الدم الحمراء. وبهذه المناسبة فإن باحثى التغذية يعتقدون اليوم أن معظمنا يفتقر إلى حامض الفوليك بسبب عدم توازن الغذاء العصرى.
على أن ثمة إناساً يبدون أكثر حاجة إلى الفيتامين من غيرهم إما لأنهم لا يتمثلونه بصورة جيدة أو لأن أبدانهم تكون بحاجة أكثر إلى المزيد منه. فقد وجد على سبيل المثال أن مالاً يقل عن 75% من النساء الحوامل يفتقرن إلى الفيتامين ساعة الوضع. ومرد ذلك إلى ما يستهلكه الجنين من فيتامين طوال مدة الحمل. وهذه الظاهرة تبدو أكثر خطورة عندما يحدث الحمل مباشرة فى أعقاب التوقف عن تناول أقرص منع الحمل فهذه الأقراص معروف أنها تتداخل سلبياً مع حامض الفوليك، وتزيد من مخاطر نقصه فى الأبدان.
على أن المدهش أن هذا الفيتامين يوجد بكميات وافرة فى خميرة البيرة وخميرة الخباز، مما يقتضى التزود بها يومياً توسلاً للوقاية من فقر الدم الوبيل. وثمة فيتامين آخر تزخر به الخميرة كشف الباحثون عن دوره فى تكوين خلايا الدم الحمراء والهيموجلوبين هو البيريدوكسين. فحينما يقل معياره فى الدماء يتعذر إدخال الحديد مع الهيموجلوبين فى خلايا الدم الحمراء ويظل قدر وافر من الحديد فى الدماء من دون المشاركة فى عمليات البناء.
ثلاثى الخميرة ضد الشيب :
لن يكون لك شعر جميل، قوى، لامع ولن تحتفظ بلونه الطبيعى ما حييت إذا لم تمنح جسمك فى كل يوم عناصر التغذية الضرورية. ومن العلماء من يعلنون بصفة قاطعة أن كل شعره بيضاء فى العالم كله، السبب فيها نقص فى عناصر التغذية. فلا سبب لضعف الشعر ولا سبب للشيب أصلاً غير ذلك النقص.
إن نقص الحديد والنحاس واليود وثلاثة من عائلة فيتامينات "ب"، وهى حمض البانتوثينيك، والأينوزيتول، وحمض بارا-آمينو- بنزويك، له أثر كبير فى إسراع الشيب فى الشعر وفى إضعافه وانحلال قوته قبل الأوان. وها هى خميرة البيرة تعد من أوفر المصادر الغذائية فى ثلاثى الوقاية من الشيب.
ولنأخذ حمض البانتوثينك Pantothinic كمثال، ففى كل مائة جرام من الخميرة نحو 0.45 ميللجرام، بينما نجد فى كل من الكبد والطماطم نحو 0.4، وفى كل من: الخيار والبرتقال 0.3، المشمش 0.29، البيض 0.27، الليمون 0.26، ردة القمح 0.24، البسلة الجافة 0.21، لحم الضأن 0.13، الجزر 0.11، لحم البقر 0.1 ميللجرام. ومهما يكن من شئ فإنه يلزم لمنع تساقط الشعر واحتفاظه بلونه الطبيعى، أخذ عشرة ميللجرامات يومياً من حمض البانتوثينك ونحو مائة ميللجرام من حمض بارا-أمينو-بنزويك وحوالى ثلاثة آلاف ميللجرام من الاينوزيتول .
إن بوسع هذا الثلاثى العجيب إلى جانب اليود والنحاس والحديد أن ينشط نمو الشعر كل التنشيط فيساعده على استعادة لونه الطبيعى. فإذا كنت ترغب جاداً فى أن تحتفظ بلون شعرك الأصلى على طول الأيام فعليك بأخذ خميرة البيرة كل يوم قبل كل وجبة طعام. إنك بتناول الخميرة تتغلب على الضعف الذى يحدثه نقص ثلاثى الفيتامينات المضاد
للشيب .
أوقفوا زحف الشيخوخة :
فى مؤلفه القيم "بيولوجية الشيخوخة" يقول الباحث الطبى الرومانى "بارخون" :
" كان هناك شقيقتان 66، 70 عاماً تبدو عليهما مظاهر الشيخوخة بصورة ملفتة للانتباه كانت التجاعيد تغطى وجهيهما، كما كان من السهل ملاحظة اختفاء الطبقة الدهنية للوجنات، ولكن بعد فترة من الزمن عاودا زيارتى فى المستشفى فلم أعرفهما بل أننى أصبت بالذهول لمظاهر الشباب والحيوية التى كانت تبدو عليهما، وببحث حالتهما عرفت أنهما تناولتا طوال هذه الفترة خميرة البيرة التى حصلا عليها من مصنع البيرة القريب".
إن مثل هذه الملاحظة وغيرها استرعت انتباه باحثى الشيخوخة ودفعت الكثيرين منهم للبحث عن السر الذى تنطوى عليه الخميرة وخرجوا من بحثهم بحقيقة تقول بقدرة الخميرة على مواجهة زحف الشيخوخة. ولهذا السبب وجدنا الباحثين فى معهد أمراض الشيخوخة فى رومانيا يصفون الخميرة لعلاج مظاهر الشيخوخة باستخدامها يومياً فى الغذاء ووجدنا سواهم من المعالجين فى كافة الأنحاء ينصحون بها الجميع لإبطاء سير العمر نحو الشيخوخة.
والحق أن الخميرة يجب أن تكون إجبارية لكل شخص مسن لأنها تقدم له العناصر التى تنقصه كثيراً لاسيما فيتامينات المجموعة " ب " بكاملها ، كما أنها تصلح حالته بشكل لا يمكن تصوره .
قاوم متاعبك بالخميرة :
فى محاضراتى التى ألقيها كثيراً ما يتساءل جمهور الحضور عن الإحساس بالتعب والوهن الذى يجتاح المرء من وقت لآخر من دون سبب ظاهر، كما يتساءلون عن الوسائل التى يتوجب اعتمادها لتدارك هذا الإحساس البغيض. ويكون جوابى دائماً أنه لا يوجد سبب لانحطاط القوى والتعب الدائم غير الطبيعى سوى النقص فى بعض فيتامينات "ب" لاسيما الثيامين، وحمض النيكوتنيك والبيوتين.
وإن الأشخاص الذين يعانون من الإرهاق الدائم والتعب المقيم إذ ما تركوا ذلك النقص يستفحل لديهم سرعان ما تغدو أعصابهم فى أطراف أنوفهم كما يقولون. والحقيقة أن هذا الثلاثى هو الذى يمكن الجسم من تحرير الطاقة المخزنة فى الطعام، وبدونه يعجز عن إطلاقها فتبقى راكدة غير مستعملة. ومهما كان نوع الأطعمة التى تتناولها لتعطيك هذه الفيتامينات فينبغى أن تضيف إليها الخميرة قبل كل وجبة طعام أو خلالها وقبل أن تنام أيضاً.
صحة الجلد فى الخميرة :
يوجد بالخميرة ست أنواع من فيتامين " ب " ذات علاقة مباشرة بصحة وجمال وسلامة الجلد. هذه الفيتامينات هى الريبوفلافين والبيريدوكسين وحمض النيكوتينك وحمض البانتوثنيك والبيوتين، وحمض البارا-آمينوبنزويك. إن نقص هذه الفيتامينات متجمعة أو نقص واحد منها قمين بظهور اضطرابات وبيلة فى الجلد. إن توافر قدر مناسب من الريبوفلافين هو الذى يقى الوجه من الالتهابات الجلدية التى تغطيها القشور خاصة حول الأنف والعينين، كما يحول دون جفاف الشفتين أو ظهور التهابات بزوايا الفم. ويعمل حامض النيكوتينيك على وقاية جلد الأعضاء المعرضة للشمس من حدوث التهابات حمراء تغطيها قشور يميل لونها إلى اللون البنى. أما البيريدوكسين فهو الذى يحمى منطقة الفم والعينين من الالتهاب الجلدى.
وفى المقابل فإن نقص حمض البانتوثنيك وحمض بارا آمينوبنزويك يتسبب فى ظهور أنواع مميزة من الإكزيما كما نعرف أيضاً أن نقص فيتامين البيوتين يجعل الجلد جافاً بلون أحمر تغطيه القشور. وإذن بمجرد شعورك أن صحة جلدك غير حسنة أو أن تغيرات غير طبيعية بدأت تزحف عليه بادر بوقاية جلدك بأطعمة غنية بهذه الفيتامينات بتناول كل يوم قدراً مناسباً من خميرة البيرة .
إن كثيرين ممن يعانون من متاعب فى جلودهم عزموا على ألا يعدلوا عن تناولها أبداً بعد أن جربوها وعاينوا بأنفسهم نتائجها المدهشة.
أهى تحمى من الأورام ؟
يحذرنا حائز جائزة نوبل " أتو واربورج " من نقص الريبوفلافين وحمض النيكوتينيك، وحمض البانتوثنيك. فعنده أن هذا الثلاثى يكون فريقاً قوياً لحماية الأبدان من خطر السرطان. فثمة نظرية تقول بأن من أسباب الإصابة بهذا الداء، تدنى الأكسجين المتاح للخلايا، فالخلايا التى ينقص الأكسجين الواصل إليها إلى 35% تضطر حتى تحافظ على بقائها إلى سلوك آلية شاذة لإطلاق الطاقة. فبدلاً من حصولها على الطاقة من عملية التمثيل الغذائى، تعمد إلى تخمير السكريات. وهذا مما يعجل بظهور الأورام، ومما يستطاب ذكره أن هذا الثلاثى يعمل داخل الخلايا، كمساعدات مهمة لإنزيمات التنفس. وبتعبير أفصح نقول إن الخلايا التى تصاب فجأة بالجنون إنما هى فى الواقع خلايا محرومة من نوع أو أكثر من هذه الفيتامينات ولأجل ذلك تصبح عاجزة عن التنفس السليم .
لقد أجرى باحثون دراسات معملية أظهرت أن لهذه الفيتامينات قدرة مدهشة على مقاومة الإصابة بالسرطان، فعندما أضاف الباحثون قدراً مناسباً منها إلى مزارع خلوية أصابها الجنون هدأت الخلايا واستكانت واستعادت إيقاع تكاثرها الطبيعى. فهذا كشف مثير، ولكن الأكثر إثارة هو ما توصل إليه مؤخراً الباحثون فى مشروع الجينوم البشرى حين كشفوا لأول مرة عن دور حامض الفوليك فى الوقاية من السرطان. فقد عرفوا أن آلية تخليق القواعد الأزوتية التى يتركب منها الحمض النووى تستوجب توافر المزيد من حامض الفوليك الذى يضطلع بمهمة نقل ذرة كربون واحدة من مركب إلى آخر.
وهكذا فإن حامض الفوليك يبدو حيوياً للغاية لانتظام عملية تخليق الأحماض النووية ولتصحيح ما يطرأ عليها من عيوب ولالتئام ما قد يعتريها من تشوهات، وكما لا يخفى فإن عيوب الأحماض النووية وتشوهاتها، تعد أحد الأسباب المهمة للتحول السرطانى فلا عجب إذن أن نجد الباحثين يقولون بأن من يعانى من نقص فاحش فى حامض الفوليك يكون على الأرجح معرضاً بصورة أكبر للإصابة بأنواع من السرطان، لاسيما سرطانى القولون والمستقيم، ولا عجب أن نجدهم يؤكدون على زيادة احتمالات إصابة النساء بسرطان عنق الرحم، بسبب نقص" الفوليك " فى الطعام.
ونعود فنقول إن وجود فيتامينات الأكسدة والاختزال جنباً إلى جنب وفيتامين حامض الفوليك، لمما يحقق أفضل النتائج فى حربنا ضد السرطان. وإن هذه الفيتامينات لتوجد مجتمعة وبمقادير وافية فى الخميرة على نحو يجعل منها أفضل أغذية الوقاية من هذا الداء الذى عز فيه دواء .
حديث الخميرة والشراييـن :
"تصلب الشرايين"، كالعهد به دائماً من أشد أمراض الإنسان إثارة وغموضاً على الإطلاق. وقد مضى علية الآن وقت طويل وهو يسبب للعلماء صداعاً منتظماً. ثمة من الباحثين من يؤكد على أن نقص فيتامين الكولين يعد سبباً مهماً للإصابة بتصلب الشرايين. فالكولين يساعد الكبد والحويصلة المرارية على إتمام هضم واستهلاك دهون الطعام لئلا تتراكم فى الأبدان. ولأن الكولين لا يمثل بدون وجود الاينوز يتول فقد أصبح القول الصحيح هو : أن نقص هذين الفيتامينين، هو من الأسباب التى تدفع إلى تصلب الشرايين.
وتدل أبحاث العالم الطبى " موريسون " على أن توفير هذه الفيتامينات فى الغذاء اليومى يؤدى إلى زوال الكوليسترول تدريجياً من داخل الشرايين حتى أنها تعود إلى سعتها ومرونتها، كما يعود الضغط الدموى إلى منسوبة الطبيعى.
ويعتقد الباحث الطبى " بانتى " Panti فى القيمة الشفائية لحمض النيكوتنيك. وعنده أن الفيتامين يساهم بقوة فى خفض معدل الكوليسترول الشرير بنسبة 15 إلى 30%، كما يزيد معدل الكوليسترول المفيد بنسبة 2%. وهو يضيف إنه قام بتجريب هذا الفيتامين على عدد كبير من المتطوعين الذين ورثوا قابلية ارتفاع الكوليسترول، وأن النتائج كانت مشجعة للغاية حيث تمكن الفيتامين من خفض معدل الكوليسترول بصورة مباشرة لأن من شأنه تثبيط إنتاج الليبوبروتينات منخفضة الكثافة (LDL) وهى السبب الظاهرى المسئول عن تراكم الكوليسترول على جدران الشرايين .
وتؤكد أحدث النظريات العلمية على دور حمض الفوليك (بالإضافة إلى مساندة من فيتامين ب6 ، ب12) فى الحماية من خطر الإصابة بتصلب الشرايين وتتأسس هذه النظرية على حقيقة تقول بقدرة حمض الفوليك على تنشيط التفاعلات التى تمكن الجسم من الخلاص من مادة " هوموسيستين " Homocystein ، ومن ثم خفض تركيزها فى الدم . ومعروف اليوم أن زيادة نسبة هذه المادة فى الدم تنذر بتصلب الشرايين. وها هنا لابد أن نذكر أن الهوموسيستين ينتج فى الجسم كمركب وسطى أثناء عمليات التمثيل الغذائى للأحماض الأمينية فى الخلايا . ومن المعتاد أن تتحول إلى الحامض الأمينى " سيستين " أو حامض
"المثيونين". ولكن هذا التحول الحيوى لا يجرى إلا فى حضرة حمض الفوليك (وكذا فيتامينى: ب6 ، ب12).
وهكذا فإن غياب هذه الفيتامينات أو نقصانها فى الجسم هو الذى يدفع إلى تراكم الهوموسيستين فى الدم، على نحو يفضى إلى تصلب الشرايين. والذى لا ريبة فيه أن سائر فيتامينات الوقاية من هذا الداء توجد فى خميرة البيرة بنسب جيدة. ولذا فإن من المؤكد أن هذه الميزة التى تتمتع بها الخميرة ستجعلها من أهم المفاتيح الغالية التى تفتح لنا أبواب الصحة والعافية
ضد الشرود والنسيان :
قد يدل الشرود وكثرة النسيان وقلة التركيز العقلى على وجود عيب أو نقص فى نظام تغذية الإنسان. لقد لوحظ أن الأفراد الذين يشح فى طعامهم فيتامينات من أمثال الثيامين وحمض النيكوتينك يكون تفكيرهم بطيئاً وغامضاً ويجدوا صعوبة فى استرجاع ذكرياتهم.
ثمة اختبارات أجريت على بعض المتطوعين فى مستشفى بفيلادلفيا لتقدير ذاكرتهم ووضوح تفكيرهم. أجريت الاختبارات قبل وبعد إعطاء المتطوعين أقراص فيتامينات المجموعة "ب" ثم كررت الاختبارات بعد إثراء وجبات المستشفى بمصادر طبيعية للفيتامينات كخميرة البيرة. أظهرت كافة الاختبارات حدوث تحسن كبير لدى جميع الأفراد من حيث وضوح التفكير والذاكرة بعد أن أخذوا الأقراص. وكان التحسن أكبر وأظهر بعد أن تناولوا الخميرة كمصدر طبيعى للفيتامينات.
وقد دلت دراسات الباحثين على أن بوسع فيتامين حمض النيكوتينك توسيع أوعية الدماغ الدموية مما يتيح للدماغ تروية غذائية أغزر على نحو يحسن من المدارك العقلية ويعيد الذاكرة نيرة نشيطة. فهل بوسع أى شخص يشكو من ثغرات فى ذاكرته وغموض فى تفكيره أن ينسى أن يأخذ كل يوم قدراً مناسباً من الخميرة ؟
الخميرة لطفلك أيضاً :
عندما يفحص الطبيب طفلك ويقرر أنه سيئ التغذية فهو يقصد وفقاً لتقديره أن أنسجة الطفل لم تستكمل حاجاتها من عناصر الغذاء. وقد يكون السبب فى ذلك أن الغذاء الذى يأكله الطفل لا يمده بعناصر الغذاء الضرورية بكميات كافية. أو لأن جسمه لسبب ما ليس لديه القدرة على الإفادة مما يأخذ من عناصر الغذاء.
ولعل من أكبر الأخطاء التى يرتكبها الآباء فى تغذية أطفالهم هو تجاهلهم فيتامينات المجموعة "ب" مع أن الكميات الكافية منها عدا إثارتها شهية الطفل فهى تعينه على هضم ما يأخذ من طعام وتحميه من مخاطر الخروج الكسول للفضلات كما تقيه من شرور الاكزيما والتهابات الجلود، فضلاً عن أنها تمنحه فرصة أكبر لنوم هادئ عميق.
منذ بضع سنوات أجرى باحثو التغذية العلاجية تجربة بسيطة ومحكمة فى الوقت نفسه على ثلاثمائة وخمسين طفل. إذ أعطوا كل واحد منهم قدر ملعقة صغيرة من مسحوق الخميرة فى كل يوم منذ كان عمر الطفل أسبوعين حتى بلغ العام. وبدهشة بالغة لاحظ الباحثون أن الأطفال تمتعوا بشهية منتظمة، ولم يعانوا طوال التجربة من أى مغص أو تقيؤ، أو اكزيما، أو نحو ذلك من الاضطرابات الصحية التى تشيع بين أندادهم من الأطفال الذين لم يعطوا أى قدر من الخميرة. وكانت هذه نتيجة مثيرة شجعت الباحثين على التوصية بزيادة كمية الخميرة التى يأخذها الأطفال ابتداءً من الشهر الثامن عشر إلى ملعقة كبيرة فى كل يوم.
صديقة مرضى السكر :
ثمة صفة تميز الخميرة عن معظم أنواع الطعام هى احتواؤها على مركب حيوى يدعى " عامل تحمل الجلوكوز " Glucose Tolerance Factor (GTF) . وهو مركب عضوى ينطوى إضافة إلى النياسين وحامض الجلوتاميك، والسيستين، والجليسين، على عنصر معدنى ذى شأن فى الحماية من خطر داء السكر اللعين هو عنصر الكروميوم Chromium .
إن الفريق البحثى الذى يقوده "شرويدر" حينما عكف على إطعام الفئران المعملية أطعمة خالية من الكروميوم على مدار ثمانية شهور، وجد أن 80% من الفئران سقطوا فريسة لداء السكر على نحو خطير.
ووفقاً لرأى الباحثين فإن الأنسولين لا يكون فعالاً إلا إذا ترافق مع كميات من الكروميوم. وعندهم أن ارتفاع نسبة السكر فى دماء البعض قد لا يعود إلى نقص فى هرمون الأنسولين بقدر ما يعود إلى عدم استجابة الجسم للأنسولين الموجود بسبب الضعف الطارئ فى نشاط مستقبلات الأنسولين.
وها هنا يبرز دور عنصر الكروميوم فى الأبدان. فهذا العنصر هو الذى يضطلع بمهمة تنشيط مجموعة الإنزيمات التى تساعد الأنسولين فى عمله أثناء دورة احتراق الجلوكوز، ولكن دعنا نفصل الحديث: فقد عرف الباحثون أن الصورة النشيطة فسيولوجيا للكروميوم (أعنى مركب GTF) هى التى تعين على نقل واتصال الأنسولين مع مواقع استقباله على الأغشية الخلوية، مما ييسر إدخال الجلوكوز إلى الخلايا، كما أنها تساعد على أيضه داخلها.
وكأنما يقوم الكروميوم بدور"الكوبرى" الموصل بين الأنسولين ومواقع استقباله على الأغشية الخلوية. ولأجل ذلك فإن الطبيب العالم الفاهم لابد له من تزويد مريض السكر بعنصر الكروميوم أو بمصدر طبيعى له كخميرة البيرة، خصوصاً إذا كانت استجابته للعلاج بالأنسولين ليست كما يجب أو إذا كانت تكثر لديه المضاعفات أو إذا أراد لمريضه مزيداً من ضبط السكر فى الدماء.
ويفيد الكروميوم أيضاً فى التقليل من مضاعفات المرض على المخ والأعصاب، كما يقلل بدرجة ملحوظة من التهابات الأعصاب الطرفية التى تصاحب عادة الإصابة بهذا الداء، وكذلك فإن من شأن الكروميوم منع نسبة الدهون فى الدم من الارتفاع، وهذه من مضاعفات مرض السكر الشائعة.
ولا تقتصر أهمية الكروميوم على المرضى، بل إن الإنسان الطبيعى الذى لا يشعر بالحيوية والنشاط بعد تناول الطعام يمكنه الإفادة منه حين ينشط بصورة جيدة من عمليات تمثيل الغذاء على نحو يعين على استعادة النشاط والحيوية من بعد غياب .
ونعود فنقول إن مريض السكر لابد له من تناول قدر مناسب من الخميرة فى كل يوم وسيرى أن ما فيها من كروميوم ومن فيتامينات المجموعة "ب" يمكن أن يجنبه الكثير من متاعب هذا الداء، كما أنها سوف تقلل من احتياجه إلى الأنسولين إلى حد كبير.
الخميرة الغذائية : حية أم ميتة ؟
منذ وقت قريب أذاع باحثون فى جامعة ويسكنسون أن الأشخاص الذين يتناولون يومياً وبانتظام مقداراً وافراً من خميرة الخباز الحية الطازجة لكى يتزودوا بمقادير من عناصر التغذية والفيتامينات لا يحصلون على شئ، بل أنهم قد يفقدون مقداراً من الفيتامينات التى حصلوا عليها من طعامهم اليومى. ماذا ؟ أهذا صحيح ؟ نعم هذه هى الحقيقة التى لا نفتأ نذكرها بين الحين والحين، ولكن الكثيرين لسوء الحظ ما زالوا عنها غافلين.
وأنت تسأل باستغراب: وما معنى هذا ؟ ينبغى أن نعلم أن الخميرة تنتج فى الصناعة على صور متعددة منها ما ينتج فى صورة خلايا حية تعرف بالخميرة النشطة Active yeast، ومنها ما ينتج فى صورة خلايا ميتة تعرف بالخميرة غير النشطة Inactive yeast . ولهذا فإننا نجد بالأسواق خميرة حية مضغوطة بها نحو 30% مواد صلبة، وهى تستعمل لغرض الرفع فى صناعة الخبز. ونجد خميرة حية مجففة بها نحو 92% مواد صلبة، وهى تستعمل فى الرفع أيضاً. ولكننا نجد كذلك خميرة غير حية مجففة. وهذه هى (الخميرة الغذائية)، التى تصلح فى التغذية كمصدر للبروتينات والعناصر المعدنية والفيتامينات.
وتنتج خميرة التغذية (تلك) بطريقة مشابهة لإنتاج خميرة الخباز على أن يجفف الناتج إلى مسحوق على درجة حرارة عالية تكفى لقتل الخلايا الحية. وإذ تموت خلايا الخميرة، وتفقد حيويتها تغدو منتجاً غذائياً رفيع القيمة ومدهشاً إلى حد كبير. ولكن ما بال الخميرة الحية، ولم لا تصلح للتغذية؟، وأين تكمن مشكلتها المعقدة؟ ، وهل هى حقاً تكمن فى مرارة طعمها كما يدعى بعض المنتجين؟ الواقع أن طعم خميرة البيرة المر ليس أبداً هو بيت القصيد، ولو كانت هذه هى المشكلة لهان الأمر، فإن من الممكن التغلب على الطعم المر بمجرد إذابة الخميرة فى كوب لبن دافئ وأخذها مع الحليب.
ولكن هناك مشكلات تغذوية وفسيولوجية عديدة تحول دون إفادة الجسم من الخميرة الحية. فالخميرة الحية لا تصلح للتغذية لأن بوسعها القيام بتحليل السكريات وإنتاج قدر وافر من غاز ثانى أكسيد الكربون الذى يسبب لدى الآكل ارتباكات معوية واضطرابات. وهى لا تصلح للتغذية لأنها تستطيع التغلب على بكتيريا الهضم الضرورية فى الأمعاء وتعطيل عملها. ولا تصلح للتغذية لأنها تقبض على الفيتامينات التى ينطوى عليه جرمها، ولا تعطى آكلها أى قدر منها. بل إنها تأخذ فى داخلها مقداراً من الفيتامينات التى حصل عليها الآكل من أطعمة أخرى غيرها هذا كله صحيح، ولكن إذا قتلت خلايا الخميرة بالحرارة العالية أو بأى من طرق القتل المعروفة للباحثين ثم جففت فإنها تفقد قدرتها على المراوغة تماماً وتصبح فى طرفة عين غذاءً طيباً ثميناً يغذيك أكثر من كل الأطعمة التى تشتريها، بل إنها تغدو عجيبة من عجائب دنيا التغذية وبلسماً يفيد كل مريض. فما أحوجنا لإدخال تلكم العجيبة الغذائية الشافية فى نظامنا الغذائى فى كل يوم وباستمرار، ما أشرقت علينا الشمس.
المصدر:
Recherche_ coronique _Islam: موضوع هام عن ( الخميرة الطبيعية ) عجيبة من عجائب دنيا التغذية !! ( لا يفوتكم ..)