من المشترك اللفظي في القرآن الكريم كلمة ( خلف ) :
وهذه مادة متعددة المعاني والفروع والصور، وقد أوردنا ما استطعنا إيراده وبالله التوفيق
وقد بلغت صورها ست عشرة صورة:
1- خَلْف بفتح الخاء وسكون اللام ومعناها وراء
« ظرف مكان »، ضد قدام، وشاهده
﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾
[الأنفال: 57]، أي فَرِّق عن معاداتك من ورائهم من الكفرة.
2- وبالوزن السابق أيضًا الجيل من الناس بعد الجيل
وشاهده ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
[مـريم: 59].
3- وبالوزن عينه ومعناها من جاء بعدك
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾ [يونس: 92].
4- كما جاء في القرآن من تعبير ﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
وما شاكلها فمعناها من عاش في عصرهم ومن جاء بعدهم، والمقصود الحاضر والمستقبل.
تنبيه:
يُستثنى من الكلية السابقة قوله تعالى:
﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 27]
فالمراد بها من أمامه ومن ورائه، ومثلها
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ [الرعد: 11].
5- قوله تعالى ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة: 118]
ومعناها تخلف الحكم في شأنهم حتى ينزل فيهم قرآن، وقد نزل القرآن فعلا بالتوبة عليهم
وهم كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي
أقول وقصة كعب مشهورة في كتب الحديث، وفيها تأثير وجاذبية معًا.
6- كل ما جاء من هذه المادة على أفعل إفعالا أخلف إخلافًا
فمعناه خلف الوعد ونقض العهد، ﴿ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ [طـه: 87].
7- وردت المفاعلة من هذه المادة في القرآن الكريم مرتين:
مرة متعدية بحرف إلى، وذلك بعد تعديها إلى صريح المفعول به،
﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ﴾ [هـود: 88]،
والمعنى ما كنت لأنهاكم عن شيءٍ وأتجه إلى فعله كمالا أترك ما أمرتكم به،
وأخرى تعدت بعن ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[النـور: 63]، أورد القرطبي ما نصه ( قال قتادة: أو معنى يخالفون عن أمره
أي يعرضون عن أمره، وقال أبو عبيدة والأخفش: عن في هذا الموضع زائدة
وقال الخليل وسيبيويه ليست بزائدة والمعنى يخالفون بعد أمره ) جـ 12 ص 323.
8- قوله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62]،
قال الزمخشري أي يخلف أحدهما الآخر.
9- جمعت كلمة خليفة في القرآن على صورتين،
الأولى فعائل ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 165]،
والثانية فُعلاء ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ ﴾ [الأعـراف: 69]،
فما سر الاختلاف؟
الجواب أجُمِعَتْ على فعائل باعتبار لفظها، وقد لحقته تاء المبالغة فصار مثل
وسيلة ووسائل وكريمة وكرائم، وجمعت على فُعَلاء باعتبار أصلها "بغير تاء"
ككريم وكرماء ونبيل ونبلاء وخليف فعيل بمعنى فاعل.
10- قوله تعالى: ﴿ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ [التوبة: 83]،
أي مع من تخلف من المنافقين.
11- قوله تعالى ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾ [التوبة: 87]،
جمع خالفة، أي مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذار من الرجال.
12- قوله تعالى ﴿ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسـراء: 76]،
أي لا يمكثون بعدك إلى قليلا ثم يهلكهم الله.
13- قوله تعالى ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾ [المائدة: 33]،
وهو ضد الوفاق، أي تقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى.
14- قوله تعالى ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 81]،
والمخلفون هم الذي تخلفوا عن غزوة تبوك.
15- قوله تعالى ﴿ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 81]،
أي مخالفة رسول الله صلى الله وسلم، وهو مصدر كالجدال، ويُعرب مفعولا لأجله.
16- قوله تعالى ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ ﴾ [الفتح: 15]،