عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-20-2015, 11:23 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,834
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي اليمن هي لغة أولى وأرقى واعظم حضارة

منذ ما يقرب من عشرين الف سنة : اليمن هي لغة أولى وأرقى واعظم حضارة !!


هذا هو تاريخ اليمن ( الإرهاص )
الجمهورية نشر في الجمهورية يوم 21 - 12 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم


تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.
سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
12- (بمسألهو) فسرها هكذا (عن سؤاله) وهي للجمع تعني عن أسئلتهم.
13- (لو فيهمو) أي سلمهم وحفظهم.
14- (وسعدهم) وتعني أسعدهم أو سعدهم.
15- (نعمتم) أي نعمة أو أنعم عليهم.
النص الأول الوارد في ص86 من الأدب الجاهلي:

(وهب وأخوه بنو (كلب - كلبت - كلبة) قربوا للإله المقه ذي هران هذا لوحاً مكتوباً بالخط المسند لأنه استجاب دعاءهم وسلمهم وأسعدهم بالنعم).

إذن فقد كان معناه: أن وهباً وأخاه من بني كلب قدما قرباناً للإله (المقه) ذي هران هذا لوحاً مسندياً (أي مكتوباً بالخط المسند) لأنه استجاب لدعائهم وسلمهم وأسعدهم وأنعم عليهم.

وتفسير النص الثاني من قبل جويدي أيضاً كان واضحاً مع أن معظم الكلمات لم تكن بحاجة إلى شرح، لأنها عربية فصيحة. وإلا فما عساه أن يقول في : أخت أمه، بعلتي، بخلف، هجران، مريب (مأرب). (وثن) لال مقه، بعل ، أوام... والبقية ليست بأعجمية.

ولنحاول التعرض لها كلمة كلمة:
1- (أخت أمهو) أي أخت أمه. وكانت الواو تلحق أحياناً بعد الضمير وليست قاعدة.
2- (شنفرم) هذا اسم علم. وربما كان يريد أن يسموه (شفزو)!
3- (بعلتي) وهل تحتاج إلى تفسير وقد وردت في القرآن أكثر من مرة؟! (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ) هود:72 ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا...) إلخ. النساء:128 (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) البقرة:228
(خمتن) أي الخيمة. وقد تكون لهجة أو وقع عليها بعض التحريف. والمعنى واضح، وبالذات إذا ما قرنت بما بعدها.
5- (بخلف) أي وراء، وفسر الماء بعد الجهد بالماء.
6- (هجرن أو هجران) وتعني المدينة في لغة اليمن. وهي لغة صحيحة، إذ تعني تجمع الناس من الأرياف إلى المدن.
قال صاحب اللسان: قال الأزهري: وأصل المهاجرة عند العرب خروج البدوي من باديته إلى المدن. يقال هاجر الرجل إذا فعل ذلك. وكذلك كل مُخْلٍ بمسكنه متنقل إلى قوم آخرين بسكناه فقد هاجر قومه. وسمي المهاجرون مهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها لله ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة.
وقال أيضاً. وجمل هجر وكبش هجر: حسن كريم. وهذا المكان أهجر من هذا أي أحسن؛ حكاه ثعلب، وأنشد: تبدّلت داراً من ديارك أهجرا. والهاجر: الجيد الحسن من كل شيء.
إذن (فهجرن) كلمة يمنية عربية صحيحة فصيحة، وكانت النون للتعريف في الأول. وقد قام القاضي إسماعيل الأكوع بتأليف كتاب جامع قيم مكون من خمسة أجزاء عن هجر العلم ومعاقله في اليمن. ولكن بالمفهوم الإسلامي. ووضع له مقدمة، مما جاء فيها:اصطلح العلماء (علماء اليمن) على تسمية القرية التي يهاجر إليها من رغب عن سكنى المدن (هجرة) إضافة إلى اسمها العلم، ليجعلها دار إقامة له، ويتخذ منها مكاناً لنشر العلم، فلا تلبث أن تكون في كثير من الأحيان مقصودة لطلب العلم، تشد إليها الرحال. وقال الشجني: إنها أي الهجرة تطلق على كل محل من محلات القبائل إذا كان مهجراً بينهم عما يعتادونه من أسلاف (عادات) القبائل وقواعدهم فيما بينهم. وإنما يكون ذلك للمحلات المأهولة بالعلم والفضل والصلاح.
7- أما كلمة (مريب) فلو كان طه حسين قد قرأ التاريخ لما احتار في أمرها، لأنها كانت معروفة بأنها إحدى المدن اليمنية التاريخية المشهورة، وكانت عاصمة ملكة سبأ التي التقت مع النبي سليمان.

8- (شمتي) بمعنى وضعتا أو أقامتا أو جمعتا. وقد جاء في التاج (والشوامت قوائم الدابة).
وهو اسم لها. واحدتها شامتة. وقال: والتشميت الجمع. يقال اللهم شمت بينهما.

فقد يجوز أنه تم وضع قوائم الوثن، أو أنه تم جمع أجزائه.

9- أما كلمة (وثن) فلا أظن عربياً واحداً يجهل معنى هذه الكلمة إلا إذا كان طه حسين، فهي مشكلته وحده، فقد تكررت ثلاث مرات في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج:30 وقال: ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) العنكبوت:17 وقال: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ ( العنكبوت:25

وقال صاحب اللسان: يروى بالتاء والثاء ومعناهما الدوم على العهد. والوثنة بالثاء الكفرة والموثونة المرأة الذليلة. والوثن الصنم ما كان. وقيل الصنم الصغير . وفي الحديث: (شارب الخمر كعابد الوثن).

ويقال: أن عدي بن حاتم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه صليب فقال له: (ألقِ هذا الوثن عنك) لسان العرب .

أما معناها اليمني ف(الوثن في الأرض الزراعية الخلط هو: وضع الأوثان لتمييز الملكيات. والوثن المستعمل في هذه الحالات يكون نصباً حجرياً مستطيلاً يغرزون نصفه في الأرض، ويبقى نصفه الثاني ظاهراً. ولهذا الوثن احترامه فلا يزحزحه أحد. يقال اقتسم الشريكان الأرض ووثناها. والوثن في لغة النقوش المسندية هو الحد والأوثان الحدود، أي ما يكون بين بلدين أو منطقتين من حدود متعارف عليها. وكانوا يضعون أنصاباً من الأحجار كعلامات حدود.
ولا يبعد أن هذه الأنصاب الحدودية كانت تتخذ من أحجار فيها شيء من النحت أو العمل اليدوي لإكسابها معنى من المعاني الدينية ولهذه سموها الأوثان .

أما بقية الكلمات فقد سبق توضيح معانيها فهي أدعية وكلها عربية ومفهومة.

مقارنة النصين بنص نقش النمارة:
وبما أن هدف طه حسين من هرطقاته كلها هو إثبات أن لغة اليمن ليست عربية، وأن الخط المسند لا يمت إلى العربية بصلة، وأنه بعيد عن الخط الذي كتب به القرآن الكريم، لأن خطوطاً أخرى -كما زعموا- هي التي كتب بها القرآن الكريم، وحاولوا الاستشهاد ببعض الكتابات الشمالية المزدوجة، والتي قد تكون ركبت من الخط اليمني الجنوبي والشمالي المعدل، ومن الآرامي والنبطي ... إلخ. وكان أهم نص عثروا عليه واعتبروه أصلاً للخط الذي كتب به المصحف الكريم.
لذلك فسنحاول هنا المقارنة بين نقش النمارة ونقشي طه حسين اللذين أراد الاستدلال بهما على عدم عروبيتهما.
روي نقش النمارة روايات مختلفة وفسر كذلك تفسيرات متعددة ومتباعدة بعضها لا تمت إليه بصلة علمية حقيقية؛ لأنه خالٍ من الضاد والطاء والثاء وغيرها. ولكننا سنعرض معظم هذه الروايات.
يقول الدكتور فيليب حتى وزميلاه: أما ملوك لخم الذين اتصلت بنا أسماؤهم فيزيدون عن العشرين. ولكن أول ملك لدينا صورة واضحة عن شخصيته هو امرؤ القيس الأول المتوفى عام 328م. الذي وجد العالم (دوسو) كتابة على ضريحه في النمارة بالصفا (حوران) هي أقدم كتابة بالخط العربي الأول، وكشف أحرف هذا الرقيم عن أصلها المأخوذة منه، وهو أحرف الكتابة النبطية. وينم عن طور الانتقال من الحروف النبطية إلى الحروف العربية الشمالية، التي لا تزال مستعملة إلى الآن. وأخص مزايا هذا الانتقال نشوء طريقة تعليق الحروف بعضها ببعض.
وإليك مطلع الرقيم الذي نحن بصدده: (تي نقش امرأ القيس بر ملك العرب كله ذو أسر التاج) أي (هذا ضريح امرئ القيس ملك كل العرب صاحب التاج) تاريخ العرب .
وقد أعقب عمراً ابنه امرؤ القيس 288-328م. وكانت أحوال الدولة الساسانية مضطربة إذ هاجمها الرومان واقتطعوا منها بعض المقاطعات، كما جرت فتن كثيرة وخلافات على العرش، كما أن الدولة الرومانية كانت تعاني اضطرابات كثيرة. وقد ساعدت هذه الأحوال امرأ القيس على ازدياد نفوذه وتوسيع سلطانه، فأخضع القبائل العربية في بادية الشام والجزيرة، كما يدل على ذلك النقش الذي اكتشف على قبره في وادي الصفا بسوريا، والذي يذكر فيه انتصاراته.
وفحواه: هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم، الذي تقلد التاج، وأخضع قبيلتي أسد ونزار وملوكهم، وهزم مذحج إلى اليوم، وقاد الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر والروم، فلم يبلغ ملك مبلغه إلى اليوم. توفي سنة 223 في يوم 7 بكسلول. وفق بنوه للسعادة ويقابل تاريخ وفاته سنة 328م.
أما حصن النمارة فيقوم على تل وسط وادي الشام، وفوق أسكفه باب الدخول نقرأ بداية النص هكذا: في زمن حكم ماركوس أورليوس انطونيوس). وهذا يدل على أن الحصن قد بني إما في زمن ماركسوس أو اليوس (161- 180م) أو زمن كركلا (198-217م) أو في عهد (ابلارجيل) (218-222م) وفي داخل الحصن توجد نقوش أثرية إغريقية بجوار النقوش الصفوية.
وهذه وتلك تمدنا بأسماء أعلام صفوية. ولابد أنها ترجع تقريباً إلى نفس العصر. وعلى مقربة من النمارة توجد أطلال قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب المتوفى في 7 كانون الأول 328م. كما هو وارد في النص المحفوظ اليوم في متحف اللوفر بباريس.
وامرؤ القيس هذا هو من ملوك الحيرة الذي امتد سلطانه على القبائل المقيمة على تخوم الشام، وأخضع قبائل أسد ونزار ومذحج ومعد، وحارب شمر يرعش صاحب نجران في جنوب شبه الجزيرة العربية.
برهان الدين دلو/ جزيرة العرب قبل الإسلام.
ويعلق دلو على النص السابق بقوله: ومما تجدر ملاحظته أن النص العربي في النمارة لا يشير إلى أمير غساني، وبدلاً من ذلك نجد ملكاً بنفس الاسم في أسر اللخميين كان يحكم الحيرة خلال تلك الفترة من الزمن ولعله جاء إلى حوران في مهمة أو شأن وتوفي فيها، فبنوا له قبراً دفنوه فيه، وكتبوا على شاهده بالحرف النبطي، قلم تلك الولاية وأرخوه بتاريخها، وكان أهل الشام وحوران وما يليها يؤرخون في ذلك العهد بتقويم بصرى عاصمة حوران، وهو يبدأ بدخولها في حوزة الرومان سنة 105م. مما يوحي بعلاقات ودية بينه وبين حكام الشام.
ويلي كتابة أم الجمال الأولى في الزمن كتابة النمارة وقد عثر عيلها المستشرق الفرنسي (دوسو) في النمارة في الجزء الشرقي من جبل الدروز.
والنمارة قصر صغير كان للروم، وجدها على قبر امرئ القيس الأول بن عمرو ملك العرب. المتوفى في يوم 7 بكسلول من سنة 223 المقابلة سنة 328م. وقد دونت سنة الوفاة هذه وهي سنة تاريخ الكتابة كذلك وفقاً لتقويم بصرى، وهو التقويم الذي كان سينقله عرب هذه الأطراف ونبطها، وتعد هذه الكتابة أول كتابة أو أقدم كتابة عثر عليها حتى الآن تدون باللهجة العربية الشمالية القريبة من لهجة القرآن الكريم، وإن كتبت بالقلم النبطي المتأخر وبأسلوب متأثر بالآرامية). فرستر -المفصل أما د/ شوقي ضيف فيقول: (ويليه نقش النمارة الذي اكتشفه دوسو ماكلر سنة 1901م. على بعد ميل من النمارة، القائمة على أطلال معبد روماني شرقي جبل الدروز، بالقرب من الأماكن التي عثر فيها على الكتابات الصفوية. وقد كتب شاهداً لقبر ملك من الملوك اللخميين يسمى امرأ القيس بن عمرو. وأرخ بشهر كسلول من سنة 223م بتقويم بصرى وهو يوافق شهر كانون الأول (ديسمبر) من سنة 328م .
وهذا نصه: تي نقش امرئ القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا بزجي في جبح نجران مدينة شمر وملك معه ونزل بنيه الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه عكدي هلك سنة 223يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده.
ونلاحظ أن الكاتب بدأ في السطر الأول بكلمة (تي) الإشارية التي للمؤنث لأنها داخلة على نقش. ولعلها هنا بمعنى جسد. وقد استخدم ذو بمعنى الذي، وهي لغة معروفة بين بعض القبائل مثل طيء، كما استخدم كلمة أسر بمعنى عصب وعقد وهو من معانيها في المعاجم العربية.
وقد حذف الألف من كلمة التاج، ولم يكونوا يثبتونها حينئذ.
وليس في هذا السطر كلمة غريبة سوى (بر) التي استخدمها الكاتب بمعنى ابن وهي آرامية. ونراه في السطر الثاني يضيف واواً إلى نزرو ومذحجو وفقاً لكتابة النبط التي تضيف إلى الأعلام الواو.
أما عكدي فلعلها عكدياً حذفت منها الألف. وفي المعاجم العكد: القوة. ويريد بالأسدين قبيلتي أسد ونراه في السطر الثالث يستخدم كلمة يزجي من فعل زجا بمعنى دفع أي باندفاع. ومعنى جبح في المعاجم أشرق وكأنها استعملت في النص مصدراً بمعنى مشارق أو حدود. وشمر من الملوك الحميريين. واستخدم كلمة نزل بنيه الشعوب بمعنى جعلهم على الشعوب.
وفي السطر الرابع ووكلهن بإضافة نون التوكيد إلى الفعل بعد الضمير. ومعنى العبارة ووكله الفرس والروم.
وفي السطر الخامس بلسعد ذو ولده أي ليسعد الذي ولده.. ورغم محاولة الدكتور ضيف تفسير نص نقش النمارة تفسيراً فيه الكثير من التعسف، وحمل الأمور على غير وجوهها. فإن من أهم ما قاله عبارته التالية:
ولهذا النص أهمية تاريخية بعيدة. فهو يحدثنا عن ثاني ملوك الحيرة، جدود المناذرة، ويذكر أنه ملك قبيلتي أسد وقبيلة نزار وملوكهم، وشتت قبيلة مذحج، وانتصر على جموع نجران.
ولعل هذه أول إغارة ثانية تاريخياً لعرب الشمال على عرب الجنوب ومدينتهم نجران. ويحدثنا النص أيضاً أنه: ملك معداً وولى بنيه على الشعوب والقبائل الكبيرة.
وقد عقد المعاهدات مع الفرس والروم ولم يبلغ ملك مبلغه في القوة.
وليس هذا كله ما يحدثنا به النص، ولا كل دلالاته، فوراء ذلك دلالة أعمق. إذ يقول هذا الملك ملك العرب كلهم.
وتلك ولا ريب أول محاولة في إيجاد وحدة سياسية للعرب الشماليين، بعد أن دمر الرومان دولتهم في بطرا وتدمر. على أن إمارة الحيرة لم تلبث أن خضعت للفرس.
وقد خضع الغساسنة في الشام للبيزنطيين، وأخذت البعثات المسيحية تغزو الشمال في غربيه وشرقيه.
ولعل ذلك ما جعل العرب يلتفون حول مكة. وخاصة بعد أن فقدت اليمن استقلالها، واحتلتها الحبشة ثم الفرس وقد نقلوا إليها من الجنوب والشمال أصنامهم، فكانت دار كعبتهم وعبادتهم الوثنية. وأخذت تقوم بما كانت تقوم به اليمن. من نقل التجارة وعروضها بين المحيط الهندي وحوض البحر المتوسط.
ومجمل القول أن نصوص النقوش الثلاثة هكذا: النص السبئي الأول الذي استدل به طه حسين.
(وهبم وأخهو بنو كلبت هقنيو ال مقه ذهرن ذن مزندن حجن وقههمو بمسألهو لوفيهمو وسعدهمو نعمتم).
النص الثاني الذي استدل به طه حسين أيضاً.
أخت امهو وشفترم بعلتي خمتن بخلف هجرن مريب شمتي وثنن لال مقه بعل أوم حجن وقههمو بمسألهو لو فيهمو.
النص الثالث: نقش النمارة:
(تي نقش مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج وملك الأسدين ونزرو ملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا يزجي في جبح نجران مدينة شمر وملك معد ونزل بنيه الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه. عكدي هلك سنة 223 بيوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده). شوقي ضيف ورغم أنها جميعها بخطوط يمنية إلا أن تلك التي أوردها طه حسين قديمة، فهي سبئية واضحة، ولم يورد معها النص المسندي إلا أنها توحي بأنها مسندية صحيحة.
أما نقش النمارة فهو أيضاً يمني إذ أنه من ملك لخمي، ولكنه تأثر بلهجة المناطق الشمالية وبلهجات النبط والأرام وغيرهم.
ومع ذلك يظل النصان اللذان استشهد بهما طه حسين أوضح، وبلغة عربية سليمة، وإن كانت قديمة بعض الشيء.
وقد كتب صاحب وحي القلم عن نقش النمارة هذا كما قرأه، وعلق عليه بنوع من التوسع الدكتور ناصر الدين الأسد. وغيرهم، إلا أن كلهم قد قرأوه قراءات مختلفة، وفسروه كذلك تفسيرات متباينة، وفهمه كل منهم فهماً يختلف قليلاً أو كثيراً عن فهم الآخرين.
وقد ربط بين مقولة (أبي عمرو بن العلاء) بالمقولة المزعومة التي نسبوها إلى ملك حميري حينما جاءه ضيف من الشمال فقال له: (ثب) بمعنى (اجلس) واعتبروا الكلمة هذه غير عربية، وأنها حميرية محضة وأنها غير معروفة لدى عرب الشمال (غير اليمنيين فعملنا على البحث عن معنى الكلمة (ثب) في معاجم اللغة فوجدنا أنها عربية تماماً، وأن من معاني ثب اجلس.
قال ابن منظور: (رتبْ): ابن الأعرابي اثاب الجلوس، وثبّ إذا جلس جلوساً متمكناً) لسان العرب.
وقال في مكان آخر: وثب وثبة واحدة، وأوثبته وأوثبه الموضع جعله يثبه. وواثبه أي ساوره.
ويقال توثب فلان في ضيعة فلان أي استولى عليها ظلماً.
والوثبى من الوثب، وامرأة وثبى سريعة الوثب. والوثب القعود بلغة حمير.
يقال: ثب أي اقعد. ودخل رجل من العرب على ملك من ملوك حمير فقال له الملك: ثب أي اقعد.. فوثب فتكسر. فقال الملك: ليس عندنا عربيت يريد العربية!! فوقف على الهاء بالتاء .
وكذلك لغتهم. ورواه بعضهم: ليس عندنا عربية كعربيتكم. قال ابن سيدة: وهو الصواب عندي لأن الملك لم يكن ليخرج نفسه من العرب والفعل كالفعل. والوثاب الفراش بلغتهم. ويقال: وثبته وثاباً أي فرشت له فراشاً، وثبته توثيباً، أي أقعدته على وسادة، وربما قالوا: وثبه وسادة إذا أطرحها له ليقعد عليها.
وفي حديث فارعة أخت أمية بن أبي الصلت قالت: قدم أخي من سفر فوثب على سريري أي قعد عليه واستقر.
والوثوب في غير لغة حمير النهوض والقيام. وقدم عامر بن الطفيل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثب له وسادة أي أقعده عليها.
وفي رواية فوثبه وسادة أي ألقاها له.
ابن الأعرابي: الميثب: الجالس. والميثب القافز. أبو عمرو: المثب الجدول. وفي نوادر الأعراب: الميثب ما ارتفع من الأرض. والوثاب السرير. وقيل: السرير الذي لا يبرح الملك عليه. واسم الملك موثبان والوثاب بكسر الواو القاعد. قال أمية بن أبي الصلت:
بإذن الله فاشتدت قواهم
على ملكين وهي لهم وثاب
أي أن السماء مقاعد الملائكة.
وقال صاحب التاج: ثب أهمله الجوهري. وقال ابن الأعرابي: ثب ثباباً بالفتح إذا جلس (جلوساً) متمكناً كثبب على وزن دحرج. عن أبي عمرو وثب الأمر تم. والثابة الشابة.
وفي ص499-550 نقل التاج في نفس الجزء الأول كلاماً شبيهاً بكلام ابن منظور في لسان العرب الموسع.
وإني لأستغرب أن تستحوذ مثل هذه المسائل الصغيرة على عقول وجهود بعض علماء اللغة ويحاولون تقديمها للناس كما لو كانت حقائق لا يرقى إليها الشك أو أنهم قد قاموا باكتشاف أهم أسرار اللغة، وحموها من كل التشوهات والانحرافات في حين أن ما فعلوه ما هو إلا أضغاث أحلام، ونتاج سوء فهم، وقلة علمهم ومعرفتهم باللغة العربية اليمنية الأم وأسرارها!! وليس حالهم بأفضل فيما يتصل بما أسموها بلغة قريش أو اللغة العدنانية أو المضرية أو الشمالية ... إلخ.
وأملنا ألا تكون تلك الأعمال المشينة قد صدرت عن سوء قصد أو حقد أو نفاسة وما شابه هذا من الأمراض الاجتماعية.
وسنحاول ضرب بعض الأمثلة من القرآن الكريم للتدليل على أن القرآن نفسه قد احتوى كلمات متضادة في المعنى كمثل كلمة (ثب) الحميرية التي دمغوا بها اللغة اليمنية العربية الأصيلة بالعجمة. وقالوا ما سمعنا ولا رأينا!!
1- قال الله عز وجل: ( فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ) يس:43 وقال: ( مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) إبراهيم:22 فالأولى معناها لا مغيث لهم: والثانية: معناها ما أنا بمغيثكم. وقال الأنباري: الصريخ والصارخ من الأضداد. وصريخ للمغيث وصارخ وصرخ للمستغيث.
2- وقال تعالى: ( وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) الرعد:10 قال الأنباري: والسارب أيضاً من الأضداد. يكون السارب المتواري من قولهم: قد تسرب الرجل إذا غاب وتوارى عنك، فكأنه دخل سرباً. والسارب الظاهر.
3- وقال عز وجل: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى) البقرة:16 وقال: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) لبقرة:207 قال المفسرون في معنى الأولى: أنهم باعوا الضلالة بالهدى. وقالوا في معنى الثانية: أي يبيع نفسه لله تعالى.
4- وقال تعالىاليمن أولى وأرقى واعظم حضارةمن ورائهم جهنم ) الجاثية: وقال: ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) [الكهف:79] ومعنى من ورائهم في الآيتين من أمامهم. قال الأنباري: ووراء من الأضداد يقال للرجل: وراءك أي خلفك ووراءك أي أمامك
5- وقال تعالى: ( وَلاَ تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) النجم:60، 61 وقال الأنباري صاحب كتاب الأضداد: والسامد من الأضداد. فالسامد في كلام أهل اليمن اللاهي. والسامد في كلام طيء الحزين .
وقد جاءت في القرآن بمعنى لغة اليمن.
6- و(وثب) حرف من الأضداد. يقال: وثب الرجل إذا نهض وطفر من موضع إلى موضع. وحمير تقول: وثب الرجل إذا قعد. وقال الأصمعي وغيره: دخل رجل على ملك من ملوك حمير وكان الملك جالساً في موضع مشرف فارتقى إليه فقال له الملك: ثب يريد اجلس. فطفر فسقط فاندقت عنقه فقال الملك: (من دخل ظفار حمر) أي تكلم بلسان حمير.
وقال بعضهم: معنى (حمر) تزيا بزيهم وليس الحمر من الثياب. وظفار اسم مدينة باليمن وإليها ينسب الجزع الظفاري.
وهنالك الآلاف من الكلمات العربية التي يفهم منها معنيان متضادان. ويقول صاحب أدب الكاتب:
الجون: الأسود وهو الأبيض.
والصريم: الليل. والصريم الصحيح.
والسدفة: الظلمة. والسدفة الضوء مثل عند طلوع الفجر.
والجلل: الشيء الكبير. والجلل الشيء الصغير. والناهل: العطشان (والناهل) الريان.
والهاجد: المصلي بالليل وهو النائم أيضاً.
والرهوة: الارتفاع والانحدار.
أسررت الشيء: أخفيته وأعلنته.
رَتَوْت الشيء: شددته وأرخيته.
شعبت الشيء: جمعته وفرقته.
أما لو قرأوا شيئاً عن ثراء لغتنا وغنائها بالمترادفات لخلتهم استحوا ولما قالوا ما قالوه! يقول الدكتور جواد علي عن المترادفات:
وفي العربية ألفاظ عديدة يراد بها معنى واحد. فللعسل (80) اسماً . وللأسد (350) وقيل (500) وقيل (670) اسماً. وللحية (200) وقيل (500) اسم. وللداهية (400) وقيل (4000) اسم. وللحجر (70) اسماً. وللكلب (70) اسماً. وللسيف (30) وقيل (1000) اسم. وللناقة (255) اسماً. وللبعير (1000) اسم. وللشمس (52) اسماً، وللخمر (110) وقيل (200) اسم. وللبئر (88) اسماً. وللماء (170) اسماً، وغير ذلك وخاصة ما يدخل في باب الصفة وما يدخل في باب الميل الجنسي.
وعن عدة أبنية الكلام العربي فقد تكلم الكثير من علماء اللغة والتاريخ وقالوا إن معظم علوم العرب (وبالذات في اليمن) في عصر ما قبل الإسلام قد لم تصل إلى أجيال ما بعد الإسلام، وأنه لم يصل منها إلا القليل جداً، وعددوا ألفاظ العربية بالملايين ولكن الكثير منها لم يدون، ولم تحتويه قواميس ومعجمات اللغة العربية. لأسباب كثيرة قد يكون منها العصبية والبدوية على رأي الأخ مطهر الإرياني!! يقول صاحب وتاريخ أدب العرب بهذا الخصوص: (حصر أبو بكر الزبيدي الأندلسي في مختصر كتاب العين عدة أبنية الكلام ما أهمل منه وما استعمل صحيحاً ومعتلاً، فذكر أن عدة مستعمل الكلام كله ومهمه (6659400) المستعمل منها (5620) والباقي مهمل لم يستعملوه لا في الصحيح ولا في المعتل. أما الصحيح من المستعمل فهو 3944 والمعتل منه (1676).
وكما انشغلوا عبثاً بالخط المسند وبعض المفردات اليمنية العربية الصحيحة. انشغلوا كذلك بأدوات التعريف، وقالوا إن العربية الفصيحة عربية القرآن هي عربية الألف واللام، واللغة اليمنية لم تأت بالألف واللام وإنما كانت أداة تعريفها النون في آخر الكلمة. وكانت الهاء أداة تعريف اللحيانية والصفوية والثمودية.
(إذن فنحن أمام مجموعتين من العربيات، مجموعة تكون العربية الجنوبية ومجموعة تكون العربية الشمالية وهي عربية الإسماعيليين وذلك على مذهب (طه حسين) وبعض أهل الأخبار.
أما أنا (جواد علي) فأسمي هذه العربية عربية (أل) من سمة (أل) أداة التعريف التي تنفرد وتتميز بها عن بقية المجموعات اللغوية العربية. مجموعة (ن) (أن) أي المجموعة العربية (الجنوبية ومجموعة (ه) (ها) أي المجموعة التي تفرق الأشياء بهذه الأداة: (ه) (ها) وتشمل اللحيانية والثمودية والصفوية).
وهكذا أطلقوا الأحكام بأن اللغة اليمنية لا تحتوي أداة التعريف (أل). واعتبروها لذلك غير جديرة بأن تكون لغة القرآن أو لغة العرب الفصحى وقالوا إنها قد ماتت منذ أن تولت قريش أمور السيطرة على التجارة والأسواق، وضعف موقف اليمن بعد دخول الأحباش ثم الفرس.
ولكن الله يمهل ولا يهمل، والحقائق لابد أن تظهر مهما حاول المحاولون إخفاءها.
فها هو نص بن (عجل) (1650) المعروف بنقش (قرية) عاصمة كندة في وقت من الأوقات والمعروفة بقرية (الفاو) ويثبت بما لا يدع مجالاً لأي ريب أن الألف واللام يمني، وأن اللغة اليمنية الكاملة المفترى عليها قد اشتملت على كل شيء بما في ذلك الألف لأنها لغة أولى وأرقى وأعظم حضارة منذ ما يقرب من عشرة آلاف سنة.
فقد جاءت الأسماء. الشارق، السماء، الأرض، معرفة بالألف واللام، وهي العلامة الفارقة الرئيسية التي اتسمت بها لغة القرآن الكريم، والتي ظل طه حسين وأمثاله يعتبرونها المعجزة التي جاءت من الشمال والاختراع الذي لم يأت العرب بمثله. إلا أنهم في الوقت الذي ينسبونه إلى قريش فإنهم لا يستطيعون إخفاء تخبطهم أو منع علامات الاستفهام التي تظهر على تجاعيد وجوههم!! فهم يقولون أنها جاءت من الأنباط الذين تلقوها بدورهم من الآرام... إلخ. وسنأتي على هذا بعد والمهم العودة الآن إلى موضوع النقش المسندي اليمني هذا، والذي لا يقبل التشكيك أو التأويل أو المماحكات!! على أن هذا النقش ليس الوحيد ولا هو الأول والأخير بكل تأكيد فأرض اليمن بل والجزيرة العربية كلها وأرض الشام والعراق ومصر والحبشة مليئة بالنقوش التي تحمل هذه العلامة الخطيرة والاختراع المثير!! وحين اكتشاف المزيد ستتغير آراء المؤرخين والمفكرين وستنقلب آراء المؤرخين العرب وغيرهم رأساً على عقب.
هذا وقد اكتشف نقش آخر في نفس المنطقة لا يقل أهمية عن هذا النقش ننقل صورة له.
وقد فسر الدكتور الأنصاري هذا النقش هكذا:
1- قبر معاوية بن ربيعة بن آل .....
2- القحطاني ملك قحطان ومذحج بني عليه.
3- عبده هقعم بن بران من آل الا.
وعلق على هذا النقش وغيره قائلاً: وقد وجد العلماء الذين درسوا هذه الكتابات التي أشرت إليها عند حديثي عن (قرية في المصادر) حددوا تاريخ هذه الكتابة بأنها تعود إلى ما بين القرنين الأول والخامس بعد الميلاد.
وخص هذا النقش بقوله: وفي الوقت نفسه لا يمكننا أن نغفل نقش الملك (معاوية بن ربيعة) الذي تحدثنا عنه وعن مقبرته؛ إذ أن نقش هذا الملك يمكن مقارنته بمضمون نقش النمارة ولذا يمكننا أن نحدد تاريخه بحوالي القرن الثالث الميلادي.
فإذا كان نقش النمارة كما أشار الدكتور الأنصاري قد كتب في القرن الثالث الميلادي، وهذا ما أكده بدقة مترجمو النص، وفهم الدكتور ناصر الدين الأسد الذي قال عنه: (أما القرن الرابع الميلادي فلم يعثر فيه إلا على نقش واحد كشف في مدفن امرئ القيس بن عمرو ملك العرب في النمارة وهي من أعمال حوران. وتاريخه سنة 223) من سقوط سلع أي في سنة 328م.
ولهذا النقش قيمة كبيرة في بحث تاريخ الكتابة العربية. وذلك أن كثيراً من كلماته بل ربما كانت جميع كلماته ذات صورة تشبه شبهاً كبيراً صورة الخط العربي الإسلامي.
وما دمنا أمام وثيقتين تاريخيتين خطيرتين ومحدد تاريخ كتابة كل منهما وكلاهما بصدد المسألة المهمة في تاريخ اللغة العربية. أعني مسألة (الألف واللام- لام التعريف) أولاهما في القرن الثالث والثانية في القرن الرابع، فإننا بصدد إصدار حكم تاريخي علمي وقطعي لا يرقى إليه شك طه حسين ولا ديكارت)!! وهو أن لام التعريف يمنية، وقد جاءت من اليمن، وفي نصوص الخط اليمني العربي العزيز، وأنه قد وجد في نصوص المناطق الجنوبية قبل نقش النمارة بقرن كامل.
ولتتهاوى إلى الأبد تلك السلسلة من المزاعم والترهات عما يسمى بلغة الشمال أو لغة عدنان أو لغة مضر إلخ إلخ من التسميات لتبقى اللغة العربية الواحدة لغة الحضارة اليمنية العظيمة.
وإنه بالنظر إلى أهمية النقش الأول. أعني (نقش عجل بن هفعم ولأنه قد فسر من قبل الدكتور الأنصاري تفسيراً فيه بعض الهنات فقد بادر الأخ مطهر الإرياني بشرحه الشرح الصحيح اللائق به، وتبيان بعض وجوه الغلط في شرح الأنصاري، كما علق عليه تعليقاً صافياً.
أما تفسير مطهر للنقش فهكذا:
1- عجل بن هف عم بنى لأخيه ربيل بن.
2- هف عم قبرا وهو له ولأولاده.
3- ومرأته وأولادها وأحفادهم جميعا.
4- ونسائهم الحرائر من آل غلوان.
5- فأعاذه بكهل ولاه وعثر.
6- الشارق من كل قوي وضعيف.
7- وشار ومرتهن أبدا.
8- ومن كل منتقص إلى أن تمطر.
9- السماء دما والأرض.
10- سعيرا.
أما تعليقاته فتتلخص في كلمتي (عثر أشرق) فأقول: وهذا رأي قابل للمناقشة: إن أداة التعريف هنا هي أداة التعريف العربية الشمالية وهي: (الألف واللام) في أول الكلمة، وإن نطق الكلمة هو (أشرق - بألف مهموز على الفتح والشين مضعفة الفتح أيضاً وراء ساكنه أو أشارق بألف مهموز مفتوح، وشين مضعفة على الفتح بعدها ألف، فراء مكسورة.
يسترسل مطهر فيقول: ومثل هذا الكلام ينطبق على كلمة والأرض أقول هذا الرأي وأنا أجهل إن كان أحد قد سبق إليه أم لا. ولكني لا أجهل أنه رأي اجتهادي مثير يؤدي إلى تداعيات لغوية بحتة ولغوية تاريخية مهمة، بل غريبة ومدهشة، وخاصة حول البدايات الأولى لمسألة تدوين اللغة العربية الشمالية لغة القرآن ولغتنا اليوم .
هذا وعند بعض العلماء أنهم قد أجمعوا على أن العربية قحطانية وحميرية وعربية محضة.
وحاول الجاحظ فلسفة هذه المقولة فقال: أما الخواص الخلص كأنهم قالوا: العرب كلهم شيء واحد، لأن الدار والجزيرة واحدة ، الأخلاق والشيم واحدة، وبينهم من التصاهر والتشابك والاتفاق في الأخلاق وفي الأعراق، ومن جهة الخئولة المرددة والعمومة المشتبكة، ثم المناسبة التي بنيت على غريزة التربة، وطباع الهواء والماء، فهم في ذلك شيء واحد في الطبيعة واللغة والشمائل، فإذا بعث الله نبيا إلى العرب فقد بعثه إلى جميع العرب، وكلهم قومه لأنهم جميعاً يد على العجم وعلى كل من حاربهم من الأمم. ولا نناكحهم أو نصاهرهم وإنما يكون مقصوراً عليهم.
وقال الرافعي في موضع آخر: وكانت العرب يأخذ بعضها عن بعض بالمخالطة والمجاورة فلما انتقل لسان العربي عن لغته إلى لغة قبيلة أخرى، وربما تداخلت اللغات فنشأت من اللغتين لغة ثالثة، على أنهم في ذلك لا يخرج كل منهم عن قياس نفسه ووزن طبعه حتى كأن ألسنتهم تختلف مثل اختلاف ما بين أجسامهم وأذواقهم، فكل منهم يفصل من الكلام، ويتصرف في وجوه القول على حسب هذا القياس الذي خلق فيه، وركب في طبعه، وكان مظهر قريحته.
المرتكز الثالث من مرتكزات طه حسين: (الشك)، الذي اكتسبه من (ديكارت)، الذي كان قد تعرض كما تعرضت نظريته للنقد الشديد والتشويه، كما تعرض مع نظريته هذه للترحيب من قبل البعض. ذلك أن نظريته هذه كانت غريبة حتى على مجتمعه الفرنسي نفسه، إذ كانت أوروبا حينها (في القرن السابع عشر) تعيش حالة قلق واضطراب فكري وعقائدي في نفس الوقت!! فهم كانوا قريبي عهد بالتحضر، بعد أن أخذوا من العرب بغيتهم. وصاروا يطورون ما أخذوا من العلوم العربية، بينما لاذ العرب إلى الراحة، واستكانوا ومالوا إلى الاسترخاء!!
ولم يكن الأوروبيون متفقين على التجديد والتطور وفقاً للنظريات الجديدة والعلوم المقتبسة من العرب، وإنما كان هنالك من يحارب المجددين والمطورين وأصحاب النظريات (في هذه المرحلة من مراحل التطور الفكري الأوروبي برز (بيكون) بتجاربه العملية التي تكرر واقعاً تجريبياً غريباً، وبرز (ديكارت) بمنهجه الذي يقول: أنه نظمه في اعتكاف طويل، وحاول تطبيقه نظرياً في ثلاث شعب فقط من شعب النشاط الفكري الأساسي.
ولأن فلسفة (ديكارت) كانت غريبة على مجتمعها، فقد حاول تقديمها ممنطقة ومنظمة، ومدللاً على جدواها حتى تلاقي القبول من المجتمع الفرنسي، ولم يكن ديكارت يقصد التشكيك في حقائق الأشياء، وإنما كان يقصد منهجة السلوك العلمي، لذلك فإنه كان يرى أن تطبيق منهجه غير صالح في تحديد الأمور العامة المتصلة بحياة الناس، وهو لا ينصح أحداً بتقليده في تطبيق هذا، لأنه كان قد عقد العزم على إعادة بناء مقارنة، ليكون لنفسه طريقة خاصة تهديه إلى القدرة على المفاضلة بين آراء عدة.
وهذه النصيحة يقدمها الرجل إلى قومه، أراد بها تجنيبهم البلبلة، ووقايتهم شر الهزات الفكرية، عن طريق انطلاق أيدي القادرين والعاجزين على النظر ما دام حقاً مطلقاً للجميع. وأنا أعتقد أن مثل هذه النصيحة موجهة إلى طه حسين في ضآلة حظه من الثقافة، وفي طموحه إلى الشهرة، التي لا تفيد صاحبها بحق أو بعدل. فهو يهاجم في سبيل تحقيقها لنفسه الأعلام من قومه في المرحلة الأولى (الافتتاحية) من حياته، عارفاً أنه في هذا الهجوم لا يستند على حق، ولا يطلب حقاً ولا خيراً للناس. لكنه طالب شهرة لنفسه بحله من رقابه الضميرة وهو يعلم.

المصدر:
http://www.yemeress.com/algomhoriah/2032175





رد مع اقتباس