باب في تبيين وجوه دخول الألف واللام على الأسماء المشتقة من الأفعال
اعلم أنها تدخل على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون بتأويل الذي فتحتاج إلى صلة وعائد وتجري في ذلك مجرى الذي
كقول القائل ضرب زيد عمرا فقيل له أخبر عن زيد فقال الضارب عمرا زيد ففي الضارب مضمر يعود على الألف واللام اللذين بمعنى الذي وأنت لم تذكر الذي وإنما ذكرت ما يدل عليه فجئت بالعائد لذلك،
والوجه الثاني أن تدخل لتعريف هذه الأسماء المشتقة من الأفعال لا بتأويل الذي ولكن كما تعرف أسماء الأجناس نحو الرجل والفرس فتقول الضارب والقائم تريد به التعريف لا معنى الذي
قال أبو عثمان المازني: والدليل على صحة هذا التأويل أنك تقول نعم الضارب ونعم القائم وغير جائز أن تقول نعم الذي عندك لأن نعم وبئس لا يدخلان على الذي وأخواتها ودخولهما على القائم والضارب يدل على أن الألف واللام فيهما ليستا بمعنى الذي والوجه الثالث
ينفرد به الكوفيون خاصة ويذكر بعقب هذا الباب مفردا بمسائله إن شاء الله.
ومن هذا الوجه الثاني
قول الله عز وجل: {وأنا على ذلكم من الشاهدين} [سورة الأنبياء: 56]
{وكانوا فيه من الزاهدين} [سورة يوسف: 20]
قال المبرد والمازني: وغيرهما من البصريين ليست الألف واللام بمعنى الذي لأنه لو كان التقدير وأنا من الشاهدين على ذلك بمعنى من الذين شهدوا على ذلك لم تقدم صلة الذي عليه، وكذلك لو كان التقدير وكانوا من الذين زهدوا فيه لم يجز تقديم صلة الذي عليه ولكن الألف واللام للتعريف لا بمعنى الذي
قالوا وفي الآيتين وجه آخر أن تكون الألف واللام بمعنى الذي ويكون قوله من الشاهدين ومن الزاهدين تبيينا لا صلة للذي وإذا كان تبيينا جاز تقديمه لأنه ليس في الصلة وعلى هذين التأويلين تأولوا قول الشاعر تقول وصكت صدرها بيمينها أبعلي هذا بالرحى المتقاعس؛
أحدهما أن تكون الألف واللام في المتقاعس للتعريف لا بمعنى الذي كما ذكرنا فجاز تقديم بالرحى عليه والآخر أن يكونا بتأويل الذي ويكون بالرحى تبيينا
كأنه قال: أبعلي هذا المتقاعس وتمت صلة الذي فجعل بالرحى تبيينا فجاز تقديمه لذل كقال: أبو إسحاق الزجاج في قول الشاعر:
ربيته حتى إذا تمعددا *** كان جزائي بالعصا أن أجادا
فيه وجهان أحدهما أن يكون الجزاء اسم كان وبالعصا خبرها ويكون أن أجلد غير متصل بالعصا ولكن يكون الكلام قد تم دونه وأن أجلد في موضع رفع خبر ابتداء مضمر كأنه قال: هو أن أجلد ويجوز أن يكون نصبا بدلا من قوله بالعصا فيكون التقدير كان جزائي أن أجلد والوجه
الثاني أن يكون بالعصا تبيينا ويكون أن أجلد خبر كان ولا يجوز أن يكون بالعصا في صلة أن أجلد لأنه قد قدمه عليه، وقال المبرد في قول الله عز وجل: لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون في الآخرة ظرف لقوله الأخسرون لأن الألف واللام فيه ليستا بتأويل الذي قال:
فأما قوله عز وجل: {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ} [سورة النحل: 109]،
فإن في الآخرة ليس بظرف للخاسرين لأن الألف واللام بتأويل الذي ولكن تكون تبيينا على ما مضى من الشرح أو تكون الألف واللام للتعريف على مذهب أبي عثمان كما ذكرنا فيما مضى فيجوز تقديم الظرف عليه.