باب اللام الداخلة في النفي بين المضاف والمضاف إليه
وذلك قولك هذا غلام لزيد وهذا ثوب لزيد وهذا الغلام لرجل وهذا الثوب لصاحب لنا وهذا قياس مطرد فيها،
وقد ذكرناها فيما مضى بعلتها إلا أنه قد تدخل هذه اللام في النفي بين المضاف والمضاف إليه غير مغيرة حكم الإضافة ولا مزيلة معناها ولا مصاحبة للتنوين وذلك قول العرب لا أبا لك ولا غلامي لزيد ولا يدي لك بها وما أشبه ذلك
قال: سيبويه أدخلوا اللام هاهنا بين المضاف والمضاف إليه مشددة معنى الإضافة ومؤكدة له
قال: والدليل على أن هذا الكلام مضاف إلى ما بعد اللام وأن اللام لم تغير معنى الإضافة قولهم لا أبا لك لأن هذه الألف إنما ثبتت في الأب في حال النصب إذا كان مضافا
كقولك: رأيت أباك ولو يكن مضافا إلى ما بعد اللام لم تثبت فيه الألف،
وكذلك قولهم لا غلامي لك إنما حذفت منه نون الاثنين لتقدير إضافته إلى الكاف ولولا ذلك لثبتت النون لأن نون الاثنين إنما تحذف للإضافة،
وكذلك قولهم: لا يدي لك إنما حذفت النون لتقدير الإضافة، فإن قال قائل فلم جاز ألا تفصل هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في هذا الموضع، وقد فصلت بينهما في سائر الكلام قيل له إنما جاز ذلك في النفي لكثرته في الكلام وهم مما يغيرون الشيء عن حال نظائره إذا كثر في الكلام،
وكذلك تزاد هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في النداء أيضا لكثرته في الكلام قال سيبويه: فزيادة هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في النفي والنداء بمنزلة تكرير الاسم وتقدير إضافة الأول إلى ما بعد المكرر كقول العرب يا زيد زيد عمرو، فإن ما أقحمت الثاني توكيدا، وقد رووا إضافة الأول إلى ما بعد المقحم كما قال: جرير
يا تيم تيم عدي لا أبالكم لا يلقينكم في سَوْء ة عمر
يا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول الليل عليك
فإن زل قال: وهذا نظير قولهم يا طلحة أقبل بالفتح لأنهم قدروا فتح آخر الاسم للترخيم ثم ردوا الهاء ولم يعتدوا بها كما قال النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ومن العرب من يقول يا تيم تيم عدي ويا زيد زيد اليعملات فيجعل الأول منادى مفردا وينصب الثاني لأنه مضاف ومن كان هذا من لغته، فإنه يقول يا طلحة أقبل وكليني لهم يا أميمة بالضم، وكذلك من قال: لا أبا لك، فإن ما زاد اللام بين المضاف والمضاف إليه مقحمة للتوكيد على ما
ذكرنا في قوله يا تيم تيم عدي قال الأسود بن يعفر:
ومن البلية لا أبا لك أنني ضربت على الأرض بالأسداد
فإن قال قائل: فإن كانت هذه اللام مزيدة، فإن ما التقدير لا أباك قيل هو كذلك، وقد، قال الشاعر: فحذف اللام وأضاف فقال:
أبالموت الذي لابد أني *** ملاق لا أباك تخوفيني
وقد مات شماخ ومات مزرد *** وأي عزيز لا أباك يخلد
فإن اجتماع النحويين على أن لا في النفي لا تعمل في المعارف ولا تنصبها فخطأ عند الجميع أن تقول لا زيد في الدار ولا بكر عندك؛ ولا غلامك في الدار وإنما تنصب النكرات كقولك: لا رجل في الدار ولا غلام لك
وكقوله تعالى:{لاَ رَيْبَ فِيهِ} [سورة البقرة: 2]؛
وما أشبه ذلك وأنت إذا قلت: لا أباك فقد نصبت بها المعرفة لأن الأب مضاف إلى الكاف وهي معرفة والمضاف إلى المعرفة معرفة وهذا نقض لما أصلتموه وضد لما أجمعتم عليه قيل له ليس كما ذهبت إليه وذلك أنه قد تكون أسماء بألفاظ المعارف وهي نكرات نحو مثلك وشبهك وغيرك وضربك ونحوك وهدك وكفيك وشرعك وضاربك إذا أردت به الحال أو الاستقبال، وكذلك قولهم لا أباك ولا أبا لك بلفظ المعرفة وهو نكرة لأن أصله أن يقال لا أب لك وليس يراد بقولهم لا أب لك ولا أبا لك ولا أباك أنه ليس له أب في الحقيقة هذا محال وجود إنسان بغير أب إلا ما صح وجوده من خلق الله ذلك مثل عيسى وآدم عليهما السلام فأما سائر الناس فليس بد لكل واحد من أب وإنما يراد بقولهم لا أبا لك أنه لا أب لك من الآباء الأشراف أو من الآباء المذكورين، فإن ما هو كلام مجراه مجرى السب وربما وضع موضع المدح كقولك: للرئيس الفاضل لا أبا لك إنما تريد لا أبا لك من الآباء الخاملين الناقصين، فإن ما هو كلام مختصر يعرف معناه بمقصده وجرى كالمثل فلذاك جاز ما ذكرنا وفيه لغات أولها أن يقال لا أب لك فينصب الأب ب لا ويكون لك الخبر كما، قال الشاعر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه *** إذا هو بالمجد ارتدى و تأزرا
نصب الأب بلا ولم يلحق به ألفا لأنه غير مضاف وأضمر الخبر كأنه قال: لا أب في زمان أو مكان والثانية أن يقال لا أب لك بالرفع يرفع بالابتداء وتلغى لا والخبر لك وإن شئت جعلتها بمعنى ليس فرفعت بها وهو أضعف الوجهين كما، قال الشاعر:
من صد عن نيرانها *** فإن ابن قيس لا براح
ونظير رفع الأب بالتنوين في النفي قول الشاعر:
وإذا تكون كريهة أدعى لها *** وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هذا وجدكم الصغار بعينه *** لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
والثالثة أن تقول لا أبا لك فتنصب الأب بلا وتقدر إضافته إلى الكاف فتلحق فيه الألف علامة للنصب وتجعل اللام مؤكدة وتضمر الخبر لأن اللام ليست بخبر على هذا التقدير كأنك قلت لا أبا لك في زمان أو مكان قال: سيبويه وعلى هذا تقول لا غلامي لك إذا قدرت الإضافة وتضمر الخبر وإن لم تقدر الإضافة قلت لا غلامين لك فأثبت النون وجعلت اللام الخبر، وكذلك تقول لا يدي لك على الإضافة ولا يدين لك إذا جعلت اللام الخبر قال: فإن قلت لا يدي يوم الجمعة لك لم يجز إلا إثبات النون فتقول لا يدين يوم الجمعة لك لأنك قد فصلت بين المضاف والمضاف إليه بشيء سوى اللام وهو الظرف ومثل هذا جائز في الشعر لأن العرب قد تفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر كما قال:
لما رأت ساتيدما استعبرت *** لله در اليوم من لامها
كأن أصوات من إيغالهن بنا *** أواخر الميس أنقاض الفراريج
واللغة الرابعة أن تقول لا أباك فتضيفه إضافة صحيحة وتحذف اللام وتضمر الخبر على ما ذكرنا من التقدير.