باب اللام التي تلزم إن المكسورة الخفيفة من الثقيلة
اعلم أن ل( إن) المكسورة المخففة أربعة مواضع تكون جزاء
كقولك: إن تكرمني أكرمك وإن تزرني أحسن إليك
كما قال تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} [سورة البقرة: 284]؛
وتكون جحدا بمنزلة ما فتقول إن زيد قائما كما تقول ما زيد قائما وتقول إن زيد إلا قائم كما تقول ما زيد إلا قائم
قال الله تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [سورة الملك: 20]
وتكون زائدة كما تقول لما إن جاء زيد أحسنت إليه والمعنى لما جاء زيد و إن زائدة فهي في هذه الوجوه الثلاثة قائمة بنفسها لا يلزمها شيء
ولها وجه رابع وهو الذي قصدناه في هذا الباب وذلك أن تكون مخففة من الثقيلة فتلزمها اللام في خبرها ويبطل عملها في أكثر اللغات
كقولك: إن زيد لقائم؛ والمعنى إن زيدا لقائم فلما خففت إن رفعت زيدا بالابتداء وجعلت قائما خبر الابتداء وبطل عمل إن لأنها كانت تعمل بلفظها ولمضارعتها الفعل فلما نقص بناؤها زال عملها ولزمتها اللام في الخبر ولم يجز حذف اللام في الخبر لئلا تشبه النافية
ألا ترى أنك لو قلت إن زيد قائم وأنت تريد الإيجاب لم يكن بينها وبين النافية فرق فألزمت اللام في الخبر لذلك فإذا ثقلت إن كنت مخيرا في الإتيان باللام في الخبر وحذفها
كقولك: إن زيدا لقائم وإن زيدا قائم لأن اللبس قد زال وذلك أنها إذا ثقلت لم يكن لها معنى في النفي فافهم ذلك،
ومن ذلك قول الله عز وجل: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}
هي مخففة من الثقيلة وجاز وقوع الفعل بعدها لأنها إذا خففت بطل عملها ووقع بعدها الابتداء والخبر والأفعال والدليل على أنها مخففة من الثقيلة لزوم اللام في الخبر
ومثل ذلك قول الله تعالى: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [سورة يوسف: 3]؛
ومثله قوله: {قال تا لله إن كدت لتردين}؛
كل هذا مخفف من الثقيلة وأهل الكوفة يسمون هذه اللام لام إلا ويجعلون إن هاهنا بمنزلة ما في الجحد قالوا ومعنى قوله وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين،
وكذلك قوله وإن كنت من قبله لمن الغافلين تأويله عندهم ما كنت من قبله إلا من الغافلين، وكذلك سائر هذا الذي مضى يخرجونه إلى هذا التأويل وهذا غلط لأن اللام للإيجاب والتحقيق و ما للنفي فلا يجوز اجتماعهما في حال فيكون الكلام محققا منفيا
ألا ترى أنك لو أظهرت ما في هذه الآيات لم يجز لو قلت ما كنت من قبله لمن الغافلين وما زيد لقائم لم يجز وإنما يكون الشيء موضوعا موضع غيره إذا كان معناه كمعناه فأما إذا باينه فحمله عليه خطأ؛
وأما مجيء إن بمعنى ما إذا كان بعدها إلا فسائغ جيد لأنك لو وضعت ما مكانها لم يمتنع وذلك قولك إن زيد إلا قائم فهو بمعنى ما لأنك لو قلت ما زيد إلا قائم كان كلاما جيدا،
وكذلك قوله عز وجل: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [سورة الملك: 20]
لأنه لو قيل ما الكافرون إلا في غرور لكان المعنى واحدا، فإن قال قائل، فإنك إذا اعتمدت على أن إن إذا كان في خبرها اللام لم تكن بمعنى ما لأن اللام للتحقيق وما للنفي والجمع بينهما خطأ في شيء واحد،
فإن ت قد تقول ما زيد إلا قائم فتجمع بين إلا وما في كلام واحد و إلا محققة و ما نافية فما أنكرت أن يكون معنى قولهم إن زيد لقائم بمعنى ما زيد إلا قائم فتكون إن للنفي واللام للإيجاب و يجوز الجمع بينهما كما جاز الجمع بين إلا و ما قيل ذلك غير جائز والفرق بينهما أن إلا فيها نقض ما قبلها، فإن دخلت بعد كلام موجب نقضته فجعلته منفيا
كقولك: قام القوم إلا زيدا فقد نفيت القيام عن زيد بإلا وإن دخلت على منفي نقضت النفي فجعلته موجبا
كقولك: ما قام القوم إلا زيد فقد أوجبت القيام لزيد بإلا وليس في اللام معنى نقض ما قبلها وإنما فيها تحقيق ما بعدها فإذا أدخلتها في خبر ما فقلت ما زيد لقائم جمعت بين النفي والإيجاب في الخبر وهذا محال فقد بان لك الفرق بين إلا واللام، ومن ذلك قول الشاعر:
هبلتك أمك إن قتلت لمسلما *** حلت عليك عقوبة المتعمد
معناه إنك قتلت مسلما فلما خففت إن بطل عملها ووقع بعدها الفعل ولزمت اللام في خبرها لئلا تشبه النافية
قال: الكوفيون معناه ما قتلت إلا مسلما، وقد مضى القول في هذا.
واعلم أن قوما من العرب يخففون إن وينصبون بها فيقولون إن زيدا لقائم ولا بد في الخبر من اللام لأن الأصل ما ذكرت لك من إبطال عملها مع التخفيف وحجة من نصب بها مخففة
أنه قال: إنما نصبت إن لمضارعتها الفعل معنى ولفظا، فإنها إذا خففت فمعناها قائم لم يزل وتخفيف لفظها لا يزيل عملها كما أن من الأفعال ما يحذف بعضه ولا يزول عمله
كقولك: لم يكن زيد قائما ولم يك زيد قائما ويدعو زيد ربه ثم تقول لم يدع زيد أحدا
كما قال تعالى: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ} [سورة الإسراء: 11]؛
على ما ذكرنا قرأ أكثر القراء وإن كلا لما ليوفينهم ووجهه ما ذكرت لك
قال سيبويه: اللام الأولى في لما لام إن و ما للتوكيد واللام التي في ليوفينهم لام قسم مقدر في الكلام واستدل على ذلك بلزوم النون الثقيلة في الفعل.