باب لام إيضاح المفعول من أجله
هذه اللام تجيء مبينة علة إيقاع الفعل وذلك قولك إنما أكرمت زيدا لعمرو أي من أجل عمرو وإنما بررت أخاك لك أي من أجلك، وكذلك ما أشبه هو ربما دخلت على الفعل المستقبل فكانت بمنزلة لام كي في نصب ما بعدها لأنها متضارعان يجيئان مبينين علة إيقاع الفعل وبعض الناس يقول إذا دخلت على الفعل المستقبل فهي لام كي بعينها وإذا دخلت على الأسماء فهي التي تبين المفعول، والقول فيهما واحد، وقد شرحناه في باب لام كي ومنه
قوله تعالى:
{وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام: 71]
:
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله} [سورة البينة: 5]
ومنه قول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما *** تمثل لي ليلى بكل سبيل
تقديره أريد وإرادتي لهذا أي لنسيان ذكرها قال أبو العباس المبرد تقول أمرتك أن تفعل وأمرتك أن تفعل بالجزم وأمرتك بأن تفعل وأمرتك لتفعل من قال: أمرتك بأن تفعل كأنه قال: أمرتك أن بالفعل ومن قال أمرتك أن تفعل فهو قبيح بالجزم لأنه وصل أن بفعل الأمر وكان سبيله أن ينقله إلى لفظ الأمر للغائب فيقول أمرتك أن افعل كما تقول أمرتك أن قم وكتبت إليك أن اخرج ومن قال أمرتك أن تفعل بالنصب فهو وجه جيد وإنما أراد أمرتك بأن تفعل فلما حذف الخافض تعدى الفعل فنصب كما، قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به *** فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ومن قال أمرتك لتفعل فقد أخبر بالعلة التي من أجلها أمر فهذه اللام تبين علة وقوع الفعل وهي لام كي مع الأفعال، ومن هذا الباب
قوله عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [سورة النحل: 40]؛
لأن بعض العلماء يذهب إلى أن التقدير إنما قولنا من أجل شيء إذا أردناه لأن القول عنده غير واقع بالشيء لأن الشيء إن كان معدوما فخطابه غير جائز وإن كان موجودا فهو مستغن عن التكون بوجوده ولكنه تمثيل كأنه قال: إذا أردنا شيئا قلنا من أجله كن فيكون وأكثر أهل النظر يذهب إلى أنه لا قول هناك وأنه تمثيل للفعل كأنه قال: إذا أردنا تكوين شيء تكون ليدل على تيسير كون الأشياء عليه وهذا مشهور في اللغة معروف أن يكون القول صلة للفعل كقولك: قلت بيدي فحركتها إنما تريد حركت يدي وقلت بمتاعي فرفعته، وقال الحائط فسقط وشبيه بهذا ما لا قول فيه على الحقيقة قول الشاعر:
امتلأ الحوض، وقال قطني *** سلا رويدا قد ملأت بطني
تقديره لو كان ممن يتأنى له القول لقال مثل هذا لما في حاله ومشاهدته من الدليل عليه كما قال:
يشكو إلي جملي طول السرى *** يا جملي ليس إلي المشتكى
ولا قول هناك ولا شكوى على الحقيقة وإنما يراد به ما تدل عليه مشاهدة الحال، وقد كشف هذا المعنى عنترة في وصف فرسه فقال:
فازور من وقع القنا بلبانه *** وشكا إلي بعبرة وتحمحمي
لوكان يدري ما المحاورة اشتكى *** ولكان لو علم الكلام مكلمي