بسم الله الرحمن الرحيم
_______
2942- حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد(واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد) حدثنا أبي عن جدي عن الحسين بن ذكوان حدثنا ابن بريدة حدثني عامر بن شراحيل الشعبي شعب همدان أنه سأل فاطمةَ بنتَ قَيسٍ، أختَ الضَّحاكِ بن قَيسٍ.
وكانت من المهاجراتِ الأُوَلِ. فقال: حدِّثيني حديثًا سمعتِيه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. لا تُسنِديه إلى أحدٍ غيرِه.
فقالت: لئن شئتَ لأفعلنَّ. فقال لها: أجل. حدِّثيني. فقالت: نكحتُ ابنَ المغيرةِ. وهو من خيارِ شبابِ قريش يومئذٍ.
فأصيبَ في أولِ الجهادِ[2] مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فلما تأيَّمتُ[3] خطبني عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ، في نفر من أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وخطَبني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على مولاه أسامةَ بنِ زيدٍ. وكنتُ قد حُدِّثتُ؛
أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال"من أحبَّني فليُحبَّ أسامةَ"
فلما كلَّمني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قلتُ: أمري بيدِك. فأنكِحْني من شئتَ.
فقال"انتقلي إلى أمِّ شَريكٍ"
وأمُّ شريكٍ امرأةٌ غنيَّةٌ، من الأنصارِ[4]. عظيمةُ النَّفقةِ في سبيلِ اللهِ. ينزل عليها الضَّيفانُ. فقلتُ: سأفعل
فقال"لا تفعلي. إنَّ أمَّ شريكٍ امرأةٌ كثيرةُ الضَّيفانِ. فإني أكره أن يسقطَ عنك خمارُك، أو ينكشفَ الثوبُ عن ساقَيك، فيرى القومُ منكِ بعضَ ما تكرهين. ولكنِ انتقلي إلى ابنِ عمِّك، عبدِاللهِ بنِ عَمرو بنِ أمِّ مكتومٍ[5]"
( وهو رجلٌ من بني فِهرٍ، فِهْرِ قريشٍ وهو من البطن الذي هي منه ) فانتقلتُ إليه. فلما انقضتْ عِدَّتي سمعتُ نداءَ المُنادي، مناديَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ينادي: الصلاةَ جامعةً[6]. فخرجتُ إلى المسجدِ. فصلَّيتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فكنتُ في صفِّ النساءِ التي تلي ظهورَ القومِ. فلما قضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلاتَه، جلس على المنبرِ وهو يضحكُ.
فقال"لِيلْزمْ كلُّ إنسانٍ مُصلَّاه". ثم قال"أتدرون لم جمعتُكم؟ "
قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ.
قال "إني، واللهِ! ما جمعتُكم لرغبةٍ ولا لرهبةٍ. ولكن جمعتُكم، لأنَّ تميمًا الدَّاريَّ[7]، كان رجلًا نصرانيًّا، فجاء فبايع وأسلم. وحدَّثني حديثًا وافق الذي كنتُ أُحدِّثكم عن مسيح ِالدجالِ. حدَّثني؛ أنه ركب في سفينةٍ بحريةٍ، مع ثلاثين رجلًا من لَخْمٍ وجُذامٍ. فلعب بهم المَوجُ شهرًا في البحرِ. ثم أَرفَؤوا إلى جزيرةٍ[8] في البحر ِحتى مغربَ الشمسِ. فجلسوا في أقربِ السفينةِ[9]. فدخلوا الجزيرةَ. فلقِيتْهم دابَّةٌ أهلبُ[10] كثيرُ الشَّعرِ. لا يدرون ما قُبُلَه من دُبُرِه. من كثرةِ الشَّعرِ. فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجسَّاسةُ. قالوا: وما الجسَّاسةُ؟ قالت: أيها القوم! انطلِقوا إلى هذا الرجلِ في الدِّيرِ. فإنه إلى خبرِكم بالأشواقِ[11]. قال: لما سمَّت لنا رجلًا فرَقْنا منها[12] أن تكون شيطانةً. قال فانطلقْنا سِراعًا. حتى دخلنا الدِّيرَ. فإذا فيه أعظمُ إنسانٍ[13] رأيناه قطُّ خَلْقًا. وأشدُّه وثاقًا. مجموعةٌ يداه إلى عُنُقِه، ما بين ركبتَيه إلى كعبَيه، بالحديدِ[14]. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتُم على خبري. فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناسٌ من العربِ. ركبنا في سفينةٍ بحريةٍ. فصادفْنا البحرَ حين اغتلمَ[15]. فلعب بنا المَوجُ شهرًا. ثم أرفَأنا إلى جزيرتِك هذه. فجلسْنا في أقربِها. فدخلنا الجزيرةَ. فلقيتْنا دابةٌ أهلبُ كثيرُ الشَّعرِ. لا يُدرى ما قُبُلُه من دُبُرِه من كثرةِ الشَّعرِ. فقلنا: ويلكِ! ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجسَّاسةُ. قلنا وما الجسَّاسةُ؟ قالت: اعمِدوا إلى هذا الرجلِ في الدِّيرِ. فإنه إلى خبركم بالأشواقِ. فأقبلْنا إليكَ سِراعًا. وفزِعْنا منها. ولم نأمن أن تكون شيطانةً. فقال: أخبروني عن نخلِ بَيْسانَ[16]. قلنا: عن أي شأنِها تستخبرُ؟ قال: أسألُكم عن نخلِها، هل يُثمرُ؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تُثمرَ. قال: أخبروني عن بحيرةِ الطبريةِ[17]. قلنا: عن أيِّ شأنِها تستخبرُ؟ قال: هل فيها ماءٌ؟ قالوا: هي كثيرةُ الماءِ. قال: أما إنَّ ماءَها يوشِك أن يذهبَ. قال: أخبِروني عن عينِ زغرٍ[18]. قالوا: عن أي شأنِها تستخْبِرُ؟ قال: هل في العينِ ماءٌ؟ وهل يزرعُ أهلُها بماءِ العَينِ؟ قلنا له: نعم. هي كثيرةُ الماءِ، وأهلُها يزرعون من مائِها. قال: أخبروني عن نبيِّ الأُمِّيِّينَ ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكةَ ونزل يثربَ. قال: أَقاتَلَه العربُ؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على مَن يليه من العربِ وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إنَّ ذلك خيرٌ لهم أن يطيعوه. وإني مُخبرُكم عني. إني أنا المسيحُ. وإني أوشك أن يُؤذَنَ لي في الخروجِ. فأخرج فأسيرُ في الأرضِ فلا أدَعُ قريةً إلا هبطتُها في أربعين ليلةً. غيرَ مكةَ وطَيبةَ[19]. فهما مُحرَّمتانِ عليَّ. كلتاهما. كلما أردتُ أن أدخل واحدةً، أو واحدًا منهما، استقبلَني ملَكٌ بيدِه السَّيفُ صَلْتًا[20]. يَصدُّني عنها. وإنَّ على كل نَقبٍ منها ملائكةً يحرسونها.
قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وطعَن بمِخصرَتِه في المنبرِ"هذه طَيْبةُ. هذه طَيْبةُ. هذه طَيْبةُ" يعني المدينةَ"ألا هل كنتُ حدَّثتُكم ذلك؟ "
"فإنه أعجَبني حديثُ تميمٍ أنه وافق الذي كنتُ أُحدِّثُكم عنه وعن المدينةِ ومكةَ. ألا إنه في بحرِ الشام أو بحرِ اليمنِ. لا بل من قِبَلِ المشرقِ، ما هو. من قبلِ المشرقِ، ما هو. من قبلِ المشرقِ، ما هو[21]"
وأومأ بيده إلى المشرقِ. قالت: فحفظتُ هذا من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.[22]
______________
[1] (قصة الجساسة ) هي بفتح الجيم وتشديد السين المهملة الأولى. قيل: سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال. وجاء عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن.
[2] (فأصيب في اول الجهاد) قال العلماء ليس معناه قتل في الجهاد مع رسول اللهوتأيمت و انما تأيمت بطلاقها البائن.
[3] (تأيمت) اي صرت أيما هي التي لازوج لها.
[4] (وأم شريك امرأة غنية من الانصار) هذا قد أنكره بعض العلماء، وقال: إنما هي قرشية من بني عامر بن لؤي، واسمها غربة، وقيل: غربلة، وقال آخرون : هما ثنتان قرشية وأنصارية.
[5] (عبد الله بن عمرو ابن مكتوم) هكذا هو في جميع النسخ. وقوله ابن مكتوم يكتب بالالف لانه صفة لعبد الله لا لعمرو فنسبه إلى أبيه عمرو، وإلى أمه أم مكتوم، فجمع نسبه إلى أبويه كما في عبد الله بن مالك ابن بحينة، وعبد الله بن أبي ابن سلول، ونظائر ذلك
قال القاضي: المعروف أنه ليس بابن عمها ، ولا من البطن الذي هي منه ، بل من بني محارب بن فهر ، وهو من بني عامر بن لؤي هذا كلام القاضي.
والصواب أن ما جاءت به الرواية صحيح، والمراد بالبطن هنا القبيلة لا البطن الذي هو أخص منها، والمراد أنه ابن عمها مجازا لكونه من قبيلتها، فالرواية صحيحة ولله الحمد.
[6] (الصلاة جامعة)هو بنصب الصلاة. وجامعة الأول لإغراء و الثاني للحال.
[7] (لان تيماء الداري)هنا ممدود من مناقب الداري لان النبي صلى الله عليه و سلم روى عنه هذه القصة وفيه رواية الفاضل عن المفضول ورواية المتبوع عن تابعه وفيه رواية خبر الواحد.
[8] ( ثم أرفئوا إلى جزيرة )هو بالهمزة أي التجئوا إليها قال في لسان العرب أرفأت السفينة إذا أدنيتها إلى الجدة و الجدة وجه الأرض أي الشط.
[9] ( فجلسوا في أقرب السفينة )الأقرب جمع قارب على غير قياس و القياس قوارب وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم وقيل اقرب السفينة أدانيها أي ما قارب إلي الأرض.
[10] (أهلب)الاهلب غليظ الشعر كثيره.
[11] (فإنه إلى خبرِكم بالأشواقِ)أي شديد الأشواق إليه أي إلى خبركم.
[12] (فرَقْنا منها)أي خفنا.
[13] (أعظم إنسان)أي اكبر جثة أو أهيب هيئة.
[14] (بالحديد)الباء متعلقة بمجموعة (مابين ركبتيه إلى كعبيه) بدل اشتمال من يديه.
[15] (اغتلم)أي هاج و جاوز حده المعتاد.
[16] (نخل بيسان)هي قرية بالشام.
[17] (بحيرة طبرية)هي بحر صغير معروف بالشام
[18] (عين زغر)هي بلدة معروفة بالجانب القبلي من الشام
[19] (طيبة)هي المدينة و يقال لها أيضا: طابة
[20] (صلتا)بفتح الصاد وضمها أي مسلولا.
[21] (ما هو)قال القاضي لفظة ما هو زائدة صلة للكلام ليست بنافية، والمراد إثبات أنه في جهات المشرق.
____________
[22] النيسابوري؛ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري 206- 261هـ/ (صحيح مسلم) المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي/ 1412هـ - 1991م/ دار إحياء الكتب العربية/ دار الكتب العلمية – بيروت/. صفحة: 4/ 2261؛ 2264.