07-05-2016, 02:40 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جند الله
فهل قال "أخرجنا لهم من الأرض دابة" أم قال: (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ)؟
لو قال: "أخرجنا لهم من الأرض دابة" لعاد ظرف المكان (من الأرض) على ما قبله وهو (أخرجنا) ولفهم أنها تخرج من جوف الأرض فيكون حرف (من) للظرفية .. ولكان قولك صحيحا
ولكنه قال: (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ) فظرف المكان هنا وهو (مِّنَ الْأَرْضِ) يعود على ما قبله وهو (دَابَّةً) فيكون حرف (مِّنَ) للنسب .. أي دابة من أهل الأرض وأهلها هم الإنس والجن ..
|
لإلقاء مزيدا من الضوء على قوله تعالى (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) سأضرب مثالا للتوضيح والبيان:
إن قلنا (أخرجنا لهم من الأرض شجرة تظلهم) بمعنى (أنبتنا) لهم من باطن الأرض شجرة تظل الناس .. فوظيفة حرف (من) هنا تدل على ظرف المكان
بينما إن قلنا (أخرجنا لهم شجرة من الأرض تظلهم) بمعنى (أنبتنا) لهم شجرة من شجر الأرض تظل الناس .. فوظيفة حرف (من) تدل على الجنس أي شجرة من جنس شجر الأرض فالجبال فيها أشجار والبحار والأنهار فيها أشجار ونباتات قد يكون هناك أشجار في كواكب أخرى لا نعلمها .. لكن الكلام هنا دل على أشجار الأرض فحسب
فاختلف المعنى لدى القارئ بين الجملتين السابقتين تماما رغم أن التركيب واحد وترتيب الكلام مختلف .. والفارق هنا أن هو شبه الجملة (من الأرض) اختلف ترتيبها فتغير المعنى .. فحرف (من) كما في (مغني اللبيب) يقول ابن هشام الأنصاري: "يأتي على خمسة عشر وجها" فصلها على الترتيب التالي: [إبتداء الغاية - التبعيض - بيان الجنس - التعليل - البدل - مرادفة "عن" - مرادفة "الباء" - مرادفة "في" - موافقة "عند" - مرادفة "ربما" - مرادفة "على" - الفصل - التنصيص على العموم - توكيد العموم].
وإن اعتبرنا أن حرف (من) لابتداء الغاية .. وبغياب ذكر (إلى) للدلالة على انتهاء الغاية كقوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء: 1] لدل على أن طول تلك الشجرة مطلق تنبت من الأرض وترتفع منها إلى ما لا نهاية .. وبهذا دلت الجملة على شجرة مطلقة الطول فشذت عن سائر الأشجار فطولها ممتد إلى ما لا نهاية في السماء
وعلى هذا ففي قوله تعالى: (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) لا تعارض في الجمع بين معنى (من) الدالة على الجنس أي أنها إنسان من جنس أهل الأرض (مما يدل على وجود مخلوقات عاقلة خارج أهل الأرض وطبعا الجن منهم فهم يعيشون في الأرض وفي كواكب السماء) .. وبين معنى (من) لابتداء الغاية واطلاق انتهاء الغاية .. لتجمع الآية للدابة بين كونها من جنس أهل الأرض .. وأنها ستدب أي تتنقل حيثما شائت من الأرض والسماء آية لها من الله تبارك وتعالى .. وكلا المعنيين صحيحين ويصح الجمع بينهما فهي إنسان من أهل الأرض ستدب حيثا شائت آية لها من الله عز وجل
ومدار هذا باعتبار الإعراب السائد بأن (دَابَّةً) اسم جنس ولو صح أنها كذلك فإن تاء التأنيث في (تُكَلِّمُهُمْ) تعود على اسم الجنس ولأن اسم الجنس يشمل الذكر والأنثى فإن الكلمة ستبقى مبهمة لا تبين جنس الدابة ذكرا أم أنثى .. ولأن الدواب يدخل فيهم العاقل وغير العاقل فجاء قوله (تُكَلِّمُهُمْ) صفة تلحق بالعاقل فحسم أن المراد بالدابة إنسان عاقل لا بهيمة عجماء خرساء .. لكن تظل الجملة مبهمة إن كان الإنسان المشار إليه رجل أم امرأة
إلا أن الإعراب عندي؛ أن (دَابَّةً) حال لصالحبه محذوف تقديره (المرأة) وعليه فإن تاء التأنيث في (تُكَلِّمُهُمْ) تعود على عامل الحال وصاحبه (المرأة) ولا تعود على الحال (دَابَّةً) .. بل إن التاء في كلمة (دَابَّةً) هي تاء التأنيث عائدة على عامل الحال كذلك .. فدلت تاء التأنيث في كلا الكلمتين (دَابَّةً) و(تُكَلِّمُهُمْ) على أن عامل الحال تقديره (المرأة) حذف وجوبا لأن تأنيث الحال (دَابَّةً) .. والتأنيث ودلالة العاقل في (تُكَلِّمُهُمْ) جاء مؤكدا لمضمون الجملة وهي أن (دَابَّةً) حال لإنسان مؤنث أي امرأة .. فوجب حذف عامل الحال
وكما في (النحو الوافي) يقول ا. د عباس حسن: "والأصل في عامل الحال _ وغيرها _ أن يكون مذكورا؛ ليحقق غرضا معينا، هو: إيجاد معنى جديد، أو تقوية معنى موجود... ويجب حذفه في مواضع أهمها: أن يكون الحال سادة مسد الخبر، نحو إنشادي القصيدة محفوظة، فكلمة: "محفوظة" حال؛ سدت مسد خبر المبتدأ المحذوف وجوبا؛ والأصل؛ إنشادي القصيدة إذ كانت، أو: إذا كانت محفوظة". [2/ 409، 410]
وكلمة (دَابَّةً) جائت نكرة فلو كانت اسم جنس لوجب أن تأتي معرفة فيقول (أخرجنا لهم الدابة من الأرض تكلمهم) لأن المعرفة كما يقول ا. د عباس حسن: " (اسم يدل على شيء واحد معين)؛ لأنه متميز بأوصاف وعلامات لا يشاركه فيها فرد من نوعه". [1/ 209]
والدابة في الآية تتميز بأوصاف وعلامات خاصة بها لا يشاركها فيها فرد من عموم جنس الدواب أو من بني جنسها كإنسان .. أو بنات جنسها كأنثى
فهي تتميز عن عموم الدواب بالكلام فهي عاقل أي إنسان .. وتتميز عن كل إنسان بأنها أنثى لدخول تاء التأنيث في آخر الحال وأول فعل الكلام .. وتتميز عن سائر بنات جنسها من النساء بأنها تدب من الأرض حيث شائت .. فإطلاق دبيبها دليل على أنها ذات آيات خارقة للعادة تتفوق بها على بني جنسها وعلى كل عاقل
فلو صح أن (دَابَّةً) اسم جنس لجاءت معرفة .. ولكنها جاءت نكرة فهي حال لصحابه محذوف وجوبا تقديره (المرأة) معرفة لا نكرة .. لذلك في الحديث يتكرر ذكر الدابة معرفة لا نكرة (... و خُروجُ الدَّابّةِ على الناسِ ضُحًى ...) وهذا يثبت وجود عامل الحال معرفة لا نكرة
والله أعلم
|