07-12-2016, 05:52 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
الدابة من المصطفين
بسم الله الرحمن الرحيم
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
يختلف معنا الكثيرون فيلقون بالشبهات جزافا حول جنس الدابة؛ إن كانت إنسانا أم بهيمة، أي عاقل أم غير عاقل، وإن كانت ذكرًا أم أنثى، يجادلون في الحق بعدما تبين لهم. فلا مانع لديهم أن يؤمنوا ببهيمة، لأنهم مستيقنون في قرارة أنفسهم أن الله تعالى لا يخرج للعقلاء بهيمة عجماء لا تعقل ولا تميز، خاصة وأن جميع النصوص التي ذكر فيها أنها بهيمة لم يصح منها شيء بإجماع أهل العلم، وما قول بعضهم أنها بهيمة إلا محض اجتهاد يرده النص القرآني. لكن الويل والثبور وعظائم الأمور إن قبل أنها إنسان، والأشد حنقا إن قيل بأنها امرأة، فلديهم استعداد أن يؤمنوا ببهيمة فيتبعونها، لكن أن تكون امرأة فهم يكفرون بها قبل إخراجها. فيزعمون بألسنتهم أنها بهيمة تحاجج البشر وتتكلم بلسانهم، أي أنها بهيمة يجتمع لها الضدين الكلام وهو صفة العاقل رغم أنها غير عاقل. بينما في قرارة أنفسهم يأخذهم الكبر أن يتبعوا امرأة، ويصدقونها إن هي خرجت تدعوهم إلى دين الله تعالى وتصحح لهم مفاهيمهم.
والحقيقة أنهم مستيقنون في قرارة أنفسهم من أن الله لا يخرج غير العاقل يحاجج العاقل، لأن العقل مناط التكليف، وإن خرج ما يدعون، سيقولون حينها أأخرج الله إلينا بهيمة لا تعقل تكلمنا، ونحن عقلاء أحق منها بالكلام؟ يذكرنا هذا بقول بني إسرائيل في قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّـهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 246]. فهم يقولون أيخرج الله لنا امرأة تكلمنا، ونحن الرجال أحق منها بالكلام، والحقيقة أن الله اصطفاها عليهم أجمعين كما قال: (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وهي أيضا اصطفاها الله على الرجال والنساء، وزادها بسطة في العلم فهداها إلى مالم يهدي إليه أحدا قبلها، والله يؤتي ملكه من يشاء، والله واسع عليم.
ولو أخرج الله إليهم بهيمة لقالوا؛ سحر مبين، وشيطانة، وبهيمة مسحورة، وشيطان ينطق على لسانها، كما قال تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ*وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) [الأنعام: 7؛ 9]
فالله عز وجل لا يرسل للجن والإنس، أي جنس العاقل إلا رسلا من أنفسهم، لقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا) [الأنعام: 130]، فالله عز وجل يخاطب الجن والإنس يوم القيامة، ويقيم عليهم الحجة بأنه أتاهم رسلا منهم، أي رسلا من الجن، ورسلا من الإنس، والرسل كل من اصطفاهم الله عز وجل ليقيم بهم الحجة على الناس، فيدخل فيهم الصديقون الذيم صدقوا الأنبياء والمرسلين حين كذبهم الناس، والصديق يوحى إليه، وتتنزل عليه الملائكة، كما كانت مريم عليها السلام صديقة تتنزل عليها الملائكة.
فهم يستنكرون أن يصطفي الله امرأة على الرجال، كما اصطفى مريم عليها الصلاة والسلام على نساء العالمين، فحملت بغير رجل، وطهرها من الرجس والنجس، فكانت تقيم في المسجد وتؤدي الصلاة مع المصلين، لأنها كانت طاهرة لا تحيض، فالطهر من الحيض من شروط الصلاة والمكث في المسجد، فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران: 42، 43]
فالطهارة والتطهر من الحيض والجنابة والغائط من شروط مناجاة الله تبارك وتعالى، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) [النساء: 43]
فتنزل الوحي على عباد الله المصطفين مشروط بالطهارة من النجاسة، والتطهر منها، لذلك قال تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 79]، فلم يكتفي فقط بتطهير البدن، بل فر عليهم تطهير ثيابهم كذلك فقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4]، فالله تبارك وتعالى يحب المطهرين فقال: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108]
حتى أن الملائكة لا دخل بيت فيه جنب حتى يتطهر من جنابته، في الحديث: (لا تدخلُ الملائِكةُ بيتًا فيهِ صورةٌ ولا كلبٌ ولا جُنبٌ) الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح
الصفحة أو الرقم: 1/242 | خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة]
فنحن متفقون جميعا بلا مخالف على شرط طهارة عباد الله المصطفين، الجسدية والبدنية، خاصة حين تنزل الحي عليهم، سواء كانوا أنبياء، أم مرسلين، أم غير ذلك ممن اختار واصطفى، هذا بصرف النظر عن المسمى الذي يطلق على كل منهم نبي أم رسول أم مهدي أم صديق ...إلخ، قال تعالى عنهم: (وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) [ص: 47]، وقال تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 59]
بينما تناسى هؤلاء في غفلة منهم أن البهائم تتغوط، وتتبول، وقتما دعتها الحاجة، وحيثما اقتضى الحال لها فتتغوط روثها لتصيب به كل ما حولها، وتدر بولها، فيتناثر رذاذه على جسدها، فلا هي بالطاهرة، ولا بالمتطهرة، وبذلك تفقد أحد شروط تنزل الوحي عليها. ثم تقبل عقولهم المريضة أن ينزل الوحي على بهيمة تنجس جسدها بالبول والغائط، فتعرف بوحي من ربها مغيبات قلوب العباد، فتكشف ما فيها من إيمان أو نفاق. مع العلم أن معرفة ما في القلوب من أخص خصائص الله تبارك وتعالى، فلا يطلع عليه أحدا إلا من شاء من عباده (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن: 26؛ 28]
إذن فعلم الغيب الذي تنزل به الملائكة هو رسالة، ومن يتلقاها فهو رسول، سواء اقترن اسمه بصفة رسول، أم نبي، أم لم يقترن اسمه بالصفة، فالشرط أن يكون من المصطفين، فمريم عليها السلام تنزلت عليها الملائكة بالوحي، ولم يقترن اسمها بكلمة رسول، أو نبيئة، وإنما صرح بأنها صديقة فقال تعالى: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) [المائدة: 75] فيفهم من هذا أن الصديق تتنزل عليه الملائكة، فيوحون إليه بإذن ربهم ما يشاء، وقد يجتمع مع النبي صفة الصديق، فيبدا صديقا، ثم يصير نبيا إن نزل عليه الكتب، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) [مريم: 41] وقال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) [مريم: 56].
والصديق هو من أمن بالله ورسله، وذلك حين يعم الكفر والضلال، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) [الحديد: 19]، فخديجة عليها الصلاة والسلام صديقة، لأنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقته حين كذبه الناس، فهي أحق وأولى أن يقال لها صديقة. لذلك فهي من عباد الله المصطفين الأخيار، فكان الوحي يتنزل على النبي عليه الصلاة والسلام في بيتها الطاهر.
سواء علينا اختلفنا أم اتفقنا حول صفة الدابة عليها السلام، فهي لن تخرج عن كونها من الصديقين، إلا أن لها خصوصية لم يحظى بها أحد قبلها، وهي صفة [الهداية]، فهي [المهدية] يهديها ربها في ليلة إلى كل علوم كل ما سبقها من الأنبياء والمرسلين، وبهذا ميزها ربها تبارك وتبارك عن كل الأنبياء والمرسلين، فكلهم هداهم الله تعالى بهداه، وايدهم بكتبه، أما هي فيهديها هداية خاصة تتفرد وتتميز بها عن سائر الأنبياء والمرسلين. فيجمع لها كل ما آتهاهم من كتب وعلوم وآيات. لذلك فمسمى [المهدي] ما هو إلا مسمى محرف، أريد صرف أنظار الناس به عن أنه خاص بالمهدية عليها السلام، والتي بشر الله تعالى بها في كتابه الكريم، فميزها بديبها، أي تنقلها من مكان إلى مكان، وبكلامها الذي تحاجج به فقهاء الأمم، حينما يؤتى بهم من كل أمه أفواجا يناظرونها فتبهتهم فلا ينطقون، كما قال تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ) [النمل: 83؛ 85]
|