07-13-2016, 06:39 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,834
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
من أهم الفوارق بين العاقل وغير العاقل التكليف والتسخير، فالعقل مناط التكليف، بينما القدرة مناط التسخير. فالإنسان مكلف بتنفيذ أوامر الله تبارك وتعالى، والتكاليف هي جملة وحيه إلى رسله عليهم السلام، فلابد أن يفهم الوحي الوزن ويعقله، حتى يقوم بتنفيذه، فإن لم يكن الإنسان عاقلا مميز فلا يمكنه فهم الوحي، ومن ثم تنفيذه، إذن فالعقل مناط التكليف. بينما من لا عقل له فإنه مسخر من الله تبارك وتعالى مقهور على فعل ما خلق له، وله القدرة على فعل ما سخر وخلق من أجله، إذن فالقدرة مناط التسخير، وهذا يدخل فيه كل الكائنات الحية كالأنعام والطير والحيتان، قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل: 79] والكائنات الجامدة كالشمس والقمر والنجوم والكواكب، قال تعالى: (سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل: 12]
فالدواب مسخرات للإنسان، خلقت لها القدرة على القيام بمهام سخرت لعملها وخلقت لديها القدرة على القيام بهذه المهام، فقال تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [النحل: 5؛ 9].
وكل من يقول بأن الدابة عليها السلام سوف تكلم الناس، وتناظر العلماء، وتحاججهم، ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان، وتميز ما في قلب الإنسان من إيمان أو نفاق، فإن هذا كله لايكون إلا بوحي وهداية من الله عز وجل، فيدخل في باب التكليف، لا في باب التسخير، وهو ما يقطع أنها إنسان عاقل مكلف، وليست بهيمة مسخرة مفطورة ومجبورة على ما تفعل.
فمفاهيم الناس متناقضة ومتضاربة، يؤمنون بكائن حي عاقل مميز مكلف يحمل صفات بشرية، ثم يهملون إعراب كلمة (دَابَّةً) في الآية، ويحملونها على أنها اسم جنس، رغم أنها لا تحمل شروط اسم الجنس في هذا الموضع، وإنما تعرب حال لعامله محذوف تقديره المرأة. ولكن الصادم عند البعض أن يبعث الله عز وجل لهم إمرأة، لكن أن يبعث لهم بهيمة فهذه لا مانع عندهم منها، وهم في الحقيقة كاذبون، فلو أخرج الله عز وجل بهيمة لهم، تتبول وتتبرز في الطرقات، لقالوا لولا أتانا بإنسان عاقل، لكنهم يستكبرون أن يبعث الله امرأة تقود الرجال في أعز ما يملكونه وهو دينهم، فيقولون لولا أتنا برجل، فلقد أرسل الله تعالى رجالا من قبل فكذبتموهم وقتلتموهم، ونساءا فاتهمتموهن بالباطل ومنهن مريم عليها السلام. فالخلاف ليس إلا على أهواء، وأمراض في علقة في قلوب لا تعي ولا تفقه، فهم إلا كالأنعام بل هم أضل. فكيف يبعث الله البهائم للناس وهم أضل منهم؟!
قال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44]
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]
إن كانت الأنعام ضالة لا تهتدي لأنها لا تعقل، وغير مكلفة، فكيف لغير العاقل الذي لا يهتدي أن يهدي العاقل؟ هذا خرق لسنن الله تبارك وتعالى، وإن كان الله عز وجل قادر علىخرق السنن وقتما شاء، إلا أنه إن سلمنا بأن بهيمة تهدي البشر آية من الله تعالى، فهذا يتعارض مع قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [يونس: 35]، فإن كان البشر بحاجة لمن هو أهدى منهم ليهديهم، فلا يستقيم وحكمة الله تعالى أن للعقلاء ما هو أضل منهم ليهدي العمي عن ضلالتهم، قال تعاىل: (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ) [النمل: 81] فالأعمى بحاجة إلى مبصر ليهديه، والعاقل بحاجة لعاقل أحكم منه ليقيم عليه الحجة حتى يهتدي. وبهذا؛ فالقول بإرسال بهيمة عجماء خرساء تحاجج الناس، ليتعارض مع الآي 81 من سورة النمل، وهي التي تسبق مباشرة الآية 82 التي تذكر الدابة، وكأن الآية الأولى تنفي ما قد تذهب إليه العقول بأن المقصود بالدابة بهيمة، فالله بعلمه الغيب يعلم أن الناس سيقولون عنها بهيمة، فأقام الحجة عليهم في الآية التي تسبقها مباشرة.
|