الفوارق بين أنواع الرؤى المنامية
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
أهمية الرؤى المنامية في علاج المس:
اعلم أن كل ما يراه النائم في منامه، أي (في موضع نومه)( ) على ثلاثة أحوال
إما رؤيا من الرحمن، وتتم بواسطة ملك موكل من الله تعالى، وربما جن مسلم صالح، هذا لما في قدرة الجن على ذلك،
وحلم من الشيطان، يتم بفعل من الشيطان، وأضغاث أحلام، مما يجول ببال النائم، فعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاثة؛ فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس).
( )
ولاستحالة الاطلاع على الغيب، فنأمل بالتزام المريض أن يمن الله تعالى عليه برؤية صالحة تبشر بالشفاء، ولكننا مضطرين إلى اللجوء في التشخيص لدراسة الأحلام، لأنها تتم بفعل الشيطان، وبالتالي فهي تكشف لنا عن الكثير من المعلومات المطلوبة عن شخصيته ومدى قوته، فنتعامل معها بالضد، وخاصة تلك التي تتم في حالة غيبوبة بين النوم واليقظة، وعلى كل حال فلا يمكن أن يركن المعالج إلى دراسة الأحلام والمنامات كليًا كما يفعل السحرة والكهان، لأن الشيطان يتلاعب بالنائم، وعليه فالمعالج لا يترجم (المنامات) ترجمة حرفية ولا يتأولها، ولكنه يتخذ من دلالاتها عامل مساعد في التشخيص، ففيها مؤشرات هامة لا نستطيع بحال إغفالها.
فبدراسة أحلام الشيطان ولماته أي وسوساته نستطيع تبين حقيقة شخصيته، وكشف مخططاته،
فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم)،
ثم قرأ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) الآية،( ) بحيث نحدد صنف الجن وقوته ورتبته، ونتبين مدى تطور الحالة، ونوعه جن عادي أم جن شيطان، مارد أو عفيرت، جن طيار أم عادي، ودينه ساحر أو نصراني أو يهودي أم مجوسي، وجنسه ذكر أم أنثى، وسنه صغير أم كبير، ووظيفته خادم سحر أم ساحر، عاشق أو منتقم، وتحديد مكانته بين أقرانه ملك أو وزير أو راهب، أم شيطان وضيع، إلى آخر ما هنالك من معلومات أخرى هامة، إذا تم دراستها أمكننا الاستغناء عن سؤال الشيطان، وهذا ما يفقده هيبته، ويزعزع ثقته في نفسه، وبالتالي ثقة جنوده وأعوانه فيه، لأنه يتعامل مع معالج يعي قيمة كل كبيرة وصغيرة، ومتمكن من أدواته وعلمه.
(الكابوس):
من علامات المس ما يراه البعض من أشخاصٍ وأشباح، وهذا ما يسمى (الكشف البصري)،
وإن جرت العادة أن يتم هذا يقظة، خصوصًا أثناء عقد الجلسات، إلا أنه يتم منامًا، فيرى النائم الجن الصارع ويتفاعل معهم، فيعتدوا عليه ويقاتلهم، فهو نائمًا في الظاهر كما يبدو له، إلا أن ما يراه حقيقة أكثر منه تخييلاً، لأن النائم يكون في حالة غيبوبة أي بين النوم واليقظة، ودرج على تصنيفه ضمن الأحلام الشيطانية ككوابيس،
والكابوس في اللغة (ما يقع علـى النائم باللـيل، ويقال: هو مقدمه الصرع)،( ) أي أنه مقدمة الصرع والتخبط الروحي، وليس الصرع العضوي، لأن الصرع العضوي لا يصاحبه رؤى منامية،
وليست الكوابيس مقدمة تلبس الجن وتخبطه، بل هو في الواقع حالة تلبس كاملة، فلا نستطيع أن نعده مقدمة للصرع، ولا حلمًا شيطانيًا، وإن كان يتم أثناء النوم في صورة حلم، لأنه نتاج اتصال الجن الماس بالمريض، فتتم الرؤية بحضور الجن على جسد الممسوس منامًا، فيرى المريض نفس ما يراه الجن، وحضور الجن على الجسد أثناء النوم، هو السبب في عدم قدرة النائم على فتح عينيه للتخلص من هذا الكابوس، إلا بصعوبة شديدة جدًا، حيث يحاول التنبه عنوة بمغالبة الشيطان الحاضر على جسده، فينصرف عنه نتيجة هذه المقاومة، فيستيقظ النائم فزعًا نتيجة هذا الصراع المحتدم، فهذا يعد من حالات (الكشف البصري) في أثناء النوم، وليس للشيطان أن يتلعب في مثل هذه الرؤى، إلا بنسب طفيفة، وهذا مما يساعدنا على اكتشاف التطورات التي تحدث للجن، وبالتالي نحصل على معلومات هامة عن مدى تطور الحالة، ومثل هذه الكوابيس المزعجة هي أكثر ما يهم المعالج أن يعرفه.
الجلسات المنامية:
وبناءًا على إدراكنا كيفية حدوث الكوابيس، ، فيجب أن نفرق بين تخييل الشيطان منامًا، وبين حضوره على الجسد، والرؤية من خلاله منامًا، فالحلم الشيطاني تفرض على النائم أحداثه وصراعاته، أما الكابوس فيتفاعل معه النائم لأنه يجمع بين نفس النائم ونفس الشيطان، فيتحكم النائم في مجريات الأحداث ويتفاعل معها، وجدير بالملاحظة أن ليس كل ما يراه النائم في مثل هذه الحالة يعد مفزعًا، ولكن أحيانًا كثيرة جدًا يتم علاج المريض نفسه منامًا ذاتيًا، حيث يقوم المريض بقتل الشياطين بنفسه، وأحيانًا يقوم المعالج بعلاج بعض مرضاه منامًا، وتحقق مثل هذه الجلسات المنامية نجاحًا كبيرًا، وليس للمعالج إرادة في مثل هذا، ولكنها تتم بفضل من الله تعالى، ونصرة للمعالج والمريض على الشيطان، مع ملاحظة أنه يتم في هذه الحالة علاج جزئي مرحلي للمس، ولا يعني هذا أنها تشفى بالكلية، حيث تكون هذه الجلسات المنامية علاجًا لأشد مراحل العلاج صعوبة، وهذا بالفعل ما نكتشفه بعد ذلك أثناء الجلسة، وأن ما تم منامًا كان حقيقة وليس خيالاً، وأننا اجتزنا المرحلة الحرجة بسهولة ويسر، وانتقلنا إلى مرحلة أخرى من مراحل العلاج، لذلك يجب أن يكون المعالج عميق الخبرة بتأويل المنامات، وقادرًا على الفصل بين الأنواع المختلفة مما يراه النائم، وهذا لا يتأتى إلا بعد خبرة مديدة في استعراض ودراسة المنامات، وسوف يكون الأمر سهلاً ميسورًا تدريجيًا، ما تجنبنا العجلة في تأويلها.
ما يعتد به في العلاج من المنامات: إن أضغاث الأحلام وحديث المرء مع نفسه، مما لا حاجة لنا به بمعرفته في العلاج، فهذا يقع في مجال الطب النفسي، وإن كان للمعالج الحق في معرفة هذه المنامات ليقف على الحالة النفسية للمريض حتى يحسن معاملته، خاصة وأن الشيطان له دور كبير ورئيسي في الوصول بالمريض إلى حالة نفسية متردية، قال تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة: 10].
أما المنامات التي تعنينا فهي مرتبة حسب الأهمية الرؤى الصالحة، والتي يريها الملك أو الجن المسلم الصالح، والكوابيس التي تكون بين النوم واليقظة، وكذلك الأحلام الشيطانية، والتي يكشف لنا فيها عن حقيقة حال الجن الماس ومدى قوتهم، والتي تعد مؤشرًا يدلنا على معدل تطور حالة المريض، ومدى جدوى العلاج، فمثال ذلك قد يرى المريض آثار العذاب على الشياطين، وقد يرى الشياطين يطاردونه، وأنه يقاتلهم ويقاتلونه، وتارة يعتدون عليه، وتارة ينتصر عليهم، وقد يستجد شياطين جدد، فيكتشف المعالج حضورهم فيبدأ في التصدي لهم، لذلك يعمد الشيطان إلى أن ينسي المريض هذه المنامات، فيستيقظ ولا يذكر شيئًا من تفاصيلها، رغم أنه متأكد أنه رأى أحداثًا كثيرة أثناء النوم، لذلك أنصح المريض بأن يخصص كراس خاص به طيلة فترة العلاج، ليسجل فيه ما يراه يوميًا، على أن يضع هذا الكراس مع قلم بجوار فراشه، فإذا ما استيقظ كتب على الفور ما يذكره مختصرًا، ثم يقوم بعرضه على المعالج.
تمييز الأحلام الشيطانية:
وأما الأحلام التي هي من تهويل وتلعب الشيطان بالنائم، والمنهي عن قصها فلا شغف لنا بها إلى حد كبير، لكن في بعض الأحيان يتدخل الشيطان بأحلامه الشيطانية بعد الرؤية مباشرة، ويتم ذلك بمجرد انتهاء عمل الملك الموكل بالرؤية، وهنا يستمر النائم في رؤية ما يخيله الشيطان، فيحدث خلط لدى النائم بين الرؤيا والحلم، فمن الخطأ أن نعد ما أضافه الشيطان جزء من الرؤية، لذلك يجب ان نعلم كيفية تمييز الحلم الشيطاني لنطرحه من مجمل الرؤيا، لأن الشيطان يكون قد علم تأويل الرؤيا، فيتبع الرؤيا ببث حلم ضد تأويلها، وبهذا يكشف الشيطان عن عدة أمور هامة، أولها يكشف لنا عن وجوده وترصده لهذا النائم، وثانيهما يكشف لنا عن تعبيره لهذه الرؤيا وتأويلها، بقلب الضد الذي خيله بعد تمام الرؤية الرحمانية، وهذا يوضح لنا كيف يفكر الشيطان، والأمر الثالث أن الشيطان يسترق السمع، لذلك علم تأويل الرؤية، وهذا يعني أنه شيطان ساحر، وهذا له معاملة خاصة، فهو يحصل على المعلومات الغيبية ناقصة، ثم يكمل الناقص منها من خلال الرؤية التي رآها النائم، فبالجمع بينهما تكتمل المعلومة الغيبية، وفائدة ذلك أن الشيطان سوف يبدأ يعمل ضد تحقيق الرؤيا، وهكذا سوف تعلم مقدمًا الدور الذي سيقوم به الشيطان ضدك، فتبدا في أخذ الحيطة والتدابير ضده،
الفروق بين الرؤى والأحلام وأضغاث الأحلام:
يشكو أكثر الناس من عدم قدرتهم على التمييز بين الرؤى الرحمانية والأحلام الشيطانية، وعليه فهم بجهلهم يتكتمون رؤاهم الصالحة ظنًا منهم أنها أحلامًأ شيطانية، وعلى العكس تمامًا فقد يقصون أحيانًا أحلامهم الشيطانية باعتبارها رؤى رحمانية، فيخالفوا بهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قص الأحلام الشيطانية، فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام)،( )
ويجب على كل مسلم وكل مسلمة إدراك هذه الفروق بين الرؤية وبين الحلم، وأن يحفظوها عن ظهر قلب، لكي نتعلم كيفية تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم بالانتهاء عن قص الأحلام الشيطانية.
وبالنسبة لمرضى المصابين بالأمراض الجنية فهذا الجدول سيساعدهم في التفريق بين هذه الأنواع المختلفة من المنامات، وبين نوع آخر ليس منها، وهو ما يسمى (
الكشف البصري المنامي)، ويكون في حالة بين النوم واليقظة، حيث يكشف للمريض أحداثا تتم في عالم الجن، وصراعات تتم بينه وبينهم، وهذا الكشف البصري المنامي يهم المعالج كثيرا التعرف عليه وتحليله، ليقف على المستجدات في مسيرة تطور العلاج.
يتبع
المصدر:
https://depaj.wordpress.com/2007/04/...7%D9%85%D9%8A/