02-14-2018, 09:45 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان في القلب شك في قصور معاجم اللغة العربية في شمولية معاني ومترادفات الألفاظ العربية، ولكن حين تتصادم المعاني مع مفردات النصوص صار لدينا يقين بأن معاجم اللغة ليست قاصرة فحسب، بل محرفة في معاني الكلمات، ومن الجلي والواضح أن هذا أمر مدبر مخطط له، فلا نستبعد هذا خاصة وأن غالبية المعاجم من وضع أعاجم، وكأن بلاد العرب عقمت أرباب اللغة وفصحائها!
فحسب المعاجم وأقوال المفسرين فإننا نتصادم مع معنى الضرب في القرآن الكريم مرتين، فمرة بضرب الأولاد في السنة، ومرة الأمر بضرب النساء كما في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34]
وهذا يتعارض مع عدة أحكام ونصوص، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الزوجة، والضرب إساءة لا إحسان فيه، كما في قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]
وكذلك يتعارض مع النهي عن الإضرار بالزوجة، والضرب بمعناه الظاهر ضرر، لأن فيه من القهر والإهانة والإذلال، فقال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 231]
وكذلك الضرب فيه إكراه، وهذا يتعارض مع أصل من أصول الدين، فالدين لا يقوم على الإكراه، كما في قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256]
بل حرم الشرع إكراه النساء على البغاء، وهو فعل محرم (هذا إن قصد بالبغاء هنا الفاحشة)، فمن باب أولى أن يحرم إكراههن على طاعة الزوج، قال تعالى: (... وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 33]
فحمل ضرب النساء على معنى الجلد والتعذيب والإكراه، بغرض قهرها وتأديبها، فهذا منهج تربوي يتعارض مع صريح النص القرآني، ولا شك في هذا. وعليه فالعلة ليست في كلام الله تعالى، وإنما العيب كل العيب في سوء فهمنا للنصوص، وهذا لأننا ركنا إلى معاجم اللغة، ومنحناها من الثقة المطلقة ما لا تستحق، وكأنها كتب جامعة مانعة للمعاني، ومن هنا تنامى سوء الفهم للنصوص الشرعية.
وقياسا على ما سبق؛ فضرب الأطفال بغرض تأديبهم منهج تربوي فاسد، يربي جيل من المنافقين، وثبت فساده في الإصلاح والتهذيب، فضلا عن مخالفته لثوابت كتاب الله عز وجل، عليه يجب أن نراجع فهمنا للنصوص من جديد، وأن لا نتمسك بنواقض تتعارض والثوابت الشرعية.
|