02-16-2018, 01:11 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
إذا كان إخوة يوسف عليه السلام جاؤوا بخبر مكذوب، وهو خبر موته، فزعموا أن أكله الذئب، وهم كاذبون، قال تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [يوسف: 17]. بل أكدوا روايتهم المكذوبة بأن جاؤوا على قميصه بدم، قال تعالى: (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) [يوسف: 18]. إلا أن يعقوب عليه السلام لم يصدق روايتهم المكذوبة، ولم تنطلي عليه حيلة الدم المكذوب، فكان على يقين من كذبهم، وبأن الحقيقة خلاف ما يدعون من قوله تعالى: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا). وعلى يقين من أنه يوسف عليه الصلاة والسلام كان حي يرزق، بدليلين؛
أولهما أن تأويل رؤيا يوسف عليه السلام لم يتحقق بعد، فلزم من هذا أنه حي، فكان في انتظا تحقق الرؤيا، وفي انتظار لقائه بيوسف عليه السلام قال تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [يوسف: 100].
والدليل الثاني أنه ظل يذكر يوسف، ويترقب لقائه بدليل قول إخوته: (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) [يوسف: 85]. مما يجزم بأنه على يقين أنه حي يزق، فلم يمت.
لكن من الواضح أنه لم يدري ما حدث ليوسف عليه السلام على وجه التحديد، وبالتالي لم يكن من الحكمة أن يخرج للبحث عنه وهو على يقين من كذبهم، وأنهم فعلوا بيوسف خلاف ما يدعون، فلم يكن أمامه إلا الصبر، والاستعانة بالله تعالى حيث قال: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ). نخلص من هذا أن يعقوب عليه السلام عدم الحيلة طالما لم يصله خبر صادق، ولزم الصبر على فراق يوسف عليه السلام، واستعان بالله تعالى على كذبهم. فهو لم يتك البحث عن يوسف مخيرا، ولكنه كان مضطرا لتك البحث لغياب الحقيقة عنه، وعدم علمه بما حدث ليوسف عليه السلام. ولو علم أنهم ألقوه في غيابة الجب، لهب فزعا لنجدته، أو للبحث عن البئر.
فمن الواضح أن يعقوب عليه السلام تعرض لابتلاء عظيم من الله تبارك وتعالى، فلم يوحى إليه نبأ بشأن يوسف عليه السلام، لبيان حقيقة ما فعله به إخوته، وإلا لما صبر على كيد إخوته له، ولخرج باحثا عنه عسى أن ينقذه، فلم تكن تلك مشيئة الله تعالى، إنما ادخر له قدرا آخر، فأوحى الله ليوسف عليه السلام بالبشارة تثبيتا له في محنته، فقال تعالى: (فَلَمّا ذَهَبوا بِهِ وَأَجمَعوا أَن يَجعَلوهُ في غَيابَتِ الجُبِّ وَأَوحَينا إِلَيهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمرِهِم هـذا وَهُم لا يَشعُرونَ) [يوسف: 15]. وهذا الابتلاء العظيم يذكرنا ولا شك بقصة ذبح إبراهيم لابنه إسحق عليهما السلام، فهذا الابتلاء من جنس ذاك الابتلاء، وإن كان إبتلاء إبراهيم عليه السلام أشد، إلا أن ابتلاء يعقوب عليه السلام أطول زمنا. لكن يؤخذ من هذا التضحية بالأبناء في سبيل الله تعالى، صبرا على قدره، وحكمه.
|