﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴿١﴾ رَسُولٌ مِّنَ اللَّـهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ﴿٢﴾ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴿٣﴾ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴿٤﴾ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴿٥﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَـئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴿٦﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴿٧﴾ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴿٨﴾ (البينة)
في قوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) فهل تفرق أهل الكتاب بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بعد وفاة أنبيائهم؟
الحقيقة أن أهل الكتاب اختلفوا من بعد ما جائتهم البينات من ربهم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: 253]
فما هي تلك البينات التي جائتهم؟
هي على قسمين آيات كونية يؤيد الله تبارك وتعالى بها أنبيائه ورسله، وآيات نصية تتلى حجة عقلية يخاطب الله بها عباده تبين لهم الحق من الباطل، كما قال تعالى (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).
فهل أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات كونية لتأييده أم بآيات تتلى تحاجج عقول الناس؟
القرآن الكريم ينفي أن الله تعالى أيد محمد صلى الله عليه وسلم بالآيات الكونية، على غرار شق البحر، وإحياء الموتى، والناقة ... إلخ قال تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، والأسباب في الآية واضحة، أن الآيات تأتي تخويفا للناس قبل وقوع إبادتهم، ورغم ذلك كذبوا بها حتى وقع عليهم العذاب الأليم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأتي للإبادة، وإنما لإقامة الحجة العقلية على الناس، فلذلك لم يكن بحاجة إلى آيات كونية تثبت نبوته، ولا بحاجة أن ينذرهم لأه لن يحل بهم أي عذاب.
فخلاصة القول:
قوله (لَمْ يَكُنِ) جاءت بصيغة تفيد الاستمرارية على ما هم عليه من تكذيب، أي كانوا في الماضي يختلفون على أنبيائهم، وأنهم لن يكفوا عن كفرهم وتكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم رغم ما معه من بينات، فتكذيب من كفروا من أهل الكتاب هو من سننهم، لذلك لن يكفوا عن اتباع سننهم.
ونحن كذلك على سننهم نسير، منا من سيكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفرون بما أنزل عليه، ويزعمون أنهم على دينه وملته، كما يزعم اليهود والنصارى أنهم على دين أنبيائهم وملتهم.
(لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه). قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: (فمَن).
الراوي : [أبو سعيد الخدري] | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى
الصفحة أو الرقم: 12/456 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 63280
فأرى والله أعلم أن السورة فيها إنذار وتحذير لأمة النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نتشبه بمن كفروا من أهل الكتاب، وهذا من باب الاتعاظ بمن كانوا قبلنا، فلا نأتي فعلهم، ولا نتبعهم. والله اعلم؟