06-22-2018, 02:32 AM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
إخراج الدابة من الأرض
بسم الله الرحمن الرحيم
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
اختلفت أقوال أهل العلم في إخراج الدابة عليها السلام، فذهبوا إلى أنها بهيمة تخرج من تحت الأرض، وكل هذه الأقوال باطلة، ومردودة عليهم بنص كلام الله تبارك وتعالى فقال: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82]. فالآية صريحة واضحة، (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ)، أي أنها تخرج من ظرف مكان مبهم، وهو (الْأَرْضِ)، فحرف (مِّنَ) لم يتبعه ظرف يخصص خروجها من مكان محدد من الأرض، سواء من سطحها، أم من تحتها، أم من جوفها. فليس لديهم دليلا في الآية يخص إخراجها من تحت الأرض، وإنما هو ادعاء من عند أنفسهم روجوا له، واتبعهم فيه من اتبعهم.
نقيس على هذا من قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف: 27]، وقوله تعالى: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) [طه: 117]، فالإخراج هنا من عموم الجنة، فهي ظرف مكان مبهم، فلا نستطيع القول أن الشيطان أخرجهما من تحت أرض الجنة.
بينما في قوله تعالى: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 89] استخدم (تَحْتِ) ظرف مكان، و(هَا) ضمير عائد على (جَنَّاتٍ)، وهي ظرف مكان، فالأنهار تجري من تحت الجنات، بمعنى يبدأ جريانها، لأن حرف (مِن) يفيد ابتداء الغاية، أي تنبع وتفيض من تحت الجنات. فالأنهار لا تجري من عموم الجنات، وإنما من تحتها.
وعليه فالدابة عليها السلام تخرج من عموم الأرض، كخروج آدم وزوجه من عموم الجنة، لغياب التخصيص، فلم تبين الآيات مكان خاص في الجنة، فوقها أما تحتها. وعليه فحرف (مِّنَ) في قوله (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ) يفيد ابتداء الغاية، كقوله تعالى: (مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء: 1] فحرف (مِّنَ) هنا يفيد ابتداء الغاية، أي ابتداء الإسراء من (الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، وحرف (إِلَى) يفيد انتهاء الغاية، أي انتهاء الإسراء إلى (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى). وغياب ذكر انتهاء الغاية، يفيد الإطلاق، كقوله تعالى: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ) [النمل: 30]، فاقتصر على ذكر أن الكتاب صادر من سليمان عليه السلام، بينما لم يبين انتهاء الغاية، فلم يفصح عن هوية المرسل إليه، فيصح ذكر ابتداء الغاية دون ذكر نهايتها. أي أن الدابة عليها السلام تخرج من الأرض إلى مطلق المكان، فتلاحق الناس في كل مكان لتسمهم، فتكشف إيمانهم من كفرهم ونفاقهم.
|