11-05-2018, 12:53 AM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: 19-07-2017
الدولة: ارض الله
المشاركات: 554
معدل تقييم المستوى: 8
|
|
يحدثنا النقشان "ف 15 - 87086 "أن آل سبي وآل بعيع وآل نتن وآل جبل وهم شعب قرية حفروا بئرًا
ومذقنة للمعبود عبط، وهذا يعني أن عبطًا هو أول معبود عُبد في قرية ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا أن مذقنته
أول بناء للعبادة في المنطقة السكنية بل في قرية كلها، وكان ذلك في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد. أما
قبل هذه الفترة فقد وجدنا بقايا مواقد على الأرض البكر في أحد المساكن وفي معبد شمس. فهل كان آل
سبي ومن معهم من الذين نسبوا أنفسهم إلى قرية هم أول المستوطنين؟ هذا ما تؤكده التنقيبات التي قمنا
بها، إذ وُجدوا خلال المرحلة الأولى "أ"أي بداية القرن الثالث قبل الميلاد، وإذا فحصنا أسماء هذه الأسر فإننا
لا نشم رائحة الأسماء الجنوبية. إذ لو كانوا من الجنوب لنسبوا أنفسهم إلى قبائل معروفة بدلاً من أن ينسبوا
أنفسهم إلى قرية.
ولنا أن نتساءل من أين أتى هؤلاء القرويون؟ فهل أتوا مما يعرف بالجرهاء )قرية( في شرق الجزيرة لكي
يسيطروا على طريق التجارة بين شرق الجزيرة العربية وجنوبها؟دعونا نفكر في هذا الاتجاه دون التزام بما
تعودنا عليه من معلومات جمدت في أذهاننا لدرجة أننا أصبحنا لا نقبل سواها بمعنى أن نقبل أن ما يعرف
بالجرهاء هو تحريف لقرية فإذا قبلنا هذا ولو على مضض فسوف ننظر إلى هذا الطرح الجديد بروح ذلك
العصر الذي يسمح لشرق الجزيرة العربية بالمشاركة في تجارة الجزيرة، ولعل قرية أنموذج واضح للتعايش
الاقتصادي بل السلمي في جنوب وسط الجزيرة العربية.
أما المرحلة الأولى "ب" "منتصف القرن الثالث قبل الميلاد" فنشهد فيها الزحف المعيني من جنوب
الجزيرة العربية وقد شارك المعينيون القرويين نشاطهم فكان أن بنى مواطن من آل مليح معبد «عثتر ود »
"ف 8 - 299 " كما سجل مواطن من آل مرن ما قدمه في بيت ود "ف 8 - 271 "وما قدمه.... من آل مليح
"ف 8 - 325 " لمعبودات شتى هي: عثتر ذي قبض، وودم شهر، ونكرح شيمان، وعثتر ذي يهرق، وعثتر «بعل
حدث » وكل آلهة معين وكهل، قدم هذا المواطن نذره لكل هذه المعبودات وكهل أيضًا وهو الذي يشار إليه
للمرة الأولى في نص بقرية.
وإذا كان آل سبي ومن عاصرهم أو جاء معهم انتسبوا إلى قرية فإن المعينيين سموا قرية )بجنة بقرية
طلوا( أي )الجنة هي القرية الحمراء" بمعنى أن قرية في تلك الفترة التي نزلها المعينيون أصبحت ذات نخل
وخضرة وكأنها جنة وسط الصحراء القاحلة وفي وسط هذه الجنان كانت قرية شامخة بقصورها ذات الطينة
الحمراء ولم يكن المعينيون وحدهم بل كان معهم آل سبي والآخرون من عُبَّاد «عبط » بالإضافة إلى حلفائهم
في دادان اللحيانيين. نعم كان للحيانيين وجود واضح خلال هذه المرحلة حيث وجدنا منصبة لحيانية "عليها
نص لحياني"وشواهد قبور لحيانية.
إذن فنحن أمام ظاهرة جديدة في الجزيرة العربية، هي السوق العربية المشتركة يقودها المعينيون
واللحيانيون، فكان للمعينيين السيطرة الاقتصادية في هذه الفترة على قرية طلو، وللحيانيين حق الاتجار
والمساهمة في الحركة الاقتصادية، فكذلك كان للحيان في دادان السيطرة الاقتصادية باعتبارها عاصمة
لملكهم وللمعينيين حق الاتجار وإنشاء وكالات تجارية فيها.
وفي المرحلة الثانية "أ"برز ضمن عناصر مجتمع قرية عنصر آخر هو عنصر الأحانكة ونقصد به قبيلة
حنكين أمرين التي انتشر وجود اسمها بصيغ مختلفة بما في ذلك التفريق بين الذكر والأنثى وتأتي أحيانًا
بالجزء الأول من الاسم فقط.
ولعل ما يدعو للتأمل هو: هل أمرين لها صلة بقبيلة أمير التي كانت لها اليد الطولى في المثلث جنوب غرب
الربع الخالي؟ أم أن لها صلة بقبيلة مرن المعينية؟ فهل هو حلف بين حنكين وأمير أم بين حنكين ومرن؟
لعل الرأي الأول أقرب إلى الحقيقة لأن النون في أخر أمرين علامة إعراب.
وكان للأحانكة دور كبير بدأ واضحًا في كثير من مظاهر الحياة وخاصة عندما انتعشت الحركة الاقتصادية
وبنيت القصور الضخمة والخانات وتحولت واجهات بعض المنازل إلى دكاكين للمشاركة في حركة البيع
والشراء ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا أن الأحانكة من جملة القبائل التي كان لها وجود في دادان في الفترة
المتأخرة من دولة لحيان. ولكننا بالمقابل نشاهد وجودًا لشعب عربي آخر هو شعب الأنباط الذي اثبت
وجوده بما تركه من فخار نبطي يعود للقرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي وبعده كما أن هناك
نصوصًا نبطية كتبت بالخط المسند وبالخط النبطي إلى جانب شواهد قبور كتبت بالأسلوب النبطي.
|