11-10-2018, 03:37 PM
|
|
٢- تیجلات بلیسر الثالث ( 745-727 ق.م.):
ومن أھم ما یرتبط بعھد ھذا الملك ، من حیث صلاته بالعرب ، ھو صدام جیوشه مع قبائل عربیة كثیرة انتشرت على طریق التجارة القدیم في شمال الجزیرة العربیة، في المنطقة الممتدة بین البحر الأحمر وبلاد النھرین (60)، ومن المحتمل أنه بعد أن قام الملك تیجلات بلیسر الثالث بحملتھ الثانیة غرباً نحو دمشق، بدأ العرب بالدخول في العالم الآشوري حیث نجد حولیات الملك ونقوشه تدلل على ذلك(61).
ففي القرن الثامن ق.م. وتحدیداً عام ٨٤١ ق.م. قام الملك تیجلات بلیسر بحملة على الشام وكان ملك دمشق "حزائیل" ھو الذي تزعم حلفا یواجه الآشوریین، وذكرت النقوش الآشوریة في نمرود أسماء المدن التي تغلب علیھا الآشوریون، والجزیة التي استطاعوا الحصول علیھا منھم، وعدداً من أسماء الملوك المھزومین ومنھا أسماء لزعماء عرب منھا الملكة (شمشي) ربما تحریفا لاسم (شمس)(62).
وقد تم تمثیل العرب في فنون العصر الآشوري ولعل أكثرھا تبكیراً ما صور ضمن النقوش الجداریة من عصر الملك تیجلات بلیسر الثالث ، وتبین إحدى ھذه النقوش عجلة حربیة وفرساناً تطارد الأعداء ( من العرب) وبعضھم یمتطي جملا ، وقد مثل ھؤلاء الرجال بشعور منسدلة مجعدة ، ولحى مدببة ، ومئازر قصیرة محلاة بشراریب، ویمسك أحدھم بمقود جمل ، وقد وضع عصابة فوق رأسه
بینما تظھر ھیئة آدمیة أخرى - ربما لامرأة – ترتدي رداءً طویلا ذي شراریب،وله ثنایا طویلة، وتجلس على ظھر جمل متوجھة نحو جماعة أخرى من قومھا أمامھا، والصفوف الأخرى من النقش تبین مجموعة من السجناء رجال ونساء ومعھم بعیرھم وماشیتھم وإبلھم ضمن الغنائم المقدمة، وھم یسیرون في موكب في حضور الملك.(63)
ومن ھؤلاء یظھر زوجان من الأسرى الرجال لھم لحى مدببة( شكل ١)، یرتدي كل منھم مئزر قصیر، ویقودھم رجل أشوري یرتدي رداء طویل ، ویشیر بیده ربما لیتقدم الأسرى للأمام .
وصورت ضمن تلك النقوش امرأة بثوب كاسي تسیر باكیة، تمسك جرة كبیرة، وتستر وجھھا بكفھا الأخر ربما خجلا، أو ربما تلطمه، ویتبعھا عدد من نیاقھا، ولیس من المستبعد أنھم أرادوا أن یرمزوا لھا بإحدى ملكات العرب التى تدعى (شمس)، والتي ورد اسمھا في حولیات الملك ضمن العرب الذین ھزموا ولقبت أنھا ( ملكة العرب)، ویشیر المنظر إلى عجزھا واستسلامھا ( شكل 2)(64).
وقد ذكرت الملكة سمسي أو شمشي ( تحریفاً عن شمس) في النصوص الآشوریة في مناسبتین، الأولى مناسبة أدت الجزیة فیھا إلى الملك الآشوري كسابقاتھا، ومناسبة أخرى خلعت فیھا ھذه الملكة ثوب الطاعة، وساعدت البدو الآرامیین أعداء الآشوریین، فأجبرتھا الأخیرة على الطاعة، وضیقوا على كثیر من أعوانھا حتى اضطروا إلى الإذعان وتأدیة الجزیة، ثم عین الملك الآشوري مندوباً له في عاصمتھا لقب بلقب" قیبو "أي قیم، كي یشرف على سیاستھا ویكتب لھ في أمرھا(٦٥) ولم یكتف الآشوریین أن یسجلوا نصرھم كتابة فقط على قوم شمس، إنما أسرفوا في تصویره بما أشبع كبریائھم ، فبقي منه ما یصور فارسین آشوریین على جوادین یلاحقان بحرابھما محارباً عربیاً یجري مسرعاً ببعیره، ویلتفت إلیھما في ضراعة بعد أن أصیب بعیره بسھم في جنبه كاد یردیه، كما صوروا عددا من قتلى جیش الملكة، وقتلى حلفائھا ممددین على الثرى (شكل 4).(66)
وھناك جزء من نقش یبین معركة الجیش الآشوري ضد العرب والملكة شمس (شكل ٣)، حیث یمثل المنظر زوج من الفرسان، والملك نفسه فوق عجلة حربیة، لیسحق أعدائه بالعجلة الحربیة، بینما یھرب بعض البدو راكباً ناقته، كما یوجد جزء من نقش آخر یبین عجلة حربیة، وتعتبر تلك المناظر من أفضل أمثلة المعارك المیدانیة المفتوحة في العصر الآشوري الحدیث، فلا توجد مستوطنات محصنة في الصحراء، ویستطیع الجیش الآشوري جذب العرب في معارك ضاریة، ویصل إلى مخیماتھم وخیامھم لیحطمھا، كما ھو مسجل بوضوح في تلك المناظر، وفي حولیات الملك نفسه(٦٧).
وقد عثر على عدد من الخطابات في نمرود (كالح) من عھد الملك تیجلات بلیسر الثالث، منھا خطاب أرسله حاكم نمرود المدعو(شورو- دوري)، ویبدو أن الخطاب ذو صلة بحملة الملك على الملكة شمس، وھناك خطاب آخر من الملك نفسه إلي أحد كبار الموظفین في عھده المدعو ( اینورتا- بیلو- آشور) ، ویبین الخطاب نجاح الملك في ھزیمة العرب، كما أن ھناك مراسلات عدیدة بین الملك وھذا الموظف بشأن الغنائم التي تم الحصول علیھا من المناطق التي تغلب علیھا الملك.( ٦٨)
وھناك منظر یتضمن عدداً من الأسرى من مناطق متنوعة من الشرق الأدنى فیعتقد البعض أنھم من البدو السوریین، ویعتقد البعض الآخر أنھم من العرب والسؤال لا یزال مطروحا حول ماھیتھم.(69)
ویشیر أحد ھذه النقوش إلى قسوة الآشوریین في معاملة الأسرى العرب من الرجال والنساء( شكل ٥)، حیث مثل الجنود الآشوریون یجرون الأسرى من ثیابھم، وعلى یسار النقش منظر غیر مسبوق لجندي یجر امرأة - ترتدي رداء عربیاً- من ثیابھا، وتسیر وراءھا امرأة تمسك طفلا، مما یدل على أن استخدام الجنود الآشوریین للعنف لم یقتصر على الرجال فقط، وربما أن ھذه السیدة ھي احدي الأمیرات أو الملكات العربیة التي ذكرت في نصوص ھذه الفترة كالملكة زبیبي (تحریفا عن زبیبة)
والملكة شمس، ویلاحظ أن الفنان برع في التمییز بین ملابس الآشوریین وأعدائھم في تلك النقوش.(70)
وقد وردت إشارة في حولیات الملك عثر علیھا في كالح وتعود للعام الثالث منحكمه ، عن جزیة دفعتھا زبیبي (زبیبة) ملكة بلاد العرب ، ولم یتحدث النص عن مكان تلك المملكة ، وقد أطلق على قومھا (أریبي )أي العرب ، ویرى Musil أن مقر حكم ھذه الملكة ربما كان دومة الجندل.(71)
وعلى الرغم من ھذه المناظر والنقوش تحوي دلالات النشاط العسكري الآشوري في ھذه الفترة، إلا أنھا لا تخلو من مبالغات عدیدة، منھا على سبیل المثال ما ذكره الملك تیجلات بلیسر الثالث من قیامه باجتیاح ١٥ مدینة للملك العربي (إید- یبعلي)، وما ذكره من الاستیلاء على ٣٠ ألفاً من الإبل للملكة شمس ملكة العرب.
ففي الروایة الأولى ، لعله یشیر إلى نجاحه في اجتیاح ١٥ تجمعا سكنیا ولیس ١٥ مدینة ، وفي الروایة الثانیة لو سلمنا بأنه قام بالاستیلاء على ھذا العدد من الإبل فیبقى ٣٠ ألفاً عدداً مبالغا فیھ للغایة، لاسیما إذا علمنا أن الملكة شمس كانت تحكم منطقة محدودة ولیس كل بلاد العرب.(72)
(شكل ١) أسرى عرب في نقش من عھد الملك تیجلات بلیسر الثالث نقلا عن
Reade, J . E . Assyrian Illustraıon of Arabs, in Arabia and its Neighbors, fig,1
________________
(شكل ٢) أسیرة عربیة ، ربما الأمیرة شمس في نقش من عھد الملك تیجلات بلیسر الثالث نقلا عن:
Reade, J . E . Assyrian Illustration of Arabs, in Arabia and its Neighbors, fig,2
________________
(شكل ٣) نقش یمثل الملك تیجلات بلیسر الثالث فوق العجلة الحربیة یسحق أعدائه – نمرود Nadali , D . Assyrian Open Field Battles ,in Studies an war in Ancient Near East,fig.
________________
(شكل ٤) أحد العرب یطارده الآشوریون وقد أصیب بعیره- قصر تیجلات بلسیر في نمرود، نقلا عن Nadali , D . Assyrian Open Field Battles ,in Studies an war in Ancient Near East,fig 6.
_______________
(شكل ٥) جندي یجر سیدة – ربما أمیرة عربیة – في قسوة غیر مسبوقة في معاملة الأسیرات
Reade, J . E . Assyrian Illustration of Arabs, in Arabia and its Neighbors, fig,3
___________________________
- مجلة الإتحاد العام للآثاريين العرب، العدد 16، سنة 2015، مقالة بعنوان: الصلات الحضاریة بین بلاد النهرین والمراکز الحضاریة فی شمال شبه الجزیرة العربیة فی العصرین الأشوری والبابلی الحدیث، لـ د.فوزیة عبد الله محمد عبد الغني، صفحة 390؛393.
رابط المقالة: http://jguaa.journals.ekb.eg/article...f6c4813f59.pdf
|