11-17-2018, 08:28 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بودادو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
برروا عدم ذكر العربات في الجاهلية والعهد النبوي بطبيعة الجزيرة الصحراوية إذ يتعذر على العربة السير في الرمال، فنحن بحاجة للبحث عن طبيعة الطرق في العهد النبوي؛ طرق القوافل التجارية والطرق داخل المدينة والمدن الأخرى، هل كانت ممهدة أم لا ؟
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
العربات كانت تستخدم داخل المدن، لأنها كانت مبلطة، وكان حول المسجد النبوي بلاط من كل جوانبه، ولكن الأمويون نسبوا كثيرا من الانجازات النبوية لأنفسهم، كتمديد الكظائم، والبلاط وغير ذلك، ونفوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليظهروا وكأنهم أصحاب الإنجازات وإنهم لكاذبون. فالتبليط كان حول الكعبة كذلك كما ورد في بعض النصوص، فلم يكن حصرا في بلد دون الأخرى.
فكانت البيوت، والقصور، والحصون، والمعابد، تبلط بالحجارة المصقولة، لتسهيل المشي والتنقل داخل تلك الأماكن، بل حتى الطرقات والأزقة والممرات بلطت بالحجارة المصقولة، لتسهيل تنقل الناس عليها، ولحمايتهم من الانزلاق في الوحل والغوص فيه حين نزول المطر الغزير، فضلا عن تسهيل حركة المركبات ذات العجلات التي تجرها الخيول، وهذا منقوش على جدران المعابد المصرية القديمة، كشاهد إثبات على اختراع العجلات قبل التاريخ. وإن كانت العربات لم تستخدم على نطاق واسع، لكنها بدون شك؛ كانت تستخدم على نطاق ضيق جدا من قبل علية القوم.
فكان البلاط ينحت من الحجارة؛ كالرخام، والجرانيت بألوانهم المتعددة، والبازلت الأسود، الجص الأبيض، وغير ذلك من أصناف الحجارة الكثير، لتؤدي وظيفة معمارية توفر للسكان قدرا من سلاسة العيش، ومرونة الحركة، ولا مانع أن بعضهم كان يبلطها بطريقة زخرفية بشيء من التكلف، فبلطوا القصور والمعابد بلوحات زاهية من الفسيفساء، والممرات المزخرفة بالحصى الملونة، من باب الزينة والرفاهية، والكشوفات الأثرية تشهد بذلك، فكل كان يبلط حسب قدرته المالية، ووفق ذوقه الشخصي. فيجب أن لا نتصور أن الناس في عهد النبوة كانوا بدائيون، يطؤون بأقدامهم التراب والوحل في بيوتهم، فتتشقق أعقابهم، وتتسخ أقدامهم، وتتوحل ملابسهم وفرشهم. فضلا عن أن التبليط يحمي الببوت من تسلل الهوام، فيشكل البلاط طبقة صخرية ملساء تحول دون حفرهم الأنفاق، والتسلل عبرها إلى البيوت، فتؤرق معيشة سكانها، وتفزع أطفالهم، وتروع نسائهم.
في واقع الأمر؛ احتك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أسفارهم بالحضارات الإنسانية المختلفة، ولمسوا مدى التطور العمراني في الأمم المحيطة بهم عن قرب، فيجب أن لا نتصورهم كانوا مجرد بدو رحل، هائمون على وجوههم في الصحراء على ظهور إبلهم ودوابهم، وكأنهم كانوا مغيبين عن معالم حضارات العالم من حولهم، وإنما كانوا غاية في التحضر والتمدن، مع قمة التواضع الفطري، وبساطة العيش، وهما أمران عز أن يجتمعان معا في أمة. بدليل أن كانتا مكة والمدينة ملتقى تجاري للقوافل، ومحور اتصال بالتجار من جميع أنحاء العالم، فتناقلوا معهم الخبرات والتجارب، فاستفاد المسلمون من خير ما في تلك الحضارات، ونقلوه إلى المدينة المنورة، وبما يتفق وشرع الله تعالى، ويحقق لهم قدراً لا بأس به من الحياة الإنسانية الكريمة، وسلاسة العيش الهنيء، فتكون حياتهم يسراً لا عسراً، وهو مطلب شرعي لا خلاف فيه، فالدين أنزل لتيسير حياة الناس، وتذليل صعابها، لا ليعسر ويضيق عليهم معيشتهم، فلا يجعلها ضنكاً، بما يعينهم على التفرغ للعبادة التي من أجلها خلقوا، وإقامة الدين الذي من أجله باعوا أنفسهم، ولا يخل بالزهد والتواضع الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
|