عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 11-20-2018, 04:40 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

اقتباس:
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طمطمينة
نعم .. دخل الوثنيون في المسيحية .. كما أنّ المسيحيون دخلوا في الوثنية بتحريفاتهم بمحاكاة قصة النبيّ عيسى (عليه السلام) بالأسطورة الإغريقية "هِرَقل أو هيركليس" ابن الإله زيوس.
من الواضح أن ولادة المسيح من أم عذراء كانت نبوءة قبل مولده ألهبت عقول البشر، فألفوا حولها الأساطير، تماما كما نسجت الأساطير في زماننا عن المهدي المنتظر.

إلا أن اليهود أرقهم وأزعجهم نجاة المسيح عليه السلام من محاولاتهم قتله، فيقينا كانت لديهم محاولات لقتلهم، لأنه عارضهم وأنكر عليهم أباطيلهم، ولكن الله حفظه من أيديهم، فلم يطاله الأذى منهم. ولذلك حرف اليهود التاريخ؛ فبثوا فيما بينهم شبهة قتل وصلب المسيح عليه السلام، وذلك بعد زمن من وفاته، ويبدو أن الشبهة بلغت النصارى فاعتنقوها، ونسجوا عليها مزيدا من الأكاذيب.

المؤرخ اليهودي يوسف بن ماتيتياهو المعروف باسم يوسيفوس فلافيوس [حوالي 37-100 م]، والذي أورد في كتابه (تاريخ اليهود)، شهادة إطراء في حق المسيح عليه السلام، رفعه بها فوق البشر، وهذا بمثابة إقرار منه بألوهية المسيح، مما يتعارض مع كونه يهودي منكر لنبوة المسيح عليه السلام، فضلا عن تأليهه، وفي نفس الشهادة يذكر شبهة الصلب.
في مقال بعنوان (عيسى عليه السلام فى كتابات يوسيفوس فلافيوس) كتب عمرو زكريا خليل المترجم العبري والباحث في الشؤون الإسرائيلية، وعضو جمعية المترجمين واللغويين المصريين:

" لولا يوسفوس لما أمكن لنا معرفة شىء عن قرون كاملة من تاريخ بنى إسرائيل أو من تاريخ الهيكل الثانى. وهنا نتساءل: هل ليسوع أى ذكر فى كتابات يوسفوس؟ حيث أن يوسفوس وُلِد بعد بضع سنوات من التاريخ المحتمل للصلب (حوالي سنة 30م)؛ وكان من جيل بولس وشاهدًا على وضع الروايات عن يسوع والخطوات الأولى للكنيسة المسيحية. وهناك فى هذا الصدد فقرة مهمة فى كتاب (تاريخ اليهود ([المجلد 18، 3، 3] يصف فيها يوسفوس يسوع بأنه مخلوق فوق البشر؛ وتعرف هذه الفقرة فى الدراسات بالمسمى اللاتينى Testimonium Flavianum أي "شهادة فلافيوس" ويعتبرها كثير من المسيحيين شهادة تاريخية لرجل عاش فى القرن الأول حيث عاش يسوع ومات. بيد أن هذه الفقرة تحتوي على أقوال يصعب التصديق بأن يهوديًا مثل يوسفوس يمكن أن يقولها؛ ومنها أن يسوع كان هو المسيح المخلِّص. وذهب عدد من الباحثين إلى أن هذه "الشهادة" إضافة ثانوية مسيحية الأصل تم ضمها إلى مؤلَّف يوسفوس فى القرن الثالث تقريبًا كدليل على وجود المسيح وما ترك من تأثير على أبناء جيله. ووفقًا لهذا الحدس الذي يجرد "شهادة فلافيوس" من أصالتها، فإن تجاهل يوسفوس حياة وأعمال يسوع يقوم دليلاً على ما تركه يسوع من أثر وإن كان ضئيلاً على بعض اليهود من أبناء جيله.

مع ذلك فهناك رأى يلقى قبولاً مفاده أن الاضافة لم تكن لفقرة كاملة مما ورد لدى يوسفوس؛ بل صياغة مسيحية لنص يوسفوس الأصلى الذي أشار فيه إلى يسوع دون أن يرفع من مكانته أو يحدد أنه المسيح. ترتكز هذه الفرضية على وجود "الشهادة" كما هى بدون أى تاثير مسيحى فى رسائل إجبيوس الكاتب المسيحى العربى الذى عاش فى القرن العاشر والذى قال إن يوسفوس أراد أن يوضح لقرائه ماهية الحركة الدينية الجديدة بإيجاز. ولم يرد فى هذا النص من "الشهادة" أن يسوع هو المسيح ولم يرد أنه تم تسليمه إلى بيلاطُس بأيدى أبناء شعبه. أما قيامته بعد موته فإن من يقول به هم من المؤمنين بيسوع ولم يحدث فعلاً.

بين هذا وذاك سنعرض لصيغتى "شهادة يوسفوس". الصيغة الأولى كما وردت فى كتاب "تاريخ اليهود" ترجمة شاليط، والأخرى كما وردت فى رسائل "إجبيوس" ترجمة بلوسر.

تاريخ اليهود:

"كان يسوع فى الوقت نفسه رجلاً حكيمًا لو جاز وصفه بالرجل. إذ كان يأتى بمعجزات وكان سيد المخلوقات، وهي حقيقة تقبلها كثير من اليهود ومن الإغريق واتبعوه عن رضا. كان هو المسيح. وعندما أصدر بيلاطُس حكمه بقتله بعد اعتناق زعماء الشعب رسالته، لم يتوقف من أحبوه منذ البداية عن حبه حيث ظهر لهم فى اليوم الثالث حيًا مرة أخرى بعد أن تنبأ بذلك أنبياء الله، وبعد آلاف من المعجزات الأخرى. ولم يُقضَ على المسيحيين الذي تسموا باسمه حتى اليوم".

إجبيوس:

"كان هناك فى ذلك الوقت رجل حكيم يدعى يسوع، وكان نهج حياته طيبًا وعرف برجل الأخلاق الحميدة. فاتبعه كثير من اليهود ومن الشعوب الأخرى وأصبحوا من تلاميذه. وحكم عليه بيلاطُس بالموت. أما تلاميذه فلم يتركوا شريعته وقالوا إنه ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وإنه كان حيًا. فاعتبروه المسيح الذي أورد عنه الأنبياء كثيرًا من المعجزات. ومازالت الطائفة المسيحية التى سميت باسمه موجودة حتى اليوم".[[1]]

والترجمة هنا (لو جاز وصفه بالرجل) غير دقيقة، فالأصوب أن كلمة (رجل) تترجم (إنسان) مقارنة بترجمة الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني على النحو التالي: "وكان أيضا في هذه الوقت رجل حكيم اسمه يسوع إن كان جائزا أن يدعى إنسانا وكان صانعا عجائب كثيرة ومعلما للذين آرادوا أن يتعلموا الحق وكان له تلاميذ كثيرين من اليهود والأمم هو المسيح الذي اشتكى عليه روساؤنا وأكابر أمتنا وسلمه بيلاطس البنطي للصلب، ومع هذا كله الذين تبعوه من البداءه لم يتركوه وقد قام حيا بعد ثلاثة أيام من صلبه كما كان قد تنبأ بعض الناس الذين يدعون مسيحيين الذين يعترفون به رئيسا لهم". [[2]]

وهذا كما رأينا وضع الباحثين في حيرة من تفسير هذا التناقض، فوضع البعض عن كاهلهم عبئ تفسيره فرأوا فيه كلاما مدسوسا عليه من المسيحيين أنفسهم. ولكن من وجهة نظري أنه هذا التناقض يؤكد على أنه يوسفيوس ممن دسوا عقيدة الصلب على النصارى، وألقوا هذه الشبهة التي لاقت ترحيبا منهم، فلم يستنكروها. ليس هذا بصفته مجرد مؤرخ يهودي فحسب، وإنما كان يوسفيوس يهوديا متعصب، صاحب دين وعقيدة، ليس من المستاغ في حق مثله أن يدون هذا التناقض إلا أن يضمر غرض خبيث في نفسه، فقد " كان يوسفوس كما ورد من أسرة كهنوتية، سواء من ناحية الأب أو من ناحية الأم؛ بل يرجع نسبه إلى الحشمونيين. ويروى أنه بلغ فى طفولته مرحلة متقدمة فى معرفة التوراة، حتى أن الكهنة عندما كان يأتى إلى أورشليم كانوا يأتونه لسؤاله فى أمور الشريعة. وعندما بلغ السادسة عشرة كان يدرس الطوائف المختلفة فى يهوذا فى عصره. وتوجه فى عام 64 ميلادية إلى روما فى مهمة لافتداء الأسرى. وكان لهذه المرحلة عميق الأثر فى حياة يوسفوس حيث أن لقاءه بروما ترك عليه أثرًا لا يمحى".[[3]]

كما نجد ذكر (الصلب) في ترجمة بلوسر لرسائل إجبيوس، وكما في ترجمة أنطونيوس لتاريخ اليهود، بينما في ترجمة شاليط ذكر (القتل). وهذا يقودنا إلى حقيقة أن تدوين عقيدة قتل المسيح عليه السلام وصلبه من وضع مؤرخي اليهود، لقوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) [النساء: 157].

فهذه العقيدة في واقع الأمر هي شبهة دسها المؤرخون اليهود على اليهود أنفسهم، فمن معالم الشخصية اليهودية اعتزازهم بالإثم والمفاخرة به، حتى وإن ادعوا كذبا وقوع هذا الإثم منهم، لقوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ)، أي ما قتله اليهود وما صلبوه، (وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ) الضمير عائد هنا على اليهود، بمعنى لبس لهم القتل والصلب، أي شبهة تمت بفعل فاعل نكرة، فلم يقل (شُبِّهَ عَلَيْهِمْ) أي اختلط عليهم أمره. أي شبهة بثت لليهود فصدقوها، لرغبتهم في تصديقها، ولأن الشبهة وافقت هوى في أنفسهم. حتى نحن المسلمون؛ وصلنا مفهوم كلمة (شُبِّهَ) محرفاً، فنعتقد بأن الله تعالى ألقى شبه المسيح عليه السلام على أحد تلاميذه، وهذا فهم فاسد للآية.

بدليل أن كلمة (شُبِّهَ) فعل ماضي مبني للمجهول، فلو كان الله عز وجل هو من ألقى الشبه على الشبيه، لنسب عز وجل فعل التشبيه لنفسه فقال: (شَبَّهْنَا لَهُمْ)، فالله تعالى لم ينسب الفعل لنفسه، وإنما نسبه لمجهول. بينما في قوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ) [الأنعام: 9]، نجد أنه عز وجل نسب فعل التلبيس لنفسه وليس لمجهول فقال (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم)، فالآية تنفي عن الله عز وجل تلبيسه الحق على عباده، وعليه فإن فعل إلقاء الشبه لا يخرج عن كونه فتنة مضلة تتعارض مع هذا الأصل، لأنه عز وجل يحق الحق ويبطل الباطل، فلا يصح نسبة فعل الباطل إليه ليفتنهم ويضلهم.

والصواب أن قوله (شُبِّهَ لَهُمْ) من تلبيس الأمر، وإلقاء الشبهة، لا من إلقاء الشبه على شخص آخر، " والشُّبْهةُ الالتباسُ ... وشَبَّهَ عليه: خَلَّطَ عليه الأَمْرَ حتى اشْتَبه بغيره".[[4]] فعقيدة الصلب هي شبهة وضعها أحبار اليهود ومؤرخيهم، ليدعي اليهود كذبا قتل المسيح عليه السلام، ليوافق هذا الزعم هوى ومصلحة لدى فريق منهم. بدليل أن اليهود اختلفوا فيما بينهم في حدوث القتل، فقال تعالى في تتمة الآية: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) فقوله (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي أن اليهود اختلفوا فيه، أي اختلفوا في المسيح عليه السلام، فهم مقرون برسوليته، بدليل (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) فمستبعد أنهم اختلفوا في كونه رسول من الله رب العالمين، وإنما اختلفوا في وقوع قتله من عدمه، لذلك فإنهم (لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ)، فانقسموا إلى فريقين، فأما أحدهما فيعقتد أنهم قتلوه وصلبوه، وأما الآخر فمتشككون من قتله. وهذا لا يمنع من وجود فريق ثالث مضطهد، كان لديهم بقية من علم تثبت أنه لم يقتل.

وهذا يعني أن شبهة قتل وصلب المسيح عليه السلام لم تنشأ لحظة موته، لأن الناس كانوا شهودا لوفاته عليه السلام، وإنما ألقيت الشبهة بعد سنين طوال من وفاته حين اختلفت جماعات اليهود في المسيح عليه السلام، فمحال أن يقع الخلاف بينهم والمسيح قد فارق الحياة أمامهم. إذن فالمؤرخون من اليهود هم من بثوا تلك الشبهة، وعملوا على تزكيتها، ثم تبعتهم النصارى وصدقوهم.

فاليهود لهم تاريخ في تزييف التاريخ، وصناعة الأحداث، وبث الفتن لقوله تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ) [المائدة: 64]، فلا تخلوا كتبهم من التحريف والتزييف للتاريخ، مما يدل على أن مؤرخيهم مأجورين، يزيفون التاريخ لمن يدفع لهم.

لذلك بات من الواضح أن يد العبث امتدت لتلصق تلك الصورة من البداوة التي عاشها بني إسرائيل في فترة التيه بالعهد النبوي، الذي بدأ في حاضرة مكة، وانتقل منها إلى حاضرة المدينة المنورة، فلم يعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدواً رحلاً حتى تخلو حاضرتهم من مظاهر المدنية، وحتى يقال عنهم أنهم متخلفون، وجهلة، وأنهم أمة أميون لا يقرؤون ولا يكتبون، وهذه شبهة تشير إلى وجود اختراق الفكر اليهودي لتاريخ المسلمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[[1]]عيسى عليه السلام فى كتابات يوسيفوس فلافيوس - Arabic Translators International _ الجمعية الدولية لمترجمي العربية

[[2]]يوسيفوس اليهودي/ (تاريخ اليهود)/ إع. الراهب القمص. أنطونيوس الأنطوني/ 2006م/ بدون ناشر. [صفحة: 104].

[[3]]عيسى عليه السلام فى كتابات يوسيفوس فلافيوس - Arabic Translators International _ الجمعية الدولية لمترجمي العربية

[[4]]بن منظور/ (لسان العرب).



رد مع اقتباس