زيارة المابيات
آثار المابيات هي آثار بلدة منطمرة تقع ١٨كم جنوب مدينة العلا على امتداد وادي العلا وضفته الشرقية. كان هناك خلاف حول هذه الآثار هل هي لبلدة قرح عاصمة وادي القرى قديما أم لا . ونحن مررنا بهذه المنطقة عدة مرات في رحلاتنا وفي بحوثنا عن درب الحج الشامي وعن سكة حديد الحجاز منذ عشر سنوات وهانحن ندون هنا زيارتنا للآثار ثم خلاصة ماتوصلنا له وبالله التوفيق.
منظر جوي عام لآثار مدينة قرح القديمة(المابيات) ,لاحظ السهم الأحمر يدل على المنطقة المنقبة وهي صغيرة مقارنة مع حجم المدينة الذي يقارب 800م من الشرق للغرب. السهم الأزرق يحدد السور
كانت زيارتنا بتاريخ
الأحد 17 صفر 1437 هـ (29-11-2015)
بعد تنسيق مع فرع السياحة والآثار بالعلا والأستاذ مشعل البلوي فله الشكر وسنطرح هنا نظرة شاملة عن آثار البلدة مع مختارات من الصور:
أغلب البلدة صارت مجرد ركامات أثرية مغطاة بكمية كبيرة من كسر الفخار
السور الخارجي
التل المطل على المابيات من الشمال الغربي
الجزء الجنوبي الغربي المحاذي للوادي جرّفته السيول عبر الأزمان
الأرض في المابيات صارت سبخة نتيجة لوفرة الماء السطحي وعدم وجود التصريف الإحترافي .
منظر عام للمنطقة المنقّبة في شمال البلدة
زقاق تم تنظيفه في البلدة…كم مشى فيه من إنسان؟
غرف أحد المنازل وجدرانه مجصّصة…من الطريف أن بعثة الاثار في موسم ١٤٠٤-١٩٨٤ م عثروا على لوحة باب مكتوب عليها “بيت سليمان بن محمد بن سليمان بن محمد:.
أستخدم الآجر في بناء بعض البيوت لكن بنسبة قليلة
ن
فرن في أحد البيوت
جدران مجصّصة بإتقان
السور الخارجي وعليه “مرقب” متهدم. لم نشاهد قلعة واضحة على التل المجاور للبلدة كما كان يصف بعض الرحالة مثل ابن شجاع الذي حج 623هجري ومر حفاير الغنم قرب المابيات التي سماها مدن صالح جهلاً بها وقال:المنزلة الرابعه والعشرون: ومدينة صالح بها بقايا بيوت وقلعة خراب براس تل عالي وأبار نبع طيبة وعين ماء وفضاء وحفائر مطر.
لكن الأخ أحمد غانم الأيداء أخبرنا بوجود حصن على تل 4كم جنوب المابيات وهذه صورة له
موقع هذا الحصن ربما يتوافق مع بلدة الرحبة التي كانت جزء من وادي القرى والحجاج يشاهدون القلعة على طريقهم… أو أن تلك القلعة المذكورة تهدمت لأنه لم يذكرها حجاج القرون اللاحقة والله أعلم.
الفخار هو أكثر ما لفت انتباهنا في ركامات البلدة ..تراه بكمية كبيرة وبألوان متعددة لم نشاهد مثلها الا في أثار مدينة السرّين . وفي تقرير المسح الأثاري تكلم التقرير عن وجود نوعية معينة فاخرة من الفخار هنا سماها “” الخزف ذو البريق المعدني”” كما شاهدنا كسر كثيرة من الزجاج الأزرق الشفاف لكنها صغيرة ومبعثرة.
الجولة هذه على ماتم تنقيبه من آثار ومشاهدتنا لتلال المدينة التي لم تنقّب أكد لنا أهمية هذه البلدة وأنها هي عاصمة وادي القرى في العصور الوسطى كما سنرى في البحث المدفق
—————-
وادي القرى بين قرح و العلا
يقول ياقوت الحموي رحمه الله في معجم البلدان: سمي وادي القرى لأن الوادي من أوله إلى آخره قرىً منظومة، وكانت من أعمال (أعمر؟) البلاد وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد.
هذا الوصف ينطبق على الفترة الذهبية لوادي القرى في العصور الوسطى لكن عند تتبع الإسم في المراجع نرى أن هذا المصطلح “وادي القرى” يتمدد ويتقلص عبر العصور , هناك بعض اللبس في تحديد موقعه بدقة لسبب بسيط هو أن موقع الإسم تغير عبر الزمن حتى أنه انتقل في القرن السابع وما بعده ٢٠٠كم جنوب موقعه الأصلي!
.
قبل أن ندخل في ماورد من نصوص كثيرة وآراء المعاصرين سوف نضع تحقيقنا نحن ووجهة نظرنا حول هذه التسمية وكيف تغيرت عبر المراحل التاريخية المختلفة:
1- وادي القرى قبل الإسلام
كانت حاضرة وادي القرى هي ديدان ثم لما انتهت حضارتها لا نعلم ماحصل بالضبط لكن قبائل من اليهود هاجروا من الشام (غالباً هرباً من الإضطهاد الديني من قبل الروم) وسكنوا في قلب الوادي في أعلاه قرب ديدان وهناك تناثرت قراهم وحصونهم وصار الوادي يسمى وادي القرى من قبل العرب لتعدد مستوطناته سواء القائم منها أو المندثر وهذا كثير عند العرب مثل تسمية وادي السرحان بوادي القريات .وسبب تركز اليهود في مضيق الوادي ان هذه المنطقة هي أخصب جزء من وادي القرى وسبب آخر أهم أنها حصينة يسهل حمايتها من قبائل العرب فالمزارع محصورة تماماً بين بين الحرة والجبال الشرقية العالية جدا ولا يمكن اختراق المزارع والآطام الا بمعرفة سكانه فكان الوادي منطقة آمنة لسكان القرى , وهذه طبيعة اليهود في اختيار أماكن محصنة في جزيرة العرب كما في خيبر ويثرب فهم في خطر لو وضعوا مزارعهم في مناطق مكشوفة يكونون فيها تحت رحمة العرب لو حاصروهم.
اما منطقة قرح الواقعة على بعد ١٨كم جنوب الوادي فلم تكن مسكونة ولم تدخل في مسمى وادي القرى بعد كما نفهم من قول جعفر بن سراقة احد بنی قرة (من بني الحارث بن سعد) يقول عن قبيلته
انهم حماة وادي القرى
نحن مَنَعْنا ذَا القُرَى من عَدُوّنا … وعُذْرةَ إذ نلقَى يَهُوداً ويعشرا
مَنَعْناه من عَلْيَا مَعَدٍّ وأنتمُ … سَفَاسِيفُ رَوْحٍُ بين قُرْحَ وخَيْبَرَا
فريقانِ رُهْبَانٌ بأسفَلِ ذي القُرَى … وبالشام عَرَّافون فيمن تنَصَّرَا
لهذا فعند ورود وادي القرى في العهد النبوي نحن نعتقد ان المقصود هو أعلى الوادي حيث العلا وماحولها قبل ان تتطور قرح وتستأثر بلقب وادي القرى.
أما قرح وواديها فكانت برية لقبيلة عذرة وكانت فيما يبدو كثيفة الشجر كما نفهم من ابيات عبد الله بن رواحة وهو في طريقه لغزوة مؤتة:
جلـبـنـا الـخـيل مـن آجـــام قـُــرح تُــغــرّ من الحشيشِ لها العُكُوم
ونعتقد ان الجزء الشرقي من قرح في ضفة الوادي الشرقية هو الصعيد وكان سوقا من اسواق الجاهلية…ومكان قرح مناسب ليقام فيه سوق سنوي تأتيه القبائل من جهات عدة لأن أسواق العرب الموسمية كانت تقام في اراض فسيحة ليست ملاصقة للمدن بعداً عن المشاكل كما رأينا في سوق عكاظ وسوق حُباشة. أما الماء فليس هناك مشكلة فهو قريب جدا والابار كثيرة قال السمهودي: قرح بالضم ثم السكون سوق وادي القرى يضاف إليه صعيد قرح
تصور لموقع وادي القرى قبل الإسلام والقرن الأول الهجري. اللون البرتقالي موقع الإستيطان في بلدة وادي القرى والدائرة السوداء موقع سوق قرح الموسمي.
2- وادي القرى في القرن الأول الهجري
وادي القرى فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع وكما قلنا ان موقع البلدة هو الوادي الضيق الذي فيه بلدة العلا الحالية ولما فتح وادي القرى صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وأبقاهم, لكنه أقطع لبعض القبائل من عذرة وبلي اراض بكر لإستزراعها فمن اهداف الاسلام ترك التعرب واستقرار السكان ويبدو لكاتب المقال ان هذا الاستقطاع كان جنوب العلا بإتجاه صعيد قرح لوفرة الماء ولأنها ليست من حدود يهود وادي القرى كي لايظلمهم..
ثم بعد سنتين مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي القرى مرة أخرى في طريقه الى تبوك عليه السلام . قبلها مر بالصعيد (صعيد قرح) وصلى هناك …يقول سليم العذري: فعلمنا مصلاه بأحجار. وهو المسجد الذي تجمع فيه أهل وادي القرى. (فنرى هنا ان المكان لم يكن مسكونا ايام مروره في غزوة تبوك) . وهناك روايات تقول انه ايضاً صلى في العلا واتُخذ مصلاه مسجداً ولا تعارض بين الخبرين فالمسافر يتوقف 3 مرات على الأقل للصلاة فيكون صلا فرضا في صعيد قرح وفرضا في العلا. .
وفي الموسم الأول للتنقيب عثر فريق البحث على مصلا كبير جنوب البلد وهذه صورة لمحرابه
تصور لبدايات الإستيطان في قرح القرن الأول
ثم في أواخر حياة النبي وخلافة ابي بكر نزل عرب المنطقة وكثروا في منطقة قرح (المابيات) و في عهد عمر رضي الله عنه أقطع أراض جديدة لملاك من أهل المدينة وبعضهم من اغنيائها فنشطت الزراعة خاصة مع توفر الماء,واشتهرت هذه الحادثة الإقتصادية حتى أنهم أرّخوا بها ولدي شك حول الكلمة المستخدمة للتأريخ هل هي التحظير ام التخطير من الخطر حيث يقول الفيروزابادي:وزَمَنُ التَّحْظيرِ: إشارَةٌ إلى ما فَعَلَ عُمَرُ من قِسْمَةِ وادِي القُرَى بينَ المسلمينَ وبينَ بني عُذْرَةَ، وذلك بعدَ إِجْلاءِ اليَهُود أما في سيرة ابن هشام فيقول :وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى لعثمان بن عفان خطر ولعبد الرحمن بن عوف خطر ولعمر بن أبي سلمة خطر ولعامر بن أبي ربيعة خطر ولعمرو بن سراقة خطر ولأشيم خطر ولأسلم ولبني جعفر …وعدد اسماءً كثيرة ثم قال: الخطر النصيب ويقال: أخطر لي فلان خطراَ. لكن المطرزي يقول: (وَقَوْلُهُمْ) كَانَ هَذَا زَمَانُ التَّحْظِيرِ إشَارَةً إلَى مَا فَعَلَ عُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – مِنْ قِسْمَةِ وَادِي الْقُرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ بَنِي عُذْرَةَ وَذَلِكَ بَعْدَ إجْلَاءِ الْيَهُودِ وَهُوَ كَالتَّارِيخِ عِنْدَهُمْ.
وهذا الإستملاك ساهم في تنشيط الزراعة والتجارة في المنطقة. و ورد ان أسامة بن زيد رضي الله عنه كان يركب الى مال له بوادي القرى فيصوم يوم الإثنين ويوم الخميس .
3- وادي القرى من القرن الثاني الى القرن الخامس
هذه الفترة هي العصر الذهبي لوادي القرى ، “عصر الطفرة” ان صح التعبير مع ازدياد الحركة الزراعية ووصول تقنية استنباط العيون وكثرة العمال الزراعيين اللذين يمكن استقدامهم من الشام او بلاد العجم…وساهم في هذه الطفرة انتقال الخلافة للشام في العهد الأموي فصار وادي القرى ممراً تجارياً سواء لحجاج الشام او حجاج مصر من هنا زاد السكن في منطقة قرح لأنها ممر طرق الحج وهي من ناحية الموقع أهم من قلب الوادي (قرب العلا) لهذا انتقل اسم وادي القرى الى قرح وصار الحاج يسمونها وادي القرى فهي عاصمته وحاضرته ولأن كثير منهم لا يمر ببلدة العلا فحجاج مصر يمرون قرح ثم يغرّبون الى شغب و بدا وحجاج الشام يمرون قرح ثم يذهبون الى الحجر عبر ريع الحاج دون المرور بالعلا ….بالطبع كان وجود الأمن وحركة المسافرين هي المحرك الأساسي لهذا التطور
قال السدي (ت127) قرح سوق وادي القرى وقصبتها.
كان وادي القرى ذلك الزمن مثل الطريق السريع بين الجزيرة العربية للشام حتى الفرزدق النجدي لما اراد الشام سلك الدرب الشامي عبر وادي القرى:
تحـــنُّ بـــزوراءِ الـــمـــدينةِ نـــاقـــــتـــــــي حنـينَ عـجـولٍ تـبـتـغــي الـــبـــوَّ رائمِ
فيا لـيتَ زوراءَ الـمـدينةِ أصــبـــحـــتْ بزوراءِ فـلـجٍ أوْ بـسـيفِ الـكـواظـــمِ
وكـمْ نـامَ عـنـي بـــالـــمـــدينةِ لـــمْ يبـــلْ إليَّ اطلاعَ النفـسِ فـوقَ الـحـيازمِ
ولـــمـــا أبـــوا إلاَّ الـــرواحَ وأعـــلـــقـــــوا عرىً في برىً مخشوشةٍ بالخـزائمِ
سيدنـيكَ مـنْ خـيرِ الـبـريةِ فـاعــتـــدلْ تنـاقـلُ نـصِّ الـيعـمـلاتِ الـرواســـمِ
إلـى الـمـؤمـنِ الـفـكــاكِ كـــلَّ مـــقـــيدٍ يداهُ وملقي الثقـلَ عـنْ كـلِّ غـارمِ
بكـفـينِ بـيضـاوينِ فــي راحـــتـــيهـــمـــا حيا كلِّ شيءٍ بالـغـيوثِ الـسـواجـمِ
بخـيرِ نـدى مـنْ كـانَ بـعـدَ مــحـــمـــدٍ وجـاريهِ والـمـــظـــلـــومِ لـــلـــهِ صـــائمِ
فلـمـا حـبـا وادي الـقــرى مـــنْ ورائنـــا وأشـرفـنَ أقـتـارَ الـفـجـاجِ الـقــواتـــمِ
لوى كلُّ مشتـاقٍ مـنَ الـركـبِ رأسـهُ بمـغـرورقـاتٍ كـالـشـنـــانِ الـــهـــزائمِ
قصة وفاة مروان بن عبدالملك في وادي القرى:
من القصص التي تستحق أن تروى مما يتعلق بوادي القرى هذه القصة المتعلقة بأخ للوليد بن عبدالملك لم تكن لدي معلومات عنه من قبل اسمه مروان… كان هو واخوته في رحلة من دمشق الى المدينة ولما كانوا بوادي القرى جرى بين مروان وبين أخيه الوليد بن عبد الملك محاورة، والوليد يومئذ خليفة، فغضب الوليد فأمضّه، فتفوه مروان بالرد عليه، فأمسك عمر بن عبد العزيز على فم مروان ومنعه من ذلك، فقال لعمر: قتلتني، رددت غيظي في جوفي!!، فما راحوا من وادي القرى حتى دفنوه. فله يقول الشاعر هذه الأبيات المؤثرة:
لقد غادر الركب اليمانون إذا غدوا …… بوادي القرى جَلدَ الجـنـاب مُـشـيّعـا
فسـيروا فـلا مـروان لـلـقـوم إذ غـدوا….. ولـلـركـب إذ أمـسـو مـكـلـين جـوعـاً
ومن الشواهد على توسع وادي القرى وكثرة نواحيه ذلك العصر كلام لُغدة الأصهاني من القرن الثالث- في وصف الطريق من المدينة للشام :
ذو المروة وفوق ذلك السقيا قرية كثيرة الأشجار والخير وفوق ذاك الوادي وادي القرى وبه عينان يقال لأحدهما غالب والأخرى زيان لهما شأن وسوق يقال له الصعيد وفوق ذاك العوالي وهي قرى وفوقها الحجر حجر ثمود.
بعده بأكثر من قرن نجد وصف المقدسي البشاري (336 – نحو 380 هـ) شاهداً على تطور قرح عاصمة وادي القرى عن تجربة شخصية فيقول:
ناحية قرح: تسمى وادي القرى، وليس بالحجاز اليوم بلد،اجل واعمر وآهل وأكثر تجارا وأموالأ وخيرات بعد مكة من هذا، عليها حصن منيع على قرنته قلعة قد أحدق به القرى واكنف به النخيل، ذو تمور رخيصة واخباز حسنة ومياه غزيرة ومنازل أنيقة وأسواق حارة، عليه خندق وثلاثة أبواب محددة والجامع في الأزقة في محرابه عظم، قالوا هو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تأكلني فأنا مسموم، وهو بلد شامي مصري عراقي حجازي، غير أن ماءهم ثقيل وتمرهم وسط وحمامهم خارج البلد، والغالب عليها اليهود.
وقال في موضع آخر: وناحية قرح قصبتها وادي القرى ومدنها: الحجر، العونيد، بدا يعقوب، ضبة، النبك…ووصف أهل قرح أنهم على مذهب أهل السنة ….
تصور لمستوطنات وادي القرى في عصره الذهبي
في ذلك العصر الذهبي أيضاً نشأت بلدات اسلامية أخرى غير قرح مثل الرحبة والسقيا وكانت المزارع متواصلة عبر الوادي الى الجزل حتى عد بعضهم السقيا من الوادي القرى كما روى البكري عن محمد بن حبيب قوله سقيا موضع من بلاد عذرة، يقال له سقيا الجزل، وهي قرية من قرى وادي القرى. ويقول المقدسي البشاري سقيا يزيد: هي أحسن مدن هذه الناحية، والنخيل والبساتين متصلة من قرح إليها، والجامع خارج البلد.
ابن حوقل (ت ٣٦٧هجري): وصف وادي القرى بقوله:وليس بالحجاز مدينة بعد مكة والمدينة أكبر من اليمامة وكان يليها في الكبر وادي القرى
4- وادي القرى من سنة 450هجري الى 623هجري تقريباً
فُقد الأمن بعد سيطرة الفاطميين على مصر وانحلال الحكومة في بلاد الشام …عمت الفوضى وعادت القبائل لقطع الطرق, هجر درب الحج الشامي وهجر درب الحج المصري البري .. لم تعد هناك قوافل تمر بوادي القرى لهذا ترك الناس المناطق المكشوفة وغير الآمنة وماتت مدينة قرح مثلها مثل كثير من المدن التجارية (الربذة..الجحفة..فيد…الخ) وماتت الرحبة والسقيا لكن بقيت العلا حية فهي بطبيعتها محصنة وعيونها دائمة وليست التجارة مصدر دخل أهلها بل التمر والزراعة .. قال في الروض المعطار عن وادي القرى ويقصد قرح :، والذي أخبرني به بعض أهل الحجاز أنه كان بها عيون كثيرة عليها عدة قرىً فخربت لاختلاف العرب، وهي الآن خراب لا عامر بها ولو عمرت أغنت أهل الحجاز عن الميرة من غيرها.
وقال ياقوت ( ت 626 هجري) عن وادي القرى :وكانت من أعمال (أعمر؟) البلاد وآثار القرى إلى الآن بها ظاهرة إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد.
5- وادي القرى من القرن السابع الى القرن الثالث عشر
بعد أن أعاد الملك المعظم افتتاح درب الحج الشامي عادت قافلة الحج لكن اسم وادي القرى اختفى من المنطقة لأنه لم يعد هناك قرى سوى قرية واحدة هي العلا! لكن الحجاج لازالوا يتناقلون عن اسلافهم اسم وادي القرى التي تمر بها قافلة الحج فأين هي يا ترى…اطلقوا الاسم على اثار قصور قديمة شمال المدينة المنورة مما سبب مزيدا من الاضطراب للباحثين عن الحقيقه..انتقل اسم وادي القرى الى وادي ذي خشب شمال المدينة حيث كان الحجاج يشاهدون قصور وعيون بناها أهل المدينة في وادي الحمض ايام العصر الذهبي ثم هجرت وصارت في مخيلتهم هي وادي القرى الذي يتاقله اسلافهم
يقول أحد الحجاج من القرن الثامن في ابيات طريفة (ابن حجلة).
أوادي القرى هذي القرى أين أهلها
وماؤهم فيها الذي كان منصبا
أظنك لما أكلت لحومهمُ
شربت عليها الماء من بعدهم شربا
مثلما اختفت كلمة وادي القرى ايضا اختفت كلمة قرح رغم أن آثارها لازالت واضحة وبيوتهم لم تندفن بعد فصار الحجاج يمرون بها ويتعجبون! بعضهم يسميها مدن صالح ويظنها لكفار وبعضهم يقرأ شواهد القبور الإسلامية فيعرف انها بلدة اسلامية فيقول ان صالح من بني العباس وكلها تخرصات.
ابن شجاع الحنفي أول من أعطانا معلومات بعد عودة درب الحج الشامي فيقول وهو يصف محطات درب الحج الشامي سنة 623 هجري :
المنزلة الثالثة والعشرون العلا:أرض رمل ابيض بين جبلين عاليين ثم مضيق ثم وادي ونبات كثير ثم عيون ثم مدينة العلا وسط الوادي نخل كثير وتمر والمدينة صغيرة وبها قلعة صغيرة علي رأس جبل صغير وعيون عذبه يزرع عليها ولها أمير ويودعون بها أمتعتهم.
المنزلة الرابعه والعشرون: الحفائر أرض رمل وتلال وجبال متسع يسمى الديدان ومدينة صالح بها بقايا بيوت وقلعة خراب براس تل عالي وأبار نبع طيبة وعين ماء وفضاء وحفائر مطر.
(قلت هي حفائر الغنم او الفقير والاثار التي سماها مدينة صالح هي اثار المابيات)
ومن المحزن أن بعض الحجاج نسبوا اثار قرح الى قوم صالح النبي وبدل ان يترحموا على سكان البلدة لربما صبوا لعناتهم عليها. يقول صاحب ارجوزة دليل المجتاز الى ارض الحجاز (ت723هجري):
وشكروا رب البرايا والعلا وأدلجوا حتى دنوا من العلا
ذات النخيل والعيون الدافقه والثمرات والجبال الشاهقه
بها أراحوا الإبل المجده وأودعوا الزاد لأجل الرده
ثم يسيرون لمدن صالح وكل قلب للمسير جانح
ونظروا آثار قوم بادوا وخلفوا وراءهم ما شادوا
جل الذي أهلكهم إذ كفروا برسله وكذبوا وفجروا
القرن الرابع عشر والعهد السعودي:
لما دفنت الرمال مابقي من اثار قرح (المابيات) لم تعد مدونات الحجاج تذكر أي شيء عنها ولم يعد أحد يلقي لها بالاً الا أهل المنطقة يسمونها المابيات وهذا اسم غريب قد يكون مشتق من الوباء او قد يكون له سبب لانعرفه. وفي العهد السعودي وكأنما التاريخ يعيد نفسه فبعد استقرار الحكم السعودي وعودة الأمن والأمان وتشجيع الاستيطان قام عرب المنطقة من ولد علي وغيرهم بالنزول في بلاد قرح ونشطت الزراعة والتجارة وصار هنا بلدة لكن بإسم جديد ة هو مغيراء . .
إعادة اكتشاف قرح:
حسب علم كاتب هذا الموضوع فإن د عبدالله آدم نصيف هو من حقق ان هذه الاثار في المابيات هي اثار مدينة قرح (وادي القرى في العصر الذهبي)..هذا الرأي لم يقتنع به شيخنا حمد الجاسر رحمه الله فشن عليه حملة شعواء ونشر رده في مجلة العرب سنة١٤١٢ بعنوان “قرح ليست المابيات ” واقترح الجاسر ان قرح هي العلا او ديدان وأن المابيات هي الرحبة. لكن في رأينا ان دليل شيخنا حمد رحمه الله ضعيف فالعلا هي العلا منذ القدم وديدان ليس لها علاقة بقرح. والنصوص المعاصرة لفترة ازدهار قرح وتبؤها عاصمةً لوادي القرى واضحة عندي وليس أوضح من كلام المقدسي البشاري ولغدة الأصفهاني ولعل عدم مشاهدة الشيخ لاثار قرح جعلته لا يقدر كبرها وأهميتها.
بدأت جامعة الملك سعود بعملية تنقيب في المابيات عبر عدة سنوات وتبنت مسمى قرح وكان لهذا التنقيب نتائج جيدة في اثبات اسلامية الموقع وضخامة البلدة وقد نشر التقرير في العدد التاسع من حولية اطلال وكذلك العدد العاشر…ومن الجميل ان يتوافق تحقيقنا مع خلاصة تأريخ الفخار من قبل بعثة التنقيب وهذا هو كلامهم ..
والواقع ان الدارس والمتتبع لتسلسل هذه التحف المنقولة والتي عثر عليها بالمابيات ليمكنه تحديد فترات الاضمحلال والازدهار التي توالت هلى هذه المدينة الاسلامية الهامة، في سهولة ويسر” اذ يلاحظ قلة المعثورات التي ترجع الى القرن الأول الهجري ونموها مع بداية القرن الثاني وازدهارها فيما بين القرنين الثالث والخامس الهجريين الى ان أفل نجمها في القرن السادس—اطلال العدد العاشر ص ٧١
صور جوية تبين مراحل تنقيب المابيات عبر ١٣ سنة
[
المصدر]