10-02-2019, 09:11 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,835
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
يقول تعالى: (بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ) والتبديل بمعنى التعويض عوضا عن أو عوضا من، فالتبدل هنا على ظرف المكان (مَّكَانَ) فالآيتان قائمتان لم تمحى أحدهما، وإنما تغير مكانها أي موضعها فقط.
وموضع الآية على قسمان؛ إما موضعها من حيث ترتيب الآيات في السورة، وهذا أمر لا يعني الكفار في شيء، وإما موضعها من حيث موضوعها الذي تتناوله. فالقرآن الكريم نزل مصدقا لما قبله من الكتاب، أي أن آيات القرآن تصدق بمعنى توافق ما قبلها من الكتاب، فإن كانت آية أنزلت في التوراة أو الإنجيل تقول كذا وكذا، أنزل الله نفس مضمونها ومعناها في القرآن بآية كذا وكذا موافقا لما قبله، وهذا يعني موافقة القرآن الكريم لما قبله، لا تبديل فيه.
بينما المراد في قوله (بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ) أي يبدل الله تعالى آية محرفة في التوراة والإنجيل، بآية أخرى مكانها في القرآن الكريم، فالتي في القرآن تخالف ما في التوراة أو الإنجيل من التحريف، وهذا أزعج أهل الكتاب وفضح افتراءهم على كتب الله، لذلك اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بما فيهم، والشاهد أن الله تعالى قال بعدها: (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)، (حاشاه الله، بل هم المفترون)، فرموه بدائهم وانسلوا، غلا وحقدا منهم أن جاء مخالفا لبعض ما في كتبهم، وفاضحا ما فيها من كذب وافتراء وتحريف.
والشاهد على مقارنتهم بين القرآن وما قبله من الكتاب قوله تعالى بعدها: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) [النحل: 103]. فالنبي صلى الله عليه وسلم خالف تحريفاتهم، ومنها أن كتبهم عبارة عن ترجمات للكتب السابقة، بينما القرآن نزل بلسان عربي مبين موافقا للغة التي أنزلت بها الكتب السابقة، فلما بهتوا بأن القرآن عربي مبين وليس بلسان أعجمي ككتبهم المترجمة اتهموه بالافتراء.
وهذا هو مفهوم الآية الكريمة، تبديل آية محكمة بلسان عربي في القرآن الكريم، مكان آية محرفة في الكتب السابقة، فلا يصح أن يقال أنها دليل على نسخ آيات القرآن، لأن القرآن يوافق بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، ولو حدث نسخ فيه لكان في القرآن اختلافا كثيرا، آية تبيح، وأخرى تحرم، وهذا لا يثبت، ولم يثبت، ولن يثبت، ولا يجرؤ عالم واحد ممن يعتقد بالنسخ يجرؤ أن يتفوه به. ولو كان فيه اختلافا لكان من عند غير الله قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82]
|