عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-06-2020, 01:01 AM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

إن كان دافع اليهود لقتل المسيح عليه السلام وصلبه حسدهم على نبوته، وما أجراه الله علي يديه من الآيات، فإن هدفهم من قتله منعه من إكمال رسالته، وتبليغ ما أنزل إليه من ربه من الإنجيل، قال تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) [النساء: 157]، واقتران ادعاءهم قتله بإقرارهم أنه (رَسُولَ اللَّهِ) شاهد على أن الهدف من القتل منعه من إكمال رسالته، وإلا فلن يفيدهم قتله إن كان قد أتم تبليغ الإنجيل كاملا، إذن فشبهة قتله وصلبه وقعت قبل إكتمال نزول الإنجيل، ولا يمكن أن تكون قد تمت بعد اكتماله. أي أن المسيح عليه السلام بعدما نجاه الله عز وجل من القتل، عاش بين قومه زمنا حتى أتم تبليغ الإنجيل كاملا.

والدليل على حياة المسيح عليه السلام بعد مسألة القتل والصلب؛ أنه في بداية الوحي أحل لليهود بعض الذي حرم عليهم من قبل، لقوله تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ) [آل عمران: 50]، فلما ظلموا بمحاولة قتله الفاشلة، لم تمر جريمتهم دون عقوبات، فحرم الله عليهم طيبات أحلت لهم عقوبة على ما اقترفوه في حق عيسى عليه السلام، لذلك قال تعالى بعد نفي مسألة القتل والصلب: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) [النساء: 160]، وهذا يعني أن الوحي لم يتوقف بعد مسألة الصلب، وإنما استمر المسيح حيا يرزق بعدها، وأكمل تبليغ الإنجيل، فحرم عليهم بعدها بعض ما أحل لهم عقابا لهم على محاولة قتله، كما أحل لهم بعض ما حرم عليهم أول نبوته، أي لم يعرج به إلى السماء حتى توفاه الله عز وجل. وهذا يبطل الاعتقاد بأنه رفع إلى السماء، خاصة مع غياب أي نص قرآني يفيد بأنه رفع إلى السماء، كما ينفي عروجه إلى السماء.

بل من غير المستبعد تكرار محاولاتهم قتل المسيح عليه السلام عدة مرات، فباءت جميعها بالفشل، فسلمه الله منهم، وعصمه من القتل حتى تم تبليغ الكتاب، كما عصم الله النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 67]، فمن الواضح أن المسيح عليه السلام تعرض لمحاولات قتل عديدة، لذلك ثبته الله عز وجل، وعصمه من القتل كما عصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران: 55]، والطهارة هنا بمعنى العصمة من أن تناله أيدي الذين كفروا بالسوء والأذى، فقوله (مُطَهِّرُكَ) أي أنه [مُطَهِّرٌ] كما أن الملائكة [مُطَهَّرُونَ]، كما أخبر الله تعالى عن الملائكة فقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة: 77؛ 79] وطهارة الملائكة هنا عصمتهم، فلا يمس القرآن الكريم ولا يصل إليه إلا الملائكة المعصومون من أن تصلهم مسترقوا السمع من شياطين الجن، قبل أن يقضى وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن: 26؛ 28]. أي أن عصمة الأنبياء من القتل سنة خاصة بهم، مقيدة بتبليغ الوحي عن رب العالمين، فإذا قضي وحي الكتاب وتم تبليغه رفعت عنهم العصمة، ليرزقوا بعدها الشهادة، فهم أحق بها وأولى من غيرهم.



رد مع اقتباس