02-06-2020, 09:18 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,813
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
يلزم من القول بنزول المسيح، أن يجري الله على يديه الآيات لإثبات أنه المسيح الحق، وللتمييز بينه وبين المدعين الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (... وإنَّهُ سيَكونُ في أمَّتي ثلاثونَ كذَّابونَ كلُّهم يزعمُ؛ أنَّهُ نبيٌّ، وأَنا خاتمُ النَّبيِّينَ، لاَ نبيَّ بَعدي). [1] فلا يحل لنا أن نصدق كل من يزعم أنه عيسى بن مريم، مالم يأتينا بآية مؤيدة له تثبت أنه المسيح فعلا. وهذا يعني أنه سينزل بصفته [نبي] مؤيد بالآيات، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وأَنا خاتمُ النَّبيِّينَ، لاَ نبيَّ بَعدي). فليس لدينا نص يذكر أن المسيح سينزل بآيات نتثبت بها أنه عيسى عليه السلام فعلا، وليس شخص آخر مدعي. بينما لم يرد أن مع المسيح آيات مؤيدة، وإنما إماما مقسطا، وحكما عدلا كما ورد في نص: (والذي نَفْسُ أبي القَاسِمِ بيدِهِ لَيَنْزِلَنَّ عِيسَى بنُ مريمَ إِمامًا مُقْسِطًا، وحكمًا عَدْلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، ولَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ، ولَيُصْلِحَنَّ ذاتَ البَيْنِ، ولَيُذْهِبَنَّ الشَّحْناءَ، ولَيُعْرَضَنَّ عليهِ المالُ فلا يَقْبَلُهُ. ثُمَّ لَئِنْ قامَ على قبرِي فقال: يا محمدُ! لَأَجَبْتُهُ). [2]
فإن فرضنا؛ جاءنا عدة أشخاص كل منهم يزعم أنه عيسى بن مريم، وأنه نزل توا من السماء في دمشق، كيف نتبين الصادق منهم من الكاذب؟ سيرد علينا بأن له أوصاف سنعرفه به، بدلالة بالنص التالي: (... فإذا رأيتموه فاعرِفوه، فإنه رجلٌ مربوعُ الخَلْقِ إلى الحُمرةِ والبياضِ، سَبِطُ الشَّعْرِ، كأنَّ شَعْرَه يقطُرُ، وإنْ لم يُصبْه بللٌ، بين ممصرتين ...) [3] وما رواه النواس بن سمعان الأنصاري قال: (... فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ،[4] بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ...). [5] في واقع الأمر هذه الصفات رغم قلتها، وعدم دقتها، تنطبق على ما لا حصر له من البشر.
وعلى فرض نزل في دمشق رجل من السماء، (وكأنه بين ملكين واضعا كفيه على أجنحتهما)، ورآى هذا المشهد عددا غفيرا من البشر، فيهم خليط من المؤمن والكافر والمنافق والفاسق، فلا ضمان لعدالتهم وأمانتهم حتى نصدقهم. وعلى فرض صدقهم، فقبولهم الخديعة أمر وارد في حقهم كبشر، فتحليق السحرة في السماء مشاهد اليوم، تارة بالحيل والخداع، وتارة تحملهم شياطينهم. والملفت أن الراوي يذكر نزول المسيح في مدينة دمشق، مع أنه من الأولى والأجدر أن ينزل في المسجد الحرام قبلة المسلمين، أثناء طواف المعتمرين بالكعبة، أو لنقل ينزل على الناس حين خروجهم من الصلاة في المسجد النبوي، ليكونوا شهودا على الواقعة. فإن كان نزول المسيح آخر الزمان آية للناس، فإن أحق من ينزل فيهم وبينهم هم المسلمون، لأنهم آمنوا بمحمد صلوا الله عليه وسلم واتبعوه، وصدقوا بنزول المسيح، فحينها سيدركوا أن نزوله اية من الله. بينما من كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يمكن أن يصدقوا المسيح إن نزل، وسيقولوا هذا سحر مبين، فمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم سيكذب بنوءته إن تحققت. وكأن من وضع هذه الرواية على هذا النحو أراد صرف القلوب والأنظار بعيدا عن الحرمين، صوب دمشق عاصمة الدولة الأموية، لتحقيق أهداف سياسية، وهذه أطروحة تحتاج لبحث وتحقيق. وهناك أهداف أخرى خفية لها بحثها الخاص متعلقة بمصالح الشياطين والسحرة وأعوانهم.
وهذا من جملة الثغرات في الروايات التي ذكرت نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان، والتي لم تسدها النصوص، ويعد نقص وقصور في النصوص، يتعارض مع طبيعة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أوتي جوامع الكلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي |الصفحة أو الرقم: 2219 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
[2] الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم: 2733 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
[3] الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن جرير الطبري | المصدر : تفسير الطبري | الصفحة أو الرقم: 3/1/373 | خلاصة حكم المحدث : متواتر | انظر شرح الحديث رقم 130496 التخريج : أخرجه أبو داود (4324)، وأحمد (9630) باختلاف يسير، والطبري في ((تفسيره)) (6/459) واللفظ له
[4] تعليق: وأما قول الراوي (فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ) فهذا يحتاج لبحث علمي واستقصاء عن حقيقة هذه المنارة، وتاريخها. مع العلم أن المنارات من المشيدات الكنسية، وظيفتها تعليق جرس الكنيسة في أعلاها. وقد اتخذت منارة الكاتدرائية البيزنطية في عام 706 م بدمشق أول مئذنة في تاريخ المسلمين، ومنها اقتبس المسلمون فكرة بناء المآذن تشبها بالصليبيين، وذلك بعد تحويل الكاتدرائية إلى مسجد، بأمر الوليد بن عبد الملك (705–715م).
[5] الراوي : النواس بن سمعان الأنصاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 2937 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
|