02-09-2020, 12:17 AM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
رفع الله درجة المسيح إليه بإنزال الإنجيل عليه، فعصمه من القتل، وأظهره على عدوه، قال تعالى: (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) فنجاه الله تعالى من الذين حاولوا قتله بهدف منعه من إكمال تبليغ الإنجيل، وهذه نعمة من الله العزيز الحكيم عليه. فقوله تعالي: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [النساء: 159] يحمل على أهل الكتاب المعاصرين لزمن نزول الإنجيل إلى ما قبل موت المسيح عليه السلام، وليس على أحد من أهل الأزمنة التاليه، وبالتالي يبطل الاحتجاج بالآية على أنهم سيؤمنون به بعد نزوله آخر الزمان.
كما لا يصح مقارنة إيمان أهل الكتاب بالمسيح زمن تنزيل الإنجيل، بالإيمان به حين نزوله آخر الزمان، فحين آمنوا به كإنسان يعيش بينهم كسائر البشر، كما في قوله تعالى: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ)، لم يكن بحاجة أن يثبت لهم بشريته، لأنهم لمسوا هذا فيه منذ مولده، فلم تظهر فكرة تأليهه إلا بعد موته. بينما من سيلتقون به آخر الزمان فإنهم ينتطرون نزول مسيح مؤله، وليس المسيح الإنسان، فهم يستنكرون النبوءة المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم بنزول المسيح (كإنسان)، وليس كإله، وهذا الخلاف سيتسبب في تكذيبه بدلا من أن يؤمنوا به، بدليل أنهم كفروا بالقرآن، وكذبوا بما جاء فيه من بشرية المسيح، ونفي إلوهيته.
لو رأى أهل الكتاب المسيح نازلا عليهم من السماء، فسيترسخ يقينهم بإلوهيته، وسيزدادوا تمسكا بكتبهم المحرفة، فإن ألهوه لما سمعوا بآية إحيائه الموتى بإذن الله، فكيف بهم إن رأوا آية نزوله من السماء واضعا يديه على أجنحة ملكين؟ حينها سيخرون له سجدا. فإن قال لهم: إنما أنا عبد الله، وبشر ممن خلق، ولست إلاها! فسيستنكرون أنه المسيح، ويتهمونه بالسحر والهرطقة، لأنه يزعم خلاف ما تقول به كتبهم المحرفة، وما يؤمنون به. فمن الوهم الظن بأنهم سيتقبلون فكرة أنه إنسان، هذا إن لم يحاولوا الفتك به وقتله، باعتباره مجدف، وضد المسيح بحسب تعبيرهم، أو المسيح الدجال بحسب تعبيرنا كمسلمين، وسينكرون أنه المسيح الحق بصفاته التي يؤمنون بها.
في المقابل إن رآى المسلمون تحقق نبؤة النبي صلى الله عليه وسلم، فسيرون نزول المسيح آية من الله عز وجل، وستعدها كل طائفة منحرفة من طوائف المسلمين دليلا على صحة ما هم عليه من ضلالات، وستزيدهم يقينا وتمسكا بمعتقداتهم الباطلة. فالآيات تزيد المؤمنين إيمانا، بينما هي فتنة للمنافقين، فتزيد أصحاب القلوب المريضة رجسا إلى رجسهم قال تعالى: (وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقولُ أَيُّكُم زادَتهُ هـذِهِ إيمانًا فَأَمَّا الَّذينَ آمَنوا فَزادَتهُم إيمانًا وَهُم يَستَبشِرونَ * وَأَمَّا الَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ فَزادَتهُم رِجسًا إِلى رِجسِهِم وَماتوا وَهُم كافِرونَ * أَوَلا يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لا يَتوبونَ وَلا هُم يَذَّكَّرونَ) [التوبة: 124، 126]. وفي المقابل فمن غير المتوقع أن يؤمن أهل الكتاب بنفس ما يؤمن به المسلمون، وإنما سيزدادوا كفرا وعداوة للمسلمين، وتكذيبا بما معهم، كما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم حين نفى إلوهية المسيح، وأثبت أنه بشر، فإن كذبوا ما في القرآن من حجج عقلية، واتبعوا ما تهوى أنفسهم، فحتما سيزدادوا تكذيبا إن رأوا آية نزوله، قال تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء: 59]، فالعقلية الصوفية بطبيعتها تتعلق بالخوارق والمعجزات، لا لتعدل وتقوم من مفاهيمها، والآيات لا تزيدها إلا ثباتا على معتقداتها الباطلة، فتتأولها بحسب أهواءها، فنزول المسيح بهذا المشهد الإسطوري هو آية من الله بكل المقاييس، ستزيد أهل الكتاب يقينا بإلوهييته.
طبيعة الشخصية الصوفية خرافية، وأصحابها متعلقون بالخوارق التي تؤجج أهواءهم، وتلبي ما تستكين له أنفسهم، ليطمئنوا بذلك أنهم على الحق، فعقولهم ذات طابع اتكالي، فلا يعملونها إلا لإثبات صحة ضلالاتهم، بدلا من أن يعملوها في التحري عن الحق، سواء كانت صوفية يهودية، أم مسيحية، أم إسلامية، فالتصوف شرك متسرب في جميع الملل والأديان. ولأن رجال الكنيسة يدركون طبيعة التصوف في شخصية أتباعهم، فقد عززوها في أنفسهم، واستغلوها فيهم، فابتكروا لهم خدع وحيل ما يعرف باسم (ظهورات العذراء)، باستخدام سحر الخداع البصري، والموثرات الضوئية المبتكرة، فيصورون لهم من حين إلى الآخر، نزول العذراء على قباب هذه الكنيسة وتلك، لحشد الجموع حولها، ولترسيخ معتقداتهم في قلوبهم، ليزداد أتباعهم يقينا بما هم عليه من باطل، لتنهال الأموال على صناديق النذور في الكنيسة، ومن ثم تتحول إلى مزار مقدس يحجون إليه من أنحاء العالم. فقبل أن نسرف في التفاؤل بإسلام أهل الكتاب، فمن باب أولى أن نفهم شخصيتهم على نحو واقعي. لذلك فإن إيمانهم بالمسيح قبل موته في قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)؛ وقع زمن تنزيل الإنجيل بعد اختلافهم في قتله وصلبه، وشكهم فيمن صلبوه، فليس في الآية ما يفيد أنهم سيؤمنون به بعد نزوله آخر الزمان، وإنما تم لي عنق الآية لتوافق النصوص القائلة بنزول المسيح آخر الزمان.
|