عرض مشاركة واحدة
  #42  
قديم 03-15-2020, 09:34 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,835
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

حدَّثَني يَزِيدُ الفقِيرُ، قالَ: كُنْتُ قدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِن رَأْيِ الخَوارِجِ، فَخَرَجْنا في عِصابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجَ علَى النَّاسِ، قالَ: فَمَرَرْنا علَى المَدِينَةِ، فإذا جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جالِسٌ إلى سارِيَةٍ، عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: فإذا هو قدْ ذَكَرَ الجَهَنَّمِيِّينَ، قالَ: فَقُلتُ له: يا صاحِبَ رَسولِ اللهِ، ما هذا الذي تُحَدِّثُونَ؟ واللَّهُ يقولُ: {إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فقَدْ أخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] و{كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فيها} [السجدة: 20]، فَما هذا الذي تَقُولونَ؟ قالَ: فقالَ: أتَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: فَهلْ سَمِعْتَ بمَقامِ مُحَمَّدٍ عليه السَّلامُ، يَعْنِي الذي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: فإنَّه مَقامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَحْمُودُ الذي يُخْرِجُ اللَّهُ به مَن يُخْرِجُ، قالَ: ثُمَّ نَعَتَ وضْعَ الصِّراطِ، ومَرَّ النَّاسِ عليه، قالَ: وأَخافُ أنْ لا أكُونَ أحْفَظُ ذاكَ، قالَ: غيرَ أنَّه قدْ زَعَمَ أنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أنْ يَكونُوا فيها، قالَ: يَعْنِي، فَيَخْرُجُونَ كَأنَّهُمْ عِيدانُ السَّماسِمِ، قالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِن أنْهارِ الجَنَّةِ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخْرُجُونَ كَأنَّهُمُ القَراطِيسُ. فَرَجَعْنا قُلْنا: ويْحَكُمْ أتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟ فَرَجَعْنا فلا واللَّهِ ما خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ واحِدٍ، أوْ كما قالَ: أبو نُعَيْمٍ. [1]

خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ صلاةِ الصبحِ فقال : إني رأيت رؤيا هي حقٌّ فاعقِلوها أتاني رجلٌ فأخذ بيدِي فاستتبعَني حتى أتَى بي جبلًا طويلًا وعرًا فقال لي ارِقْه فقلت : لا أستطيعُ فقال : إني سأُسهلُه لك فجعلت كلما رقيتُ قدمي وضعتُها على درجةٍ حتى استوينا على سواءِ الجبلِ فانطلقنا فإذا نحنُ برجالٍ ونساءٍ مشققةٍ أشداقُهم فقلت : من هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ الذين يقولون ما لا يعلمونَ ثم انطلقنا فإذا نحن برجالٍ ونساءٍ مُسمَّرةٍ أعينُهم وآذانُهم قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ الذين يُرونَ أعينَهم ما لا يرونَ ويُسمِعون آذانَهم ما لا يسمعون ثم انطلقنا فإذا نحن بنساءٍ معلقاتٍ بعراقيبِهنَّ مصوبةٍ رؤسُهن تنهشُ ثديانَهن الحياتُ قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال هؤلاءِ الذين يمنعون أولادَهن من ألبانِهن ثم انطلقنا فإذا نحن برجالٍ ونساءٍ معلقاتٍ بعراقيبِهن مصوبةٍ رؤسُهن يلحسْنَ من ماءٍ قليلٍ وحمأٍ قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ الذين يصومون ويفطرون قبلَ تحلَّةِ صومِهم ثم انطلقنا فإذا نحن برجالٍ ونساءٍ أقبحُ شيءٍ منظرًا وأقبحُه لبوسًا وأنتنُه ريحًا كأنما ريحُهم المراحيضُ قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ الزانونَ والزناةُ ثم انطلقنا فإذا نحن بموتَى أشدِّ شيءٍ انتفاخًا وأنتنِه ريحًا قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال : هؤلاءِ موتى الكفارِ ثم انطلقنا فإذا نحن نرَى دخانًا ونسمعُ عواءًا قلت : ما هذا ؟ قال : هذه جهنمُ فدعْها ثم انطلقنا فإذا نحن برجالٍ نيامٍ تحتَ ظلالِ الشجرِ قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال هؤلاءِ موتَى المسلمين ثم انطلقنا فإذا نحن بجَوارٍ وغِلمانٍ يلعبون بينَ نهرينِ قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال : ذريةُ المؤمنينَ ثم انطلقنا فإذا نحن برجالٍ أحسنُ شيءٍ وجهًا وأحسنُه لُبوسًا وأطيبُه ريحًا كأن وجوهَهم القراطيسُ قلت : ما هؤلاءِ ؟ قال هؤلاءِ الصديقونَ والشهداءُ والصالحون ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثةِ نفرٍ يشربون خمرًا ويغنون فقلت : ما هؤلاءِ ؟ قال ذاك زيدُ بنُ حارثةَ وجعفرٌ وابنُ رواحةَ فمِلت قِبَلَهم فقالوا : قد نالك قد نالك ثم رفعت رأسي فإذا بثلاثةِ نفرٍ تحتَ العرشِ قلت : ما هؤلاءِ قال : ذاك أبوك إبراهيمُ وموسَى وعيسَى وهم ينتظرونك صلواتُ اللهِ عليهم أجمعينَ).[2]

ورد في الروايتين السابقتين ذكر القراطيس جمع قرطاس ومنها كلمة papyrus وهو الورق المصنوع من نبات البردي، وقدوردت كلمة قرطاس بصيغة المفرد في قوله تعالى:
(وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)[الأنعام: 7]

كما وردت قراطيس بصيغة الجمع في قوله تعالى: (قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ ) [الأنعام: 91]

فتكرار ذكر القرطاس والقراطيس في كتاب الله تعالى، وتشبيه بياض الوجوه والأجسام ببياض القراطيس شاهد على وفرة القراطيس في جزيرة العرب، وأنها إن لم تكن تنبت حول مجاري المياه، وتصنع بأيدي حرفيين مهرة، خاصة وكان بينهم جالية من القبط، فإنها كانت من واردات القبط إلى جزيرة العرب، فلم يكن للتجار غنى عنه لتوثيق تعاقداتهم ومعاهداتهم، وتدوين عروض تجارتهم، فضلاعن تدوين الشعر، واستنساخ الكتب، خاصة التوراة والإنجيل وغير ذلك من المؤلفات.

طبعا لا مانع من استخدام الأديم، فهو نوع فاخر من أسطح الكتابة، حيث تستخدم جلود الحيوانات الصغيرة، فيكون سطحه رقيق، ومرن ومتين، وأملس، وناصع البياض، وإن كان يعيبه رائحته فقط. والأديم كان وفيرا لديهم بسبب كثرة الذبائح،وما يقدم للبيت الحرام منأضاحي وقرابين للآلهة، فكانت تنقل الأنطاع والجلود إلى الطائف، حيث ريف مكة، حيث كان لأهل مكة بيوتا ومزارع بالطائف، يرتحلون إليها صيفا، ويرجعون منها إلى مكة شتاءا، وهذا مثبت في [سورة قريش]، فيتم دباغتها وتجهيزها هناك، لوفرة الماء، وجودة الطقس من تيارات الهواء، والشمس الساطعة، فكانت دباغة الجلود ولوفرتها من مصادر الدخل الهامة لأهل الحرم والطائف، فكانت من أهم صادراتهم، لوفرة الإبل والغنم في الجزيرة نتاج أضاحي الحجيج، ولتوفير المأكل لهم وللمعتمرين.

إذن النبي صلى الله عليه وسلم كان تاجرا رحالة، يتنقل بين البلاد، يتاجر بمال خديجة عليها السلام، بل لابد وأنها صاحبته في بعض أسفاره، خاصة إلى البصرة وحلب وسواحل اليمن لأنها كانت تمثل مراكزز عامية للتجارة الدولية في زمنهم. ومحال أن توكل مسؤولية تجارتها لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، فالعلم بالكتابة، وفن صياغة نصوص العقود والمواثيق، من أهم متطلبات التاجر، خاصة عندما ينتقل بين البلاد، فيكون له وعليه ديون لابد من توثيقها، وكذلك تدوين الحسابات وعروض التجارة.

إذن لم تكن خديجة عليها السلام لتقدم على تسليم تجارتها للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان مؤهلا، كاتبا وفصيحا يحسن صياغة العقود بطريقة لا تضيع حقوقها. وهذا يلزمه استخدام القراطيس أي ورق البردي، لأنه سهل طيه وحفاظه لضمان سرية الحسابات، وخفيف وزنه، فلا يحتاج لمساحة مقارنة بالأنطاع والرقوق التي تكون كبيرة وظاهرة للعيان والفضولين.
______________
[1] الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 191 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
[2] الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائدالصفحة أو الرقم: 1/81 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح
التخريج : أخرجه الطبراني (8/182) (7666)، والحاكم (2837)، والبيهقي في ((إثبات عذاب القبر)) (98) باختلاف يسير.



رد مع اقتباس