12-02-2020, 09:38 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,835
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
قوله تعالى: (مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ ) [سبأ: 14] فتآكل المنسأة كان دليل على موت سليمان عليه السلام، ودابة الأرض هي المتسببة في التآكل، وهذا بتقدير الله عز وجل، فلو لم يحدث تأكل منسأته، وبقيت سليمة كما هي، ما علمت شياطين الجن بموته، ولكن رغم علمهم بدليل على موته إلا أنهم استمروا في العذاب المهين. ولأنه ليست كل علامة دليل قطعي الثبوت، فبات من الواضح أن تآكل المنسأة كان دليل ظني الثبوت، لا يجزم بموت سليمان عليه السلام، فيحتمل أنه مات، أو أنه لم يهتم بتآكل منسأته.
لذلك استمرت الشياطين في العذاب المهين، مما يدل على وجود مصدر معلومات قطعي اليقين يثبت وفاته، لكن بسبب الوقوع في الأسر، حيل بينهم وبين استراق السمع، وهو مصدر معلومااتهم الغيبية لقوله تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ ) [الجن: 9]، لذلك لما امتنعوا من استراق السمع لم يتمكنوا من التيقن من حقيقة موته.
إذن فالجن بعمومهم؛ مؤمنهم وكافرهم لديهم القدرة على اتخاذ الأسباب لمعرفة الغيب، من خلال إدراك علاقة المقدمات بالنتائج، والأسباب بالآثار المترتبة عليها، لكن بدون إدراك هذه العلاقة لا يمكن للجن أن يعلموا الغيب، فالاستدلال بالأسباب والنتائج منهج شرعي لمعرفة الغيب لا غبار عليه، كما تدل المخلوقات على وجود الخالق سبحانه وتعالى. فالجن حباهم الله عز وجل قدرات تفوق قدرات البشر لمعرفة الغيب المقيد، من قوة الإبصار، ونفاذه بدون اعتبار للبعد المكاني، وغير ذلك من القدرات الخاصة، مما لم يبلغنا علمه، لكن الشواهد تشير إليه.
في واقع الأمر؛ وقعت شياطين الجن في مغالطة شرعية، فهم لم يعتمدوا على مهارتهمم في الاستنتاج لمعرفة الغيب، وتقدير الواقع، ولا على قدراتهم الخاصة على كشف بعض المغيبات، ولكن عندما اعتمدوا بشكل أكبر على قدرتهم على استراق السمع، فلما حيل بينهم وبينه عجزوا عن استقراء الواقع وفهم حقيقة دلالاته، وتلك عاقبة من يركن للعرافين والكهنة واستراق السمع، وغفل عن أعمال عقله، والأخذ بالأسباب الشرعية، فحينها لن يصدق ما تراه عينيه.
فكان استراق الشياطين للسمع سببا في معرفتهم بعضا من الغيبيات لا كلها، فتوهموا بذلك علمهم الغيب، ولكن حين تبين لهم موت سليمان عليه السلام، تأكد لهم الفارق بين علم الغيب، وهو من خصوصيات الخالق عز وجل، وبين معرفة الغيب بالأخذ بالأسباب، وهو من خصائص الخلق. ولكنهم كانوا يخادعون أنفسهم في زعمهم علم الغيب، بل وفي كثير غير ذلك مما يعتقدون.
وأخص هنا الشياطين بالذكر، فلا يدخل معهم الجن المؤمن، لأن هذه الآية زادت الجن المسلم إيمانا بأن الجن لا يعلمون الغيب، بينما بهتت الذين كفروا من الجن، والذين خضعوا للعذاب المهين، فتبين لهم أنهم لا يعلمون الغيب. فلا يدخل الجن المسلم في تبين هذه الحقيقة، لأنهم يعلمونها ويؤمنون بها، خاصة وأنهم كانوا من جنود سليمان عليه السلام، ولكنها زادتهم إيمانا إلى إيمانهم، فمن المستبعد أن يتخذ سليمان عليه السلام من الشياطين ظهيرا يحارب بهم الكافرين، وهم قد كفروا بالله العظيم.
|