السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في أحداث العبور والغرق وكذلك الأحداث التي سبقتها مباشرة، نلاحظ التلاحق والتقارب الزمني كبير فيما بينها، ولهذا نجد القرآن يستعمل روابط لفظية تفيد التتابع (الفاء) وليس التراخي (ثم)؛ فبمجرد أن أوحي الله تعالى لموسى بالخروج ليلا ووصول الخبر لفرعون، بدأت الماكينة الحربية الفرعونية في العمل في نظام وسرعة، وتم تجهيز كل الجيش وتم الحشر في المدائن وكل ذلك في زمن قياسي، وهذا العمل اللوجستي الخارق الذي يصعب تنفيذه في أحدث الجيوش العصرية في وقتنا الحاضر، يدل على القوة والمستوى العالي في الإنضباط الذي كانت عليه المنظومة الفرعونية بجميع فروعها المخابراتية والإعلامية والعسكرية، ولهذا كان من البديهي أن تقابله قوة ربانية أسرع وأقوى وأكثر تنظيما وفتكا بالظالمين، فكان الخبر يأتي وحيا والأيات الربانية في يده عليه الصلاة والسلام، وجنود الله مستنفرين وللضالمين بالمرصاد، ووقع غرق فرعون وآله وقع في زمن قياسي والقوم ينظرون.
قوله تعالى: (نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) وفي قراءة (نُنَحِّيْكَ)[1] يدل اللفظ على التنحية والإمالة ويفهم منه أن الجثة خضعت لقوة دافعة لأحدى الجهتين من البحر ولم ترسب في القاع وتستقر، والراجح أنها ألقيت شرقا وهو نفس اتجاه طريق هجرة موسى عليه السلام صوب الأرض المقدسة، لأنهم هم المعنيون بالأحداث التي ستأتي، أما الخوالف فأنساهم القرأن، يقول الله تعالى : (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) ﴿الشعراء: ٦٠﴾ و في قراءة بالتشديد (مُّشْرّقِينَ) [1] معناه: نحو المشرق مأخوذ من قولهم شرّق فهو مشرّق وغرّب وهو مغرّب إذا اتجه نحو المشرق والمغرب.
[البدن] في المعجم الجسد دون الأطراف والرأس و [البدن] الدرع؛ هناك من قرأ بالجمع (بأبدانك)[1] والجمع هنا قد يراد به دروع جنده ونسبت الدروع إليه أوالأرجح أن يكون له أكثر من درع وذلك كمبالغة منه في الوقاية من طعن السلاح، وقرئ (بندائك)[1] أي بسبب ندائك قال الله تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ﴿يونس: ٩٠﴾ وهذا آخر نداء لفرعون قبل هلاكه إن التزمنا بقاعدة الضمير يعود على أقرب مذكور، وأما الأرجح نداء فرعون قبل ذلك بادعاء الألوهية وهوالأرجح قال الله تعالى : (فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ﴿٢٣﴾ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ﴿٢٤﴾ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ ﴿٢٥﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ ﴿٢٦﴾)، في المعجم نكَل بخَصمِه :أصابه بنازلةٍ تكون عبرةً لغيره، فيكون هذا هو النداء المراد؛ والله أعلم.
بالنسبة للمدة التي بقيت فيه جثة فرعون في البحر؛ أقول أن الجثة ألقيت إلى الساحل بمجرد غرقه وهلاكه، وقوة سقوط المياه التي كانت في علوها كالجبال أحدث حركة كبيرة وبقوة غير عادية لفظت الجثة بعد 5 إلى 10 دقائق وهو الوقت الأقصى الذي يمكن فيه انقاذ غريق، وهذه المدة هي في حالة استثنائية لا يقاس عليه المدة التي قد يحتملها الانسان وبتفاوت من شخص لآخر في الحالات العادية، إنما يجب مراعات دخول المياه لجوف الغريق كعامل مسرع للإختناق، والحالة النفسية له من هول الحادثة وما ينتج عنه من صدمة وفزع.
أما لفظ [اليوم] في الأية لا يعبر بالضرورة على المدة الزمنية من طلوع الشمس إلى مغربها، فقد يراد باليوم [الآن] كقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ﴿المائدة: ٣﴾ والمراد أن الدين كمل بمجرد انتهاء الرسول صلى الله عليه وسلم من تلاوة الآيات، وليس آخر النهار مع غروب الشمس.
والملفت لمعنى [البدن] في المعجم جسد بدون أطراف، من المحتمل استعمال هذا اللفظ له للدلالة على الإقتصاص من فرعون قبل غرقه، خصوصا أن فرعون قطع أيدي وأرجل من آمن لموسى من سحرة فرعون.
والله أعلم.
_________________________
[1] معجم القراءات القرآنية مع مقدمة في القراءات وأشهر القراء/ أحمد مختار عمر، عبد العال سالم مكرم/جامعة الكويت /الطبعة الثانية 1408 هـ 1988م