فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم. إن المرأة عبرت بما أحست ولمست من كمال جماله، وحسن مظهره، وبهجة طلعته صلى الله عليه وسلم، ولو أخذنا نحن بدورنا في شرح كلامها لقلنا:
قولها ظاهر الوضاءة: أي أن جماله صلى الله عليه وسلم وحسن منظره يظهر لكل من رآه سواء كانت هذه الرؤية عن قُرب أم عن بعد، والرجل الوضيء: أي حسن المنظر. قال في لسان العرب: الوضاءة مصدر الوضيء وهو الحسن النظيف، والوضاءة: الحسن والنظافة، والوضاءة الحسن والبهجة. قال عمر لحفصة: لا يغرك إن كان جارتك هي أوضأ منك، أي أحسن. (لسان العرب لابن منظور: [15/ 322])
وقولها أبلج الوجه: أي مشرق الوجه، أبيض مضيء. قال في لسان العرب: البلج تباعد ما بين الحاجبين وقيل ما بين الحاجبين إذا كان نقيا من الشعر؛ بلج بلجا، فهو أبلج، والأنثى بلجاء، وقيل الأبلج الأبيض الحسن الواسع الوجه، يكون في الطول والقصر، … وقال الجوهري: البلجة نقاوة ما بين الحاجبين، يقال: (رجل أبلج بيّن البلج إذا لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبيصلى الله عليه وسلم: أبلج الوجه: أي مسفره مشرقه، ولم تُرِد بلج الحاجب لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا)، وقال ابن الشميل: بلج الرجل يبلج إذا وضح ما بين عينيه ولم يكن مقرون الحاجبين فهو أبلج… وشيء بليج: مشرق مضيء. (لسان العرب لابن منظور: [1/ 477]، [478])
وبليج: أي طلق بالمعروف، قالت الخنساء:
كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة *** وكان بليج الوجه منشرح الصدر
وبليج: أي مشرق مضيء، قال الداخل بن حرام الهذلي:
بأحسن مضحكا منها وجيدا *** غداة الحجر مضحكها بليج
إذن فأم معبد أرادت أنه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرق الوجه مضيء تكملة للفظ ظاهر الوضاءة وما أرادت أنه بعيد ما بين الحاجبين.
قولها لم تُعِبْه ثُجْلَة: أي لم يعبه ضخامة البدن، وعظم البطن واسترخاؤه، قال ابن منظور: الثجل: عظم البطن واسترخاؤه وقيل هو خروج الخاصرتين… إلى أن يقول: وفي حديث أم معبد في صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تزر به ثجلة أي: ضخم بطن، ويروى بالنون والحاء (نُحلة)، أي نحول ودقة.
قولها ولم تُزر به صلعة: الصلع صغر الرأس وقيل ذهاب الشعر من مقدم الرأس.
قال في لسان العرب: الصلع ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره وكذلك إذا ذهب وسطه… إلى أن قال: والصلعاء من الرمال: ما ليس فيها شجر، وأرض صلعاء لا نبات فيها.
(لسان العرب لابن منظور: [7/ 387]، [388])
وقولها وسيم: أي حسن جميل، قال ابن الأعرابي الوسيم الثابت الـحُسن كأنه قد وُسم، وفلان وسيم أي حسن الوجه والسيما، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: وسيم قسيم، الوسامة: الحسن الوضيء الثابت. (لسان العرب لابن منظور: [15/ 303])
وأما قولها قسيم: فمعناه أيضا حُسن الوجه، كما قال ابن منظور وفي حديث أم معبد: قسيم… القسامة الـحُسن، ورجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال (لسان العرب: [11/ 166]) صلى الله عليه وسلم على حِدَة جميل حسن، فكل جزء منه صلى الله عليه وسلم حاز الجمال كله.، وهذا يعني أن كل جزء منه.
قولها في عينيه دَعَج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين مع اتساعها، شديد بياض بياضها. قال في لسان العرب:الدعج والدعجة: السواد، وقيل شدة السواد، وقيل الدعجة شدة سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، قال الأزهري: الذي قيل في الدعج إنه شدة سواد سواد العين مع شدة بياض بياضها خطأ، أراد بالأدعج المظلم السواد، جعل الليل أدعج لشدة سواده مع شدة بياض الصبح، وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه دعج، الدعج والدعجة السواد في العين وغيرها؛ يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل: إن الدعج عنده سواد العين في شدة بياضها. (لسان العرب لابن منظور: [4/ 351])
وقولها وفي أشفاره وطف: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل شعر الأجفان.
قال في لسان العرب:الشُّفْر بالضم، شُفْرُ العين وهو ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في الجفن وليس الشفر من الشعر في شيء. والجمع أشفار، وقال ابن منظور: شفر العين منابت الأهداب من الجفون (لسان العرب لابن منظور: [7/ 149]) صلى الله عليه وسلم: أنه كان في أشفاره وطف؛ المعنى أنه كان أهدب الأشفار أي طويلها (لسان العرب لابن منظور: [15/ 338]). وأما الوطف فهو كثرة وطول شعر الحاجبين والعينين. وقال ابن منظور: الوطف: كثرة شعر الحاجبين والعينين والأشفار مع استرخاء وطول…، وفي حديث أم معبد في صفته.