عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-15-2024, 09:51 AM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,834
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

التوحيد:

يعد التوحيد أحد أهم أسس علم العلاج الشرعي للسحر، هذا إن لم يكن التوحيد أهمها، وذلك بتحقيق توحيد الله عز وجل الخالص والخالي من الشرك، فلا يستقيم التوحيد بدون تطبيق عملي يشمل كلا من الفهم، والقول، والعمل، فإن حدث أي خلل عقائدي أو قولي أو عملي وقع الإنسان في الشرك وبذلك يزداد السحر قوة بدلا من أن يضعف ويبطل، وهكذا يستمر المسحور في ضنك بعد ضنك قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾ [طه ١٢٤] وهذا لن يتحقق حتى يتخلص من الشرك، ويطبق التوحيد بلا أي معوقات شركية قال تعالى: ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [البقرة ٢٥٦]. فبدأ بالكفر بالطاغوت أولا، ثم أتبعه بالإيمان بالله تعالى فقال (فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ) فنبذ الكفر والشرك يسبق في الترتيب التوحيد، لأن التوحيد لن يستقيم مالم يتخلص الإنسان تماما من الشرك.

يعد علم العلاج الشرعي للسحر هو أحد التطبيقات العملية للتوحيد، فإذا كان السحر قائم على الشرك فإن التوحيد يهدم السحر، قال تعالى: ﴿فَلَمَّاۤ أَلۡقَوۡا۟ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَیُبۡطِلُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ﴾ [يونس ٨١]. أي أن الله عز وجل هو من يبطل السحر، فإن كانت الشياطين هي من ابتدعت السحر فإنها هي من تنفذه باستخدام خصائص قدراتهم التي ميزهم الله عز وجل بها عن الإنس، وعليه فإن الشياطين تعلم الناس السحر، أي تعلمهم [طقوس السحر] أي العبادات والإجراءات الشركية التي في مقابلها تنفذ الشياطين السحر، ويوم القيامة يتبرأ الشيطان منهم، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَـٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّنكَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الحشر ١٦]، فالشياطين تنفذ السحر للإنس مقابل الشرك بالله تعالى، وبهذا يكفر سحرة الجن والإنس، قال تعالى: ﴿وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ﴾ [البقرة ١٠٢] وعليه فإن التوحيد سبب في هدم السحر، وهذا لا يتحقق إلا باللجوء إلى الله تبارك تعالى.


وما يؤكد أن السحر مصدره شياطين الجن، وأنها تتسلط بالسحر على الإنسان ما ورد في الحديث القدسي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ([ يقومُ ] الرَّجلُ مِن أمتي منَ اللَّيلِ يعالجُ نفسَهُ إلى الطَّهورِ وعليهِ عُقدٌ فإذا وضَّأَ يديهِ انحلَّت عُقدةٌ، وإذا وضَّأَ وجهَهُ انحلَّت عقدةٌ، وإذا مسحَ رأسَهُ انحلَّت عقدةٌ وإذا وضَّأَ رجليهِ انحلَّت عقدةٌ فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ للَّذين وراءَ الحجابِ : انظروا إلى عَبدي هذا يعالجُ نفسَه يسألُني ما سألَني عبدي هذا فَهوَ لَهُ، [ ما سألَني عبدي هذا فَهوَ لَهُ ]). [1] والمراد هنا بالعقد في الحديث عقدا سحرية يعقدها الشيطان على قافية رأس النائم لقول رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ). [2] والعقدة أو العقد الشيطانية هي أسحار يعزم عليها بعزيمة سحرية كقول الشيطان على قافية رأس النائم (عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ)، وضرب العقد السحرية بمعنى البيعة، أي مبايعة الشيطان والتحالف معه على تنفيذ سحر محدد، وهذا يمين وقسم على أداء سحر ما قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ عَقَدَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡ﴾ [النساء ٣٣] أي التعاقد والتحالف والقسم على ذلك. ولأن العقد السحرية لا تقتصر على صناعة عقد بخيط أو حبل وما شابه، وإن كان السحرة يفعلون هذا، إلا أن المعنى أعم وأشمل لأن السحرة لا يفعلون هذا في كل أحوالهم، فلديهم وسائل بديلة لا حصر لها، كما أنهم يبتكرون الجديد من صور العقود كل يوم، فمعنى الآية أوسع وأعم بحيث يشمل جميع العقود السحرية بأشكالها وصورها.


ولا يكتمل العقد السحري إلا بالنفث عليه بما يتلى من تعاويذ وعزائم وأقسام سحرية قال تعالى: ﴿وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ﴾ [البقرة ١٠٢]، والنفث على العقد السحرية ثابت في قول الله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِی ٱلۡعُقَدِ﴾ [الفلق ٤] وقوله (ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ) أي الأنفس النفاثات من السحرة، وبهذا فإن اللفظ عام يشمل كلا من سحرة الجن والإنس، الإناث منهم بحسب ظاهر اللفظ، والذكور كذلك، وهذا باعتبار أن لفظ النفاثات عام، فيشمل السحرة بعمومهم، بصرف النظر عن جنسهم من الإناث والذكور. وما يؤكد أن الشياطين تنفث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من نفث الشيطان فقال: (اللهُ أكبرُ كبيرًا، و الحمدُ للهِ كثيرًا، و سُبحانَ اللهِ بكرةً و أصيلًا، ثلاثًا، أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، من نَفخِه و نَفثِه و همزِه). [3] وعليه فالعزائم السحرية (حتى وإن كانت بلسان عربي مبين) والنفث بها على العقد السحرية من الممارسات الشركية التي لا تضعف إلا بالتوحيد الخالص الهادم للشرك.

وإذا كان السحر يصيب الإنسان بأنواع الأذى المختلفة، فإن قال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ﴾ [ص ٤١] فقوله (مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ) أي أصابني الشيطان (بِنُصۡبࣲ) وهو الداء والبلاء والشر كما ورد في [لسان العرب] "قَالَ اللَّيْثُ: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ؛ يُقَالُ: أَصابه نَصْبٌ مِنَ الدَّاءِ. والنَّصْبُ والنُّصْبُ والنُّصُبُ: الداءُ والبَلاءُ والشرُّ." (وَعَذَابٍ) العقوبة والتنكيل، كما في [لسان العرب] "والعَذَابُ: النَّكَالُ والعُقُوبة. يُقَالُ: عَذَّبْتُه تَعْذِيباً وعَذَاباً، وكَسَّرَه الزَّجَّاجُ عَلَى أَعْذِبَةٍ ..." أي أن العذاب هو يشمل كل ضرر جسدي ومادي، قال تعالى: ﴿وَأَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰ⁠حِمِینَ﴾ [الأنبياء ٨٣] فالشيطان يصيب الإنسان بشتى أنواع الأذى الجسدي والمادي، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ یَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰا۟ لَا یَقُومُونَ إِلَّا كَمَا یَقُومُ ٱلَّذِی یَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ﴾ [البقرة ٢٧٥].

نخلص مما سبق إلى أن ﴿مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ﴾ كانت عزائم كفرية تتلوها الشياطين على ملك سليمان، سواء كانت شعرا أم نثرا، بصرف النظر كانت بلغة مفهومة أم مجهولة. ولذلك فهناك رقى شركيه مما علمته الشياطين للناس، ليتداوى بها من الأمراض الروحية أو العضوية، فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كُنَّا نَرْقِي في الجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَرَى في ذلكَ؟ فَقالَ: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ). [4] وعليه فمن تطبيق توحيد الله عز وجل عرض الرقى على النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي، ومن بعده نعرضها على منهاج النبوة الكتاب والسنة فإن خل نص الرقية من الشرك، ولم تقترن بأفعال شركيه، ووافقت التوحيد جاز الرقية بها.
_______________________
[1] (مَن كذبَ عليَّ متعمِّدًا؛ فليتبوَّأ بيتًا من جَهَنَّم) وسمعتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: ([ يقومُ ] الرَّجلُ مِن أمتي منَ اللَّيلِ يعالجُ نفسَهُ إلى الطَّهورِ وعليهِ عُقدٌ فإذا وضَّأَ يديهِ انحلَّت عُقدةٌ، وإذا وضَّأَ وجهَهُ انحلَّت عقدةٌ، وإذا مسحَ رأسَهُ انحلَّت عقدةٌ وإذا وضَّأَ رجليهِ انحلَّت عقدةٌ فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ للَّذين وراءَ الحجابِ : انظروا إلى عَبدي هذا يعالجُ نفسَه يسألُني ما سألَني عبدي هذا فَهوَ لَهُ، [ ما سألَني عبدي هذا فَهوَ لَهُ ]).
الراوي : عقبة بن عامر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الموارد الصفحة أو الرقم : 146 | خلاصة حكم المحدث : حسن
[2] الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 3269 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
[3] الراوي : جبير بن مطعم | المحدث : الألباني | المصدر : الكلم الطيب الصفحة أو الرقم : 80 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه أبو داود (764)، وابن ماجه (807)، وأحمد (16786) باختلاف يسير.
[4] الراوي : عوف بن مالك الأشجعي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2200 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]




ــــــ تـابـع ــــــ