12-16-2024, 02:55 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,834
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
إن كان العلاج الشرعي قائما على التوحيد علما وعملا فإن العلاج لا يجدي نفعا إن اقترن بالشرك وبذلك يفقد صفة الشرعية، فعلى النقيض من ذلك نجد أن السحر مرتبط بالشرك، ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ﴾ [البقرة ١٠٢] فتعليم السحر لا يكون إلا في مقابل قبول دعوة الشيطان للكفر برب العالمين لقوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَـٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّنكَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الحشر ١٦]، ثم يتبرأ الشيطان من أولياءه يوم القيامة قال تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لَمَّا قُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِیَ عَلَیۡكُم مِّن سُلۡطَـٰنٍ إِلَّاۤ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِیۖ فَلَا تَلُومُونِی وَلُومُوۤا۟ أَنفُسَكُمۖ مَّاۤ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَاۤ أَنتُم بِمُصۡرِخِیَّ إِنِّی كَفَرۡتُ بِمَاۤ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ [إبراهيم ٢٢].
فلو أن الساحر الإنسي لم يسحر للمسحور له، فلم يوالي الشيطان، لسحر الشيطان نفس ذات السحر للمسحور له، فالشيطان ليس في حاجة للساحر الإنسي لإصابة الإنسان بالأذى والضرر، وهذا هو ما يسمى [المس الشيطاني] أي الإصابة الشيطانية بدون تدخل الإنس قال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَاۤ أَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بِنُصۡبࣲ وَعَذَابٍ﴾ [ص ٤١]، وإنما الشيطان يستزيد من أولياءه، حيث إن ربط السحر الجني بالسحر الإنسي يزيد السحر قوة فتزداد صعوبة كشفه وعلاجه، فيختلط الأمر على المسحور له إن كان ما به من أذى بفعل السحر أم إصابة عضوية. لأن الإصابة بضرر السحر وأذاه من الأمور المقدرة بإذن الله تعالى وليس بحول الشيطان وقوته قال تعالى: ﴿وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة ١٠٢]. وهذه سنة الله عز وجل في الأمم يصيبهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا ويصبروا فيؤجروا وترفع دراجتهم قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام ٤٢]، وكان لنا مثلا في أيوب عليه السلام صبر على المس الشيطاني ولم يلجأ إلا لله عز وجل قال تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ﴾ [ص ٤٤].
فالشيطان يتخذ له شركاء من سحرة الإنس ليضلهم، وليدعم سحره بكفرهم فيكونوا له شركاء في صناعة السحر وفي نار جهنم، قال تعالى: ﴿وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَیۡهِم بِخَیۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَوۡلَـٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾ فالشيطان يشارك السحرة، وهم يشاركونه في الكفر قال تعالى: [الإسراء ٦٤] ﴿وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ ٱلۡجِنَّ وَخَلَقَهُمۡۖ وَخَرَقُوا۟ لَهُۥ بَنِینَ وَبَنَـٰتِۭ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یَصِفُونَ﴾ [الأنعام ١٠٠]. وهذا ما يؤكد أن السحر قائم على الشرك بالله تعالى، وذلك باتخاذ الشيطان معبودا يطاع من دون الله عز وجل قال تعالى: ﴿أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ﴾ [يس ٦٠]. فبالشرك يزداد السحر قوة وشدة، بينما علاج السحر مرتبط بالتوحيد، وبالشرك يزداد السحر قوة وشدة.
أما ما يتوهمه البعض من نتائج وراحة ملموسة لعلاج السحر بالشركيات، ما هو إلا [سكون عارض ومؤقت] وعلاج للسحر بالسحر، فبعدما كان الإنسان مصابا بسحر واحد فقط، صار مصابا بسحرين، لأن السحر لا يبطل سحرا، فالقاعدة أن السحر لا يبطله إلا الله تبارك وتعالى لقوله: ﴿قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَیُبۡطِلُهُۥۤ﴾ [يونس ٨١]، فمن شك أن الله عز وجل هو الذي يبطل السحر وحده لا شرك له فقد كفر لإنكاره نصا صريحا. ومن اعتقد أو زعم أن السحر يبطل سحرا، فذهب إلى السحرة يطلب منهم علاجه من السحر فليس من المسلمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تطيَّر أو تُطُيِّرَ له، أو تكَهنَّ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحر أو سُحِرَ له، ومن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزلَ على محمدٍ). [1] فإن زعم الساحر أنه يبطل السحر فقد كفر، وإن ادعى أن يبطل سحرا بسحر فقد كذب فيما يدعيه لأن السحر لا يبطل سحرا، حتى وإن وجد المسحور له نتائج مرضية له، ، لأن الساحر يحبس السحر الأول عن العمل بسحر ثاني أقوى منه يسمى [سحر حبس] يعطل السحر الأول عن العمل، فهو يعالج الكفر بكفر، فبعد أن كان المسحور يعاني من سحر واحد صار يعاني من سحرين. وعند علاج هذا المسحور له فبدلا من أن نعالج سحرا واحدا سنضطر لعلاج سحرين أو أكثر بحسب عدد من تردد عليه من السحرة، وبحسب أعداد الأسحار التي فشل السحرة في صنعها. وهذه صورة من صور تأثر العلاج وعرقلته بسبب الشرك وكثرة التردد على السحرة، فلا نتخلص من الأسحار إلا أن نتخلص أولا من الشرك بتحقيق التوحيد الخالص.
وبسبب عدم اعتراف الأكاديميات والجامعات بعلم العلاج الشرعي فلا يمكن للمعالج الشرعي تقديم أبحاثه ودراساته للحصول على درجة الدكتوراه والأستاذية، وبسبب عدم وجود هيئة متخصصة تمنح تراخيص معتمدة من الدولة للمعالجين، وهذا من المستحيل أن يتم إن لم تكن هناك أكاديميات تؤهل المشرفين وتعدهم لتقديم تلك التصاريح للمؤهلين فعلا، لذلك صار من العسير التعرف على المعالج الشرعي وتميزه عن الساحر، وهذا بسبب عدم وجود جهة أكاديمية لتعليم العلاج الشرعي، وبسبب غياب دور الرقابة الشرعية عليهم لكشف السحرة وملاحقتهم. فليست وظيفة المريض التحقق من الساحر بسبب أنهم غير مؤهلين لهذا، حتى المعالجين أنفسهم قد يخفقون كثيرا في كشف السحرة بسبب تسترهم بالتدين الزائف إلى أن تظهر بينة تكشف الساحر، والدجال المدعي للشرعية، وهذا يحتاج لجهات تحقيق وتحري مؤهلة لكشف السحرة وضبطهم متلبسين. فغياب الدور الأكاديمي والأمني من أهم العقبات التي تعيق المعالجين الشرعيين، مما يسهم في نشر الشرطيات التي تدمر العقيدة والمجتمع.
فإن كان السحر لا يضر المؤمن أو الكافر إلا بإذن الله تعالى لقوله تعالى: ﴿وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة ١٠٢]، فكذلك لا يبطل السحر إلا بإذن الله عز وجل، فيبطله بإذنه حتى بدون الأخذ بأي من الأسباب، حتى وإن كان المسحور كافرا، فمشيئة الله عز وجل لا تخضع للأسباب المخلوقة. حيث يمر السحر بعدة مراحل بداية من [صناعة السحر] ونهاية [بإبطال السحر]، فيبدأ بالشرك والكفر عند صناعته، ويعالج بالتوحيد حتى يبطل بإذن الله تعالى، بينما علاج السحر يقع في مرحلة انتقالية من الشرك إلى التوحيد، فبدون التوحيد لا يمكن [علاج السحر] طالما أن السحر تأسس على الشرك والكفر. حيث يمر السحر بعدة مراحل في مواجهة بين التوحيد والشرك وهي [صناعة السحر] - [أذى السحر] - [ضرر السحر] - [علاج السحر] - [فك السحر] - [إبطال السحر] فإن وحد المسحور ربه عز وجل فلم يشرك به شيئا وفق في علاجه، وإن أشرك فقد والى الشيطان والعياذ بالله.
_______________________
[1] الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب الصفحة أو الرقم : 3041 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره التخريج : أخرجه البزار (3578) واللفظ له، والدولابي في ((الكنى والأسماء)) (2083) مختصراً، والطبراني (18/162) (355) باختلاف يسير،
ــــــ تـابـع ــــــ
|