علم الملكين هاروت وماروت والدجال
الكاتب: بهاء الدين شلبي.
إن الدجال بعلم السحر مدعوما بعلم الملكين هاروت وماروت ينزل المطر وبه ينبت الأرض وبه يمنع ذلك كله .. فكلها أعمال سحرية فيما يخيل للرائي أنه يرى الشيء وهو ليس كذلك في حقيقته .. فالسحر مهما بلغت قوته فإنه لا يغير من سنن الله تعالى ولا يستبدلها .. لأن السحر خاضع بالكامل لسنن الله تعالى ويسير وفقها .. فالساحر يحرك السحر وفق سنن كونية علم أسرارها بينما خفيت عن غيره .. والسحر مهما تحكمت فيه إرادة الساحر المخلوق فإنه لا يعارض إرادة الله تعالى ولا ينازعه خصوصياته .. فضرر السحر لا يقع إلا بإذن الله تعالى .. لأن هذا كله بيد الله عز وجل وحده مما اختص به نفسه فهو المحيي المميت منزل الغيث .. ثم يزعم الدجال كذبا أنها آيات تدل على ألوهيته .. لا عجب في كذبه وهو الأفاك الأثيم .. فيجب أن نتنبه إلى أن أسحار الدجال ليست كباقي الأسحار المتعارف عليها في العالم .. فلا سحر يقارن بسحر الدجال مهما عظم شأنه .. فعظمة سحر الدجال تتفق مع عظمة فتنته .. لذلك سيفوق سحره إنجازات العلوم البشرية بمراحل فائقة .. فبمقارنة بسيطة بين أعمال الدجال السحرية وبين العلوم التقنية المعاصرة فإن أصحاب العقول الهوائية سيزدادون يقينا من ألوهيته .. لأن عقولهم أصابها الغرور بالعلم وفتنوا به .. فإن جاءت إنجازات الدجال فخرقت كل العلوم المعاصرة لاستيقن الكثيرون من ألوهيته .. وهذا هو الفخ المدبر من خفاء وبإحكام
فيجب أن نضع في اعتبارنا أن هناك علوم مدفونة تعرضت للإخفاء والتنحية على مدار عمر البشرية .. ولقد تعمدت جهات سيادية في العالم توارثت العمل على إخفاءها وملاحقة العلماء والتخلص منهم وتهميش إنجازاتهم العلمية .. حيث تم استبدالها بعلوم أخرى تسببت في إخضاع العالم كله لنظم اقتصادية وسياسية احتكارية .. فالنظام الربوي احتكر جميع المعاملات البشرية اليوم من خلال أوراق العملة التي لا تساوي قيمة الورق المطبوعة عليه .. وصارت الديمقراطية كنظام سياسي حكرا على الدول المتقدمة ومن يدور في فلكها من أذنابها .. مما عرض البشرية لعواقب وخيمة جراء تطبيقات تلك العلوم المعاصرة والتي نعاني منها اليوم أشد المعاناة من تغيرات في المناخ والطقس وتلوث للبيئة وظهور أمراض يشتبه أنها أمراض مصطنعة أو من عواقب الاعتماد على التقنيات الحديثة السلبيىة .. وتفشي تطبيقات كل تلك العلوم ما هي إلا خطوات تمهيدية لخروج الدجال وإخضاع العقل البشري لمفهوم تقني عصري يمكن تهميشه أمام أعمال الدجال السحرية
فخصوصية سحر الدجال تكمن في توظيفه في شبه آيات ربانية ليدلس بها على أصحاب الأهواء ومسايرة منه لسفهاء العقول إرضاءا منه لغرورهم ليثبت لهم أنه إله .. وشبه الآيات أو الآيات الكاذبة يلزم دحضها بآيات ربانية صادقة حقيقية معجزة لا يملك علم السحر ولا علم هاروت وماروت ولا علوم الإنس والجن مجتمعة الإتيان بشيء منها مهما تيسرت الأسباب .. يجب أن لا نغفل عن حقيقة أن أعمال الدجال يتحدى بها الله عز وجل وليس الهدف منها خداع جماعة سفهاء العقول من البشر .. فحرب الدجال الحقيقية ليست معنا كبشر .. وإنما حرب الدجال هي حرب صريحة مع الله تبارك وتعالى .. فإن كان الدجال يسعى بشتى السبل ليثبت أحقيته في الألوهية والعبودية فإن الله تبارك وتعالى قادر بآية واحدة على هزيمة الدجال ودحضه
ورغم أن الكون كله آيات تكذب الدجال إلا أن أعمال الدجال الكاذبة تحتاج في مقابلها إلى آيات صادقة خاصة لدحضها .. والآيات تحتاج إلى رسول يجريها الله عز وجل على يديه .. فيستمر الصراع بين الدجال وهذا الرسول منذ خروجه حتى مقتل الدجال .. فلا يعقل مطلقا أن يعيث الدجال بفتنته فسادا في الأرض ثم في نهاية المطاف ينزل المسيح عليه السلام ليقتله .. فالانتصار الحقيقي على الدجال ليس في قتله إنما في محاججته ووئد فتنته بآيات صادقة يجريها الله تعالى على يد رسول يبعثه لمواجهة فتنة الدجال .. ولا أرى هذا الرسول إلا الدابة المهدية عليها السلام فتحارب الدجال وتسوق الناس بعصاها من المفتونين بسحره فلا يجدون من بأسها ملاذا آمنا .. فالدابة عليها السلام تحارب السحر بعصاها كما حارب موسى عليه السلام السحر بعصاه
(تَخرجُ الدَّابَّةُ ومعها عَصَا موسَى علَيهِ السَّلامُ، وَخاتَمُ سُلَيْمانَ عليهِ السَّلامُ، فَتَخْطِمُ الكافِرَ قال عفَّانُ: أَنْفَ الكافِرِ - بالخاتَمِ، وَتَجْلُو وجهَ المؤْمنِ بِالعَصا، حتَّى إنَّ أهلَ الخِوانِ لَيَجْتَمِعُون على خِوانِهم، فيقولُ هَذا: يا مؤمِنُ، ويقولُ هَذا: يا كافِرُ)
الراوي: أبو هريرة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 15/80
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
ولا أرى حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه إلا نص محرف عن الدابة .. فهي المثبت في نصوص أخرى أنها صاحبة العصا تصنع بها الآيات والمعجزات .. ولكن التحريف في النص يشير إلى أن العصا لرجل وليست لامرأة .. فلا أحد من الرجال يقبل أن يختار الله امرأة عليهم .. واستخفاف بالمرأة جعلوا من الدابة بهيمة رغم أن صفاتها في الآية تشير إلى بشريتها وأنها امرأة وليست بهيمة ولا رجل
عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ( لا تقومُ الساعةُ، حتى يَخرُجَ رجلٌ من قَحطانَ، يَسوقُ الناسَ بعَصاه ) .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3517
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
إن آيات الله تبارك وتعالى خاضعة لعلمه عز وجل وعلمه معجز على الخلائق إدراكه والإحاطة به إلا بما شاء لقوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) [البقرة: 255] .. فعلم الله تبارك وتعالى [علم كوني] يقول للشيء كن فيكون قال تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل: 40] .. وإن آية واحدة من آياته لتطيش لها علوم الخلائق أجمعين وإن اجتمعت .. فلما ركب موسى مع الخضر عليهما السلام في السفينة (.. قال : ووقع عصفور على حرف السفينة ، فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى : ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله ، إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره .. )
الراوي: أبي بن كعب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4727
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
أما علم الخلائق فهو [علم إجرائي] يلزمه إعدادت وترتيبات .. فسحر الدجال يتم بعلم إجرائي فيعجز أن يقول للشيء كن فيكون .. بينما علم الله عز وجل خاضع لأمره فلا يحتاج إجراءات .. بدليل أنه قادر على تكرار الإحياء والإماتة عدة مرات قال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 104] .. وكذلك فالله تعالى قادر على أن يبدل جلود المعذبين في جهنم كلما نضجت يعيدها للحياة كما كانت قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 56].. وهذا لا يمكن لعلوم السحر ولا علم هاروت وماروت ولا علم الخلائق مجتمعين أن يأتوا به أبدا لأنها علوم إجرائية خاضعة للإعدادت والتجهيز والبحث والتجريب وعرضة للخطأ بين النظرية والتطبيق
لذلك محال على العلم أن يعيد تكرار أي تطبيق عدة مرات متتالية .. فيمكن للعلم تصنيع سيارة مثلا .. ثم بالعلم يتم تحطيمها .. لكن بعد تحطيمها يستحيل على العلم إعادة تدويرها وإرجاعها إلى سيرتها الأولى نفس السيارة السابقة تماما .. لذلك قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) [طه: 17؛ 21] .. فبقدرة الله عز وجل وعلمه جعل العصا حية تسعى .. ثم بقدرته وعلمه أعادها إلى سيرتها الأولى .. كما أنه يأتي بالشمس من المشرق فهو قادر على أن يأتي بها من المغرب وسيحدث هذا حين يأذن الله عز وجل .. لكن علوم الخلائق كلها مجتمعة تعجز تماما عن فعل هذا أو مواكبة علم الله عز وجل
لذلك يعجز الدجال عن الإتيان بآية حقيقية بدون إجراءات وإعدادات مسبقة ولو طلب منه أن يعيد تكراره نفس الآية لأخفق وفشل .. فهو يقتل رجلا ثم يحييه الله عز وجل فيزعم كذبا أنه من أحياه .. فيكفر به هذا الرجل ويشهد على أنه الدجال .. ثم يريد الدجال قتله مرة أخرى فلا يسلط عليه .. رغم أن إجراءات القتل ممكنة فهو عمل غير معجز مقارنة بالإحياء .. إلا أن الدجال سيعجز عن قتله مرة أخرى .. مما يفضح كذبه فعجزه عن الإحياء أولى من القتل .. مما يثبت أن الذي أحياه هو الله تبارك وتعالى وليس الدجال فيمنى بفضيحة نكراء تسود لها الوجوه
حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا حديثًا طويلًا عنِ الدجالِ ، فكان فيما يُحَدِّثُنا به أنه قال: ( يأتي الدجالُ ، وهو مُحَرَّمٌ عليه أن يَدخُلَ نِقابَ المدينةِ ، فيَنزِلُ بعضُ السِّباخِ التي تلي المدينةَ ، فيَخرُجُ إليه يومئذٍ رجلٌ ، وهو خيرُ الناسِ ، أو من خيارِ الناسِ ، فيقولُ : أشهَدُ أنك الدجالُ الذي حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثَه ، فيقولُ الدجالُ : أرأيتُم إن قتَلتُ هذا ثم أحيَيتُه ، هل تَشُّكونَ في الأمرِ ؟ فيقولونَ : لا ، فيَقتُلُه ، ثم يُحيِيه ، فيقولُ : واللهِ ما كنتُ فيك أشدَّ بصيرةٍ مني اليومَ ، فيريدُ الدجالُ أن يقتُلَه فلا يُسَلَّطُ عليه ) .
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7132
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
إن فتنة السحر تأتي من إحساس الساحر بأنه قادر بعلمه السحري على فعل كل ما يريد .. فتتعاظم عليه نفسه فيستغني بحوله وقوته عن الله تعالى فيكفر .. ومن إحساس المسحور بالعجز وشكه أن الله عز وجل قادر على إبطاله فيترك الأخذ بالأسباب ويركن إلى اليأس .. فتتصاغر إليه نفسه فيفتر عن الاستعانة بالله عز وجل .. وهكذا يكون قد حقق الشيطان مراده من الساحر والمسحور .. فالسحر كما أنه يكسب الساحر قوة فإنه يسلب المسحور قوته .. وفي الحقيقة أن القوة المكتسبة من السحر تدمر الساحر وتقضي عليه ذاتيا .. لذلك فالسحر ضرر محض لا نفع فيه ولا خير منه يرتجى .. وهذه القاعدة رسخ القرآن الكريم قواعدها في قوله تعالى: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ) [البقرة: 102] .. وهذه حقيقة يعلمها كل ساحر وعلى رأسهم الدجال .. أما القوة المسلوبة من المسحور فقد انتزعت منه بقدر الله تبارك وتعالى وبمشيئته .. وما السحر إلا مجرد سبب لتحقيق مشيئة الله عز وجل لقوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102]
فكلا من الساحر والمسحور تعرض عليه الشياطين فتنة السحر .. فالساحر تغريه الشياطين بعجائب السحر فإن فتن بها تعلمه وأفسد في الأرض .. فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه .. والشياطين تتسلط بالسحر على المسحور فإن فتن كفر بربه .. فمن فتن منهما فقد خسر خسرانا مبينا قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة: 102] .. ومن ثبت وصبر لم تضره فتنة السحر بإذن الله ما دامت السماوات والأرض
قالَ حُذَيفةُ : سمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقولُ (تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ)
الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 144
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فمن الواضح أن فتنة السحر عرضت على الدجال فأشربها قلبه .. لذلك صار قلبه (أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ) .. وإن بلغ سحره من القوة فبإذن الله فالفتنة تزداد شدة بزيادة افتتان الساحر حتى إذا أخذه الله لم يفلته .. لذلك فمن المستبعد تماما تصور سحر الدجال بدون أن يكون مدعوما بعلم الملكين هاروت وماروت .. فعلمهما فتنة لمن تعلمه وقلبه يحمل خفايا الخبث .. قال تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) [البقرة: 102] ومن خبث قلبه لن يصبر على فتنة القوة التي يكتسبها من علم الملكين هاروت وماروت فيفسد في الأرض .. وهذا هو حال الدجال عليه لعائن الله
كما أن العلم نعمة فإنه فتنة خاصة إذا تجاوز الإنسان حد الإحساس بالعجز وظن أنه قادر بعلمه على فعل ما يريد وهنا تبدأ نهايته .. حتى إذا بلغ الإنسان قمة الافتتان بقوته وعلمه أتاه أمر الله فيمحق حصاده .. قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) [يونس: 24] فإن كان من المتيسر جني ما زرعته بالأمس فلا تأمن على حصادك أن يدوم لغد .. لذلك أتوقع أن تكون نهاية الدجال وهو في أوج تعاليه وقمة سلطانه .. لتكون خاتمته آية مبهرة من الله عز وجل مخزية لأتباع الدجال ومعزة لأولياء الله تبارك وتعالى
لذلك فإن نقطة ضعف الساحر تكمن في عجزه عن الحفاظ على مكتسباته السحرية .. أما الآيات الربانية فلها صفة الدوام إلى ما شاء الله فلا تغيرها المؤثرات .. لذلك فإن عصا موسى عليه السلام التهمت كل حبال وعصي السحرة فلما فشلوا في الحفاظ على مصنوعاتهم السحرية وعجزوا عن استعادة حبالهم عصيهم وفقدوا غطاءهم السحري خروا سجدا لله تعالى من حينهم لقوله تعالى: (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ* فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) [الشعراء: 44؛ 46]
فنقطة ضعف المسيح الدجال أو أي ساحر هي عجزه عن الحفاظ على مكتسباته السحرية .. فهو يقتل الرجل الصالح ثم يحييه الله عز وجل ثم يريد قتله مرة أخرى فلا يمكن من ذلك .. بل وفي رواية صححها العلماء يقول صلى الله عليه وسلم ( .. ثم لا يسلط على غيرها .. ) أي أن الدجال سيمنعه الله عز وجل من أن يسلط بعد عجزه عن إعادة قتل هذا الرجل من قتل أي نفس أخرى بعد ذلك .. فما أقدر عليه الدجال بسحره من قبل سيعجز عن تكراره من بعد وهذا مما سيفضح حقيقته للناس جميعا
قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أنذرتكم المسيح _ قالها ثلاثا _ ألا إنه لم يكن قبلي نبي إلا أنذر أمته وخافه عليها ألا وإنه فيكم أيتها الأمة ألا وإنه آدم جعد ممسوح عينه اليسرى ألا إن معه جنة ونارا ألا وإن جنته نار وناره جنة وإن معه جبلا من خبز ونهرا من ماء ألا وإنه يمطر ولا ينبت الأرض ألا وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحيها ثم لا يسلط على غيرها ألا وإنه يمكث فيكم أربعين صباحا).
الراوي: رجل من الصحابة المحدث: الطحاوي - المصدر: شرح مشكل الآثار - الصفحة أو الرقم: 14/379
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالحفاظ على المكتسبات السحرية تستهلك من رصيد الساحر وقوته أكثر بكثير جدا مما يبذله في صنع سحره .. وإن أدخله المعالج الحاذق في هذه الدائرة فلن يخرج الساحر منها إلا بموته .. ومن هنا تأتي أهمية رقية [حبس الساحر] والتي صنفتها لتدخل الساحر في دوامة الدفاع عن نفسه .. فبدلا من أن كان الساحر في موضع الهجوم الدائم والمستمر على المريض فإذا به يستنفذ مخزونه السحري لحماية نفسه إلى أن تقضي عليه شياطينه بقتله
السحر علم وتقنية وصناعة قال تعالى: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ) [طه: 69] وتتعدد وتتنوع صور التقنيات وصناعة السحر إلى ما لا نهاية .. وأغلبها صور خفية عن أعين البشر العاديين .. لأن السحر يتم تطبيقه وتنفيذه في عالم الجن .. ثم تظهر تأثيراته في عالم الإنس .. فحبال السحرة وعصيهم جمادات لا روح فيها لتتحرك .. لكن بعلم السحر يمكن للشياطين تحريكها لتبدوا الجمادات وكأنها تحولت إلى كائنات حية تنبض بالحياة .. لكن السحر لا يحول الجمادات إلى كائنات حية .. فالسحر إفك وكذب والساحر أفاك وكذاب قال تعالى: (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الشعراء: 45] .. وقال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الأعراف: 117] فالساحر دجال وكذاب .. والمسيح الدجال في حقيقته مجرد ساحر لأنه لا يملك شيئا مما يدعيه لنفسه من ألوهية وربوبية .. وإنجازاته المزعومة كلها إفك لا يملك الحفاظ عليها
يجب أن نعي تماما؛ أن علم السحر متشعب الفروع ومتداخل في كل أمور الحياة خاصة العلوم والتقنيات الحديثة .. فمن العسير فهم طريقة عمل أغلب التقنية الحديثة بالغة التعقيد فهي في واقع الأمر خاضعة لعلوم وضعية أغلب من وضعها هم سحرة من أعوان الشيطان .. فأغلبهم يتبعون منظمات مشبوهة وذات انتماءات شيطانية .. لذلك فأغلب إن لم يكن كل التقنيات الحديثة ما هي إلا جزء من عمل الشيطان أوحى بأفكارها إلى أولياءه ومن ثم خرجت للعالم وانتشرت حتى صارت جزء من حياة البشر اليومية فلا يمكنهم الاستغناء عنها بحال من الأحوال
إن كانت تلك التقنيات من وحي الشيطان وعمله فحتما ولابد أن السحر كان هو وسيلة تسريب تلك الاختراعات من عالم الشياطين إلى عالم الإنس من خلال الوحي الشيطاني قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 112] .. وكانت النتيجة خضوع البشر للتقنية الحديثة وتحكمها في مسار حياتهم ومن هنا تمكنت الشياطين من اقتحام حياة البشر والسيطرة على كل جزء منها .. وعليه فالعلوم الحديثة ونتاجها ما هو إلا جزء من علوم السحر .. فالسحر لا يُوْجِد شيئا من عدم إنما السحر هو علم إعادة تشكيل الموجودات
فبواسطة التقنيات الحديثة من تلفاز وفضائيات وهواتف متطورة وحواسيب استطاعت الشياطين وتمكن أعوان الدجال من اختراق كل بيت وكل إنسان على وجه الأرض في بضع سنين .. مشكلة الناس أنهم يجهلون بأمر السحر وكل يفسره من منظوره الشخصي لا من رؤية معالج وشخص احتك بالسحر والسحرة وتصدى لهم سنين طوال .. لذلك فكل من يظهر على الفضائيات والتلفاز بغير استثناء شخص واحد منهم ما هم في حقيقة الأمر إلا أعوان للمسيح الدجال ومن جنوده وينفذون مخططاته كاملة وبمنتهى الدقة .. سواءا عليهم أدركوا هذا أم لم يدركوه .. وسواء أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر .. أو أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف .. فالإعلام لا يقدم الحق إلا مشوها وفي قوالب تم إعدادها مسبقا وفق معايير وضوابط تخدم مصالح خاصة .. فالظهور الإعلامي له فتنته التي تعمي القلوب وتغور الصدور فما ظهر في الإعلام عالم إلا وفتن وضرب قلبه وفتنت به الناس .. وما تنحى عنه عالم إلا حفظ الله عليه قلبه وإن غفل عنه الناس .. وبكل أسف صارت الناس لا تصغي إلا لذائعي الصيت والمشاهير فلا يميزوا حق من باطل وصاروا أتباع كل ناعق .. فلن يشنفوا آذانهم إلا لأئمة الضلالة حين خروج الدجال
فإن كانت السماء تمطر بإذن الله حيث يشاء .. فإنها بالتقنية الحديثة يمكن أن تمطر كذلك بإذن الله حيث يشاء البشر .. والفارق هو الأسباب فهناك أسباب ربانية لنزول المطر لا دخل لمخلوق بها .. وهناك أسباب شيطانية لنزول المطر خاضعة لإرادة الشيطان وأولياءه .. وكلاهما يتمان بإذن الله ومشيئته فلو شاء الله ما أمطرت السماء مهما فعلوا .. إذن فهناك علوم ربانية وعلوم شيطانية خاضعة لقوانين السحر ويتحكم فيها الشيطان .. وما مع الدجال ما هو إلا علوم وتقنيات غاية في التقدم ويجهلها البشرفيظنونها بجهلهم بها معجزات .. ولو علم الناس سر تنفيذها لانتفى لديهم أدنى شك في كونها معجزات ولاستيقنوا من كونها مجرد سحر
إذا كان علم السحر وعلم هاروت وماروت له حدود ينتهي عندها فإن العلم وحده غير كفيل بدحض أكاذيب الدجال وتدليساته .. فأشباه الآيات الكاذبة الميسرة من الله عز وجل لأراذل خلقه لا تدحض إلا بالآيات الصادقة المعجزة من الله عز وجل للمصطفين من أخيار خلقه .. وهذا ما تم بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون .. وهذا يلزم منه وجود شخصية يصطفيها الله تبارك وتعالى لتتصدى لفتن الدجال بالآيات الربانية فتبهته وتفضح كذبه .. فيتزامن ظهور هذه الشخصية المصطفاة مع زمن ظهور الدجال تخرج قبله وينتهي دورها بعده .. ومن حين خروجها إلى نهاية الدجال صراع مرير بينهما .. وإن كانت الدابة أولى علامات الساعة الكبرى فحتما ولا بد لن يظهر الدجال قبلها .. وإن كانت الدابة صاحبة آيات فهي بدون شك من ستتصدى لفتنة الدجال بما آتاها الله تعالى من آيات .. ورغم هذا لن يستيقن الناس بما معها من آيات بسبب مخالفتها لأهواءهم فيكفرون بها ويتبعون عدوها الدجال (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82] فسيكفر الناس بآيات الله تعالى ويؤمنون بأشباه الآيات لأن عقولهم وقلوبهم تعلقت بالدنيويات والحسيات التي أشبعهم بها الدجال حتى أتخمتهم الدنيا
من المستبعد أن يفتن الدجال أهل الأرض جميعا في حين لا يجد من يرد فتنته .. فلا يجوز بحال؛ القول في حق الله عز وجل أن يذر خلقه فريسة سائغة للدجال يضلهم دون أن يرسل من يتصدى له ولفتنته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور .. على الأقل رحمة من الله بعباده المؤمنين وتثبيتا منه لهم مصداقا لقوله تبارك وتعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: 15] .. وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) [القصص: 59] .. فليس هناك أعز على الخلق من إيمانهم بالله عز وجل فإن هم فقدوه فقد هلكوا هلاكا بَيِّنًا .. فتكفل الله عز وجل بإرسال الرسل في أزمنة الفتن لينقذهم من الهلاك قبل أن يقعوا فيه .. في الحقيقة أن الله عز وجل (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 9] فهذا لا يتعارض مع أن الله عز وجل بشر بإخراجه امرأة دابَّة تكلم الناس في آخر الزمان (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) [النمل: 82] هذا إذا وقع قول الله عليهم وظهرت الفتن
وإن كانت أعظم فتنة هي فتنة الدجال فإن الدابة عليها السلام هي أعظم وأجدر من يتصدى لفتنة الدجال .. امرأة مؤمنة ضد رجل كافر .. صادقة ضد كذاب .. مهدية بوحي من ربها ضد ضال مدعي الألوهية .. مرسلة بآيات من ربها ضد ساحر بآيات شيطانية .. فلو أخرج الله للسحرة رجلا رسولا يقضي عليهم وعلى سحرهم لهان الأمر عليهم وخفت المذلة في قلوبهم .. لكن عظم عليهم أن يرسل الله عليهم امرأة لتكون نهايتهم على يد أنثى .. وهم الذين كانوا يتعالون على المرأة بذكوريتهم فأذاقوها ويلات العذاب والمهانة .. بداية من إخراج حواء من سعادة الجنة بنعيمها وبهجتها بسحر إبليس ووساوسه .. وحتى إخراج الدابة من شقاء السحر ووساوسه بنقمته وآلامه
على سبيل المثال لا الحصر آية طلوع الشمس من مغربها .. وقد تحدى إبراهيم عليه السلام رجلا أتاه الله الملك فركبه الغرور كما ركب أهل زماننا .. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258]
وعلى ما يبدو أن هذا الرجل الذي آتاه الله عز وجل الملك كان ساحرا يميت الناس بالسحر بإذن الله ويحيي الموتى بالسحر بإذن الله ... وهذا مطابق تماما لما سيفعله الدجال .. فزعم لنفسه مثل ما هو منسوب فعله إلى الله تبارك وتعالى كما قال إبراهيم عليه السلام له: (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) وهنا لم يجاريه إبراهيم عليه السلام في إدعاءه الكاذب .. إنما ألجمه بحجة أشد إبهاتا له مما قبلها .. ولا يمكن للسحر أن يأتي بآية مثل التحكم في حركة الشمس لأنها مسخرة بأمر ربها وتسير وفق نظام رباني محكم فلا يمكن للسحر تغير مسارها أبدا .. فقال له إبراهيم: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) لذلك فطلوع الشمس من مغربها آية من الله تبارك وتعالى يقف أمامها السحرة عاجزين بسحرهم حتى وإن كان معهم علم هاروت وماروت .. نفهم من هذا أن علم الملكين له حدود يقف عندها ولا يمكنه تجاوزها بحال من الأحوال
ويساورني الشك كباحث أن (الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ) المذكور في الآية السابقة هو نفسه المسيح الدجال .. ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام (غيرُ الدجالِ أخوفُني عليكم . إن يخرج ، وأنا فيكم ، فأنا حَجيجُه دونَكم . وإن يخرج ، ولستُ فيكم ، فامرؤ حجيجٌ نفسَه . واللهُ خليفتي على كلِّ مسلمٍ ... ) إذن فمحاججة الدجال أي إقامة الحجة عليه أقامها عليه الرسل من قبل كما فعل إبراهيم عليه السلام (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) .. ولو خرج في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاججه وأقام عليه البينة .. ولكنه سيخرج آخر الزمان ليكون كل امرئ حجيج نفسه
فمن الممكن للدجال أن يظهر في كل زمن بشخصية مختلفة .. فهو سيظهر في آخر الزمان كملك وإله يعبد من دون الله عز وجل .. كيف نستبعد هذا الاحتمال وكل الأنبياء عليهم السلام حذروا أمتهم الدجال .. وكيف يحذر كل نبي أمته من الدجال إن كان موعد خروجه آخر الزمان فقط إلا أن يخرج الدجال فيهم؟! .. وهذا مما يرجح أن الدجال خرج في كل أمة قبلنا ليفتنها معاداة منه لله عز وجل وتكذيبا لرسله وإضلال لمن آمنوا من بعد هدى
(يا أَيُّها الناسُ ! إنها لم تكن فتنةٌ على وجهِ الأرضِ ، منذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدمَ أَعْظَمَ من فتنةِ الدَّجَّالِ ، وإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يَبْعَثْ نبيًّا إلا حَذَّرَ أُمَّتَه الدَّجَّالَ ، وأنا آخِرُ الأنبياءِ ، وأنتم آخِرُ الأُمَمِ ، وهو خارجٌ فيكم لا مَحالةَ ... )
الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875
خلاصة حكم المحدث: صحيح
يتحرى الباحثون عن الدجال في نصوص القرآن الكريم فلا يجدوا لكلمة الدجال معنا في كتاب الله تعالى حتى شك البعض في وجود الدجال .. ولن يجدوا له ذكر بهذا اللفظ في كتاب الله تعالى .. لأن طريقتهم في البحث خاطئة تماما .. فكلمة دجال لفظ عام أجمل صفات عديدة يتميز بها المسيح الدجال .. لذلك فالصواب أن نجد الدجال مذكورا بصفاته المختلفة لا بصفته المجملة ..
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الدجال معه ملكين .. ونجد أن الملائكة على أنقاب مكة والمدينة .. إذت فالدجال يبصر ما لا يبصره البشر من الملائكة والشواهد كثيرة منها
(.. وإني مُخبرُكم عني . إني أنا المسيحُ . وإني أوشك أن يُؤذَنَ لي في الخروجِ . فأخرج فأسيرُ في الأرضِ فلا أدَعُ قريةً إلا هبطتُها في أربعين ليلةً . غيرَ مكةَ وطَيبةَ . فهما مُحرَّمتانِ عليَّ . كلتاهما . كلما أردتُ أن أدخل واحدةً ، أو واحدًا منهما ، استقبلَني ملَكٌ بيدِه السَّيفُ صَلْتًا . يَصدُّني عنها . وإنَّ على كل نَقبٍ منها ملائكةً يحرسونها ..)
الراوي: فاطمة بنت قيس المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2942
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(ليس من بلدٍ إلا سيطؤُه الدَّجَّالُ، إلا مكةَ والمدينةَ، ليس له من نقابِها نَقبٌ إلا عليه الملائكةُ صافِّين يحرسونَها، ثم ترجفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رجفاتٍ، فيُخرِجُ اللهُ كلَّ كافرٍ ومنافقٍ).
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1881
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
(وإنه لا يَبْقَى شيءٌ من الأرضِ إلا وَطِئَه وظَهَر عليه ، إلا مكةَ والمدينةَ ، لا يأتِيهِما من نَقَب من أنقابِهِما إلا لَقِيَتْهُ الملائكةُ بالسيوفِ صَلْتَةً ..)
الراوي: أبو أمامة الباهلي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7875
خلاصة حكم المحدث: صحيح
دخَل بريدةُ المسجدَ ، ومحجنٌ على بابِ المسجدِ ، فقال بريدةُ - وكان فيه مزاحٌ - : يا محجنُ ألا تصلِّي كما يصلِّي سكبةُ ؟ فقال محجنٌ : إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذ بيدي ، فصعِد أُحُدًا ، فأشرَف على المدينةِ ، فقال : (ويلُ أمِّها مدينةٌ يدعُها أهلُها ، وهي أخيرُ ما كانتْ - أو أعمرُ - يأتيها الدجالُ فيجِدُ على كلِّ بابٍ مِن أبوابِها ملَكًا مصلتًا بجَناحَيه ، فلا يدخُلُها ) ..
الراوي: محجن بن الأدرع المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم: 1/112
خلاصة حكم المحدث: صحيح
إذن فلن يتمكن الدجال من دخول مكة والمدينة بعد أن أنهى طوافه بكل أرجاء الأرض وفتن العالم كله .. والذي سيمنعه من دخولهما هو ما يبصره من الملائكة فترده عنها .. وحين يعجز عن اقتحام المدينة بجيوشه فمحال أن يقر لأتباعه وجيشه بأن الملائكة تمنعه من دخولها .. وخروجا من هذا المأزق الحرج سيضطر مرغما لحصارها .. مما يشير إلى أن المدينة هي عاصمة الخلافة يومئذ لا في مكة ولا في دمشق حيث ذكرت بعض الروايات أن المسيح عليه السلام سينزل هناك ولا في القدس ولا في أي بلد آخر .. لأن كل هذه البلدان ستسقط تحت حكم الدجال وتتعبه فيما عدا مكة والمدينة .. نخلص من هذا أن للدجال صفة يتميز بها عن سائر البشر وهي قدرته على إبصار بما لا يبصره سائر البشر خاصة الملائكة .. ولو أننا تحرينا عن شخصية تحمل تلك الصفة في كتاب الله تعالى سنجد أنه السامري متوافق مع الدجال في تلك الصفة قال تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه: 95، 96]
إذن فإن علاج هذه الأسحار قد يحتاج علما لإبطاله ... ولكن هذا العلم وهو إلهام من الله عز وجل حتما ولا بد سيتوقف عند حد معين ولا يمكنه استمرار التصدي لهذا الخضم الكمي والكيفي من الأسحار .. لتأتي الآيات والمعجزات على يد الدابة لتنسف عصر العلم والتقنية الحديثة وتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الله عز وجل قادر على إبطال الأسحار بغير علم .. ولكن العلم في حقيقته سنة من سنن الله عز وجل في خلقه .. ولكنهم جحدوا نعمة الله هذه واغتروا بالعلم الذي لم ولن يغني عنهم شيئا .. وزعموا كذبا أن عصر العلم قضى على عصر المعجزات وأنها صارت مجرد ذكريات في ذمة التاريخ .. بل ركبهم الغرور حتى تطاولوا على المعجزات فبدؤوا يخضعونها للتفسيرات العلمية وهذا كفر بآيات الله العظيم لأن آيات الله تبارك وتعالى يعجز العقل البشري عن إدراك أسبابها وبالتالي سيفشل الإنسان في وضع تفسيرات لها .. وإلا فقدت الآيات صفة الإعجاز
لذلك فمن المنتظر ظهور شخصية تمتلك علم إبطال السحر وهذا له حدود يقف عندها .. إلى جانب شخصية أخرى تمتلك الآيات من الله عز وجل ولا أراها إلا الدابة عليها السلام .. وقد يجتمع لديها العلم والآيات معا .. بل أرجح إن كانت محبوسة بالسحر فسيقيض الله عز وجل لها صاحب علم يعالجها بما وهبه الله تبارك وتعالى من علم فيجتمعان معا لعلاج كل تلك الأسحار .. ولا أراه إلا الخليفة الراشد الذي سيبايع مكرها بين الركن والمقام .. فلا يوافيهما الأجل بعد ظهور آخر علامات الساعة المقترنة بخروج الدابة إلا وقد أبادت الدابة بإذن ربها كل تلك الأسحار وتطهرت الأرض من أسحار عصر الظلام والجور .. ليعمل من يأتوا بعدها في عصر النور والعدل على إعادة إعمار الأرض وفق ضوابط ربانية تؤسس لها الدابة ليكملوا نشر ما بدأته .. والله أعلم