نسخت كلام مهم جدا عن الحسد والغبطة من أحد أبحاث جند الله التي تناولت هذا الأمر
*******************
الحسد والإصابة بالعين: لن أتناول الحسد تناولا وعظيا، فهذا ليس بابه، إنما أريد فقط أن أبين مساوئ الحسد، وأكشف أحد أهم أضراره، وكيفية تسببه في الإصابة بالعين. فالحسد هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109]. وقال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) [النساء: 54]. وقد أمر الله تعالى بالتعوذ من شر الحاسد فقال: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [سورة الفلق].
والحسد أدناه الغبطة وهي تمني مثل نعمة غيرك، وأعلاه النقمة وهي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وذهابها إلى الحاسد، وأن تستبدل النعمة لدى المحسود بمصيبة، كما نقم فرعون من السحرة حين أسلموا، قال تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف: 123؛ 126]. فأراد أن يردهم عن نعمة الإسلام، ثم أبدلهم بها التعذيب والقتل، لذلك قالوا له: (وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا). وتمني متع الدنيا، والنظر والتطلع إليها، هو من الغبطة المذمومة والتي قد تفتن الإنسان لقوله تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 131].
والغبطة من الحسد المذموم، عدا في أمرين ذكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا حسدَ إلا في اثنتَينِ: رجلٌ علَّمه اللهُ القرآنَ فهو يَتلوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فسمِعه جارٌ له فقال: ليتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو يُهلِكُه في الحقِّ، فقال رجلٌ: ليتَني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعمِلتَ مِثلَ ما يَعمَلُ). () المقصود بقوله (لا حسدَ إلا في اثنتَينِ) أي الغبطة المحمودة، فهذا من الحسد المباح؛ أي تمني مثل نعمة غيرك، وما غير ذلك من الغبطة، فهو من الحسد المذموم. فالحسد والغبطة المباحة في تمني القيام بالعمل الصالح، لا في تمني الدنيا ومتاعها الزائل، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء. قال: ولقيت عبادة بن الصامت فحدثته بحديث معاذ، فقال: سمعت رسول الله يقول عن ربه تبارك وتعالى: حقت محبتي على المتحابين في، وحقت محبتي على المتناصحين في، وحقت محبتي على المتباذلين في، وهم على منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء والصديقون). () فالأنبياء والشهداء لن يتمنوا متاع الدنيا الزائل، ولكن مناهم في العمل الصالح، فقوله: (لا حسدَ إلا في اثنتَينِ) من باب المجاز البياني، لا من باب الحصر، وإلا فأبواب العمل الصالح لا حصر لها.
ولا يقتصر الحسد على التمني فقط، وإنما يشمل كذلك الأخذ بأسباب تحقيق هذه الأمنيات، من عداوة وبغضاء ومحاولات إزالة النعمة عن المحسود. إذن فالحسد آفة من أسوأ أمراض القلوب، وداء يصيب النفس البشرية، لقوله صلى الله عليه وسلم: (دبَّ إليْكم داءُ الأممِ قبلَكم الحسدُ والبغضاءُ، هيَ الحالقةُ، لا أقولُ تحلقُ الشَّعرَ، ولَكن تحلِقُ الدِّينَ. والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكم بما يثبِّتُ ذلِكَ لَكم؟! أفشوا السَّلامَ بينَكم). () وسلوك مشين يصدر عن الإنسان، فلا ينتفع معه بحسنات، بل يضيع الحسد الحسنات ويبددها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ الحسدَ يُطفِئُ نورَ الحسناتِ). () والحسد يفسد الإيمان، فيحسب الحاسد أنه صحيح الإيمان ويغتر بإيمانه، ولا يشعر أن إيمانه أفسده الحسد، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الحسَدُ يُفسدُ الإيمانَ، كَما يفسِدُ الصَّبرُ العسلَ). ()
إذا كان الشيطان مسؤول عن الإصابة بالعين، فإن الشيطان يستغل حسد ابن آدم فيندفع لتحويل الحسد من مجرد أمنيات شريرة إلى أذى حقيقي يصيب بالمحسود، فالعلاقة بين العين والشيطان والحسد ثابتة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ويحضر بها الشيطان، وحسد ابن آدم).() والشيطان يستغل أمراض القلوب إما ليسيطر على البشر وتوجهاتهم، فيحركهم بحسب هواه، وإما أن يبدد بها حسناتهم وكأنها لم تكن، وذلك من خلال بث البغضاء والكراهية بين المؤمنين، والتحريش بينهم، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الشَّيطانَ قد أيِسَ أن يعبُدَه المصلُّونَ في جزيرةِ العربِ ولَكنْ في التَّحريشِ بينَهم). () قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين تمني زوال النعمة والسعي في إزالتها، وبين البغضاء، أي شدة الكراهية، فقال: (دبَّ إليْكم داءُ الأممِ قبلَكم الحسدُ والبغضاءُ). والكراهية ضد الحب، والمحبة لا تتحقق إلا بالسلام والوئام بين الناس، لذلك قال: (والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكم بما يثبِّتُ ذلِكَ لَكم؟! أفشوا السَّلامَ بينَكم). فاتباع السلم والمحبة يعني تخلينا عن اتباع خطوات الشيطان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة: 208]. وخطوات الشيطان تؤدي بنا إلى الوقوع في العداوة والبغضاء قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء) [المائدة: 91]. ولنتنبه أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين ويحرش بينهم، ويغريهم ببعضهم البعض، لذلك نجد النزاعات على أشدها بينهم، فأمرنا أن نقول أحسن القول لرد كيد الشيطان، قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53].