06-17-2014, 05:25 AM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,836
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
لقد فتن الله تبارك وتعالى سليمان عليه السلام .. والفتنة هي اختبار من الله عز وجل لعباده .. فمن نجح في الفتنة وخرج منها سالم فقد عافاه الله عز وجل منها ونجاه .. ومن خرج منها خاسرا وهو مؤمن فإنها مطهرة له لأن السيئة تدفع المؤمن دفعا تجاه الكفارات والأعمال الصالحة
فبعض المنازل عند الله تبارك وتعالى لا يبلغها العبد بعمل صالح يعمله ولا بحسنات يكتسبها ولا باجتهاد يجتهده في العبادة ... لكن يبتليه الله عز وجل بما يكره من الألم والمعاناة .. واشد ما يكون الألم ألم المعصية ومرارتها .. لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرجلَ ليكونُ له عند اللهِ المنزلةَ ، فما يبلُغُها بعملٍ ، فما يزالُ اللهُ يبتليهِ بما يكرَهُ حتى يُبلِغُه إياها)
الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1599
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن رجاله ثقات
ومن جملة تلك الآلام ألم المعصية ... فالمعصية تورث في القلب ألما موجعا يعتصر قلب الإنسان المؤمن .. فيكابد مراراتها في قلبه كلما تذكرها .. فيبادر إلى عمل الحسنات بعضها تلو بعض أملا أن يغفر الله تبارك وتعالى .. لأن المؤمن حقا مهما عمل من الصالحات فإنها لا تتضاغر في عينيه وتتضائل فحسب .. بل المخلص لا يرى في حسناته حسنا أبدا مهما حسنها وجودها .. بل يراها عدما وكأنه لم يعمل خيرا في حياته قط .. فيستزيد من حسناته الواحدة تلو الأخرى عسى أن تكون التالية خير من سابقتها حتى يموت وهو على هذا الحال
لذلك فمن جملة الابتلاءات وقوع الإنسان في الفتن .. فإن سقط المؤمن في الفتنة ثم تنبه عمل لها من الحسنات ما يكفرها ويمحها .. ونار المعصية في القلب أشد إيلاما من نار الكي .. وآلام الكي تزول وألم المعصية باق لا يزول ولا ينتهي .. يظل العبد يكابد ألام المعصية في قلبه ما كان حيا .. فكلما تذكرها صرخ هلعا إلى الله عز وجل يجأر إليه بالتوبة والاستغفار والإنابة فيسارع في الخيرات يطفئ بها ما يحسه من نار المعصية في قلبه .. فإن كان الحياد عن طريق الله تعالى سهل ميسور فإن العودة إليه والإنابة أصعب وأشق .. ليست كلمة يقولها بلسانه .. ولا فعل يأتيه بجنانه .. فهذا أسهل ما يكون أن نقول ونفعل .. ولكن فعل القلب شاق لا ينتهي أبدا إنها مرارة المعصية .. والشرارة التي تقدح زناد الهمة وتحض على فعل الخيرات وترك المنكرات
إن كان الشيطان يتألم من كلمة توبة يقولها العبد .. أو فعله الكفارات .. فأحسب أنه يصرخ ألما من النار التي تكوي قلب العبد من الحين إلى الحين .. لأنها النيران التي تنفي الخبث من القلب وتطهره .. فمن لا يجد ألم المعصية في قلبه .. ولا يحمر وجهه خجلا منها كلما تذكرها .. فإنه لم ينتفع بتوبته .. ولن يجد للتوبة حلاوة .. فلألم المعصية في القلب حلاوة هي مرارة في قلب الشيطان
(ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ : أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ)
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 16
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
ونابَ فلانٌ إِلى اللّه تعالى، وأَنابَ إِليه إِنابةً، فهو مُنِـيبٌ: أَقْبَلَ وتابَ، ورجَع إِلى الطاعة؛ وقيل: نابَ لَزِمَ الطاعة، وأَنابَ: تابَ ورجَعَ.
وفي حديث الدعاءِ: وإِليك أَنَبْتُ. الإِنابةُ: الرجوعُ إِلى اللّه بالتَّوبة.
وفي التنزيل العزيز: (مُنِـيبين إِليه)؛ أَي راجعين إِلى ما أَمَرَ به، غير خارجين عن شيءٍ من أَمرِه.
وقوله عز وجل: (وأَنِـيبُوا إِلى ربكم وأَسْلِمُوا له)؛ أَي تُوبوا إِليه وارْجِعُوا، وقيل إِنها نزلتْ في قوم فُتِنُوا في دِينِهم، وعُذِّبُوا بمكة، فرجَعُوا عن الإِسلام، فقيل: إِنَّ هؤُلاء لا يُغْفَرُ لهم بعد رُجوعهم عن الإِسلام، فأَعْلم اللّهُ، عز وجل، أَنهم إِن تابوا وأَسلموا، غَفَرَ لهم.
أما من لا يجد للمعصية ألما في قلبه .. فقلبه مريض مستغرق في الشهوات متبع للشبهات لا يحق حقا ولا يبطل باطلا .. فقلبه كالإسفنجة الجافة تتشرب كل ما يقابلها من فتن وشهوات .. لأنه متبع لهوى قلبه معرض عما خالف هواه من الحق
(تُعرَضُ الفتنُ علَى القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ سَوداءُ وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيهِ نُكتةٌ بَيضاءُ حتَّى تصيرَ علَى قلبَينِ علَى أبيضَ مِثلِ الصَّفا فلا تضرُّهُ فتنةٌ ما دامتِ السَّماواتُ والأرضُ والآخرُ أسوَدُ مُربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ).
الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 144
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالشهوات والشبهات تعمي البصيرة فلا يرى الإنسان في ذنوبه معصية .. لأنها تجعل بينه وبين المعاصي غمامة من المبررات على عينيه .. فمهما جمعت له من النصوص والأدلة لتبصره بها فلن يرى في ذنبه معصية .. فيكيل لمن ينصحه التهم تارة بالتصريح وأخرى بالتلميح والغمز واللمز .. بل قد يتهمه بما هو به مدان قال تعالى: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [النساء: 112]
|