08-10-2014, 01:46 PM
|
المدير
|
|
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,835
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
من الواضح وبجلاء من ظاهر النص القرآني أن شخصية سليمان عليه السلام كانت معروفة لبلقيس وقومها .. فأول ما وصلتها الرسالة علمت من هو وما هو الإسلام .. فلم تكن بحاجة إلى تعريف بكل هذا
قال تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل: 29؛ 31]
انظروا إلى أسلوبها الراقي وهي كانت لا تزال مشركة .. وتأملوا معي حسن تلقيها الخطاب فنعتته بقولها (كِتَابٌ كَرِيمٌ) .. فلم تسيء التعليق .. ولم تتكبر ولم تتعالى .. وهذه من الأخلاقيات العظيمة التي يفتقدها المسلمون اليوم .. فبمجرد أن يوجه مسلم لمسلم نصيحة حتى يكاد الآخر أن يسطو عليه ويفتك بكبده فتك الضواري
ولم يأخذها الغرور بقوتها وجيشها رغم أنهم أولي قوة وبأس شديد .. وكيف كانت رحيمة بقومها فلم تورطهم في حرب قد تفسد عليهم أمنهم وتعكر صفوهم واستقرارهم كما يفعل ساستنا وحكامنا اليوم .. (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل: 33، 34]
وعلى العكس من هذا تماما؛ سنجد أن سليمان عليه السلام لم يحط علما بوجود ملكة سبأ ولا بملكها ولا عرشها العظيم على حد الوصف القرآني له .. حتى حدثت القصة بينه وبين الهدهد وأخبره بما أحاط به علما لم يحط به سليمان عليه السلام
قال تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) [النمل: 22، 23]
فلو كانت بلقيس امرأة إنسية لبلغ سليمان عليه السلام خبرها .. ولعلم بوجود قومها ونسبهم وأصولهم .. ولأدرك مدى قوتهم وسلطانهم .. لكن عدم إحاطته بكل هذه الأمور يؤكد أن خبرها كان مغيبا عنه في عالم آخر خفي عنه .. ألا وهو عالم الجن .. حتى أخبره أحد الجن وهو الهدهد بنبأها ونبأ قومها
فتنبهوا معي لأمر جدير بالأهمية إلى رحلة الهدهد الطويلة علينا كبشر القصيرة على الجن ..
الرحلة الأولى: انطلق الهدهد من ملك سليمان عليه السلام إلى ملك سبأ حتى اكتشف غيابه وتوعده حين مجيئه (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [النمل: 20، 21]
الرحلة الثانية: عاد الهدهد من مملكة سبأ حتى وصل إلى ملك سليمان عليه السلام قال تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل: 22]
الرحلة الثالثة: انطلق الهدهد بخطاب سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ قال تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل: 29؛ 31] .. فقررت إرسال هدية له قال تعالى: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل: 36]
الرحلة الرابعة: رجع الهدهد بخبر القوم إلى سليمان عليه السلام بعد أن قررت إرسال هدية له (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) [النمل: 36]
الرحلة الخامسة: رجع إلى قوم سبأ بالتهديد والوعيد (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) [النمل: 37]
الرحلة السادسة: رجع إلى سليمان عليه السلام بخبر قدوم القوم في الطريق إليه .. فلما علم بقدومهم طلب من ملأه إحضار عرشها بسرعة قبل وصولهم (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل: 38]
ست رحلات بين مملكة سليمان عليه السلام وبين مملكة سبأ .. لو كان هذا الهدهد طيرا إنسيا لاستغرقت هذه الرحلات الست سنوات طوال ولمات قبل أن يكملها وهو يقطع الصحارى والقفار بلا طعام ولا ماء .. مما يدل على أن هذه الرحلات كانت قصيرة جدا ربما لم تتعدى اليوم أو اليومين إن لم يكن ساعات قبل انتهاء سليمان عليه السلام من الاجتماع بملأه .. وهذه القدرة العجيبة والفائقة تليق بهدهد من الجن لا بهدهد من طيور الإنس
|