#1
|
|||||||
|
|||||||
حصري: أهمية عقد جلسات العلاج
أهمية عقد جلسات العلاج الكاتب: بهاء الدين شلبي. إن كتب العلاج على كثرتها ليس من بينها ما يصلح كمرجعية علمية في تقنيات العلاج وفنونه، وهذه حقيقة يجب الوقوف عليها، والاعتراف بها، ولا مجاملات لأحد على حساب الدين والشرع، خاصة عندما نقرأ في بعض الكتب عرض لطريقة أو عدة طرق لعلاج نوع من أنواع السحر، أو إدراج ما اصطلح عليه بالرقية الشرعية تحت عنوان مغري جذاب (عالج نفسك بنفسك)، وأن هذه الطريقة شافية ومجربة، وكأنه سرًا خفي على الأمة وعلمه هذا المؤلف فأخرجه للناس، فإبطال السحر ليس في يد المعالج بل بيد الله وحده، ولكن المعالج يتعامل مع الشيطان الموكل بالسحر بإبطال السحر أولاً، ثم مواجهة الشيطان بما يلائمه من معاملة، من خلال الدعاء عليه بدعاء منظم مدروس، يوافق ما عليه الشيطان من حال، وهذه المعركة على هذا النحو تستغرق زمنًا قد يطول أو يقصر، حسب قوة الشيطان وشدة سحره، فإبطال السحر ليس بالأمر العضال كما نظن، بل أيسر شيء في العلاج هو إبطال السحر، لأنه كما قلنا إبطال السحر من خصوصيات الله وحده، وهذا يتم بقراءة المعوذات والدعاء، ولا يحتاج أكثر من هذا، ولكن الشيطان لن يترك لك السحر بمحتوياته ومكوناته بلا حماية منه ومن جنوده، إذًا فالذي يحول بينك وبين إبطال السحر هو الشيطان، لأنه هو وجنوده الطاقة الفاعلة والمنفذة لأمر التكليف. فعلاج المس والسحر يختلف من حالة للأخرى، ومن مريض للآخر، فنوع السحر هو مجرد تنفيذ الجن الأمر التكليف كسحر التفريق والربط والجنون، ودور المعالج هو التدخل لمنع الجن من أداء دوره المكلف به، فالمعالج لا يتعامل فقط مع نوع من أنواع السحر أو المس، ولكنه بالإضافة إلى ذلك هو يتعامل مع أنواع الجن بمختلف قدراتهم، فالحالة الواحدة تختلف في كيفية التعامل معها بين لحظة وأخرى، فقد يكون هناك عشر حالات مس أو سحر من نوع واحد كسحر الربط مثلاً، فتعالج كل حالة ربط بطريقة مختلفة عن الأخرى، تبعًا لنوع الجن ودينه وخبرته وقوته وليس لكونه سحر ربط فقط. فلكل حالة ظروفها الخاصة، والمريض ليس مؤهلاً دائمًا لمواجهة كل أنواع الجن والشياطين، وإلا فلا حاجة بالمريض إلى المعالج طالما توفرت طرق ثابتة للعلاج، أو آيات أو سور بعينها إذا رتلها المريض شفي، فلا سند شرعي يدعم مثل هذه الاجتهادات، وإلا فهذا استدراك على الشرع، وحصر لطرق مواجهة الشيطان المختلفة كما هو مسرود في السنة ومستنبط منها، لذلك يجب أن نقف على أمر هام أن التعامل مع الأبالسة والشياطين بحاجة إلى علم خاص، ولا يقف عند مجرد حدود تلاوة القرآن وترديد الأدعية بدون استيعاب لمعانيها ودلالتها، وزيادة في الإيضاح؛ سأذكر عدة نماذج على سبيل المثال لا الحصر، لنستوعب جميعًا أن العلاج علم مستنبط من الكتاب والسنة، وأنه يعتمد على توظيف الرقية وفقًا لخبرة المعالج بخصائص الجن. النموذج الأول: فقد يكون الجن من النوع الطيار، وهذا استنادًا إلى ماورد في السنة أن من الجن صنف لهم أجنحة، فعن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجن على ثلاثة أصناف، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون)، ( ) وهذا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، فيهرب من الرقية قبل بداية الجلسة، لذلك يجب أن تكون الجلسة فجائية، ومن علامات حضور الجن الطيار أن ترى المريض يحرك عظمتي اللوح في حركة شبه دائرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الدعاء عليه بقوله تعالى: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31]، ولكن لا نركن إلى تركيز الدعاء على الجناحين، لأنهما من أسباب قوته، أما نقطة ضعفه فهي إحدى ركبتيه! وتتفاوت قوة الجن الطيار، فمنهم السحرة وهم أصعب في التعامل، بسبب قوة سحره المضافة إلى قدرته على الطيران، وهذا مما علمناه بالخبرة والممارسة، ولا سند له في الكتاب أو السنة. النموذج الثاني: وقد يكون جنًا من النوع الغواص والشاهد من قوله تعالى: (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ) [الأنبياء: 82]، وقال تعالى: (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ) [ص: 37]، وعليه فحياة الجن الغواص وقوته مرتبطة بالماء مثله كمثل الأسماك، لذلك يجب أن يدعو المعالج بجفاف الماء حتى يضعف الجن فيمكن السيطرة عليه، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الدعاء بقوله تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِى مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِىَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود: 44]، ومن علامات حضوره أن ترى المريض يضم زراعه بحذاء جانبيه، مع التفريج بين أصابع يده، ومد الساق والقدمين إلى الأمام مع ضمهما، ونقطة ضعفه في قدميه، وقد يرى المريض في مناماته أنه يغوص في البحر. النموذج الثالث: وفي بعض الحالات يصاب المريض بصداع شديد أثناء الرقية، ويزداد الإحساس بالألم كلما استمر المعالج في الرقية، وهنا يجب التوقف فورًا عن الرقية، مع ترديد الآذان لطرد الشيطان حتى يتوقف الصداع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر..)،( ) وما يحدث أن الجن في هذه الحالة يشد بعض الأعصاب في المخ، فكلما استمر المعالج في التلاوة ازداد الجن شدًا، فيزداد إحساس المريض بالصداع، وإن لم يطرده المعالج بترديد الآذان فقد يصاب المريض بسوء، فربما أصابه بشلل أو أودى بحياته، وهذا يوضح أهمية المرجعية الشرعية في بيان ما نواجه به الشيطان، ثم يأتي دور التطبيق والتجريب. النموذج الرابع: وقد يشعر المريض بتنميل في يده اليمنى، فالمنطقي أن يقرأ على اليد أو الجانب الذي يؤلم المريض، ولكن الخبرة تقول خلاف هذا، وهنا يقرأ على اليد اليسرى وليس على اليد اليمنى، وبالتدريج سوف يشعر بالتنميل في اليد اليسرى مع اليد اليمنى، فليستمر أيضًا في القراءة على اليد اليسرى، وعندها سوف يضيع التنميل تمامًا من اليد اليمنى، ثم يستمر في القراءة على اليد اليسرى حتى يختفي التنميل منها تمامًا، فإن عاد ظهور التنميل في اليد اليمنى فهذا يعني أن هناك مددًا جديد، وهذا جربناه مرات لا تحصى، وليس له دليل من الكتاب والسنة، ولكن عرفناه بالخبرة والتجربة فقط. ولتفهم السر في تركيز الدعاء على الجهة اليسرى من جسد المريض رغم أن الألم في الجهة اليمنى، نستطيع القول بأن الشيطان يستخدم الجانب الشمال من جسده، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله).( ) وهذا خلاف طبيعة البشر الذين يعتمدون على الجانب الأيمن من جسدهم، وهو أقوى من الجانب الأيسر قوة وتحمل. فلك أن تتخيل أنك تحمل حجرين حجرًا في يدك اليمنى، والآخر في اليد اليسرى، على أن يكون وزنهما واحد، ومد يديك بهما، ثم انتظر ساعة من الزمن، فستبدأ يدك اليسرى في التعب قبل اليمنى، فإذا قاومت واسمررت مادًا يديك فسوف تبدأ يدك اليمنى في التعب، وهنا ستشعر بتعب يديك معًا، فإذا تحاملت على نفسك فستعجز يدك اليسرى أولاً عن حمل الحجر، وسيسقط منك الحجر، فإذا استمررت في حمل الحجر الآخر بيدك اليمنى فسوف يسقط منك بعد ذلك. وهذا تمامًا ما يحدث مع الشيطان، مع عكس المسألة فاليد اليمنى ستضعف أولاً، ثم اليدين معًا، وأخيرًا ستتعب اليد اليسرى، لأنها أقوى عنده من اليمنى وأقدر على التحمل، وهذا يشمل الجانب الأيسر من الشيطان، فمن الممكن أن تقرأ على اليد اليمنى مباشرة، ولكن هذه الطريقة لها سلبياتها، فإما يطول بك الوقت حتى يسكن الألم، وإما سيختفي الألم مؤقتًا، لكنه سوف يعود مرة أخرى، وهذا علاج غير عملي، لذلك فالعلاج بهذه الطريقة سوف ينهي الألم بصورة جذرية، وسيحصر قدرات الشيطان في أضيق نطاق ممكن، وهذه الطريقة مستنبطة من السنة المطهرة كما سبق وبينا، ونتائجها مجربة وناجحة دائمًا. ومثل هذا الموقف يوظف معه الدعاء والرقية المناسبة، وعلى سبيل المثال يرقى بقوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الاَّوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الاَّوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الواقعة: 41: 56]، إذًا فالعلاج بالرقية ليس أمرًا عشوائيًا، بقدر ما هو أمر دقيق ومنظم جدًا، بحيث يعتمد على حسن اختيار المعالج للآيات القرآنية، ومناسبتها لكل موقف يواجهه. النموذج الخامس: وفي بعض الحالات يكون على الجسد أحد ملوك الجن، فقد يكون الملك قويًا أو ضعيفًا، فإن كان قويًا تدرع بجنوده الضعفاء من تأثير القرآن النازل عليه، فيرسلهم على المريض باستمرار في منامه وأثناء الجلسات، فيدعمهم بطاقته السحرية المستمدة من إبليس، فمدد إبليس سر قوة الملك، وسحر الملك سر صمود جنوده، فيجب الدعاء على مدد إبليس أولاً، ثم على الجنود، وبالتالي سيضعف الملك مع مرور الوقت، وسيكون مضطرًا للخروج من مخبأه، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الدعاء بقوله تعالى: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) [الشعراء: 91: 95]. وإن كان الملك ضعيفًا ظهر للمريض في منامه وفي الجلسات بنفسه، وستر جنوده حفاظًا عليهم من الموت، فالجنود سبب قوة الملك، ليتحركوا في الخفاء متسترين بالملك فيطول العلاج، وهنا يجب الدعاء على الملك الضعيف فتهب جنوده لنجدته فيهلكوا أو يفروا ويتركوه، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الدعاء بقوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26]، فالقاعدة: (ادعوا على الضعيف يضعف القوي)، وهذه واحدة من استراتيجيات التعامل الجن وليست كلها بالطبع، فقوة الملك تكون على قدر طاقته السحرية، فإذا نفذت تخلى عنه إبليس، لذلك فسورة (البقرة) عامود العلاج لأنها المضادة للسحرة، فالعلاج بحاجة إلى حسن توظيف الدعاء المدروس المعنى والدلالة وموافقته لواقع الحالة. النموذج السادس: وقد يضغط الجن على مركز الإبصار فيصيب عين المريض بألآم مبرحة، وعندها يجب القراءة على قافية رأس المريض عند مركز الإبصار، حيث يسيطر الجن على مركز الإبصار، فمن غير المفيد القراءة على عين المريض، فلن تحصل على النتائج المرجوة، لأنك تقرأ في المكان الخطأ بعيدًا عن موقع الجن فلا يتأثر بقراءتك، ولكن إذا قرأت على مكانه بالنية أو بالإشارة لذهب الألم عن المريض بفضل الله. الدكتور حسين اللبيدي يتحدث عن مركز الإبصار في المخ فيقول: (هي منطقة تقع في الفص الخلفي من القشرة المخية، وفيها تتم عملية الإحساس والإدراك البصري العاقل، ولها أيضًا اتصالات وامتدات لمناطق لمناطق أخرى أهمها في هذا البحث الامتدات الذي يتجه ناحية منطقة البيان وتشكل العين أداة نقل المؤثرات البصرية إلى هذه المنطقة المخية حيث يتم فيها الإدراكات البصرية العاقلة).( ) ويضيف متشهدًا بقوله تعالى: (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]، فيقول: (آيات القرآن الكريم فصلت بين الأعضاء (العين، والأذن) وبين المصدر (السمع، والبصر) وفي صنعة الله ما يطابق ذلك فهناك أعضاء للحس لاستقبال المؤثرات الحسية، وهناك مراكز داخل المخ البشري تتم فيها عملية الإدراك والفهم لهذه المؤثرات. ومن ناحية أخرى نجد أن الحق سبحانه رتب في الآيات، العين قبل الأذن والسمع قبل البصر في كل القرآن، وها هو العلم اليقيني قد أثبت أنه بينما تتقدم العين الأذن في رأس الإنسان، فإننا نجد عكس الترتيب مع المراكز، فمركز السمع يتقدم مركز الإبصار في قشرة المخ البشرية). ( ) وهذا جزء يسير من الفوائد التي عرفناها بفضل الأبحاث العلمية والدراسات الحديثة التي بينت وظائف المخ، ورسمت خريطة المخ، وبينت مركز كل حاسة، ومسارات الأعصاب في الجسد، وهذا مما ساعد كثيرًا في فهم مسارات الجن وتتبع حركته في الجسد، مما أسهم في تطور أساليب علاج المس والسحر، وساعد كثيرًا في سرعة الشفاء، وبالتالي علاج الحالات الصعبة والمعقدة، نتيجة لبيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وهذا يؤكد أهمية دور العلم في نجاح العلاج، لذلك فالمعالج الأمي وخاصة من يستعين بالجن لم يعد له مكان بين المعالجين المطلعين والدارسين، لأن البحث العلمي والدراسة يغنون عنهم تمامًا. وهذا يؤكد أن علاج المس والسحر، وعموم التعامل مع الجن لا يكفي فيه الدعاء والرقية فقط، بل لا بد أن يجتمع إلى جانب الدعاء العلم والخبرة وفهم تحركات الجن والدراية بنقاط ضعفهم ومراكز قوتهم، من أجل حسن توظيف الدعاء، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج العين في أماكن محددة من الجسد دون غيرها، وفي حديث آخر أمر بوضع اليد على موضع الألم من الجسد، فعن عثمان بن أبي العاص الثقفي أن النبي قال: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر). ( ) النموذج السابع: هناك أمورًا قد تحدث للمريض خارج ما ورد ذكره في الكتاب والسنة، وهذا ندركه بالخبرة والممارسة، بشرط أن لا تتعارض مع نص تشريعي صريح، فقد يضغط الجن على الكلية أو المثانة فيصيب المريض بالصداع، وهنا لا يقرأ على رأس المريض، ولكن يقرأ على بطنه حيث يقع الجن، وهذا لا دليل عليه من الكتاب أو السنة، ولكن هناك ما يعرفه الأطباء بالعصب الحائر، (وهو عصب وهو عصب لا إرادي يمتد من قاع الجمجمة في مسار طويل، مارًا بالرقبة والقلب والمعدة والحوصلة لمرارية حتى القولون، ثم يتصل بطريق غير مباشر بالأعضاء التناسلية، وفي المرأة يمتد هذا الاتصال إلى الرحم والثلث الأعلى من قناة المهبل). ( ) وعلى هذا فهو عصب يمر بجميع الأماكن التي يتألم منها المريض، والجن لهم عمل مخصوص مع هذا العصب، فبالضغط عليه يتسبب في آلام في الرأس، فيظن المعالج الضحل الخبرة أن عليه رقية رأس المريض، وهذا تلاعب من الشيطان به، وكما سبق وبينا لأنه لا دليل عليه.نصيحة: وقد يفر الجن من تأثير القرآن النازل عليه فيختبأ في الأماكن النجسة من الجسد كالمثانة البولية، أو في داخل الإحليل، ( ) على طول مجرى البول سواء عند الرجل أو المرأة، أو في داخل المستقيم عند فتحة الشرج، وسيشعر المريض بوجود آلام مختلفة في هذه الأماكن، وربما اختبأ في الرحم، وسواء شعرت المريضة بوجوده في الرحم أم لم تشعر فيمكن للمعالج رقيتها بقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222]، فقد يؤرقه ترديد الآية ويرتعد في مكانه ويفتضح أمره، فستشعر المريضة بحركته في جوفها، وكأنها صارت حاملاً بجنين يتحرك في رحمها، وربما خرج من مخبأه ليحضر على الجسد، وهنا يقرأ بالنية أو بالإشارة إلى هذه الأماكن، وبالتأكيد ليس بوضع يد المعالج على مكمن الجن، كما يفعل الدجالون فيستحلون ما لا يحل لهم لمسه، فلمس المعالج للمريض ليس شرطًا لنفاذ الرقية وتأثيرها. نصيحة: إذا ظهرت أعراض المس على من لم يبلغ الحلم بعد، قرأ على الأم وليس على الابن، فيشفى الطفل بإذن الله، وهذا لأن الأم مخزن ينتقل منه الجن إلى الأولاد، ولا يحدث العكس، فإذا قرأ على الابن هرب الجن من جسده إلى مخزنه الأصلي أي جسد الأم، وقد يستمر وجود الجن في الأولاد إلى ما بعد البلوغ، فإذا شك المعالج في وجود صلة بين ما يشكو منه الابن وبين أمه قرأ عليهما معًا، فيستهل الجن صارخًا على جسد الأم، رغم أن الابن هو الذي يشتكي، وهذا عرفناه بالتجربة المحضة ولا دليل شرعي عليه، بل على العكس من ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم عالج عدة أطفال بدون علاج أمهاتهم، فربما كان هذا من خصائص النبوة، والله تعالى أعلى وأعلم. نصيحة: ونفس ما ذكرناه ينطبق على الزوجين فيتنقل الجن بين الزوج ووجته، ويتعسر حصاره، ففي بعض الحالات قد تكون المرأة مصابة بمس عشق فيعقد الخبيث زوجها عنها، فيظن الزوج أنه صنع له (سحر ربط)، فيحل ربط الزوج إذا عولجت الزوجة، وفي مثل هذه الحالات يجب الكشف على الزوجين معًا ليتبين المعالج حقيقة الأمر، وليس بالاستعانة بالكهنة والشياطين. نصيحة: وقد يعلم الساحر بأن المريض يعالج، ولو من خلال أعوانه من الجن، فيصنع له ما يسمى (سحر إرسال)، فيقوم الساحر بتحضير شياطين جدد بالكفريات والنجاسات عن طريق الحمام خصوصًا، فهذا السحر من نوع (السحر الشعبي) والذي يزاوله العوام بأنفسهم، فيقوم الساحر بإرسال هذا المدد إلى جسد المريض أولاً بأول، فكلما مات أحدهم أو خرج أرسل بدلاً منه آخرين، وأحيانًا يصنع له (سحر تلجيم) فيتعذر على المريض فتح فمه، فيمتنع عن تناول الطعام وعن الكلام، وذلك خشية أن ينطق الجن باسم الساحر أو المسحور لأجله، أو يصنع له (سحر بكم) فإذا حضر الجن على المريض التصق لسان المريض بسقف حلقه، فإذا نطق تلعثم كالأبكم، وهذا معروف بين المعالجين، ولا دليل عليه سوى الخبرة والتجربة. وهذا غيض من فيض من أسرار التعامل مع الجن والشياطين، والذي تحكمه الخبرة والممارسة الطويلة، وهو من الخبرات المتداولة بين المعالجين، ولا أظن أنها تخفى على أحد منهم، اللهم إلا المبتدؤن، ومع هذا لم يصدر إلى الآن كتاب واحد بين مثل هذه الحقائق مجتمعة وفصلها تفصيلاً علميًا، حتى صار مفهوم العلاج طلسمًا عجز أعقل العقلاء عن فهمه، فظنوا أن العلاج مجرد رجل صالح وتلاوة القرآن الكريم والدعاء، وشيء من جهد المريض لا غير، وهذا فهم قاصر لمضمون العلاج. نصيحة: ولتبديد هذه المفاهيم من الأذهان كنت في بعض الحالات أرشد المريض إلى كيفية التعامل مع حالته بنفسه حسب تطوراتها، وأترك له مواجهة الشيطان إلى أن يأتي دوري في مواجهة الأمور الصعبة التي تحتاج إلى مراوغة الشيطان وفقه المعالج، وأحيانًا أطلب من أهل المريض مساعدتي في العلاج، فأقول: افعل كذا، وافعل كذا، وردد ورائي كذا، ثم اتركه يباشر هذا بنفسه وأصحح أخطائه عن بعد، ليروا بأنفسهم النتائج المذهلة، وهذا مما يبعث على البهجة، ويدخل السرور على قلب المريض وأهله، لأنهم يستشعرون أن فضل الله أعم وأشمل، وغير قاصر على المعالج وحده، وليعلم أن العلاج علم وخبرة، وليس ناشئًا عن خصوصية أو ميزة للمعالج، وبذلك أنسف صلة العلاج بالمفاهيم الخرافية التي أحاطت بالأفعال الدجلية. وعلى سبيل المثال فكنت أعالج سيدة عجوز تجاوزت السبعين من عمرها، فطلب مني حفيدها البالغ من العمر اثنتي عشر عامًا أن أعلمه العلاج، فتبسمت في وجهه ضاحكًا، وقلت له: لا مانع يا شيخ .. ضع يديك على رأسها.. أغمض عينيك ولا تفكر إلا في الله سبحانه وتعالى .. فهل أنت مستعد الآن؟ أجاب: نعم، قلت له: ابدأ الآن في ترتيل آية الكرسي، وبالفعل بدأ في الترتيل، وما هي إلا ثوان معدودة حتى زلزل الله كل من في جسدها من الجن زلزالاً شديدًا، ففرح هذا الفتى الصغير وزاد حماسه للدين أكثر. فلا يشغلني كثيرًا أن يشفى المريض لأنه أمر مقدر، ولكن ما يهمني ويؤرقني هو إدراك الأسباب والكيفيات التي تم بسببها شفاء المريض، لأتبعها في المرات القادمة فيشفى المريض بخطوات سريعة صائبة، وبجهد أكثر تركيزًا، لأن التعامل مع الجن مبني على العلم وليس على الجهل، فهو علم يعتمد على غيبيات إلى جانب مشاهدات مدركة بالحواس. نصيحة: وهذا يرد القول الشائع (عالج نفسك بنفسك)، فالجن ليس أعجم كالجراثيم والميكروبات، أو جمادًا كأجهزة الجسم المعطوبة، حيث نتعامل معهم بالدواء والرقية فقط، ولكن الشيطان كائن حي عاقل شديد المكر والدهاء، فلن يقف مكتوف اليدين وهو يرى تأثير القرآن والدعاء نازل عليه، ولكنه سيحاور ويداور أملاً في الخلاص من هذا العذاب، فالشيطان يتقن الهجوم والفرار، فيفر إذا سمع الأذان، ويتخذ من ضراطه وسيلة حتى لا يسمع التأذين، ثم يكر إذا انتهى الأذان، فإذا ثوب بالصلاة فر، فإذا انتهى التثويب كر، والشاهد ما ذكره أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)، ( ) وهنا يظهر دور الخبرة المعتمدة على التطبيق العملي للكتاب والسنة في كشف مثل هذه المراوغات وكيفية التعامل معها، وعليه فالدعاء واختيار الآيات ومواءمتها للحالة المتعامل معها سيختلفان من حالة إلى أخرى ومن ظرف إلى آخر، حسب نوع الجن المتعامل معه، وليس فقط حسب نوع الحالة المرضية. نصيحة: فرغم أن المصابين بسحر الربط يرددون الدعاء المسنون عند كل لقاء، إلا أنه لم يمنع الشيطان من تنفيذ ما قدره الله لقوله تعالى: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 102]، وهذا الفشل ملاحظ في حالات السحر خاصة، لذلك يتدخل الشيطان في بعض حالات المس فيصنع سحرًا بنفسه للزوجين، ليتحول المس إلى سحر، لذلك فدائمًا ما أتعامل مع جميع حالات المس باعتبارها سحرًا، لأن السحر دين الشيطان، وهو الذي يعلمه للإنس، إذًا فالمعالج يتعامل مع الجن وليس مع الدور الذي يقوم به الجن فقط، لذلك لا نستطيع أن نطلق مسمى طريقة علاج سحر التفريق، أو طريقة علاج سحر الربط، فربما نجحت الطريقة في وقف الخادم عن تنفيذ ما هو موكل به، لكنه لا يزال قابعًا في الجسد، لتتعامل مع الحالة باعتبارها صارت مسًا وليس سحرًا، وهذا أمر آخر بحاجة لخبرة المعالج وعمق دراسته لحياة الجن والشياطين، بعيدًا عن سطحية فهم النصوص، وأخذ الأدلة الشرعية ليس بمجرد الظاهر، ولكن بربطها بعضها ببعض، للحصول على الاستنباطات التي تساعد في فهم عالم الجن، واكتشاف سبل العلاج المختلفة. نصيحة: اتصلت بي هاتفيًا أخت تجاوزت الأربعين من عمرها ولم تتزوج بعد، وبعد أسئلة مطولة تجاوزت الساعة تتبعت التسلسل المنطقي لحالتها، فتبين لي إصابتها بمس عشق، وقد يبدو هذا أمرًا عاديًا ومألوفًا ولا يثير الاهتمام، إلا أن هذا الشيطان لم بكن عاشقًا لها، بل كان عاشقًا للأم، والتي كانت بدورها مصابة بالمس، وبعد وفاتها انتقل من الأم إلى الأخت الكبرى المصابة أيضًا بالمس، ومنها كان ينطلق إلى جسد الأخت الصغرى صاحبة الشكوى، فصنع هذا الخبيث لنفسه سحرًا ربطه بجسد الصغرى، وبعد ذلك أقر بأن موقع هذا السحر في رحمها تحديدًا، فلما كانت الأخت الكبرى تشعر بالتعب كان المعالجين يقرؤون عليها، وعندها كان بجذبه السحر إلى جسد الأخت الصغرى، فينصرف المعالجين عن الأخت الكبرى مرغمين، لأن النتائج سلبية، فلم يكن هناك شيء يحضر عليها، فينصب اهتمامهم على الأخت الصغرى، فإذا تعبت الصغرى وقرأ عليها لم يتأثر بالرقية، لأنه في حالة الخطر يفر منها إلى مخزنه الأصلي في جسد الأخت الكبرى، يقوي نفسه ثم يعود يراوغ المعالج، وهكذا كان يتلاعب بالمعالجين فيصرفهم عن الأخت الكبرى الأولى بالعلاج، وهكذا فشل علاج الأختين حتى قاربت الأخت الصغرى من سن اليأس ولم تتزوج. وقد أقر الشيطان بهذه الحقيقة تحت ضغط شديد من الدعاء عليه، بعد أن عجز المعالجين على فهم حالتها على مدار سنوات من رصيد عنوستها، ولا أقول أنهم فشلوا في علاجها، فالعلاج لم يكن قد بدأ بعد، لذلك فأن يخفق المعالج في العلاج خير من يخطأ في التشخيص، وعندما شرحت لها حقيقة حالتها، صرخ الشيطان صرخة مدوية عالية نحيت بسببها سماعة الهاتف بعيدًا عن أذني، بينما ألقى الخبيث السماعة بعد قطعه سلك الهاتف، ثم جلس بعيدًا في ركن البيت يبكي ويصرخ، لأن الله هداني فكشف لعبته، والتي ربما كلفته ثمنًا باهظًا، وضاع منه الأمل في أن يلبسه إبليس التاج، وهرب بصاحبة الشكوى وسيطر عليها نتيجة لتفريطها في دينها، رغم التزامها الظاهر الذي تخفق له القلوب، فما حيلتي معها؟! ( ) ومثل هذه الحالة بحاجة إلى علاج الأختين معًا في جلسة واحدة للسيطرة على حركة هروب هذا الشيطان، وحصره على الجسد الذي يعد المخزن الأصلي، وهنا تأتي أهمية العلم والخبرة المدروسة في علاج المس والسحر، وهذا بحاجة إلى مؤلفات ومجلدات ضخمة، وليس الأمر باليسير. وهذا طرف من مصنفي بعد التعديل والإضافة (للطبعة الثانية) منه وهو بعنوان
حمل كتاب نصائح لعلاج الحائرين من فضائح السحر ومس الشياطين بالضغط هنا
المصدر: منتـدى آخـر الزمـان
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|